كنوز الأميرة :العبث بالجينات الوراثية بدأ قبل 50 عاماً

انجاب الأطفال بمواصفات «حسب الطلب»!

انجاب الأطفال بمواصفات «حسب الطلب»!
انجاب الأطفال بمواصفات «حسب الطلب»!

كتب : أحمد الجمَّال

تحفل أعداد أميرة المجلات «آخرساعة» منذ عقود طويلة بموضوعات شائقة، ربما طاولها غبار الزمن، لكنها لا تزال تحمل رائحة العبق، وحين يقع تحت يدك عددٌ عتيق منها فهو بمثابة كنز يلقى هالة ضوء على مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة، بل وتاريخ مصر عموماً فى ذلك الوقت. وفى السطور التالية نستعرض «كنوز الأميرة» وما فيها من صفحات الماضى الجميل منذ أعوام وأعوام قبل أكثر من نصف قرن من الزمان.

 

فى نوفمبر 2018 زعم علماءٌ صينيون أنهم ساعدوا فى توليد أول أطفال فى العالم تمت هندستهم جينياً، إذ عدلوا الحمض النووى (دى إن إيه)  لتوأم باستخدم أداة جديدة فى إعادة كتابة الشفرة الوراثية لهما قبل الولادة.. وبخلاف الجدل الدينى الذى رافق هذا الإعلان الخطير، اعترض علماء كُثر حول العالم على هذا الإجراء من منطلق إدانة التجارب البشرية، وعبروا عن مخاوفهم من تعرُّض الجينيات البشرية للخطر.

 

وقبل نحو خمسين عاماً، نشرت «آخرساعة» تقريراً عن توصل علماء أمريكيين إلى فصل أنواع معينة من الجينات فى الإنسان، وكان التساؤل الأبرز وقتذاك: ألا يمكن أن تكون الهندسة البشرية عملاً ضاراً؟.. وفي السطور التالية نعيد نشر تفاصيل ذلك التقرير بشكل مختصر:

 

توصل ثلاثة علماء للمرة الأولى فى تاريخ البشرية إلى فصل أنواع معينة من الجينات أو حاملات الصفات الوراثية فى الإنسان.. فهل يعني هذا الاكتشاف أنه يمكن الوصول إلى إنتاج أطفال بصفات محددة؟!

 

 

العلماء الثلاثة فى جامعة هارفارد، هم جيمس شايرو، وفورانس إيرون، وجونانان بكويت، استطاعوا فصل أنواع معينة من الجينات الوراثية، وأكدت الدوائر العلمية أن هذا الاكتشاف هو البداية لما يسمونه «الهندسة البشرية»، أو بداية «صُنع الإنسان» طبقاً لمواصفات محددة، وقالت الدوائر العلمية إن هذا الاكتشاف سيؤدى بنا إلى صنع إنسان طويل بالولادة الطبيعية العادية، وإنسان قصير، وثالث مفتول العضلات، ورابع أبيض البشرة، وخامس أسود اللون.. وهكذا.. كما تريد أو كما يريد مهندسو البشر!

ومع الاكتشاف الجديد، ثارت عدة تساؤلات: ألا يمكن أن تكون الهندسة البشرية عملاً ضاراً؟ ألا يمكن أن تؤدى إلى أخطار تهدّد الحياة البشرية؟

إن العلماء الثلاثة يحذرون من أن كشفهم الجديد يمكن أن يستخدم لصالح البشرية، أو العكس، وكان هذا التحذير مبعث قلقٍ شديد فى عدد من الدوائر التى لم تجد له تفسيراً سوى أن تقول إن هؤلاء العلماء يعرفون ما لا يعرفه الآخرون.

مفتاح الهندسة البشرية

وصفت مجلة «لايف» الأمريكية، الأبحاث الجديدة، بأنها مفاتيح تؤدى إلى كشف ألغاز الحياة، فعن طريقها سيتمكن الإنسان من تعديل الصفات الوراثية فى الإنسان والحيوان والنبات.. ولكن ما هى قصة الجينات؟ لقد صدر أخيراً كتاب عنوانه «Jenetles and man» يشرح قصة الجينات والعوامل الوراثية منذ فجر التاريخ، تأليف سيريل دين دارلنجتون، الذى أمضى أربعين عاماً فى دراسة الجينات.

يحدثنا دارلنجتون فى الفصل الأول عن الأفكار القديمة حول الجينات، فيقول: من العجيب أن معظم المعتقدات القديمة حول موضوع الصفات الوراثية كان مخالفاً تماماً لما أثبته العلم فيما بعد، ففى الفترة التى عاش فيها أرسطو كان هناك اعتقاد بأن الطفل الوليد يأخذ مادته من الأم، بينما يأخذ حركته من الأب، وكان هناك رأى آخر يقول إن المرأة لا تسهم فى الطفل الوليد بنفس نسبة إسهام الأب، والدليل أن الحمل يتم دون أن يكون من بين شروطه استمتاع المرأة.

وفى أيام أرسطو أيضا كانت هناك مناقشات محتدمة حول طريقة تحديد نوع الجنين، ولماذا تُرزَق أمهات بالبنات، وآخريات يرزقن بالبنين. ورغم ما عرفه الناس خلال تلك الفترة من أن الرجل هو المسئول عن إنجاب البنين أو البنات، وأن الأم لا دخل لها بهذا، فإنهم قالوا إن الذكور تأتى من إحدى خصيتى الرجل، بينما تأتى البنات من الخصية الثانية، ولكن أرسطو كان أول من أشار إلى حقيقة أن الطفل يحمل صفات آبائه وأجداده، وأن البنات هى الأخرى تنتقل منها الصفات الوراثية من جيل إلى جيل.

السر بعد التلقيح

كل هذه الأفكار اختفت مع وصول البشرية إلى عصر جديد يسميه المؤلف فى الفصل الثانى «عالم الميكروسكوب» الذى لم يكن وسيلة فحصٍ فقط، بل كان بداية لتفكير بالأسلوب العلمي.

وكان أول اكتشاف هام حول الجينات والوراثة فى هذا العصر العلمى الجديد، هو ما توصل إليه عالمان هولنديان عاشا فى مدينة «دلفت» عام 1672، فقد توصل العالم الأول رجنيير دى جراف، وهو جراح صغير، إلى أن الأم تقوم بدور أساسى فى عملية الولادة والإنجاب، فكان أول من اكتشف أسرار البويضة فى الأنثى وتركيبها، ورحلتها ودورتها الشهرية، ونموها فى حالة التلقيح داخل الرحم.. وكان أيضاً أول من تابع الأسرار الغريبة التى تمر بها البويضة بعد التلقيح، ومع الاكتشاف المثير للبويضة ثارت تساؤلات جديدة: لماذا لا تكون هذه البويضة هى الوعاء الذى يحتوى كل أسرار الإنسان، وكل صفاته الموروثة؟.. ثم جاء الاكتشاف الثاني، الذى توصل إليه بعد ثلاثة أعوام شخص من نفس المدينة اسمه أنتونى فان لونيهوك، وكان بعيداً عن الطب والعلم، لقد كان رجلاً يبيع الحرير والخمور وأخشاب المباني، لكنه كان يتميز برغبة ملحة فى المعرفة وحب جارف للاطلاع، ووهب نفسه للبحث، فراح ينفخ فى الزجاج ليصنع منه وهو ساخن أشكالاً مختلفة، ثم ليصنع منه العدسات، أو ما سماه «العيون القوية» التى تكبِّر الأشياء الصغيرة، وأخذ يدقق النظر فى العديد من الأشياء الصلدة والسائلة والجامدة واللينة، وكان من بين الأشياء التى دقق لوينهوك النظر فيها السوائل المنوية.

واكتشف هذا الهاوى الهولندى أن هذه ليست سوائل مجردة، بل إنها تحوى داخلها ما سماه بـ«الحيوانات» ذات الحياة والحركة والنشاط، والتى يصل سمك رأس الحيوان الواحد منها إلى أقل من 1 على ألف من البوصة، فكتب بحوثاً عن اكتشافه الذى سماه Animaleules وأرسلها للجمعية الماركسية فى لندن، وردت الأخيرة عليه بأن اكتشافه أحدث ثورة فى علم الوراثة، وأنه أصبح عضواً فى الجمعية الملكية فى لندن.

وبـعــــد الاكتشـــــــافـــين المثــيـــريـــن لـ«دى جـــــراف» و»لوينهوك»، جاءت فترة طويلة من الخمول لم يسجل خلالها العلم أية خطوة نحو الاستفادة من الاكتشافين فى مدلولاتهما.. ولعل ما يثير الدهشة أن لوينهوك استمر فى أبحاثه وكتب مرة يقول إنه شاهد من خلال فحصه للسائل المنوى بالميكروسكوبات أن هناك نوعين من الحيوانات أحدهما مسئول عن إنجاب الذكور، والآخر مسئول عن إنجاب الإناث.. وهذا الكلام صحيح علمياً، لكن العلماء لم يستطيعوا حتى الآن التمييز بين الحيوانات المذكرة والمؤنثة، رغم كل التقدم الذى وصل إليه البحث العلمى ووسائل الفحص الذرى والإلكتروني.

داروين وأسرار الوراثة

ثم تأتى فترة اكتشاف الإنسان للجينات، ومعرفته بعض أسرارها.. تلك الفترة هى التى أجرى فيها منديك وداروين أبحاثهما حول هذه القضية الهامة.. ويقدم لنا المؤلف صورة لذلك التناقض الواضح بين أكبر اثنين ممن اكتشفوا أسرار الجينات وهما داروين ومنديك.

داروين كان يضع نتائج يبحث لها فيما بعد عن أسانيد تؤكدها، وكان لآرائه التى نشرت عام 1859 دوى هائل رغم أنه كان يؤمن بالأسلوب العلمى كمنهج دون أن يتمتع بالدقة التى يحتاجها هذا الأسلوب. أما منديك فأفكاره محددة، وأسانيده الرياضية والعلمية مقنعة وأسلوبه فى البحث يتسم بالدقة وعدم القفز إلى النتائج.. ولكن آراءه لم يكن لها أى رد فعل فى الأوساط العلمية ولم تحظ بالاهتمام الكافى فى حينها، وقد وضع جدولاً رياضياً حدّد فيه أساليب واحتمالات انتقال الصفات الوراثية.

ثم يتحدث المؤلف فى الفصل التالى عن كلمة الجينات GENS، ومتى عرفها الإنسان لأول مرة، فيقول إن العالم الدنماركى ولهلى جونسون كان أول من اكتشف الجينات وسماها باسمها وكان ذلك فى الفترة ما بين 1906 و1909. وقد درس جونسون عمليات التلقيح ذاتها فى النباتات وكان اهتماماً شاملاً بالظروف البيئية مع الظروف الوراثية معاً وأثرها فى نشأة الكائن الحي.

هذه هى الجينات؟

جونسون قدّم تعريفا لها فقط، ولكنه لم يتمكن من الوصول إليها أو الإمساك بها، أو تحديد صفاتها أو العثور عليها فى المعمل، حتى جاءت الاكتشافات الأخيرة مع طلائع سنة 1970.

وفى نهاية الكتاب يقول المؤلف إن تحديد الحياة.. والجينات والكروموسوم والبلازماجينز والفيروسات أصبح الآن فى متناول الإنسان، فنحن الآن نعرف أسرار حركة هذه الأشياء داخل الخلية وأثرها فى الوراثة والنمو والتطور والعدوى والنمو فى جسم الحيوان والإنسان.

وأخيراً إذا كان الإنسان قد اكتشف الوراثة، فإن على الوراثة أن تكشف لنا الإنسان.. علينا أن نسخِّر معلوماتنا فى الوراثة والجينات إلى ما يؤدى بنا إلى المزيد من معرفة الإنسان نفسه.

المصدر : مجلة آخر ساعة