يوميات الأخبار

في وداع الفاكس!

مفيد فوزي
مفيد فوزي

بقلم/ مفيد فوزي

 

إن الدولة لا تستطيع العمل وحدها بل علينا «كل مواطن» أن يبذل قصارى جهده وأن نكثف جميعا جهودنا لمحاربة أعدائنا الخمسة

أول مرة أتعامل مع الفاكس، كان منذ سنين بعيدة وكنت قد سافرت إلى واشنطن كرئيس تحرير لمجلة صباح الخير وكان مفروضا أن ارسل تغطية صحفية عن تحركات رئيس الدولة ومقابلاته فى العاصمة الأمريكية. دخلت القاعة المخصصة للإعلاميين وقررت أن ارسل مقالى بالفاكس اعظم اختراع فى ذلك الوقت. وقفت أمامه مشدوها لا أعرف ماذا أفعل ببضع أوراق فى يدى، أمطرتها بحبر القلم ويصيبنى الذهول انها ستصل مكتبى فى القاهرة بعد دقائق ولاحظ العزيز الراحل صلاح جلال ارتباكى، فساعدنى وهو يردد انه العلم يا سيدى! فهمت أن جهاز الفاكس يتغذى على اسطوانات من الورق صممت خصيصا لأجهزة الفاكس، ومنذ تعلمت خطوات "بث المقال" بالفاكس جربت أن افعلها وحدى دون الحاجة لمساعدة صديق! لم أفهم علميا كيف اضع أوراقا فى جهاز وادير قرص التليفون فتصل الأوراق إلى روزاليوسف فى القاهرة؟!!

لم أشغل بالى بطريقة عمل الفاكس ولكنى كنت معجبا بالاختراع المثير. كان هذا فى السبعينيات. وعندما تكوم على مكتبى فى القاهرة تليفون له خاصية الفاكس وداخله اسطوانة الورق المخصص له كنت ممتنا للفاكس. وذات مرة تعاقدت مع دولة الامارات على حوار، احل فيه ضيفا وارسلوا لى العقد بالفاكس ومطلوب توقيعى. وقعت العقد وارسلته بالفاكس لدولة الامارات وخلال دقائق علمت بوصوله إلى تليفزيون الامارات.

مرت الأيام وظهر فى حياتنا اختراع اسمه الموبايل. وكنت استخدم الفاكس. فأنا شديد العلاقة الانسانية مع الأشياء ولم ألق مطلقا فى سلة المهملات مقالا نشر لى فى جريدة أو مجلة. ولا ارمى اقلامى التى نفد حبرها. هكذا أنا.. "العشرة" مع الأشياء لا تهون. ظللت استخدم الفاكس حتى منذ سنوات قليلة. كنت سعيدا به ولم يخذلنى مرة. وكنت أشعر انه يحدثنى دون كلمة. كنت اغذيه بأفضل أنواع اسطوانات الورق واشتريت منها كمية حتى لا يتوقف الفاكس! كنت وأنا جالس لوحدى فى مكتبى فى البيت، كنت انظر له بإعجاب وداخلى امتنان بلا حدود لخدماته طيلة السنين التى صاحبت رحلة حياتى المهنية. وفى بعض الأحيان، كنت اطبع نسخا من مقال أو أوراق مهمة فهو يعطينى هذه الخاصية أيضا.

عند ظهور الموبايل علمت من الأصدقاء المتمرسين على الاختراع الذى جادت به التكنولوجيا أن هناك خاصية على شاشة الموبايل اسمها "واتس اب" تسمح بتصوير الأوراق والصور وإرسالها بشرط وجود "راوتر" يمنحنى "واى فاى" عبر شبكة النت. ويصل المقال فى نفس اللحظة. لحظة البث!

كان لابد من الاستغناء عن خدمات الفاكس، وقد وجدت صعوبة فى هذا "الهجر" بعد "عِشرة" بكسر العين بالسنين! أكثر من هذا رغم علمى أن الموبايل هو لغة العصر والناس ترسل أوراقها عبر الواتس اب، كنت اغافل نفسى واستخدم الفاكس! ذات مرة حدثنى مدير تحرير صحيفة يومية اكتب فيها مقالا اسبوعيا. قال لي: لم يصل مقالك! قلت: لقد أرسلته بالفاكس! صدمنى عندما قال: الفاكس لأوراق الإدارة وقد نستغنى عنه أيضا. كل شيء أصبح من خلال جهاز الموبايل وقال لى: الموبايل يلخص ما تطلبه فى الحياة.

هنا ايقنت انه لابد من "وداع الفاكس". وقد همست له بما لم يسمعه أحد سواى. قلت للفاكس الرابض على مكتبى فى البيت: خدمتنى طيلة حياتى المهنية وأصبحت ممتنا لك ويعز علىَّ هذا الفراق، ولكن الصحف لم تعد تتعامل بالفاكس وصار الموبايل هو اسلوب الاتصال مع رؤساء التحرير أو مديرى التحرير اقولها ودمعة قد تخذلنى! وصرت استخدم الموبايل بكفاءة بشرط أن يساعدنى "النت" على تحقيق البث! لم يحتج الفاكس إلى راوتر أو واى فاى أو نت. كان يريد اسطوانة ورق فقط!

ولم يكن ارسال المقال بالفاكس يحتاج إلى "تحميل"!! والتحميل كلمة فى لغة الموبايل ضرورية لإتمام البث.

كل الذى فعلته احتراما وامتنانا للفاكس العزيز، أن جعلت رقم التليفون الذى كنت استخدمه هو رقم "الراوتر" القابع بجوار التليفون وهو الذى يمد الموبايل بشبكة النت.

هل هو وفاء غير عادى منى؟ ربما! هل هو "عادة" ادمنتها اسمها "البث بالفاكس"؟ ربما! هل هو "قلق" من آلية جديدة اسمها "الموبايل"؟ ربما!

ومع ذلك الحياة لم تقف عند رومانسيتى تجاه الفاكس. فالناس تتعامل بالموبايل، وأصبح "الفيس تايم" مقهى يلتقى فيه الأصدقاء، وصار الفاكس كالأفلام أبيض وأسود بينما صار الموبايل يحيطنا بأدق الأسرار وبالصور وتجد نفسك فى مواقع الأحداث صوتا وصورة.

غاب عنى الموبايل ٢٤ ساعة. كان فى حالة اصلاح واضافة بطارية جديدة. ارتبكت حياتى تماما وفقدت سبل الاتصال مع من اريدهم. إلى هذا الحد فرض الموبايل فى حياتنا ضرورة. لم يعد كماليات أو اسلوب وجاهه بل أصبح واجهة حياة ومخزن اسرار ويحقق لك أكبر مساحة من الخصوصية وهو شىء تتبارى فيه شركات الموبايل التى تتقن التجديد والاضافة إلى حد فتح الموبايل ببصمة الوجه. مجرد أن انظر فيه يفتح عالمه السحرى أمامى. وهناك بصمة صوت أيضا! ان للتكنولوجيا ألاعيبها إن صحت العبارة ولا نعرف مفاجآت الغد!

أعداء مصر الخمسة!
هذا عنوان كتاب مهم يحمل رؤية واقعية من أجل الإصلاح، وتأتى أهميته من أن كاتبه قاضٍ ورئيس محكمة الجنايات هو المستشار أمير رمزى.

يقول الكاتب «خطة زمنية محددة بوضوح للوقت الأنسب لهذه المعركة من أجل العلاج والتوقيت الأمثل لإنهائها.
ويحدد القاضى أمير رمزى الخطوات فى ٨ نقاط: تشخيص أعداء المجتمع ومتطلبات العلاج وأولوياته واختيار الشخص المناسب للمهمة والتعاون فى وحدة الصف ووضع خطة زمنية ومتابعة مستمرة حتى الإنجاز. ويقول «لا أخفى عليكم أن ما تقوم به مصر الآن فى سياستها الداخلية والخارجية جزء من النهوض المطلوب لمواجهة أعداء مصر».

وتأتى نقطة الفقر وهل هو −فى المجتمع− ملازم للجهل وقلة الوعى؟ ويرد الكاتب القاضى: «إن الفقر ليس دوما سببا للجهل. والعكس صحيح، فإن الفقر والجهل غالبا ما يتلازمان، فلا يمكن القول إن كل فقير جاهل ولا كل جاهل فقير، ولكن الجهل يأتى بالتبعية حالة من تدنى الوعى، هناك اسباب للبطالة ليس −فقط− من أسبابها تدنى الوعى، انما عدم توافر الاختصاصات المطلوبة من الكليات العلمية والعملية والمعاهد الفنية بما يناسب سوق العمل ومتطلباته ويصل الكاتب إلى «ان البطالة والكسل هما آفتا الفقر السريع».

يقول المؤلف: إن دولة كالصين وزعت الأنشطة على مختلف المدن، فمدن الشمال تخصصت فى صناعة السيراميك والأدوات الصحية، وتخصصت مدن اخرى فى صناعة الأثاث ومدن اخرى كان اهتمامها المنتجات الطبية، ولا يمكن أن نتجاهل أن هذا كان حادثا فى مصر بشكل أو اخر، وكان على مدار العقود الماضية راحت هذه التخصصات تتلاشى وأعتقد أن شبح الفقر يسود مناطق فى صعيد مصر أكثر من شمالها. لذلك يرى القاضى أمير رمزى لا من منصة القضاء إنما من منصة وطنية «ان تعيد الدولة توزيع المشروعات الكبرى على مستوى صعيد مصر حتى تتوقف (هجرة) أهل الصعيد للقاهرة والمدن الصناعية».

إن الجهل، عدو شرس من أعداء الدول وهو صانع الفقر. يقول المؤلف: «ان قاسم أمين قال إن الجاهل يستمد حكمه من احساسه وليس عقله».. ان الجاهل الذى يعنيه القاضى هو عديم الوعى الذى يسهل اقناعه بأى شىء!

يرى القاضى ان «كلما زاد عدد السكان زادت معاناة الدول فى نشر التعليم وزيادة الوعى. قال بتراند راسل: لا شىء يقف فى سبيل رفاهية العلم وسعادته  سوى الجهل والغباء!

ومنهج الدولة يحتاج لتذكيرها بأن سوق العمل يحتاج إلى مهنيين أو مندوبى مبيعات أو سائقين أو ممرضين فعلينا طرح معاهد دراستها سنة أو سنتين لتعليم تلك المهن بشكل متخصص فلا حاجة لسوق العمل بهذا الكم العددى من خريجى كليات الحقوق. الحاجة أكثر إلى كليات العلوم والتكنولوجيا. ان تدريس التكنولوجيا منذ الصغر بالمدارس يساعد على سرعة فهم التكنولوجيا التى أصبحت لغة العصر. يقول المؤلف: إن مكافحة ظلام العقول هو أخطر أنواع الجهل، بالتنوير، والتنوير الذى يعنيه هو الجرأة فى استخدام العقل فلا سلطان على العقل إلا الاخلاق والعلم والخبرة.

لذلك كانت (الفهلوة) منبوذة فى التربية والاستقواء بالسلطة مكروه والكراهية يسميها العلماء (طاعون المشاعر). يقول القاضى أمير رمزى فى صميم المهنة: قلة الاجتهاد والبحث لمعرفة الحقيقة أى «استعجال القاضى فى حكمه» غير مرغوب. والسلطة التقديرية هى حق لكل قاض ومن فى حكمه أن يقضى بما يراه وفقا للقانون ولكن له الميزان فى حكمه. فقد ينتهى القاضى أو المسئول إلى ادانة المحكوم عليه وبالفعل يكون الأخير مدانا وتقدير العقوبة يجب أن يكون بالميزان، فبقدر خطورة الجريمة وشراسة مرتكبيها يكون عقابه والعكس صحيح.

ويرى القاضى من منصة قانونية أن «تحديث التشريعات أصبح امرا حتميا لمواكبة متغيرات الحياة العصرية للقضاء على الظلم كالاعتداء على الأراضى وعدم توافر التسجيل السريع للملكية العقارية وما يترتب عليه من جرائم ومشكلات. يقول نزار قبانى «وهل شجر فى قبضة الظلم يزهر؟».

يرى المؤلف القاضى أن العدو الخامس لمصر هو الفوضى «حينما يفقد الجميع البوصلة وتحكم الأنا كل تفاصيل الحياة:.
إن المدرسة والبيت مسئولان عن السلوك التربوى عند النشء. ان سوء التربية يتمثل فى «أنا ومن بعدى الطوفان». انها الأنا التى تستفحل فى المجتمع. اين دور وزارة التربية والتعليم والأسرة والمسجد والكنيسة والانتماء للمجتمع والولاء للأرض. ويخاطب المستشار أمير رمزى قارئه: ان الدولة لا تستطيع العمل وحدها بل علينا «كل مواطن» أن يبذل قصارى جهده وان نكثف جميعا جهودنا لمحاربة اعدائنا الخمسة.

هذا كتاب مهم، قرأت صفحاته معكم وفى قلبى محبة لمصر لا توصف واعرف ان رئيس مصر «ساعات نومه قليلة» لانه دائم التفكير والتطوير والتحديث والتجديد. ان حلمه فى جمهورية جديدة تفرض أن نشاركه الحلم بعقولنا لا بنياتنا فقط. تفرض العمل الدؤوب لوطن يسكن فينا.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي