عصفور اسكندرانى

هشام مبارك
هشام مبارك

 - مش حاتيجى بقى يا إتش نزور أبو ذكرى فى اسكندرية؟
- ياريت والله ياعمدة ده أنا نفسى أزوره من زمان.
- خلاص حارتب يوم وأقولك عشان فيه كذا حد عايز ييجى معانا.
- تمام اتفقنا وياريت يكون يوم خميس، إنت عارف أ بو ذكرى مش حايسبنا نرجع فى نفس اليوم وأهى فرصة نقضى معاه ليلة فى إسكندرية.
منذ أكثر من ثلاث سنوات تقريبا وهذا الحوار يدور بينى وبين الصديق عماد المصرى بشكل شبه أسبوعى، ثم تأخذنا دوامة العمل والحياة، ونؤجل تلك الزيارة المنشودة، حتى فوجئت بمحمد أبو ذكرى منذ أيام يطرق باب مكتبى فى خفة عصفور إسكندرانى طار لتوه من على شط المالح، فداعبته قائلا:مش كنت تصبر ياجدع إنت لما نجيلك أنا وعماد المصرى اسكندرية،أديك ضيعت علينا ليلة جميلة ،فيضحك قائلا:ما انتوا اتأخرتوا كتير عليً،ثم ياسيدى ولا يهمك أدينى جيتلكم بنفسى عشان آخدكم ونطلع اسكندرية سوا.
لم يكن أبو ذكرى يضرب الودع ولا يوشوش أصداف بحر إسكندرية معشوقته ولكن كان يرى تلك الرحلة حقيقة،فقد عاد ليصطحبنا فعلا للإسكندرية وها نحن ثلة من أصدقائه وزملائه وتلاميذه بالفعل فى طريقنا بصحبته للإسكندرية،لا لنتناول طعام العشاء سويا فى بحرى ثم احتساء الشاى فى كامب شيزار، بل لتوديعه الوداع الأخير فى ليلة أسأل الله أن تكون أسعد لياليه بعيدا عن صخب الحياة والصحافة وضجيجها وزحامها وصراعاتها التى لا تنتهى.
كنت دائما أشعر بأن محمد أبو ذكرى ليس شخصا واحدا،ففى الوقت الذى يؤكد لى أحد الأصدقاء بأنه كان بصحبته فى كرموز بالإسكندرية،كان أحدهم يقسم لى بأنه تركه منذ لحظات على مقهى فى السيدة زينب،ويؤكد آخر أن أبو ذكرى وصل لتوه إلى روض الفرج،بينما يقول رابع أن كل ذلك ليس صحيحا وأن أبو ذكرى فى مكتبه بالأخبار دخل فى غيبوبة إبداعية ستنتج لنا مقالا متميزا فى فكرته ومفرداته وقاموسه الخاص الذى لا يجاريه فيه أحد.ألم أقل لكم أن أبو ذكرى كان عصفورا اسكندرانيا لا يستقر على شط ولا يرتاح له بال إلا عندما يتحدث عن حبيبته وقرة عينه التى اسماها نورا وكانت عيناه تغرورق بالدموع وهو يقول انها النور الذى أضاء حياته.
رحمك الله يا أبو ذكرى وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة وكل العزاء لنور وأمها ولنا جميعا نحن أصدقاؤك ومحبوك وقراؤك ..إنا لله وإنا إليه راجعون.