جمال الشناوي يكتب: قواعد بناء الجمهورية الجديدة 1

جمال الشناوي
جمال الشناوي

حيرة كبيرة لمن يكتب في هذه الأيام.. الأحداث متسارعة.. كسرعة عوده ولاية قندهار إلى السطح، بعد عشرين عاما من غزو القوى الأعظم في العالم لأفغانستان.. قدم الجيش الأمريكي 23 ألف قتيل وتريليونات الدولارات.. كانت تكفى لتحويل أفغانستان إلى سويسرا أخرى.

بعض مفسري الأحلام السياسية في مراكز التفكير عبر العالم يرونها لعبة جديدة.. لتتحول أفغانستان إلى مخزن للإرهابيين المغادرين للشرق الأوسط، بعد انتهاء مهمتهم في تفتيت بعضا من دولها.. والهدف الجديد المتوقع هو استخدام هؤلاء المتطرفين كخنجر في خاصرة الصين وروسيا مستقبلا .

عندما تشرع في الكتابة كثيرا ما تهاجمك فكرة تلاحقها أخرى.. وتكون النتيجة ألا تكتب أيا منها وربما لا تكتب نهائيا .

كنت شاردا وأنا أتابع حديث الرئيس السيسي عبر الشاشات أثناء افتتاح مشروعات سكنية جديدة.. حسم الرئيس ووضوحه وجرأته في التشخيص المبني على حقائق العلم.. ذكرني بمشهد من حوار قديم للمشير عبد الغنى الجمسي.. آخر وزير للحربية في مصر.. والرجل يشرح مكونات الدولة وضرورة تعظيم مقدراتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.

زعيم آخر تذكرت ما كتبه وهو يتولى المسئولية في بلد غارقة تحت خط الفقر، وتحولت ماليزيا في عهده إلى أحد النمور الاقتصادية في شرق آسيا .

أولى خطوات رئيس الوزراء كانت كتابا صادما لناخبيه وشعبه.. عدد فيه كل سلبيات المجتمع.. التواكل.. الاعتماد على الحكومة.. الكسل وعدم حب العمل.. كان تشخيصا شجاعا لـ«مهاتير محمد» لكل الأمراض التي ألقت بماليزيا إلى غياهب التخلف والفقر .

الرئيس السيسي يرسي حاليا قواعد بناء الجمهورية الجديدة وكان الرجل واضحا من اليوم الأول في حديثه للشعب، لم يخادع ولم يداعب مشاعر الجماهير، دراسات واستشارات تتكدس يراجعها، واجتماعات يحاولون فيها تأجيل الحتمي وأظن أن الرد الدائم للرئيس أنه سيقدم على الصواب والحل العلمي، دون مراعاة لدغدغة مشاعر الجماهير أملا في شعبية لا يحتاجها المخلصون من يعملون لبلادهم وليس لمصالحهم الشخصية .

كل مشكلات مصر كانت مؤجلة منذ عقود، فحاول السادات ولم يستطع خوفا من ضياع الشعبية.. وهو الخوف من سكن قصر الحكم في مصر حتى ما بعد يناير 2011.. ولم أصدق نفسي وأنا أستمع لبيان 3 يوليو 2013.. أشرف وأجرأ وأعظم قرار للقائد العام للقوات المسلحة متجردا من كل مصلحة شخصية متنازلا عن كل مكاسب خاصة، كان يمكن تحقيقيها بقليل من ألاعيب السياسة .

أذكر أن وزيرا سابقا في حكومة الببلاوي لاحقته الشائعات بعودته إلى حمل ذات الحقيبة الوزارية.. ولم يحدث.. فتحدث إليه صديق للتخفيف عنه، لكن الرجل كان غير حزين على عدم عودة إلى الوزارة.. وقال الرجل: أنا لأصلح لهذا الرتم السريع من العمل.. اعتدت طيلة حياتي على الاستيقاظ ظهرا، لكن هذه الحكومة تتلقى أحيانا تكليفات رئاسية منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل .

المهم ونحن نشهد التحرك القوي لإرساء قواعد الجمهورية الجديدة، علينا أن ننتبه إلى ما تحدث به الرئيس عن بناء الإنسان.

والإنسان هو الأساس المكون لقواعد الدولة.. أي دولة.. وأيضا هو الوسيلة التي تسمح للآخر بالتدخل في شئوننا.

سأتحدث عن حقوق الإنسان، وفلسفة مصر لها، وأتمنى أن تضع الدولة قواعد جديدة لحقوق الإنسان.. فكثير من الدول ضاعت بسبب تبديل الأولويات والقواعد.. ولنا في دول شقيقة وجارة دروس وعبر .

ليست الديمقراطية سلعة قابلة للتصدير إلى موانئ الدول وإعادة تركيبها على دول بعينها.. أشهر حوادث تفكيك الدول كانت عبر استخدام خاطئ لأحد جوانب حقوق الإنسان.. فماذا يفيد حق التعبير أمام الحق في الحياة.. وماذا يفيد مشردا صراخه اعتراضا أو موافقة، وهو بلا سكن يأويه .

فلسفة حقوق الإنسان التي تحدث عنها الرئيس السيسي بشجاعة في قلب أوروبا وحتى أمام قادتها في شرم الشيخ.. لابد لمصر من صياغتها من جديد دون إغفال الحقوق الشخصية طبعا، لكن علينا ترتيب الأولويات.. وصناعة أجندة خاصة بنا، فمثلا الغرب يمنع عقوبة الإعدام.. وديننا يحض على القصاص وأن العين بالعين.. فكيف يطيع المسلمون الغرب ويعصون دينهم .

قواعد أخرى كثيرة تستند على دين وتقاليد شعوب تتصادم مع رؤية الغرب.. وبالتالي أتمنى من الحكومة التي تخصص ميزانية لمجلس يغط في نوم عميق اسمه «المجلس القومي لحقوق الإنسان».. لا أذكر له نشاطا منذ أعوام ولم أسمع بنقاش واحد دار حول أي قضية، رغم انتظام مخصصاته المالية وامتيازات أعضائه، ولا أعرف كيف لإنسان ينشد الحق والعدل يقبل ذلك مالا دون عمل.

أخيرا.. أتمنى من الحكومة تكليف متخصصين لتحويلة الفلسفة المصرية العادلة والجديدة لمفهوم حقو ق الإنسان الأكثر عدلا وتناسبا مع ظروف مجتمعاتنا الشرقية.. وممكن لنا تشكيل تحالف من دول عربية وشرق أوسطية لإقرار الأجندة الجديدة لحقوق الإنسان، التي لا تختلف كثيرا عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. ولكن بأولوياتنا.. الحق في النجاة من القتل على أيدى إرهابيين أكثر أهميه من توفير الحق للقاتل في اطلاق الرصاص، ومنح الضحية حق الصراخ .

لابد أن تكون لنا رؤية مكتوبة وأجندة جديدة تناسب عقيدتنا وتقاليدنا.. ويمكن لحظتها حشد تأييد من دول كبرى كالصين وروسيا وغيرها لإقرارها عبر الأمم المتحدة التي لا يمتلك فيها الغرب حق الفيتو .

بعد أسابيع وتحديدا في ديسمبر المقبل ستدشن الولايات المتحدة الأمريكية جولة جديدة من استخدام ذات السلاح عبر مؤتمر عالمي لمناقشة حقوق الإنسان في العالم وسيتجاهلون ما جنته أيديهم من دمار في بلاد كثيرة مازالت تحمي الحق في القتل قبل الحق في الحياة .

أسرعوا فالعالم يشهد وسيشهد متغيرات جديدة وإعادة رسم خريطة القرن الجديد ..

أسرعوا وسارعوا لـ«تحيا مصر» حرة قوية.