مصنع المستنسخات الأثرية.. أيادي مصرية تعيد إبداع الأجداد| فيديو

مصنع المستنسخات الأثرية
مصنع المستنسخات الأثرية

أكثر من 150 فنانا ومرمما للأثار يعملون داخل صرح كبير يدشن لأول مرة في مصر والشرق الأوسط للمستنسخات الأثرية الفرعونية والتي تعد كنوزاً أثرية يأتي إليها الجميع متعطشاً لمعرفة ذلك التاريخ العريق، حيث يحاول المصنع تقديم قطع أثرية صورة طبق الأصل للسائحين لشرائها.

 

بأيادي مصرية يصنع العمال مستنسخات دقيقة وتفصيلية للكنوز المصرية القديمة بأختام مصرية ليرى العالم عظمة الأجداد وكفاح الأبناء..

 

بوابة أخبار اليوم تجول بالمصنع  في جولة لرصد قصص العمال في الأقسام المختلفة :

 

 

5 ساعات بفرشة الوان لاستنساخ اللوحات الأيقونية

لوحة معدنية تحمل أسم قسم التصميم والطباعة بداخلها 4 فتيات كلاً منهن منهمك بالألوان وخلطها ليخرجوا اللوحات الأيقونية الأثرية المستنسخة صورة طبق الأصل، بفرشتها الدقيقة تلون (ريم مختار) العاملة بقسم التصميم لوحتها الأيقونية التي ترجع إلى التاريخ القبطي، في محاولة وضع لمسة جمالية دقيقة بعد طباعتها عبر تقنيات والآلات حديثه لتظهر في النهاية كـ لوحة مشغولة يدوية  "هاند ميد". تخرجت ريم مختار من كلية الفنون الجميلة وعملت كثيراً في مجال التصميم والتلوين حتى انتهى بها المطاف داخل أروقة أكبر مصنع مستنسخات أثرية في مصر والشرق الأوسط.

 

5 ساعات يومياً تقضيها ريم وزميلاتها داخل غرفة التصميم والطباعة تقوم بوضع لمسات جمالية من الألوان على كل مستنسخ أثري بعد طبع الشكل الأثري على خشب أو جلد أو بردي. فخر واعتزاز ريم بالمشاركة في خروج قطع أثرية تضاهي قطع الأثرية الحقيقة يجعلها تعمل على المشاركة في أكثر القطع الأثرية طلباً مثل صندوق الصيد وشبشب توت عنخ آمون تحاول خروج القطعة بما بها من شرخ أو كسر أو صدأ حتى لا تختلف عن الأصل.

تقول ريم : "أكتر مستنسخ اشتغلته وخد وقت كان صندوق الصيد كان جواه تفاصيل كتير، أخد أسبوع فقط وكنت أعمل عليه أنا وزميلتي".

 

مفتون الآثار يحترف نحتها

قسم النحت وهو أهم الأقسام في مصنع المستنسخات الأثرية حيث يتم فيه مراجعة كل تفاصيل المستنسخ الموجودة على التمثال الأصلي والكتابات الموجوده عليه أو الخدوش والكسور ليخرج صورة طبق الأصل.

ينزوي النحات أحمد حسين على مقعدة منفرداً وأمامه قطعة من مادة رمادية الشكل تشبه مادة الصلصال وحديدة معدنية رفيعة يحاول استخراج صورة تشابه صورة التمثال التي يضعها أمامه، لتبدأ ملامح التمثال تظهر رويداً رويداً رأس أبو منجل ذو المنقار الطويل وجسم إنسان يعود إلى تمثال (تحوت)  إله الحكمة  عند الفراعنة ويعتبر من أهم الآلهة المصرية القديمة، واعتبره قدماء المصريين أن هذا الإله علمهم الكتابة والحساب، وترتبط أسطورته بدور الوسيط بين آلهة الخير والشر.

 

أحترف أحمد حسين مهنة النحت في عام 2000 بعدما ساقه شغفه لحب الآثار حتى أصبح من أمهر النحاتين التابعين لوزارة السياحة والأثار، حيث يجلس أحمد 5 ساعات يومياً على كرسيه داخل غرفة النحت ينحت جميع أشكال القطع الأثرية المستنسخة بأحجامها المتفاوته.

 

فكانت البداية باستنساخ تابوت توت عنخ آمون بحجم الطبيعي حيث ظل 6 أشهر يعمل عليه يومياً هو وزملائه 5  بقسم النحت لما له من تفاصيل كثيرة وأجزاء المطعمة بالأحجار الكريمة، ثم توالت بعدها القطع الأخرى.

 

يشرح أحمد قائلاً: مراحل استنساخ القطعة الأثرية بتخلف من تمثال لآخر فبعض التماثيل تأخذ أسبوع وتماثيل أخر رغم صغر حجمها تأخذ 15 يومياً، فنبدأ بمرحلة النحت ثم قالب هالك حصل منه على قطعة واحدة من المنحوتات ثم نسخة الجبس والتي يتم نقش التفاصيل عليها.

 

يستخدم أحمد مواد عديدة في صناعة المنحوتات خبرته بالمجال جعلته أكثر دقة في تحديد أنسب الخامات التي يبدأ بها القطعة دون إهدار خامات وكيف يتم نحتها، بالرغم من أن تمثال تحوت هو تمثال خشبي، لكن قرر نحته أولا بمادة  البليستوسين والتي تحافظ على نعومتها وسهولة تشكيلها طيلة الوقت دون أن تجف لذا كان ذلك الأختيار الأفضل من أستخدام الطين لأن حرارة الجو ستجعله يجف سريعاً ويسبب شقوق لا يمكنه نقش التفاصيل عليه.

 

نعمة ومريم أصغر نحاتين المصنع

على ترابيزة حديدية تجلسان (مريم محمد شريف وصديقتها نعمة حسن ) أصغر نحاتين بالمصنع فلا تتعدى أعمارهم 23 عاماً تخرجوا من جامعة فنون جميلة جامعة المنصورة عام 2020، و ساقهم القدر التقديم على اختبارات العمل بمصنع المستنسخات ليتم الموافقة عليهم بعد النجاح في الكثير من الاختبارات ليصبحوا أصغر شباب المصنع.

 

تستخدم مريم ونعمة مادة الجبس المتناثرة أمامها في استنساخ تمثال حتحور وهي أحد الآلهة المصرية القديمة وكانت من أهم وأشهر المعبودات المصرية، بل ومن أوسعها انتشاراً على الإطلاق وعرفت كربة للموسيقى، والحب، والعطاء، والأمومة.

 

ترى مريم ونعمة أن بدايتهم في العمل قوية حيث بدأوا بما ينتهي بهم زملائهم الكبار وهو العمل داخل صرح كبير للمستنسخات الأثرية التي تباع في جميع أنحاء العالم، بأيادي مصرية وتلامس لمستهم الجمالية أيادي محبي الآثار المنبهرين بما صنعوا.

 

تجلس مريم ونعمة مندمجين في محاولة إنهاء القطع المطلوبة منهن وذلك للأقبال الكبير عليها، حيث عادة ما تأخذ القطعة الصغيرة فترة أول في نحتها بسبب تفاصيلها الكثيرة المرهقة على عكس القطع الكبيرة والتي عادت ما تكون ذات تفاصيل أقل.

 

حلم نبيل يتحقق بخامات عالية الجودة ومعدات تقنية

 

بأيادي مصرية  يقف 4 رجال من صنايعية استنساخ الكميات الكبيرة من القطعة الأثرية في  (قسم الصب والتشطيب) أمام قوالب كبيرة الحجم يحاولون خلط بعض المواد على بعضها البعض لإستخراج قالب صورة طبق الأصل.

 

عمل (عم نبيل) أحد العاملين في قسم الصب والتفنيش 25 عاماً في استنساخ القطع الأثرية بورش غير مقننة رسمياً لخدمة البازارات والسائحين المترددين على المناطق الأثرية، لكن جودة الخامات التي كان يستخدمها عم نبيل طيلة تلك الفترة لم تجعله يتقن عمله بالشكل الذي كان يحلم به بسبب ردائتها، لذا جاء افتتاح مصنع المستنسخات الأثرية في مصر لأول مرة مٌحمل بالمستقبل الذي حلم به عم نبيل طيلة الـ 25 عاماً.

 

ترك عم نبيل وأصدقاءه الورش خاص بهم وتقدموا للعمل داخل ذلك الصرح الكبير الذي يوفر لهم أجود أنواع الخامات من الكالسيوم والبوليستر وبودرة التلج لإنتاج مادة الجيلكوت المستخدمة في قوالب استنساخ الأثر.

 

يقول عم نبيل : الشغل هنا تقني أكثر وخامات عالية الجودة، ويتم تسويقه صح والعالم كله هيشوفه وبيروح أكبر الأماكن زي السفارات والوزارات، أحنا في اليوم ممكن نطلع 100 قطعة مستنسخة.

 

مضيفاً : شغلي  في مجال استنساخ الأثر لأكثر من 25 عاماً في ورش غير مقننة رسمياً ولا معترف به وكان يباع على الأرصفة رغم تعب في القطعة لكن كان شغل بازرات وأرصفة حالياً شغلنا بيتم عرضه في معارض مصرية ودولية.

 

محمد جاد رئيس قسم الصب والتشطيب يقول (لبوابة أخبار اليوم) إن  إنتاج المصنع هذه فترة أكثر بكثير وذلك لعمل كل الأقسام معاً كفريق واحد، حيث يوجد في قسم الصب 5 عمال، بينما 26 عامل يعملون فقط في قسم التشطيب وهو قسم مسؤول عن ازالة الزوائد في المستنسخ الأثري وصنفرته وإزالة أي معجون زيادة به أو ألوان ملطخة.

موضحاً أن تمثال (الجعران) بجميع أحجامه هي الأكثر طلباً في المعارض المصرية والمعارض الخارجية لقيمته الأثرية، بجانب صنع تماثيل من كسر الرخام وخصوصاً في المستنسخات الحجر الأثري.

 

رحلة المستنسخ من التشطيب للتلوين

هنا تنتهي رحلة المستنسخ فجميع القطع الأثرية تذهب لقسم الرسم والتلوين لإعطائها الحياة بالألوان وجعلها صورة طبق الأصل بالألوان الطبيعية. لطالما كان للطيور مكانة ومنزلة كبيرة عند المصريين القدماء، فقد حرص على تصويرها على جدران المعابد والمقابر لما لها من دلالات دينية مقدسة خاصة بالعقيدة المصرية القديمة، وشكلت رمزاً لغوياً للكتابة المصرية الهيروغليفية، وجاءت لوحة الأوز من أشهر لوحات قدسية عند المصري القديم، والتي يحاول قسم الرسم والتلوين استنساخها وتقديمها كهدايا لمحبي الأثر والفن.

أجتمع 4 شباب بمختلف الأعمار على استنساخ تلك اللوحة كلاً منهم تخرج من كلية مختلفة تكمل الكلية الأخرى ما بين فنون جميلة و اثار قسم ترميم تعرفت (تقى محي وسارة صلاح) على بعضهم وانضم إليهم (رأفت النبراوي وأحمد ضاحي)، عمل كلاً منهم في ترميم الآثار المصرية في المتحف الزراعي والكنيسة اليونانية والأزهر وقصر محمد علي والمتحف الحربي لترميم أيقونات ولوحات زيتية و زخارف.

 

في تناغم يحاول الفريق عمل كل رسومات بدقة فائقة فتم توزيع المهام عليهم ما بين رسم الخطوط ورسم الريش وتلوينها حتى تخرج مستنسخ أثري لا يمكن تفريقه عن الأصلي.

 

تجهز هاجر متولي غنيم 26 عاماً حقيبتها يومياً للسفر من محافظة كفر الشيخ إلى منطقة العبور حيث يقع مصنع المستنسخات الاثرية، للعمل بقسم الرسم والتلوين.

 

حب هاجر في قسم الترميم والأثار جعلها تحضر الماجستير بجامعة القاهرة، لذا انتهزت فرصة نزولها يومياً إلى القاهرة للالتحاق بالعمل، ولكن اختبارات مهمة مختلفة عن باقي أقسامها وهي تحضير بودر من خامات وألوان مختلفة لتعطي القطعة الأثرية المستنسخة تقادم لتظهر كما لو كانت من العصور القديمة.

 

إيمان صابر مديرة إدارة الرسم والتلوين  تقول أن نهاية المستنسخ تكون في هذا القسم حيث يتم تلوينه على حسب الالوان الموجودة بالقطعة الحقيقة، وعمل الكسور والشروخ التي توجد في التماثيل حتى لا تختلف عن الحقيقة وتكون نفس التأثير.

 

تطوع إيمان صابر وفريقها المكون من 26 عامل، جميع خامات الألوان لخدمة المستنسخ الأثري وتستخدم ألوان الاكريليك وألوان الزيت و الوان جواش والأكاسيد وورق الذهب وبعض الدهانات حتى تخرج تمثال بالألوان الطبيعية

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي