الصوابية السياسية تقرأ الأدب

الصوابية السياسية تقرأ الأدب
الصوابية السياسية تقرأ الأدب

 كتب :نائل‭ ‬الطوخى

فى‭ ‬أوائل‭ ‬الشهر‭ ‬الحالي،‭ ‬نشرت‭ ‬المترجمة‭ ‬والناشطة‭ ‬السياسية‭ ‬إلهام‭ ‬عيداروس‭ ‬منشورًا‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬فيسبوك‭ ‬سيُقدر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يقلب‭ ‬صفحات‭ ‬المثقفين‭ ‬فى‭ ‬الأسابيع‭ ‬التالية‭.‬

عدّد‭ ‬المنشور،‭ ‬والتعليقات‭ ‬المؤيدة‭ ‬له،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الذكورية‭ ‬فى‭ ‬قصائد‭ ‬أحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجم،‭ ‬ولكن‭ ‬الاستشهاد‭ ‬المركزى‭ ‬فيه‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬عالمحطة‮»‬،‭ ‬والتى‭ ‬تصوّر‭ ‬مشهدًا‭ ‬تمثيليًا‭ ‬لحادثة‭ ‬تحرش‭ ‬تدور‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬الأوتوبيسات،‭ ‬وترد‭ ‬فيه‭ ‬جملة‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬يعنى‭ ‬الكون‭ ‬هيخرب،‭ ‬لو‭ ‬فقير،‭ ‬يلهط‭ ‬له‭ ‬لهطة؟‮»‬

‮«‬اللهطة‮»‬‭ ‬المقصودة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬بالطبع‭ ‬هى‭ ‬لهطة‭ ‬من‭ ‬جسم‭ ‬المرأة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجملة،‭ ‬التى‭ ‬تصوّر‭ ‬المرأة‭ ‬كغنيمة‭ ‬فى‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي،‭ ‬لا‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الشاعر‭ ‬فى‭ ‬القصيدة،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أسطى‭ ‬من‭ ‬الأسطوات‭ ‬فى‭ ‬المشهد‭ ‬الذى‭ ‬ألّفه‭ ‬نجم،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬صحّحوا‭ ‬لعيداروس‭ ‬هذه‭ ‬المعلومة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المنشور‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬حفّز‭ ‬الكثيرين‭ ‬لكتابة‭ ‬منشورات‭ ‬أخرى‭ ‬تعدّد‭ ‬نماذج‭ ‬لـ«ذكورية‭ ‬أحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجم‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬بيته‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬هما‭ ‬الفيلا‭ ‬والعربية‭ ‬والنساوين‭ ‬المتنقية‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بآخرين‭ ‬من‭ ‬محبى‭ ‬الشاعر‭ ‬الراحل،‭ ‬فى‭ ‬هجمة‭ ‬مرتدة،‭ ‬لاتهام‭ ‬المنتقدين‭ ‬بعدم‭ ‬فهم‭ ‬المجاز‭ ‬وبمحاكمة‭ ‬الماضى‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬الحاضر‭: ‬الوعى‭ ‬النسوى‭ ‬وقتها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بهذا‭ ‬التبلور‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭. ‬ما‭ ‬تفعلونه‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬محاكمة‭ ‬الإبداع‭ ‬بأثر‭ ‬رجعي‭. ‬

لجأنا‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الشباب،‭ ‬لنعرف‭ ‬رأيهم‭ ‬فى‭ ‬محاكمة‭ ‬إبداع‭ ‬العقود‭ ‬السابقة‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬أيامنا‭ ‬الآن،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬محاكمة‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأوفق،‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انبرى‭ ‬كتّاب‭ ‬ممن‭ ‬سألناهم‭ ‬للتعبيرعن‭ ‬عدم‭ ‬ارتياحهم‭ ‬لها‭

 

بدأ‭ ‬الروائى‭ ‬شادى‭ ‬لويس‭ ‬بطرس‭ ‬برفض‭ ‬الكلمة‭ ‬لأنها‭ ‬تغلق‭ ‬النقاش‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ،‭ ‬وتعطى‭ ‬انطباعًا‭ ‬بمحاكم‭ ‬التفتيش‭ ‬وحرق‭ ‬الكتب‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬خاصة‭ ‬ألا‭ ‬أحد‭ ‬يريد‭ ‬محاكمة‭ ‬الأدب،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬نظره‭ ‬هو‭: ‬اهل‭ ‬يمكن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأدب‭ ‬القديم‭ ‬بمعايير‭ ‬اليوم؟،‭ ‬وهو‭ ‬السؤال‭ ‬الذى‭ ‬سيرد‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬فوره‭ ‬قائلًا‭: ‬اما‭ ‬المشكلة؟‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬نحن‭ ‬نتكلّم‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬لأناس‭ ‬غير‭ ‬أحياء،‭ ‬وبالتالى‭ ‬فهى‭ ‬ملكنا‭ ‬وميراثنا‭.‬

المثال‭ ‬الأثير‭ ‬لبطرس‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬المخطوطات‭ ‬القديمة،‭ ‬التى‭ ‬نستطيع‭ ‬رؤية‭ ‬أثر‭ ‬الزمن‭ ‬عليها،‭ ‬ممثلًا‭ ‬فى‭ ‬الإضافات‭ ‬والتفسيرات‭ ‬التى‭ ‬وضعتها‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة‭ ‬فوق‭ ‬صفحاتها‭: ‬امعظم‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬قديمة‭ ‬هو‭ ‬مجهود‭ ‬أجيال‭ ‬كاملة‭ ‬تتراكم‭ ‬فوق‭ ‬بعض،‭ ‬ببساطة‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬تراثنا‭ ‬ومن‭ ‬حقنا‭ ‬التعليق‭ ‬عليه‭ ‬كما‭ ‬نريد،‭ ‬تنقيحه‭ ‬وتذييله‭ ‬بالهوامش‭ ‬والتعليقات‭.‬ب

هل‭ ‬نخاف‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬التنديد‭ ‬بالعبودية؟

بالمثل،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة،‭ ‬يعبّر‭ ‬الروائى‭ ‬أحمد‭ ‬عونى‭ ‬عن‭ ‬قلقه‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬كلمة‭ ‬امحاكمةب،‭ ‬حيث‭ ‬المحاكمات‭ ‬تؤدى‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬البراءة‭ ‬أو‭ ‬الإدانة،‭ ‬وبالتالى‭ ‬فقد‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬الإبداع‭ ‬أو‭ ‬إيذاء‭ ‬صاحبه،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬فـالا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬محاكمة‭ ‬شاعر‭ ‬متوفى‭ ‬ومتوقف‭ ‬عن‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بتهمة‭ ‬الذكورية،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإدانة‭ ‬الأخلاقية‭.‬

المجدى‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬عونى،‭ ‬عندما‭ ‬ننقد‭ ‬الإبداع‭ ‬القديم،‭ ‬هو‭ ‬االاستفادة‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬وعينا‭ ‬لفهم‭ ‬سياق‭ ‬إنتاج‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع،‭ ‬كيف‭ ‬جرى‭ ‬تلقيه‭ ‬وقت‭ ‬صنعه‭ ‬وكيف‭ ‬تشكّلت‭ ‬ذائقة‭ ‬المتلقين‭ ‬وقتها،‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يحدّد‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬أى‭ ‬عمل‭ ‬هو‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬الاشتباك‭ ‬معه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وعينا‭ ‬المعاصر‭ ‬وذائقتنا‭ ‬الحالية‭.‬ب

هذه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬أعمال‭ ‬قديمة،‭ ‬بحسب‭ ‬عوني،‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬تمنح‭ ‬الحياة‭ ‬لها،‭ ‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى،‭ ‬كانت‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬زمنها،‭ ‬ولكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ماتت‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬الاشتباك‭ ‬معها‭ ‬الآن‭.‬

مثلهما،‭ ‬تبدأ‭ ‬الكاتبة‭ ‬والمخرجة‭ ‬سلمى‭ ‬الطرزى‭ ‬كلامها‭ ‬بالسخرية‭ ‬من‭ ‬تصوّر‭ ‬البعض‭ ‬لأى‭ ‬نقد‭ ‬باعتباره‭ ‬محاكمة‭: ‬هل‭ ‬يتصوّر‭ ‬أحدهم‭ ‬مثلًا‭ ‬أننا‭ ‬سنجمع‭ ‬شرائط‭ ‬الكاسيت‭ (‬فى‭ ‬إشارة‭ ‬لشرائط‭ ‬أحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجم‭ ‬والشيخ‭ ‬إمام‭) ‬ونحرقها؟

انحن‭ ‬لسنا‭ ‬جهة‭ ‬إصدار‭ ‬أحكام،‭ ‬ولكن‭ ‬ذ‭ ‬على‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬ذ‭ ‬فهناك‭ ‬مشكلة‭ ‬فى‭ ‬صنع‭ ‬مقدسّات،‭ ‬وهذا‭ ‬يزعجنى‭ ‬بالأخص‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬الأوساط‭ ‬التقدمية‭ ‬التى‭ ‬تدعى‭ ‬الثورية،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬أى‭ ‬استعداد‭ ‬لمساءلة‭ ‬الأفكار‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬معسكرها‭.‬

لا‭ ‬تفهم‭ ‬الطرزى‭ ‬موضوع‭ ‬الرموز‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬لمسها،‭ ‬لمجرد‭ ‬مجيئها‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭. ‬من‭ ‬حق‭ ‬الجميع‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬يقولوا‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تعجبنا‭ ‬اليوم،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬أيضًا‭ ‬نقدها،‭ ‬ومن‭ ‬المحبط‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الثنائية‭ ‬متراوحة‭ ‬بين‭ ‬المطالبة‭ ‬بمنع‭ ‬الأعمال‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وبين‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬تطبيق‭ ‬معايير‭ ‬اللحظة‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬الماضي،‭ ‬فصحيح،‭ ‬كما‭ ‬تضيف،‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬معايير‭ ‬واضحة‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬لمعضلات‭ ‬بعينها،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفى‭ ‬إشكاليتها‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭.‬

٪‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬مثلًا‭ ‬كان‭ ‬امتلاك‭ ‬العبيد‭ ‬مشروعًا‭ ‬وعاديًا،‭ ‬فهل‭ ‬يؤدى‭ ‬بنا‭ ‬هذا‭ ‬لعدم‭ ‬الإشارة‭ ‬لإشكاليات‭ ‬العبودية،‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬يؤدى‭ ‬بنا‭ ‬لتصور‭ ‬أن‭ ‬العبيد‭ ‬كانوا‭ ‬سعداء‭ ‬وهم‭ ‬يُجلدون‭ ‬بالسياط؟‭ ‬تتساءل‭ ‬الطرزي‭.‬

عن‭ ‬المتنبى‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭ ‬وعمرو‭ ‬بن‭ ‬كلثوم‭ ‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬يطرح‭ ‬الروائى‭ ‬أحمد‭ ‬الفخرانى‭ ‬معضلة‭ ‬معقدة‭. ‬هو‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬يتذوّق‭ ‬شعر‭ ‬المتنبى‭ ‬وبلاغته،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬متنبيًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬يمدح‭ ‬السلطان‭ ‬أو‭ ‬يكرّس‭ ‬لقيم‭ ‬القبيلة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فقد‭ ‬أزعجته‭ ‬مثلًا‭ ‬أغنية‭ ‬تميم‭ ‬يونس‭ ‬التى‭ ‬أصدرها‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬تقريبًا‭ ‬بعنوان‭ ‬اعشان‭ ‬تبقى‭ ‬تقولى‭ ‬لأب،‭ ‬ورأى‭ ‬فيها‭ ‬تحريضًا‭ ‬واضحًا‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬ضد‭ ‬الفن‭ ‬والواقع‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثالثة،‭ ‬يستدرك،‭ ‬فرفضه‭ ‬للأغنية‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬أنه‭ ‬يطالب‭ ‬بمنعها‭. ‬حتى‭ ‬االرجعيب‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬تقديم‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬فنًا‭. ‬الفن‭ ‬ساحة‭ ‬الجميع،‭ ‬ورفضه‭ ‬أيضًا‭ ‬ساحة‭ ‬للجميع،‭ ‬كما‭ ‬يعقّب‭.‬

أما‭ ‬الشاعرة‭ ‬والمترجمة‭ ‬أسماء‭ ‬ياسين‭ ‬فتبدأ‭ ‬بالإشارة‭ ‬لحقيقة‭ ‬كونها‭ ‬كاتبة‭ ‬وامرأة؛‭ ‬ككاتبة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬عليها‭ ‬إخضاع‭ ‬الإبداع‭ ‬لمحاكمات‭ ‬قد‭ ‬تنتهى‭ ‬إلى‭ ‬إقصائه،‭ ‬وكامرأة‭ ‬دفعت‭ ‬ثمنًا‭ ‬غاليًا‭ ‬لحريتها،‭ ‬ليس‭ ‬سهلًا‭ ‬عليها‭ ‬أيضًا‭ ‬تجاهل‭ ‬أفكارًا‭ ‬ذكورية‭ ‬أو‭ ‬رجعية‭ ‬أو‭ ‬عنصرية‭ ‬كامنة‭ ‬فى‭ ‬ثنايا‭ ‬أى‭ ‬إبداع‭.‬

تضيف‭ ‬أنه‭ ‬مادام‭ ‬الإبداع‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬فى‭ ‬يدها،‭ ‬فستتعامل‭ ‬معه‭ ‬بأدواتها‭ ‬الخاصة‭ ‬المنتمية‭ ‬للحظتها‭ ‬الحالية،‭ ‬فلا‭ ‬يمكنها‭ ‬ببساطة،‭ ‬وهى‭ ‬تقرأ‭ ‬أو‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬أى‭ ‬فن،‭ ‬أن‭ ‬تغفل‭ ‬مسيرة‭ ‬تطور‭ ‬النقد‭ ‬والمجتمع‭ ‬حتى‭ ‬لحظتنا‭ ‬الحالية‭:‬

الست‭ ‬مجبرة‭ ‬نهائيًّا‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الفن‭ ‬بأدوات‭ ‬عصره،‭ ‬وإن‭ ‬يظل‭ ‬عليَّ‭ ‬فهم‭ ‬السياقات‭ ‬التى‭ ‬صنع‭ ‬فيها،‭ ‬لا‭ ‬بهدف‭ ‬العفو‭ ‬عنه‭ ‬واعتباره‭ ‬لائقًا،‭ ‬بل‭ ‬بهدف‭ ‬رؤية‭ ‬خشونة‭ ‬السياقات‭ ‬القديمة‭ ‬وخلوها‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭. ‬حينها‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬متخلّف‭ ‬وخارج‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬متخلّف‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بكذا‭ ‬وكذا‭.‬

تستدرك‭ ‬ياسين‭ ‬أننا‭ ‬حين‭ ‬نحكم‭ ‬على‭ ‬منتج‭ ‬ما‭ ‬بـالتخلفب‭ ‬أو‭ ‬االرجعية،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نؤذى‭ ‬صاحبه،‭ ‬فقد‭ ‬راح‭ ‬وانقطع‭ ‬عمله‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬كما‭ ‬نعرف،‭ ‬وإنما‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نحاوله‭ ‬هو‭ ‬كف‭ ‬الأذى‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة،‭ ‬خاصة‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الفن‭ ‬رائجًا‭ ‬وذا‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬فى‭ ‬عموم‭ ‬الناس‭.‬

وكما‭ ‬سبق‭ ‬وأشار‭ ‬الفخرانى‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬التسامح‭ ‬بشكل‭ ‬نسبى‭ ‬مع‭ ‬الإبداع‭ ‬الرجعى،‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬كونه‭ ‬أقدم‭ ‬زمنيًا،‭ ‬تشير‭ ‬ياسين‭ ‬لشيء‭ ‬شبيه،‭ ‬ضاربة‭ ‬مثالين‭ ‬مختلفين‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬الأول‭ ‬قصيدة‭ ‬اسلوا‭ ‬قلبيب‭ ‬لأحمد‭ ‬شوقى‭ ‬التى‭ ‬غنّتها‭ ‬أم‭ ‬كلثوم،‭ ‬ويقول‭ ‬فيها‭ ‬الشاعر‭: ‬اوعلمنا‭ ‬بناء‭ ‬المجد‭ ‬حتى‭ ‬أخذنا‭ ‬إمرة‭ ‬الأرض‭ ‬اغتصابًاب‭.‬

٪‭ ‬يا‭ ‬راجل‭! ‬تعقّب‭ ‬استهجانًا،‭ ‬تأخذ‭ ‬الأرض‭ ‬غصبًا‭ ‬وفخور‭ ‬بهذا‭!‬؟

أما‭ ‬المثال‭ ‬الثانى‭ ‬فهو‭ ‬معلقة‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬كلثوم،‭ ‬والمحتشدة‭ ‬بمظاهر‭ ‬الفخر‭ ‬الصبيانى‭ ‬المضحك‭ ‬من‭ ‬بيتها‭ ‬الأول‭ ‬حتى‭ ‬الأخير،‭ ‬والتى‭ ‬تعتبرها‭ ‬ياسين،‭ ‬للمفارقة،‭ ‬من‭ ‬مفضلاتها،‭ ‬وهذا‭ ‬ببساطة‭ ‬لأن‭ ‬القصيدة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬أفكار؛‭ ‬بسيوفها‭ ‬وخيلها‭ ‬وراياتها‭ ‬وقبائلها‭ ‬وظعينها،‭ ‬انقطع‭ ‬أثرها‭ ‬وصارت‭ ‬خارج‭ ‬التاريخ‭ ‬تمامًا‭. ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كُتب‭ ‬كُتب‭ ‬واللى‭ ‬كان‭ ‬كان،‭ ‬كما‭ ‬تضيف،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فن‭ ‬أو‭ ‬فنان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬التشريح‭. ‬هكذا‭ ‬تختم‭ ‬كلامها،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تستدرك‭ ‬ملمّحة‭ ‬لتغيّر‭ ‬الحساسيات‭ ‬بين‭ ‬العصور‭: ‬

٪‭ ‬وطبعًا‭ ‬مجاز‭ ‬امنصة‭ ‬التشريحب‭ ‬الذى‭ ‬استخدمته‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬فى‭ ‬المستقبل‭ ‬مجازًا‭ ‬بالغ‭ ‬القسوة‭ ‬ومعدوم‭ ‬الحساسية‭.‬

فن‭ ‬وسياسة،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬الأشكال

كما‭ ‬أشارت‭ ‬عيداروس‭ ‬سريعًا‭ ‬فى‭ ‬منشورها‭ ‬المثير‭ ‬للجدل،‭ ‬تدلنا‭ ‬معركة‭ ‬اأحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجمب‭ ‬على‭ ‬مفارقة‭ ‬طريفة،‭ ‬تغيّر‭ ‬فيها‭ ‬موقع‭ ‬االسياسةب‭ ‬فى‭ ‬أذهان‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة،‭ ‬فالشاعر‭ ‬الذى‭ ‬ارتبط‭ ‬تاريخه‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬النضالات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬استخدم‭ ‬منتقدوه‭ ‬المفاهيم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬مثل‭ ‬االنسويةب‭ ‬و‭ ‬االصوابية‭ ‬السياسيةب،‭ ‬لانتقاده،‭ ‬فيما‭ ‬دافع‭ ‬عنه‭ ‬محبوه‭ ‬باستخدام‭ ‬مفاهيم‭ ‬االفنب‭ ‬و‭ ‬االإبداع‭ ‬الحر‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬قيود‭.‬

ولكن‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬أحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجم‭ ‬نفسه،‭ ‬فقد‭ ‬تعلّقت‭ ‬المعركة‭ ‬الدائرة‭ ‬بنزعتين‭ ‬تشقان‭ ‬جسم‭ ‬المجتمع‭ ‬الثقافى‭ ‬منذ‭ ‬سنوات؛‭ ‬بعض‭ ‬المبدعين‭ ‬مشغولون‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وبتمثيل‭ ‬الفئات‭ ‬المقهورة‭ ‬فيه،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهن‭ ‬النساء،‭ ‬وآخرون‭ ‬مشغولون‭ ‬بالإبداع‭ ‬وحريته،‭ ‬ويرون‭ ‬فى‭ ‬نقد‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية،بأى‭ ‬منطق‭ ‬سياسى‭ ‬أو‭ ‬اجتماعى،‭ ‬شكلًا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحجر‭ ‬عليها‭ ‬بدواع‭ ‬أيديولوجية‭.‬

أحيانًا‭ ‬ما‭ ‬تتمزّق‭ ‬نفس‭ ‬الكاتب‭ ‬الواحد‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬النزعتين؛‭ ‬قدسية‭ ‬الإبداع‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬والصوابية‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬هنا‭ ‬نحاول‭ ‬تعيين‭ ‬بعض‭ ‬آثار‭ ‬هذا‭ ‬التمزق،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬معرفة‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬تمزق‭ ‬أصلًا‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

يرى‭ ‬شادى‭ ‬لويس‭ ‬بطرس‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬تقدمي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فنى‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سياسى‭ ‬واجتماعي،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬هو‭ ‬فصل‭ ‬خيالى‭ ‬وشديد‭ ‬المثالية،‭ ‬بل‭ ‬أنه‭ ‬فصلٌ‭ ‬يحتقر‭ ‬الأدب‭ ‬مفترضًا‭ ‬ألا‭ ‬تأثير‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬والمجتمع‭. ‬

كل‭ ‬الأشياء،‭ ‬الفن‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وسائر‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية،‭ ‬متداخلة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بينها‭ ‬إلا‭ ‬بشكل‭ ‬إجرائى‭ ‬مؤقت،‭ ‬كأن‭ ‬نقول‭ ‬مثلًا‭ ‬إن‭ ‬المبدع‭ ‬استخدم‭ ‬الجناس‭ ‬والاستعارات‭ ‬المكنية‭ ‬فى‭ ‬نصه‭ ‬بشكل‭ ‬رائع،‭ ‬ولكن‭ ‬النص‭ ‬نفسه‭ ‬منحط‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬ولنتذكّر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬النقد،‭ ‬أى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأدب‭ ‬بأدوات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬وسياسية،‭ ‬موجود‭ ‬فى‭ ‬عمل‭ ‬مفكّرين‭ ‬مثل‭ ‬فرانز‭ ‬فانون‭ ‬وإدوارد‭ ‬سعيد،‭ ‬أى‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اشتقاق‭ ‬عبارة‭ ‬اصوابية‭ ‬سياسيةب‭.‬

فى‭ ‬مقابل‭ ‬بطرس،‭ ‬يتشكّك‭ ‬أحمد‭ ‬عونى‭ ‬قليلًا‭ ‬فى‭ ‬إمكانية‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬الفن‭ ‬بمنطق‭ ‬نضالى‭ ‬تقدمي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬النضال،‭ ‬الذى‭ ‬يسعى‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬صائبًا‭ ‬وذا‭ ‬أهداف‭ ‬محددة،‭ ‬تختلف‭ ‬جوهريًا‭ ‬عن‭ ‬الإبداع‭ ‬بالبراح‭ ‬الممنوح‭ ‬له‭ ‬للتأمل‭ ‬والتشكيك‭ ‬والتفكيك،‭ ‬وهذا‭ ‬للمفارقة‭ ‬ما‭ ‬يعطى‭ ‬الإبداع‭ ‬قيمته‭ ‬المجتمعية‭: ‬الن‭ ‬يستفيد‭ ‬المناضل‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬ينسخ‭ ‬خطابه‭ ‬ويحاكيه‭ ‬بصرامة،‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬المبدع‭ ‬التفكيكية‭ ‬فى‭ ‬تطوير‭ ‬فهمه،‭ ‬بالضبط‭ ‬كما‭ ‬يستلهم‭ ‬الإبداع‭ ‬روحه‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬المجتمع‭.‬ب

هى‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬علاقة‭ ‬عضوية‭ ‬بينهما‭ ‬كما‭ ‬يرى،‭ ‬تحتاج‭ ‬لأن‭ ‬يؤدى‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬مهمته‭ ‬بطبيعته‭ ‬المستقلة،‭ ‬فيما‭ ‬قد‭ ‬يتضمّن‭ ‬بعض‭ ‬الخطورة‭ ‬طبعًا‭ ‬الأنه‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬بإمكان‭ ‬الإبداع‭ ‬الترويج‭ ‬لأفكار‭ ‬رجعية‭ ‬وعنصرية‭. ‬غير‭ ‬أننا‭ ‬فى‭ ‬المحصلة‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬سوى‭ ‬نقد‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار،‭ ‬مع‭ ‬السعى‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬براح‭ ‬الفن،‭ ‬حيث‭ ‬السيولة‭ ‬وحدها‭ ‬هى‭ ‬الضمانة‭ ‬لوجود‭ ‬مساحة‭ ‬لطرح‭ ‬أفكار‭ ‬تقدمية‭ ‬ومبدعة ‬

فى‭ ‬المحصلة،‭ ‬يحترم‭ ‬عونى‭ ‬كلًا‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬والنضال‭ ‬السياسي،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بمنطق‭ ‬افليبق‭ ‬كلٌ‭ ‬فى‭ ‬مكانهب،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أحمد‭ ‬الفخرانى‭ ‬يأخذ‭ ‬الأمر‭ ‬لخطوة‭ ‬أبعد،‭ ‬يدين‭ ‬فيها‭ ‬ازعيق‭ ‬الصوابية‭ ‬السياسيةب‭ ‬بالأساس‭:‬

٪‭ ‬الضابط‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬فى‭ ‬رؤية‭ ‬نفسه‭ ‬إلا‭ ‬كملاك،‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬لديه‭ ‬قائمة‭ ‬من‭ ‬الممنوعات،‭ ‬محمد‭ ‬صبحى‭ ‬لديه‭ ‬اصوابيتهب‭ ‬المحافظة‭ ‬أيضًا‭ ‬التى‭ ‬ترضى‭ ‬قطاعًا‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬وأنا‭ ‬أسأل‭ ‬هل‭ ‬طوّرت‭ ‬االصوابية‭ ‬السياسيةب‭ ‬خطابًا‭ ‬مفارقًا‭ ‬لتلك‭ ‬الرؤى؟‭ ‬لم‭ ‬يثبت‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭.‬

ينبع‭ ‬رفض‭ ‬الفخرانى‭ ‬لمفاهيم‭ ‬االصوابية‭ ‬السياسيةب‭ ‬من‭ ‬ثقته‭ ‬فى‭ ‬المتلقى‭ ‬الذى‭ ‬تشرّب‭ ‬المفاهيم‭ ‬التقدمية‭ ‬عن‭ ‬اقتناع،لا‭ ‬عن‭ ‬شعور‭ ‬بالذنب‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬الاتهامات‭ ‬الزاعقة‭ ‬التى‭ ‬تقضى‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬الكلام‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬الوعي،‭ ‬فهو‭ ‬يعتقد‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬موقفًا‭ ‬أصيلًا‭ ‬سيكون‭ ‬أميل‭ ‬للتواضع‭ ‬والصبر‭ ‬والنقاش،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬تحول‭ ‬أى‭ ‬حوار‭ ‬حول‭ ‬مفاهيم‭ ‬االصوابية‭ ‬السياسية،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬الفن‭ ‬أو‭ ‬الواقع،‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬قتال‭ ‬وهيستيريا‭ ‬وأحكام‭ ‬نافذة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الطعن‭.‬

٪‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬التى‭ ‬رأيناها‭ ‬تعتمد‭ ‬امعايير‭ ‬الصوابية‭ ‬تفتقد‭ ‬للحيوية‭ ‬وتميل‭ ‬للافتعال،‭ ‬لأنها‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬العظة،‭ ‬بينما‭ ‬الفن‭ ‬هو‭ ‬السعى‭ ‬لمعرفة‭ ‬وفهم‭ ‬الشىء،‭ ‬لا‭ ‬الإثبات‭ ‬المسبق‭ ‬له،‭ ‬هكذا‭ ‬يقول،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يختم‭ ‬حاسمًا‭: ‬والفن‭ ‬والعظة‭ ‬لا‭ ‬يجتمعان‭. ‬فهم‭ ‬الواقع‭ ‬والعظة‭ ‬لا‭ ‬يجتمعان‭.‬

المصدر : جريدة اخبار الادب