100 عام على إصدار قانون يحظر استخدامه

«إميلى».. سيدة الريش

منزل السيدة ويليامسون الذى شهد الاجتماع الافتتاحى للجمعية
منزل السيدة ويليامسون الذى شهد الاجتماع الافتتاحى للجمعية

كتبت: دينا توفيق 

امرأة ملهمة.. عاشقة للطيور والطبيعة.. تكره القسوة والوحشية.. متمردة، متحررة، امرأة لا تشبه أحدا؛ آمنت بحلم وسعت لتحقيقه.. لم يعرف اليأس طريقها؛ فى زمنها لم يكن صوت المرأة مسموعًا إلا أنها خاضت معارك وانتصرت؛ حتى باتت دليلا على أن شخصًا واحدًا يمكن أن يحدث فارقًا.. فزعت من اصطياد الطيور وغضبت لاستخدام ريشها فى خطوط الموضة، ولكنها رفضت الخضوع والرضوخ.. عقدت العزم على وقف تجارتها وتحدت أصحاب المصالح من التجار ومصنعى القبعات، لإنقاذ عدد لا يحصى من أنواع الطيور خوفًا من انقراضها، فأسست أكبر جمعية خيرية للحفاظ على البيئة فى المملكة المتحدة هى الإنجليزية "إميلى ويليامسون".

 

قد تكون ويليامسون من أشهر الشخصيات الإنجليزية التى لم تسمع عنها من قبل؛ ولكنها هى من استطاعت أن تحمى العديد من فصائل الطيور من الانقراض عندما كان جنون الموضة، يعتمد على تزيين القبعات بالريش والطيور الكاملة، آخذاً فى الانتشار كان ذلك عام 1889، بتأسيس جمعية حماية الطيور (SPB)، التى تعرف اليوم باسم "الجمعية الملكية لحماية الطيور" (RSPB). وبدأت القصة عندما راقبت ويليامسون طائرها المفضل "جريت كريستيد"، الذى جرى اصطياده بهدف التجارة والصناعة؛ حينها اكتشفت أن هناك بعض الطيور الأخرى يتم اصطيادها لنفس الغرض مثل طائر البلشون والجريبس ومجموعة من طيور الجنة الجميلة المهددة بالانقراض. وبحسب ما جاء فى تقرير هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، فزعت ويليامسون وتوسلت إلى اتحاد علماء الطيور البريطانيين (BOU)  لاتخاذ موقف ضد "صانعى القبعات"، ولكنهم تجاهلوا طلبها ورسائلها. لقد أخفقت ويليامسون فى محاولتها للانضمام إلى اتحاد علماء الطيور، الذى كان آنذاك مقتصرة عضويته على الرجال فقط، والذى أكد أن النساء لا يمكن أن يكن عالمات طيور جادات.
وسعت مرارًا وتكرارًا مع الجهات الرسمية وقتها، إلا أنها لم تلق استجابة؛ لكنها أصرت على إيجاد حل لهذه المشكلة، وفى إحدى حفلات الشاى التى كانت تقيمها ويليامسون البالغة من العمر 34 عامًا، دعت فيها مجموعة من النساء إلى منزلها فى ديدسبري، على مشارف مدينة مانشستر الإنجليزية، لإخبارهن عن مذبحة الطيور المنتشرة فى جميع أنحاء العالم التى زودت كل سيدة عصرية بقبعات يتدفق منها ريش النعام والبلشون، أو طيور الجنة بأكملها أو مجموعات من الطيور الطنانة الصغيرة بلون الجواهر، ومناقشة كيفية وضع حد لتجارة الريش. طلبت ويليامسون، التى وُلدت فى لانكستر، من أولئك الذين تجمعوا لتوقيع تعهد بـ"عدم ارتداء الريش"، وهو طلب كان سيثبت أنه لا يحظى بشعبية كبيرة فى ذلك الوقت، خاصة أن الطلب على الريش المحلى كان ضخمًا فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولكن بعد ذلك الاجتماع الذى عُقد فى منزلها، ازدهرت جمعية حماية الطيور، التى عُرفت لاحقًا باسم RSPB، وبات تعهدها قانونًا بعد أكثر من 30 عامًا، وبالتحديد فى 1 يوليو 1921، صدر قانون يحظر استيراد الريش، وينقذ العديد من أنواع الطيور من الانقراض. 


كان الريش هو الذى دفع ويليامسون إلى القيام بمزيد من العمل بعد تجاهل رسائلها التى كانت تحث اتحاد علماء الطيور البريطانيين على اتخاذ موقف. وعلى الرغم من دعم مجلة "بانش" البريطانية لقضية ويليامسون، إلا أنه كان هناك منشورات انتقادية؛ حيث انتقد محرر مجلة "نايتشر" عام 1891، محاولات ويليامسون الانضمام إلى اتحاد علماء الطيور وتحمل مثل هذا اللقب الطموح لـ"جمعية حماية الطيور" لمجموعة من السيدات. ولكن بعد ذلك بعامين، اندمجت الجمعية مع مجموعة أخرى من النساء؛ بقيادة ويليامسون و"إليزا فيليبس" و"إيتا ليمون" ومع دوقة بورتلاند، "وينيفريد آنا كافنديش-بينتينك"، كرئيسة، حيث بلغ عدد أعضاء الجمعية عشرة آلاف عضو بحلول عام 1893. وبحلول خريف عام 1892، بدا أنهم قد حققوا بعض النجاح؛ بينما كانت القبعات المزينة بالطيور والريش لاتزال معروضة للبيع، لم تعد موجودة فى كل متجر للقبعات، ولم تلق رواجها المعهود. ومع ذلك، كان على الجمعية معالجة قضية أخرى؛ وهى أن معظم علماء الطيور المؤثرين فى بريطانيا من الذكور، وكانت تجارة الريش وصناعة الأزياء والصحافة لاتزال يديرها الرجال، وكان الحل هو دعوة الرجال المؤثرين للانضمام إلى الجمعية باسم "Life Associates" ما أحدث فارقًا كبيرًا. وبحلول عام 1899، وصل عدد الأعضاء إلى 20 ألفا، وفى ذلك العام أكدت الملكة فيكتوريا، التى لم تكن تحب القسوة تجاه الحيوانات، أمرًا بمنع جيشها من ارتداء بخاخات ريش البلشون؛ تم استبدالها بريش النعام المستزرع، وفقًا لما ذكرته مجلة "تايم" الأمريكية.
وفى أواخر القرن التاسع عشر، كانت لندن مركز التجارة العالمية للريش، حيث استقبلت أرصفة موانيها كميات هائلة من جلود الطيور وريشها، وجذبت المبيعات المشترين الدوليين، حتى بلغت قيمة التجارة 20 مليون جنيه إسترلينى سنويًا (ما يقرب من 2٫5 مليار جنيه إسترلينى اليوم) ويتم قتل ما لا يقل عن 200 مليون طائر سنويًا فى جميع أنحاء العالم مقابل هذه الأرباح. فى عام 1887، كان تاجر واحد فى لندن يستحوذ على مليونى قطعة من جلد البلشون الأبيض. فيما قامت جمهورية ترينيداد فى البحر الكاريبى وحدها بتصدير 15 ألف طائر طنان أسبوعيًا فى القرن التاسع عشر. بينما كان هناك تجارة رائجة فى لندن عام 1911، حيث تم بيع ما يقرب من 25 ألف قطعة من جلود طائر طنان، وأكثر من 6 آلاف طائر من طيور الجنة، و2600 من جلود النسر، بالإضافة إلى ريش هذه الطيور. كما تم ذبح الطيور البريطانية أيضًا، بما فى ذلك طيور الخرشنة التى تعشش على شاطئ البحر ونباتات كيتيويك التى تعشش على جرف البحر، إلى جانب طيور الجريبس المائية الأنيقة، وطيور كورولا التى اشتهر ريشها الأسود والكستنائى الممدود حول الرأس والرقبة لأصحاب قبعات "tippit".
على الرغم من هذه الانتصارات الصغيرة التى حققتها الجمعية، بحلول القرن العشرين، إلا أن حملتها لم تقلل الطلب على الريش. ومع نجاحها السياسى المحدود، قررت الجمعية أن توجه طاقاتها للحصول على الدعم الملكى لحظر تجارة الريش، حتى حصلت الجمعية على لقب ملكى مع استلامها عام 1904 ميثاقا ملكيا من إدوارد السابع. واليوم، ما تبقى من هذه التجارة هو المبنى السابق لتجار الريش H. Bestimt and Co Ltd فى "هوكستون" بـ"إيست إند" لندن. وفى عام 1906، كتبت الملكة "ألكسندرا" إلى المجتمع للتعبير عن رفضها لارتداء الريش، داعمة تعهد ويليامسون الذى أثبت، باعتبارها أيقونة فى مجال الموضة، وتحظى بشعبية كبيرة، أنه بمثابة دفعة قوية لكسب النفوذ البرلماني. ومع ذلك، استمرت المحاولات لعرقلة تقدم ويليامسون وجمعيتها؛ فمع كل حجة يتم طرحها دعاة الحفاظ على البيئة من أجل حظر تجارة الريش يعارضها تجار القبعات وأنصارها، الذين زعموا أن مثل هذه المطلوبات كانت خاطئة، وأن الطيور كانت ستموت على أى حال. كانت هناك انتكاسة عام 1912 مرت بها الجمعية، عندما تم كسر نوافذ المتاجر من قبل البريطانيين ما أضعف التصويت لصالح القانون وإقراره. كانت هناك ضجة عامة ومخاوف بشأن الريش وجلود الطيور التى بدت غير منطقية سياسيًا. جاء التقدم السياسى الحقيقى عام 1920، عندما قدم السير "تشارلز يات" مشروع قانون الريش فى مجلس العموم، ولكن تم هزيمتها، وفى يوليو 1921 أقر البرلمان قانون (حظر) استيراد الريش؛ وأصبح قانونًا، بعد أكثر من ثلاثة عقود من مبادرة ويليامسون الأصلية. وتم السماح لعدد قليل من أنواع الطيور، بما فى ذلك النعام المستزرع وبط العيدر، التى كان ريشها يستخدم فى الفراش، وحظر القانون استيراد وتصدير الريش وجلود الطيور، ما كان له تأثير على لندن كمركز للتجارة الدولية، وضربة قاتلة له.
وعلى الرغم من دور ويليامسون وحفلات الشاى التى كانت تقيمها فى منزلها، التى تصدت لتجارة عالمية تقدر بعدة ملايين من الجنيهات الإسترلينية وحافظت على الطيور البريطانية وحول العالم من الانقراض، إلا أنها تم نسيانها إلى حد كبير. واليوم للاحتفال بالذكرى المئوية لإقرار القانون، تم العمل على وضع تمثال ويليامسون فى حديقة فليتشر موس بارك فى ديدسبرى بمنزلها السابق.

المصدر : مجلة آخر ساعه