منى نور
المهمشون.. جماعات احتلت مساحات ليست باليسيرة فى الإبداع، لذا كانت الكتابات التى انشغلت بمثل هذه الفئات الاجتماعية محل الدرس العلمى، حتى ولو كانت تلك الكتابات قد صدرت فى القرون السابقة.
ومن هذه الدراسات، أطروحة حصلت عنها الباحثة مرفت سعيد عبدالفتاح (المدرس المساعد بقسم اللغة الألمانية، كلية الآداب جامعة حلوان) على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، وكان عنوانها (الارتقاء الاجتماعى لشخصيات نسوية مهمشة فى مختارات من روايات التكوين المعاصرة).
فى مستهل عرضها لفتت الباحثة لجنة المناقشة والإشراف إلى أن الحركة النسوية البرجوازية تركت آثارها على موضوعات روايات التكوين النسوية فى القرن الـ19، إذ مثل كل من نقد السلوكيات البرجوازية تجاه المرأة الألمانية، والدعوة إلى إصلاح الأساليب والمفاهيم التربوية الخاصة بها، نقطة تحول مهمة فى محاور روايات التكوين النسوية فى القرنين العشرين والحادى والعشرين، يتضح جلياً أن بداية الحركة النسوية الثانية فى ستينيات القرن العشرين، قد لعبت دوراً مهماً فى موضوعات روايات التكوين النسوية فى تلك الفترة، إذ تأثرت كاتبات القرن العشرين بشكل خاص بأهداف ومطالب الحركة النسوية الثانية، مما أدى غالباً إلى ظهور بطلات يسعين إلى تحقيق طموحاتهن العلمية والمهنية والحياتية متحديات بذلك الصور والقوالب النمطية التقليدية عن دور المرأة فى المجتمع.
وقالت إن بحثها يركز على تحليل الخصائص الأدبية لروايات التكوين النسوية المعاصرة من خلال ست روايات للكاتبتين الألمانيتين: أنجيليكا كلوسندورف ورواياتها (الفتاة- أبريل- بعد مرور السنوات)، والكاتبة أمينة سيفجى أوزدامار - من أصل تركى-، ورواياتها (الحياة خان له بابان- جسر القرن الذهبى- نجوم نادرة تحدق إلى الأرض).
اهتمت الباحثة فى دراستها بمعالجة محورين، هما: محطات التحول فى رحلة الارتقاء الاجتماعى للشخصيات النسوية المهمشة، وكذلك دراسة آثارها المختلفة على تطور وتنمية شخصياتهن على تلك الروايات المختارة.
ووجدت الباحثة أن كلتا الكاتبتين تحيطان حياة بطلات أعمالهما بصعوبات ثقافية واجتماعية وسياسية، تختلف تلك الصعوبات من كاتبة إلى أخرى، بينما تتجسد تلك الصعوبات داخل المجتمع الألمانى فى أعمال أنجيليكا، تتبلور لدى أمينة سيفجى، باعتبارها ناتجاً من نواتج الهجرة من الموطن الأصلى إلى الوطن الجديد.
وترى أن العامل المشترك بين أعمال الكاتبتين، يكمن فى إصرار بطلاتهما على مقاومة العوائق التى تظهر أمامهن فى مشوار حياتهن.
وأوضحت الباحثة أن اختيار الروايات يستند على أسس مرتبطة بموضوع الدراسة، إذ ترسم هذه الروايات صورة لنجاح وارتقاء اثنتين من الشخصيات النسوية اللتين تنتميان للطبقات الاجتماعية المهمشة، فتشكل كل من رواية (الفتاة) لأنجيليكا، ورواية (جسر القرن الذهبى) لأمينة سيفجى، الظروف الاجتماعية والعائلية والسياسية التى دفعت كلتا البطلتين إلى تجاوز أصولهما الاجتماعية وجعلتهما تقرران تحقيق مصيرهما بأيديهما، والارتقاء بوضعهما الاجتماعى الذى تحقق بنجاح فى روايتى (أبريل) لأنجيليكا، و(نجوم نادرة تحدق إلى الأرض) لأمينة سيفجى.
وتحتوى الروايات محل البحث على محطات تحول متشابهة فى حياة بطلات العمل الروائى، علاقات إنسانية مختلفة تؤثر على مسار الأحداث فى حياتهن، وعلى تطور شخصياتهن، كما تلعب الهجرة والخبرات المهنية دوراً محورياً فى تشكيل شخصياتهن، كما توجد صلات متشابهة بين الروايات فيما يتعلق بمسرح الأحداث وزمن السرد.
واعتمدت الباحثة فى منهج دراستها على النظرية السوسيولوجية لبورديو لتحليل محطات التحول فى حياة بطلات الروايات، ودراسة آثارها المختلفة على تطور وتشكيل شخصياتهن، وذلك لتأثر نضجهن الفكرى والجسدى بعوامل اجتماعية مختلفة.
وأشارت الباحثة إلى أنه فى ضوء النظرية السوسيولوجية لبيير بورديو، يسلط البحث الضوء على الفضاءات الاجتماعية المختلفة التى توجد فيها البطلات، ويحاول من ناحية أخرى تحديد الآثار المختلفة لتلك الفضاءات الاجتماعية على الممارسات الاجتماعية لهن.
ويأخذ البحث بعين الاعتبار جوانب معينة لم تلق حتى الآن الاهتمام الكافى فى الدراسات والإسهامات العلمية المختلفة التى تناولت تلك الروايات حيث تركز الرسالة على ثلاث نقاط أساسية هى: الارتقاء الاجتماعى، والتهميش، والتكوين، فتتناول ارتباط كل واحدة منها برواية التكوين، وتصويرها الأدبى.
أما بنية الدراسة فتنقسم إلى أربعة أبواب بخلاف المقدمة، يتطرق الأول منها إلى تعريف الارتقاء الاجتماعى وعلاقته بالتهميش، ثم تليه نظرة مفصلة حول روايات التكوين النسوية المعاصرة وموضوعاتها وخصائصها الأدبية.
وتطرق الباب الثانى إلى تعريف مصطلحى الارتقاء الاجتماعى والتهميش من منظور أدبى واجتماعى وثقافى، فضلاً عن عرض تعريفهما عند كل من (روبيرت بارك وميشيل فوكو وبيير بورديو)، ثم تعرضت الباحثة فى ختام هذا الباب إلى دراسة ارتباط الجوانب الثلاثة الرئيسة فى الدراسة، وهى التهميش، الارتقاء الاجتماعى، والتكوين برواية التكوين.
أما الأبواب الأخرى، فتهتم بتحليل الروايات المختارة لإبراز المحطات الفارقة فى مسار الارتقاء الاجتماعى عند بطلات الروايات، وتعيين أثرها على تكوين شخصياتهن، ويقوم الهيكل الداخلى لكل باب فى الجزء التحليلى على عرض موازٍ لنقاط التحول أولاً، وتأثير تلك النقاط على تكوين العادات الاجتماعية المكتسبة للبطلات فى كل مرحلة من مراحل حياتهن.
وفى نهاية تحليلها، توصلت الباحثة إلى عدة نتائج أوجزتها فى:
كل من ثلاثية أنجيليكا، وأمينة سيفجى، تقدم نموذجاً أدبياً للتمكين النسوى ومجابهة الضعف والاستسلام، فيمكن تصنيف الروايات المختارة لكلتا الكاتبتين، باعتبارها روايات تكوين نسوية تدور حول نموذج المرأة العصامية التى تستخدم تطوير الذات منهجاً لتكوين شخصيتها وبنائها.
تشمل التجارب الحياتية للبطلات فى كل مرحلة، بيئات اجتماعية مختلفة، تم تصويرها فى الروايات المختارة، مثل الدوائر الاجتماعية التى تتحرك بينها، تطور انتقال كل من الأنا الرواية عند أوزدامار، وأبريل عند كلو سيندورف بين هذه الدوائر الاجتماعية المختلفة بشكل أفقى من حافة التهميش المظلمة التى حصرت فيها البطلتان فى بيئات اجتماعية معينة مثل: العائلة، المدرسة، الملجأ، إلى الارتقاء والتألق فى بيئات اجتماعية أخرى، مثل المسرح عند أوزدامار، والمجال الأدبى عند كلو سيندورف، وتظهر العلامات الفارقة المصورة فى مراحل: الطفولة والشباب والنضج فى حياة كل من الأنا الرواية فى ثلاثية أوزدامار، وأبريل فى ثلاثية كلو سيندورف فى صورة نماذج من التجارب الاجتماعية التى ينشأ عنها ويتكشف من خلالها السلوك الاجتماعى لتلك البطلتين، فبحسب البيئة الاجتماعية التى ترعرعت فيها الأنا الرواية وأبريل تغير سلوكهما الاجتماعى، وبالتوازى مع تصوير التطور الأفقى فى مسار الارتقاء الاجتماعى لكلتا البطلتين، شكل تكوين شخصيتيهما وبنائهما صعوداً رئيساً فى مسار الأحداث.
وتوصلت الرسالة من خلال تطبيق نظرية التحليل السردى المبنى على نظريات النوع الاجتماعى، إلى أن كلاَّ من ثلاثية أوزدامار وكلو سيندورف روايات تكوين تحتوى على سمات سردية مميزة، وأظهر تحليل الروايات المختارة أنها تشتمل على مجموعة من الصور الضمنية التى صاحبت تصوير بعض الشخصيات النسوية، فاشتملت على سبيل المثال على شخصية الأم التى ارتبط ظهورها فى ثلاثية أوزدامار بالحنين للوطن، وكذلك شخصية البطلة نفسها التى ارتبطت صورتها فى العائلة بالعاطفة والطبيعة.
وتوصلت الدراسة- أيضاً- إلى أنه تم تصوير كلتا البطلتين بوصفهما امرأتين على أنهما الجنس الآخر، الذى يجب أن يعامل بشكل مختلف، وقد تجلى ذلك من خلال تحليل علاقة كلتا البطلتين بالشخصيات الذكورية، وتحديداً علاقتيهما بزوجيهما، وعلاقة أبريل عند كلو سيندورف بأقرانها الذكور فى المدرسة، والملجأ.
كما أظهر التحليل السردى وبناء الشخصيات فى كل من ثلاثية أوزدامار وكلو سيندورف تميزاً واضحاً اتسمت به الشخصيات النسوية التى تعددت أصواتها ووجهات نظرها عند الكاتبتين، وقد كان ذلك أكثر وضوحاً عند أوزدامار بالمقارنة بكلو سيندورف.
واستنتجت الباحثة- أيضاً- أن قصة الصعود والتكوين لكلتا البطلتين المصورة فى الروايات المختارة من الممكن أن تترك أثراً على القراء، ذلك أنها تضمن محتوى تعليمياً مؤثراً ليس على البطلتين فحسب، بل على القراء أيضاً.
وفى النهاية أوصت الباحثة بضم الروايات الست التى تم تحليلها لكلتا الكاتبتين إلى قائمة الروايات المهمة للنوع الأدبى، رواية التكوين بوصفها روايات تكوين نسوية، وإيلاء مزيد من الاهتمام لرواية التكوين النسوية فى مجال علوم وآداب اللغة الألمانية فى مصر، خاصة بعد زيادة التفاعل مع الموضوعات النسوية على مستوى الخطاب الأدبى والاجتماعى، والتزايد الملحوظ فى أعداد الطالبات فى الأقسام الألمانية بالجامعات المصرية.
تم مناقشة الرسالة فى قسم اللغة الألمانية، بكلية الآداب جامعة حلوان، بإشراف: د. ناهد الديب، أستاذ الأدب الألمانى بآداب القاهرة (المشرف الرئيسى)، د. كلاوديا ليبراند، أستاذ الأدب الألمانى بمعهد اللغة والأدب الألمانى جامعة كولون ألمانيا (مشرفا مشاركا)، والراحلة د. منار عمر، مدرس الأدب الألمانى بآداب حلون (مشرفا مشاركا).
وضمت لجنة المناقشة مع لجنة الإشراف: د. صفاء شلبى، أستاذ مساعد الأدب الألمانى جامعة القاهرة، ود. ريهام طاحون، أستاذ مساعد الأدب الألمانى جامعة حلوان.