نهر النيل فى عيون الشعراء

أسمر وحليوة وإله يرعى المصريين

أسمر وحليوة وإله يرعى المصريين
أسمر وحليوة وإله يرعى المصريين

 كتب :  ‬جرجس‭ ‬شكرى‭ ‬

النيل‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬العظيم‭ ‬الذى‭ ‬ارتبط‭ ‬بحياة‭ ‬المصريين،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬واقع‭ ‬يراه‭ ‬الناس‭ ‬ويعيشون‭ ‬حوله،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭ ‬له‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الخيال،‭ ‬فقدسه‭ ‬المصريون‭ ‬الأوائل‭ ‬وعبده‭ ‬الفراعنة‭ ‬وصلّوا‭ ‬وصاموا‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬وابتهلوا‭ ‬فى‭ ‬المعابد‭ ‬وقدموا‭ ‬له‭ ‬الذبائح‭ ‬من‭ ‬العذارى،‭ ‬وراح‭ ‬عقل‭ ‬الجماعة‭ ‬ينسج‭ ‬الحكايات‭ ‬والأساطير‭ ‬حول‭ ‬واهب‭ ‬الحياة‭ ‬للمصريين،‭ ‬فالفيضان‭ ‬ماهو‭ ‬إلا‭ ‬دموع‭ ‬إيزيس‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬أوزوريس،‭ ‬وكان‭ ‬يقال‭ ‬للفلاح‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬المعبد‭ ‬ان‭ ‬فرعون‭ ‬يأمر‭ ‬النيل‭ ‬بالارتفاع‭ ‬فيطيعه‭ ‬النيل‭ ‬وكان‭ ‬الفلاح‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬الكاهن‭ ‬يبتهل‭ ‬الى‭ ‬النيل‭ ‬بنشيد‭ ‬بالغ‭ ‬القدم‭ ‬منقول‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬طيبة،‭ ‬السلام‭ ‬عليك‭ ‬أيها‭ ‬النيل‭ ‬الذى‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬ليغذى‭ ‬مصري،‭ ‬والذى‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الظلمات‭ ‬الى‭ ‬النور‭. ‬لقد‭ ‬خلقك‭ ‬رع‭ ‬لتطعم‭ ‬الناس،‭ ‬وكانوا‭ ‬يستعطفونه‭ ‬متضرعين‭ : ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬فيضان‭ ‬قدمنا‭ ‬الضحايا‭ ‬إليك‭ ‬وذبحنا‭ ‬بقرا‭ ‬وأوزاً،‭ ‬وذكر‭ ‬هيرودوت‭ ‬حكايات‭ ‬عديدة‭ ‬حول‭ ‬الفيضان‭ ‬الذى‭ ‬يستمر‭ ‬مائة‭ ‬يوم‭ ‬مابين‭ ‬الخرافة‭ ‬والواقع،‭ ‬حكايات‭ ‬لعب‭ ‬فيها‭ ‬الخيال‭ ‬دور‭ ‬البطولة،‭ ‬وأجمع‭ ‬الباحثون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التناغم‭ ‬الطبيعى‭ ‬للبيئة‭ ‬بما‭ ‬يشمله‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬الشمس‭ ‬وارتفاع‭ ‬وانخفاض‭ ‬منسوب‭ ‬نهر‭ ‬النيل،‭ ‬والدورة‭ ‬الزراعية‭ ‬الموسيمية‭ ‬بمثابة‭ ‬الفكرة‭ ‬الاساسية‭ ‬فى‭ ‬المعتقدات‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة،‭ ‬ويتفق‭ ‬الباحثون‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬أهم‭ ‬ظاهرة‭ ‬جغرافية‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للمصريين‭ ‬القدماء،‭ ‬فكان‭ ‬لنهر‭ ‬النيل‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬فى‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬النيل‭ ‬ظاهرة‭ ‬جغرافية‭ ‬تناولها‭ ‬الباحثون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آلاف‭ ‬الدراسات‭ ‬وكتب‭ ‬المؤرخون‭ ‬مئات‭ ‬كتب‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الخيال‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬له‭ ‬الكلمة‭ ‬العليا‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬وظنى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬أساطير‭ ‬وخرافات‭ ‬وحكايات‭ ‬غرائبية‭ ‬وما‭ ‬يحفظونه‭ ‬من‭ ‬أشعار‭ ‬وما‭ ‬يهمسون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أغانى‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬والجغرافية‭ ‬والعلمية،‭ ‬فالنيل‭ ‬كائن‭ ‬أسطورى‭ ‬رغم‭ ‬واقعيته‭ ‬الملموسة،‭ ‬فلجأ‭ ‬إليه‭ ‬الشعراء‭ ‬وصنّاع‭ ‬الخيال‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬منذ‭ ‬كهنة‭ ‬الفراعنة‭ ‬الذين‭ ‬وضعوا‭ ‬التراتيل‭ ‬التى‭ ‬تمجد‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬المقدس‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬شعراء‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ومرورا‭ ‬بمراحل‭ ‬عديدة‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر،‭ ‬ولكن‭ ‬ستظل‭ ‬قصيدة‭ ‬أحمد‭ ‬شوقيب‭ ‬أيها‭ ‬النيل‭ ‬االقصيدة‭ ‬التى‭ ‬لو‭ ‬تكلم‭ ‬النيل‭ ‬لفاض‭ ‬وأغرق‭ ‬الضفتين‭ ‬فرحاً‭ ‬وسروراً‭ ‬بكلمات‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ (‬دِيـنُ‭ ‬الأَوائِـل‭ ‬فيـك‭ ‬دِيـنُ‭ ‬مُـروءَةٍ‭ / ‬لِـمَ‭ ‬لا‭ ‬يُؤَلَّـه‭ ‬مَـنْ‭ ‬يَقُـوتُ‭ ‬ويَـرزُقُ؟‭ / ‬لـو‭ ‬أَن‭ ‬مخلوقًــا‭ ‬يُؤَلَّـه‭ ‬لـم‭ ‬تكـن‭ / ‬لِسواكَ‭ ‬مَرْتبــةُ‭ ‬الأُلوهَــةِ‭ ‬تَخْـلُقُ‭) ‬فكان‭ ‬شوقى‭ ‬مثل‭ ‬أجداده‭ ‬الفراعنة‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬النهر‭ ‬واهب‭ ‬الحياة‭ ‬للمصرين‭ ‬جدير‭ ‬بالعبادة،‭ ‬وإذا‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬القصائد‭ ‬الاولى‭ ‬التى‭ ‬كتبها‭ ‬العرب‭ ‬فى‭ ‬النيل‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬عهدهم‭ ‬بمصر‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬عصور‭ ‬لاحقة‭ ‬مثل‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمى‭ ‬ثم‭ ‬اثناء‭ ‬حكم‭ ‬المماليك‭ ‬سنجد‭ ‬أنها‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬الدهشة‭ ‬ويغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الوصفى‭ ‬وثمة‭ ‬مقارنة‭ ‬دائمة‭ ‬بين‭ ‬النيل‭ ‬والحاكم،الملك،‭ ‬الوالي،‭ ‬السلطان،الخليفة،‭ ‬فكان‭ ‬النيل‭ ‬بعيون‭ ‬عربية‭ ‬صواًر‭ ‬شعرية‭ ‬تشى‭ ‬بالدهشة،‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬صدمة‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬إلى‭ ‬الوادى‭ ‬الخصيب،‭ ‬فإذا‭ ‬أرادوا‭ ‬مدح‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬ومنحه‭ ‬صفة‭ ‬الكريم‭ ‬قالوا‭ ‬أنه‭ ‬أكرم‭ ‬من‭ ‬النيل‭ ‬فكتب‭ ‬ميمون‭ ‬ابن‭ ‬قيس‭ ‬المعروف‭ ‬بالأعشى‭ ‬مادحاً‭ ‬قيس‭ ‬بن‭ ‬معد‭ ‬يكرب‭ ( ‬ما‭ ‬النيل‭ ‬أصبح‭ ‬زاخراًمن‭ ‬مده‭ / ‬جادت‭ ‬له‭ ‬ريح‭ ‬الصبا‭ ‬فجرى‭ ‬لها‭ / ‬زبداً‭ ‬ببال‭ ‬يسقى‭ ‬أهلها‭ / ‬وغدا‭ ‬تفجره‭ ‬النبيط‭ ‬خلالها‭ / ‬يوما‭ ‬بأجود‭ ‬نائلاًمنه‭ ‬إذا‭ / ‬نفس‭ ‬البخيل‭ ‬تجهمت‭ ‬لسؤالها‭ ) ‬وحين‭ ‬زار‭ ‬أبو‭ ‬نواس‭ ‬مصر‭ ‬راح‭ ‬يشبه‭ ‬ممدوحه‭ ‬بالنيل‭ ‬أيضاً‭ ‬اأنت‭ ‬الخصيب‭ ‬وهذه‭ ‬مصر،‭ ‬فتدفقا‭ ‬فكلاكما‭ ‬بحرب‭ ‬ويذكر‭ ‬حمدى‭ ‬المناوى‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬شاعراً‭ ‬اسمه‭ ‬نصيب‭ ‬بن‭ ‬رباح‭ ‬يمدح‭ ‬والى‭ ‬مصر‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بن‭ ‬مروان‭ ‬فيصفه‭ ‬بأنه‭ ‬النيل‭ ‬ا‭ ‬فبشر‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬فقد‭ ‬أتاهم‭ ‬مع‭ ‬النيل‭ ‬الذى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬نيلب‭  ‬فنظر‭ ‬العرب‭ ‬الأوائل‭ ‬الذين‭ ‬هبطوا‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬النيل‭ ‬كما‭ ‬يصفون‭ ‬الخيل‭ ‬والليل،‭ ‬والبيداء‭ ‬ومفردات‭ ‬البادية،‭ ‬حتى‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمى‭ ‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬النظر‭ ‬حيث‭ ‬يصف‭ ‬أحدهم‭ ‬السلطان‭ ‬اوكيف‭ ‬لا‭ ‬تفخر‭ ‬مصر‭ ‬وفى‭ ‬أرجائها‭ ‬السلطان‭ ‬والنيل‭ ‬وسوف‭ ‬تختلف‭ ‬النظرة‭ ‬وتتبدل‭ ‬الصفات‭ ‬مع‭ ‬الشعراء‭ ‬المصريين‭ ‬الذى‭ ‬عاشوا‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النيل،‭ ‬وهاهو‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬نباتة‭ ‬المصرى‭ ‬يقول‭ ‬ا‭ ‬قسماً‭ ‬ما‭ ‬حلت‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الوفاء،‭ ‬بعد‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬نيل‭ ‬مصر‭ ‬بكائى‭ / ‬حبها‭ ‬تحتى‭ ‬وفوقى‭ ‬ويمنى‭ ‬وشمالى‭ ‬وأمامى‭ ‬وورائىس‭ ‬ليختفى‭ ‬الوصف‭ ‬التقليدى‭ ‬والتشبيهات‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬فقط‭ ‬يجسد‭ ‬الشاعر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬محبته‭ ‬وشوقه‭ ‬وحنينه‭ ‬لمصر‭ ‬والنيل،‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬قرون‭ ‬يحن‭ ‬البارودى‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬‭ ‬جزيرة‭ ‬سرنديب‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬مثلما‭ ‬اشتاق‭ ‬بن‭ ‬نباتة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ويقول‭ ‬اليت‭ ‬شعرى‭ ‬متى‭ ‬أرى‭ ‬روضة‭ ‬المنيل‭ ‬ذات‭ ‬النخيل‭ ‬والأعناب‭ / ‬حيث‭ ‬تجرى‭ ‬السفين‭ ‬مستبقات‭ ‬فوق‭ ‬نهر‭ ‬مثل‭ ‬اللجين‭ ‬المذاب‭ ‬التبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬النيل‭ ‬والشعراء‭ ‬حيث‭ ‬تأثير‭ ‬البيئة‭ ‬المصرية‭ ‬ومع‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭ ‬الملقب‭ ‬بشاعر‭ ‬النيل‭ ‬يعود‭ ‬النيل‭ ‬الذى‭ ‬قدسه‭ ‬الفراعنة‭ ‬وعبدوه‭ ‬فقد‭ ‬ذكره‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬بيت‭ ‬فى‭ ‬الرثاء‭ ‬والمديح،‭ ‬فى‭ ‬الفرح‭ ‬والحزن،‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬والغزل،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬النيل‭ ‬حاضراُ‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬مخيلة‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭ ‬فهو‭ ‬القوة‭ ‬الفاعلة‭ ‬التى‭ ‬تحرك‭ ‬المشاعر‭ ‬والوقائع‭ ‬والأحداث،‭ ‬بل‭ ‬وكل‭ ‬مفردات‭ ‬الحياة،‭ ‬فحين‭ ‬يمدح‭ ‬الخديوى‭ ‬عباس‭ ‬حلمى‭ ‬الثانى‭ ‬يخبره‭ ‬بأن‭ ‬النيل‭ ‬كان‭ ‬يتألم‭ ‬ويبكى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أنعم‭ ‬عليه‭ ‬الخديوى‭ ‬ا‭ ‬قد‭ ‬كان‭ ‬يشكو‭ ‬ضياعاً‭ ‬مذ‭ ‬جرى‭ ‬طلقاً‭ ‬حتى‭ ‬أقمت‭ ‬له‭ ‬خزان‭ ‬أسوان‭ ‬ا‭ ‬أما‭ ‬سعيد‭ ‬باشا‭ ‬رئيس‭ ‬وزارء‭ ‬مصر‭ ‬فيخاطبه‭ ‬ا‭ ‬فيك‭ ‬السعيدان‭ ‬الذان‭ ‬تباريا‭ ‬يا‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬الخيرات‭ ‬والبركات‭ / ‬نيل‭ ‬يفيض‭ ‬على‭ ‬سهولك‭ ‬رحمة‭ ‬وفتى‭ ‬يقيل‭ ‬غوائل‭ ‬العثرات‭ ‬ا،‭ ‬وحتى‭ ‬الغزل‭ ‬لا‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬النيل‭ ‬فيصف‭ ‬حبيبته‭ ‬ا‭ ‬ماكان‭ ‬سهلاً‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬نيلها‭ ‬ا‭ ‬وحين‭ ‬مات‭ ‬سعد‭ ‬زغلول‭ ‬كان‭ ‬النيل‭ ‬حاضرا‭ ‬ا‭ ‬وسها‭ ‬النيل‭ ‬عن‭ ‬سراه‭ ‬ذهولا‭ ‬حين‭ ‬ألقى‭ ‬الجميع‭ ‬تبكى‭ ‬انتحاباًس‭ ‬وفى‭ ‬رثاء‭ ‬محمد‭ ‬فريد‭ ‬يسأل‭ ‬النيل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدادا‭ ‬له‭ ‬إذا‭ ‬الدمع‭ ‬نفد،‭ ‬وفى‭ ‬رئاء‭ ‬مصطفى‭ ‬كامل‭ ‬سيجرى‭ ‬النيل‭ ‬دماً‭ ‬أحمرا،‭ ‬وإذا‭ ‬ارتفعت‭ ‬الأسعار‭ ‬يخاطب‭ ‬النيل،‭ ‬وإذا‭ ‬آراد‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬مشروع‭ ‬الجامعة‭ ‬المصرية‭ ‬سيكون‭ ‬النيل‭ ‬حاضراً‭ ‬أيضاً‭ ‬ا‭ ‬ومن‭ ‬يروض‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬إن‭ ‬جمحت‭ ‬وأنذرت‭ ‬مصر‭ ‬يالويلات‭ ‬والحرب‭ ‬وهكذا‭ ‬النيل‭ ‬شريك‭ ‬أساسى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬فلا‭ ‬حياة‭ ‬بغير‭ ‬النيل‭ ‬مع‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬الذى‭ ‬كتب‭ ‬ديواناً‭ ‬كاملاً‭ ‬عنوانه‭ ‬ا‭ ‬لا‭ ‬نيل‭ ‬إلا‭ ‬النيل‭

ماسبق‭ ‬إطلالة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬شذرات‭ ‬مما‭ ‬كتبه‭ ‬الشعراء‭ ‬فى‭ ‬محبة‭ ‬النيل‭ ‬قديما‭ ‬وحديثاً،‭ ‬وهى‭ ‬نصوص‭ ‬غير‭ ‬متدولة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي،‭ ‬فما‭ ‬يعرفه‭ ‬الجمهور‭ ‬ويحفظه‭ ‬القصائدة‭ ‬المغناة‭ ‬سواء‭ ‬الفصحى‭ ‬أو‭ ‬العامية،‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬التى‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الوجدان‭ ‬المصرى‭. ‬يحظى‭ ‬أحمد‭ ‬شوقى‭ ‬وبيرم‭ ‬التونسى‭ ‬ومحمود‭ ‬حسن‭ ‬إسماعيل‭ ‬وأمين‭ ‬عزت‭ ‬الهجين‭ ‬بالنصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬منها،‭ ‬وفى‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬قصيدة‭ ‬النيل‭ ‬لأمير‭ ‬الشعراء‭ ‬التى‭ ‬غنتها‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬ولحنها‭ ‬رياض‭ ‬السنباطى،‭ ‬وهى‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬ملحمة‭ ‬درامية‭ ‬صاغها‭ ‬أحمد‭ ‬شوقى‭ ‬شعراً‭ ‬وجسّد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حياة‭ ‬نهر‭ ‬النيل،‭ ‬المنبع‭ ‬والمصب‭ ‬وعروس‭ ‬النيل‭ ‬والفراعنة‭ ‬ا‭ ‬فـى‭ ‬كـلِّ‭ ‬عــامٍ‭ ‬دُرَّةٌ‭ ‬تُلْقَـى‭ ‬بِـلا‭ ‬ثمـنٍ‭ ‬إِليــكَ،‭ ‬وحُــرَّةٌ‭ ‬لا‭ ‬تُصْـدَق‭/ ‬حَــوْلٌ‭ ‬تُســائِل‭ ‬فيـه‭ ‬كـلّ‭ ‬نجيبـةٍ‭ ‬سَـبقتْ‭ ‬إِليـكَ‭: ‬متـى‭ ‬يحـولُ‭  ‬فتَلْحقُ؟‭/ ‬والمجـدُ‭ ‬عنــد‭ ‬الغانيــاتِ‭ ‬رَغيبـةٌ‭ ‬يُبْغَـى‭ ‬كمـا‭ ‬يُبْغَـى‭ ‬الجمـالُ‭ ‬ويُعْشَـق‭ ‬ا‭ ‬ثم‭ ‬كتب‭ ‬قصيدة‭ ‬بالعامية‭ ‬ليغنيها‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬ا‭ ‬النيل‭ ‬نجاشى‭ - ‬حليوة‭ ‬واسمر‭ / ‬عجب‭ ‬للونه‭/ ‬دهب‭ ‬ومرمر‭/ ‬أرغوله‭ ‬فى‭ ‬إيده‭ / ‬يسبِّح‭ ‬لِسيده‭ / ‬حياة‭ ‬بلادناس‭ ‬ليصف‭ ‬نزهة‭ ‬نيلية،‭ ‬وكأنها‭ ‬حوارية‭ ‬مسرحية‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬شخصيات‭ ‬تدير‭ ‬حواراً‭ ‬مع‭ ‬النيل‭.‬أما‭ ‬محمود‭ ‬حسن‭ ‬اسماعيل‭ ‬الذى‭ ‬وضع‭ ‬قصيدة‭ ‬النهر‭ ‬الخالد‭ ‬والتى‭ ‬خلدها‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬بصوته‭ ‬وألحانه‭ ‬امسافرٌ‭ ‬زاده‭ ‬الخيالُ‭ ‬والسحر‭ ‬والعطر‭ ‬والظلال‭ / ‬ظمآن‭ ‬والكأس‭ ‬فى‭ ‬يديه‭ ‬والحب‭ ‬والفن‭ ‬والجمال‭ / ‬شابت‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬الليالى‭ ‬وضيعت‭ ‬عمرها‭ ‬الجبال‭ / ‬ولم‭ ‬يزل‭ ‬ينشدُ‭ ‬الديارَا‭ ‬ويسأل‭ ‬الليل‭ ‬والنهارَ‭ ‬ا‭ / ‬والناس‭ ‬فى‭ ‬حبه‭ ‬سكارى‭ ‬هاموا‭ ‬على‭ ‬شطه‭ ‬الرحيبِ‭ ‬ا‭ ‬أما‭ ‬قصيدته‭ ‬الأخرى‭ ‬التى‭ ‬كتبها‭ ‬أثناء‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬ا‭ ‬أنا‭ ‬النيل‭ ‬مقبرة‭ ‬الغزاةس‭ ‬غناء‭ ‬نجاح‭ ‬يلام‭ ‬وألحان‭ ‬رياض‭ ‬السنباطى‭ ‬فكانت‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬المعتدية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬النيل‭ ‬الذى‭ ‬وجده‭ ‬محمود‭ ‬حسن‭ ‬إسماعيل‭ ‬سنداً‭ ‬ومعيناً‭ ‬وداعما‭ ‬للمصرين‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المحنة

االمجموعة‭ : ‬أنا‭ ‬النيلُ‭ ‬مقبرةٌ‭ ‬للغزاةْ‭ ‬أنا‭ ‬الشعبُ‭ ‬ناريْ‭ ‬تُبيدُ‭ ‬الطغاةْ

أنا‭ ‬الموتُ‭ ‬فىْ‭ ‬كلِّ‭ ‬شبرٍ‭ ‬إذاعَدوُّكِ‭ ‬يا‭ ‬مصرُ‭ ‬لاحَتْ‭ ‬خُطاهْ

منفرد‭ : ‬يدُ‭ ‬اللهِ‭ ‬فىْ‭ ‬يدِنا‭ ‬أجمعينْ‭ ‬تصبُّ‭ ‬الهلاكَ‭ ‬على‭ ‬المعتدينْ

فشقوا‭ ‬إليهمْ‭ ‬جحيمَ‭ ‬الفناءِ‭ ‬أسوداً‭ ‬كواسرَ‭ ‬تحميْ‭ ‬العرينْ

منفرد‭ : ‬سنمضيْ‭ ‬لهمْ‭ ‬فىْ‭ ‬لهيبِ‭ ‬الشَررْ‭ ‬ونزحفُ‭ ‬للنصرِ‭ ‬زحفَ‭ ‬القدرْ

ونغشى‭ ‬المعاركَ‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬فجّ‭ ‬ونثبتُ‭ ‬حتى‭ ‬نلاقيْ‭ ‬الظفَرْ

ومنْ‭ ‬كلِّ‭ ‬بيتٍ‭ ‬ومنْ‭ ‬كلِّ‭ ‬شبرٍ‭ ‬لظى‭ ‬الموتِ‭ ‬يخرجُ‭ ‬منْ‭ ‬كلِّ‭ ‬صدرْ

على‭ ‬كلِّ‭ ‬باغٍ‭ ‬نسوقُ‭ ‬الحِمامَ‭ ‬لنحميْ‭ ‬تُرابكِ‭ ‬يا‭ ‬ارضَ‭ ‬مصرْب‭ ‬

‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الأغنية‭ ‬غير‭ ‬مشهرة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تجسد‭ ‬علاقة‭ ‬المصريين‭ ‬بنهر‭ ‬النيل‭ ‬الذى‭ ‬لجأ‭ ‬إليه‭ ‬الشاعر‭ ‬ليدافع‭ ‬ويحارب‭ ‬فى‭ ‬صفوف‭ ‬الشعب‭.‬

وفى‭ ‬افتتاح‭ ‬الجامعة‭ ‬المصرية‭ ‬لجأ‭ ‬أحمد‭ ‬رامى‭ ‬إلى‭ ‬النيل‭ ‬وهو‭ ‬يخاطب‭ ‬الشباب‭ ‬ا‭ ‬يا‭ ‬شباب‭ ‬النيل‭ ‬يا‭ ‬عماد‭ ‬الجيل‭ / ‬هذه‭ ‬مصر‭ ‬تناديكم‭ ‬فلبو‭ ‬ا‭ ‬دعوة‭ ‬الداعى‭ ‬الى‭ ‬القصد‭ ‬النبيلب‭ ‬واستمع‭ ‬إليها‭ ‬الشباب‭ ‬بصوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ألحان‭ ‬رياض‭ ‬السنباطى‭ ‬صاحب‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬مع‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬فى‭ ‬موسيقى‭ ‬النيل‭.‬

والنيل‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬المصرى‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬النهر‭ ‬المقدس،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬المدافع‭ ‬والحارس‭ ‬للهوية،‭ ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬ملمحاً‭ ‬آخر‭ ‬يحتل‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬فى‭ ‬قلوب‭ ‬المصريين‭ ‬وهو‭ ‬الحب،‭ ‬فالنيل‭ ‬ليس‭ ‬العذول‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬راعى‭ ‬العشاق‭ ‬وملجأهم‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬أمين‭ ‬عزت‭ ‬الهجين‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬أغانى‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬ا‭ ‬إمتى‭ ‬الزمان‭ ‬يسمح‭ ‬ياجميل‭/ ‬وأسهر‭ ‬معاك‭ ‬على‭ ‬شط‭ ‬النيل‭ / ‬الجو‭ ‬كله‭ ‬سكون‭ ‬والورد‭ ‬نام‭ ‬عالغصون‭/ ‬والقمر‭ ‬طالل‭ ‬علينا‭ ‬والعذول‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬عينينا‭ / ‬وأنا‭ ‬والجميل‭ ‬قاعدين‭ ‬سوا‭ ‬قاعدين‭ ‬سوا‭ / ‬قاعدين‭ ‬سوا‭ ‬على‭ ‬شط‭ ‬النيل‭ ‬

وعاد‭ ‬بيرم‭ ‬التونسى‭ ‬إلى‭ ‬نهج‭ ‬أسلافه‭ ‬وتذكر‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬منفاه‭ ‬وخاطبه‭ ‬فى‭ ‬حنينه‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬اعطشان‭ ‬يا‭ ‬صبايا‭ / ‬عطشان‭ ‬يا‭ ‬مصريين‭ / ‬عطشان‭ ‬والنيل‭ ‬فى‭ ‬بلادكم‭/ ‬متعكر‭ ‬مليان‭ ‬طين‭ /‬ولا‭ ‬نهر‭ ‬الرون‭ ‬يروينى‭ ‬ولا‭ ‬مية‭ ‬نهر‭ ‬السينب‭ ‬وحين‭ ‬عاد‭ ‬كتب‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬الغزليات‭ ‬وهى‭ ‬شمس‭ ‬الأصيل‭ ‬اشمس‭ ‬الأصيل‭ ‬دهبّت‭ ‬خوص‭ ‬النخيل‭ ‬يا‭ ‬نيل‭/ ‬تحفة‭ ‬ومتصورة‭ / ‬فى‭ ‬صفحتك‭ ‬يا‭ ‬جميل‭ ‬لوالناى‭ ‬على‭ ‬الشط‭ ‬غنى‭ ‬والقدود‭ ‬بتميل‭ ‬على‭ ‬هبوب‭ ‬الهوا‭ ‬لما‭ ‬يمر‭ ‬عليل‭ / ‬يا‭ ‬نيل‭ ‬أنا‭ ‬واللى‭ ‬احبه‭ ‬نشبهك‭ ‬بصفاك‭ ‬لانت‭ ‬ورقت‭ ‬قلوبنا‭ ‬لما‭ ‬رق‭ ‬هواك‭ ‬وصفونا‭ ‬فى‭ ‬المحبةهو‭ ‬هو‭ ‬صفاك‭ ‬ما‭ ‬لناش‭ ‬لا‭ ‬احنا‭ ‬ولا‭ ‬انت‭ ‬فى‭ ‬الحلاوة‭ ‬مثيل‭. ‬

أحمد‭ ‬رامى

‭ ‬والشذرات‭ ‬السايقة‭ ‬ماهى‭ ‬إلا‭ ‬أمثلة‭ ‬محدودة‭ ‬مما‭ ‬كتبه‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬والمصريين‭ ‬فى‭ ‬محبة‭ ‬النيل‭ ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬تؤكد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬عظمة‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬الذى‭ ‬قدسه‭ ‬المصريون‭ ‬وأنشدوا‭ ‬له‭ ‬التر‭ ‬اتيل‭ ‬فى‭ ‬المعابد‭ ‬لكن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬ارتباطه‭ ‬العميق‭ ‬بحياة‭ ‬المصريين‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬بدء‭ ‬من‭ ‬لقاء‭ ‬الحبيب‭ ‬فى‭ ‬ظلال‭ ‬النيل‭ ‬ووصولاً‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬أوقات‭ ‬الشدة‭ ‬التى‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الوطن‭ ‬ومروراً‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ .‬

المصدر : جريدة أخبار الادب