كتب : عباس ثائر
شاعر له لغة خاصة وصوت متفرد، قليل الكلام، كثير الكتابة، إنه الصوت الهادئ، الذى قال ذات مرة: «منذ أن بدأت علاقتى بالكتابة، وجدت فى الشعر قنديلاً جديرًا بالعناية لإضاءة الطريق، فالشعر أجمل علاج للمسافة، وهناك حقيقة أنه ليست هناك طريقة واحدة لكتابة الشعر، فمن حق الشاعر أن يذهب إلى آفاقه بالأجنحة التى يحبها، وللأجيال الجديدة أن تفعل ذلك».
ولد فى البحرين، عام 1948، وشارك فى تأسيس «أسرة الأدباء والكتاب فى البحرين» عام 1969، وشغل عدداً من المراكز القيادية فى إدارتها.
وتولى رئاسة تحرير مجلة كلمات التى صدرت عام 1987، وهو عضو مؤسس فى فرقة «مسرح أول»، وترجمت أشعاره إلى عدد من اللغات الأجنبية. فاز بجائزة ملتقى القاهرة للشعر فى دورته الـخامسة. وأسس جهة شعر الالكترونية.
هنا حوار معه..
-«ثلاثون بحراً للغرق» تنوعت قصائد هذه المجموعة من حيث الشكل لِمَ لمْ تختر شكلًا واحدًا لكتابة نصوصها؟ أهى رسالة بأن الشاعر قادر على كتابة كافة الأشكال الشعرية، أم هى رسالة أن الشعر يبقى شعرًا بأى شكل أو قالب كان؟ أم أنها دعوة للقول أن الشعر لا يحدّه التجنيس؟
منذ سنوات، لم أعد أتوقف عند شكل ما أكتب، وبالتالى ينطبق هذا على ما يصدر لى من كتب. فقد توضحت فى كتابتى مسألة الكتابة وشعريتها. ولعلنا نلاحظ حسم هذه المسألة فى عدد كبير من تجارب الكتابة الشعرية العربية. لذلك صار التوقف عند شكل الكتابة نادر الحدوث ومستغرب أحيانا. ربما بعد كتاب (الجواشن) الذى كتبته مع الصديق أمين صالح فى ثمانينات القرن الماضى، أصبح جنس الكتابة أكثر وضوحاً.
-هل يؤمن الشعراء بالسحر والساحرة وكيف أيقظتك الساحرة فصارت كتابًا يقرأه القارئ أيقظتنى «الساحرة»؟ حدثنا ولو قليلًا عن تلك اليقظة ..
الكتابة ضربٌ من السحر. غير أن فى الكتابة الإبداعية يقظة ماثلة. ولكى نبدو فى درجة من الوعى ونحن نفهم السحر بوصفه تجاوز الواقع، ستكون الكتابة شكل حياتنا المقترح.
-كيف ترى زج ومزج التجربة الذاتية مع القضايا العامة؟
ليس ثمة تخوم تفصل ذات المبدع عن الحياة. أكتب لأننى فى الحياة.
-هل تؤمن بأن للمرأة أدبها الخاص، بعبارة أخرى ما رأيك باصطلاح الأدب النسوى بعد أن ساد فى المجتمعات العربية، وهل ثمة فوارق بين قدرة المرأة والرجل على إنتاج الشعر؟
لكل كائن بشرى ملامح إنسانية خاصة علينا التعرف عليها فيما يكتب، امرأة كان أم رجلا.
-عزرا باوند يقول «لو اقتصرت كتابتنا على الأشياء المفهومة لما اتسع حقل المعرفة» كيف تتسع حقول المعرفة لدى قاسم حداد، وكيف يتعامل مع عمق النص؟
لا أكتب لأننى أفهم هذه الحياة، أكتب لكى أعرف، لكى أفهم. أظن أن المعرفة تأتى وتكتمل بعد الكتابة وليس قبلها.
-ما رأيك بالنقد اليوم هل واءم حداثة الشعر؟ وهل على النقد أن يرافق الحركات الشعرية الجديدة ويلبس ثوبًا جديدًا أو حديثًا أيضًا مثلما الشعر؟
نعم، هناك تجارب نقدية جديدة صارت تتفهم وتحاور التجارب الشعرية الجديدة وتعمل على اكتشافها بعناصرها المختلفة، وتسهم معها على اقتحام الأفق وافتتاحه.
-هل كنت ناقدًا لنصك ذات يوم؟ كيف تبدأ القصيدة وتنهيها، هل تعرضها على ذاتك الناقدة لترى إن كان هناك شىء قابل للحذف أو شىء يستحسن أن يستبدل أم أنك تؤمن بأن النص يظل كما كُتب أول مرة ولا تُجرى على القصيدة تعديلا كما كان يفعل بورخيس، مثلما قال فى أحد حواراته؟
طوال الوقت كان الناقد فى داخلى يسعفنى لاكتشاف تجربتى ومحاورتها بدرجة كافية من الصرامة.
-يخلص بورخيس إلى أن «الكتابة تعنى نهايتها» هل تكتب لتنتهى من شيء؟ وهل انتهيت؟ أو متى ستنتهى من القصيدة التى تشغل رأس الشاعر دومًا وهى التى يراها الأهم؟
لبورخيس فلسفته فى الكتابة، فعندما يكتب النص، يكون الشاعر قد (انتهى) من النص. ولكن من جهة أخرى يمكن أن يكون النص قد (بدأ) رحلته لكى يتخلق بواسطة القارئ.
-يقول أفلاطون: «لا تصير عين البصيرة حادة إلا إذا ضعفت عين الجسد» بما يرى الشاعر الأشياء ليكتبها، وكيف يرى الشاعر قاسم حداد الأشياء فيكتبها بأى عين؟
كلما أمعن الكاتب فى العمر والتجربة تيسر له المزيد من فرص المعرفة، حتى أننى كنت أقول منذ زمن أن الموهبة والمعرفة جناحان لازمان للكاتب.
-هل توافق على آراء بعض الشعراء عن إصداراتهم الأولى: التبرؤ منها والتراجع عنها أحيانا، وكيف ترى ما كتبته سابقًا وما تكتبه الآن وهل ثمة تغيير ملحوظ فى الفكر الكتابى والكتابة الفكرية لديك؟
أشعر أن كل ما كتبت هو جزء مكوّن من مجمل تجربتي، وإخفاقاتى تكون أحياناً أكثر أهمية من احتمالات النجاحات، إذا حصلت.
-يرى الناقد سانت دينيف: أن الرجل هو الأسلوب، فى حوار لك قلت –ما معناه- : حاولت أن أغير من أسلوبى فى الكتابة لئلا أكرر نفسي. أليس الأسلوب الشعرى للشاعر هو كضحكته ومشيته أو كأفعاله؛ يعرف بها؟
الأسلوب لا يفرض التكرار فى طرائق الكتابة. فالكتابة فى حياة الكاتب حياة فى الحياة، لابد له أن يكون متغيراً.
-كيف ترى الشعر الآن، هل هناك تقدم ملحوظ فى الكتابة العربية؟ وهل للسوشيال ميديا -فيس بوك، وتويتر- تأثير على الأدب وحداثته بصورة عامة وعلى الشعر بصورة خاصة، وهل تتابع ما يطرح فيه من كتابات؟
الوسائط الجديدة للاتصال، هى وسائل تعبير متاحة أمام الإنسان، وهى بالفعل تفعل فعلها فى التأثير على أشكال التعبير، أكثر من هذا أعتقد أن تطور هذه الوسائط مكسب نوعي فى حقول التعبير الفنى كإبداع.
-«فى فكرة الأنترنت شىء من الشعر» كتبت هذه العبارة عند إعلانك عن توقف «جهة شعر» ما الشعر الذى تراه؟ وهل سيستمر تعطيل جهة شعر أو توقفها بعد 22 عاما من العمل؟ الا يأبه الشاعر لضياع جهده؟
غير مرة قلت ذلك فعلاً. السرياليون الأوائل سيقولون أكثر من هذا لو أنهم أدركوا شيئاً من هذه الوسائط الإلكترونية المذهلة، وربما استطاعوا تحقيق المزيد من إبداعهم المذهل. وعن (جهة الشعر) أحب أن أقول بأنها تجربة انتهى عمرها الافتراضي، وأشعر أن بعض التجارب والمواقع الجديدة الأخرى قادرة على تحقيق ما اقترحته (جهة الشعر). وليس علينا النظر للتجربة باعتبارها توقفت، علينا النظر إليها باعتبارها قد حدثت.
المصدر : جريدة اخبار الادب