إنها مصر

الإخوان وبحور الدماء «1 – 4»

كرم جبر
كرم جبر

لم يكن أحد يظن، أن الشاب الذى جلس مع بعض رفاقه على أحد المقاهى بالإسماعيلية مرتدياً البدلة والطربوش، سيكون مؤسساً لأكبر خلية سرية للعنف فى مصر، فى القرن العشرين.

كان ذلك فى شهر مارس 1928، ولم يكن حسن البنا قد تجاوزعامه الثانى والعشرين، وعندما سأله رفاقه عن اسم الجماعة السرية، قال لهم (ألسنا مسلمين، إذن فنحن «الإخوان المسلمون»).

وأذاقت تلك الجماعة هذا الوطن كل صنوف العنف، وكانت الحبل السرى الذى نقل عصارة الإرهاب، إلى سائر الجماعات الدينية الأخرى سواء التى انفصلت عن الإخوان، أو التى خرجت من تحت عباءتهم.. ودفعت مصر ثمناً فادحاً من أرواح ودماء أبنائها، بسبب الرغبة المجنونة فى اعتلاء كرسى السلطة بأى ثمن.

دستور تلك الجماعة الذى وضعه حسن البنا، وأسماه البعض «خلطة الوصول إلى السلطة»، يتضمن ثلاثة عناصر رئيسية: القرآن والسيف والسياسة.. وباسم الإسلام ارتكبوا جرائمهم الكبرى.
وقد كان شعار الجماعة منذ البداية «سيفان بينهما مصحف».

وفى عام 1928، لم يكن أحد فى مصر يعلم شيئاً عن تلك الجماعة أو مهتماً بها.. فقد كانت البلاد تستعد للاحتفال بعيد ميلاد الملك فؤاد، وكان مصطفى النحاس سعيداً جداً بتشكيل أول وزارة تمثل حزب الوفد بعد استقالة عبد الخالق ثروت باشا.. وكان شيوخ الأزهر مشغولين بنظام الوقف.. ولم يلتفت أحد لنشاط حسن البنا الذى بدأ يتسع ليشمل معظم محافظات الوجه البحرى وامتد إلى تأهيل «الأخوات المسلمات».

وفى أكتوبر 1932 انتقل حسن البنا إلى القاهرة وأصدر مجلة أسبوعية باسم «الإخوان المسلمين»، وأسس فروعًا للجماعة فى معظم المحافظات المصرية حتى وصل عددها إلى 120 جمعية، وجُمعت التبرعات لحساب الشيخ وبطانته.. ولأن السياسة هى الطريق إلى السلطة، فقد بدأ الشيخ اللعب على كل الأحبال والقوى السياسية.. الملك والإنجليز والأحزاب والوفد وضباط الجيش.

فقد اعترفوا لأول مرة فى مؤتمرهم الخامس الذى انعقد سنة 1932 بدخول ميدان العمل السياسي، وكانت المعادلة الصعبة التى تواجههم هي: الوفد أم الملك هو الذى يمهد للجماعة المشتاقة إلى السلطة اعتلاء كرسى الحكم؟، وحسم الخلاف مبكراً بالارتماء فى أحضان القصر، ومغازلة الوفد من بعيد.

واستدعى فؤاد سراج الدين حسن البنا وسأله: «يا شيخ حسن هل أنتم جماعة دينية أم حزب سياسي، لا مانع أن تكونوا حزباً سياسياً بشرط أن تعملوا فى النور ولا تتستروا بالدين، لأنكم إذا رفعتم شعار الحمد لله والله أكبر وعملتم بالسياسة الحزبية، فهذا غير معقول، لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية».

وكان فؤاد سراج الدين على حق، لأنه اكتشف مبكراً أن السيف الذى يرفع على نصله المصحف هو الذى سيقود البلاد إلى فتن كبرى، ولكن حسن البنا خدعه وقال: «نحن رجال دين فقط ولا نفكر فى السياسة».

وقبض الإخوان ثمن تلك الخدعة التى نصبوها للوفد، وكلما حكمت البلاد حكومة موالية للملك زاد فيها عدد الوزراء من الإخوان المسلمين، فى وزارة على ماهر باشا كان لهم ثلاثة وزراء أصدقاء لحسن البنا، وعندما تولى الوفد السلطة بعد حادث 4 فبراير 1942، نفذ الحزب خطة سراج الدين القديمة بتخليص البلاد من أطماع الإخوان وأغلق الشعب الإخوانية فى سائر المدن المصرية، ولم يسمح لهم بمزاولة نشاطهم إلا من خلال المركز العام فقط.
وللحديث بقية ...