حكايات| «نحن غرابا عك».. كيف كان حج العرب ما قبل الإسلام؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

حول الكعبة، وقبل 1442 عامًا، كان المكان يمتلئ بالحجاج مرددين كلمات غريبة «نحن غرابا عك عك.. عك إليك عانية.. عبادك اليمانية.. كيما تحج الثانية.. لبيك اللهم هبل.. لبيك يحدونا الأمل.. الحمد لك.. والشكر لك.. والكل لك.. يخضع لك.. لبيك اللهم هبل».

 

كمصريين لم تكن تلك الكلمات متداولة حتى خرج فيلم فجر الإسلام إلى النور حتى بات يتردد كثيرًا على الشاشة الصغيرة.. فما قصة هذا النشيد؟

 

ببساطة كانت هناك قبيلة يمنية اسمها «عك»، يَقصد أهلها الكعبة كل عام للحج، وكانوا يرسلون أمامهم عبدان من أصحاب البشرة السمراء يطوفان حول الكعبة وينشدان «نحن غرابا عك» أي (نحن عبدا قبيلة عك).

 

اقرأ أيضًا| بئر الشيخ حسين أبو خلف الله.. 4 قرون من علاج المس والعقم بقنا

 

وكانوا يطلقون قديمًا على العبد شديد الإسمرار «غراب» فيرد أهل القبيلة على العبدين أثناء طوافهم «عك إليك عانية» أي أن قبيلة عك جاءت إليك خاضعة، و«عانية» أي خاضعة مستسلمة.

 

 

أما عبادك اليمانية فتعني أي عبادك الذين جاءوا من اليمن،«كيما تحجّ الثانية» أي أننا جئنا لنحج مرة أخرى. وفي كل عام في موسم الحج كان المكان يشهد حجاج أكثر من قبيلة، يتضرعون للأصنام المتناثرة حول الكعبة، ولكل قبيلة نشيد خاص بها.

 

فكانت قببيلة حمير تردد قائلة: «لبيك أتيناك نصاح ولم نأتك ركاح»، أما قبيلة همدان فكانت تردد: «لبيك حقا حقا تعبد أو رقا إليك جئنا أتيناك للمناحة ولم نأتك للركاحة».

 

وما بين هذا وذاك، كانت قبيلة كندة تردد: «جعلتنا ملوكا خرجنا من ملكنا إليكا فوافق الناس الذين أتوكا»، ولكن النشيد الأشهر كان نشيد قبيلة عك، حتى في الأفلام التي تتحدث عن عصر صدر الإسلام دائما ما يستعينون بنشيد قبيلة عك.

 

قبيلة عك

 

وتنتسب القبيلة إلى عك بن عدنان بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، وبعضهم يضيف بين عك وعدنان اسمَ الديث - ويقال الذيب، ويقال الريث- فيكون الديث والداً لعك، وبعضهم يضيف الحارث، لكن الصواب هو أن عكاً ابنٌ مباشر لعدنان بن أدد.

 

تكلمت المصادر التاريخية عن نسب عك؛ فمنها الجازمة بنسبتها إلى عدنان بن أدد، ومنها التي ذكرت القولين بعدنانيتها وأزديتها مع ترجيح عدنانيتها.

 

هنا يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه (جمهرة أنساب العرب): «إلا أن الصحيح المحض الذي لا شك فيه، أن قبائل مضر وقبائل ربيعة ابني نزار، ومن تناسل من إياد ومن عك فإنهم صرحاء ولد إسماعيل -عليه السلام- ولا يصح ذلك لغيرهم البتة.»


عدد من العلماء تحدثوا عن سبب وقوع الخلاف في نسب عك بين العدنانية والأزدية، ومنهم الأشعري القرطبي في كتابه «التعريف بالأنساب»؛ حيث قال بوجود قبيلتين اسمهما عك  الأولى تنسب إلى عك بن عدنان بن أدد والذين من بطونهم الشاهد وعبد الله ونبت وصحار وغافق وساعد وغيرهم، والثانية تنسب إلى عك بن عدثان بن عبد الله بن زهران.

 

والحج شعيرة دينية موجودة من قبل الإسلام، فرضها الله على أمم سابقة مثل أتباع ملة النبي إبراهيم الذين كانوا على الحنفية، حيث جاء في في القرآن: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»، «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق».. كان الناس يؤدونها أيام النبي إبراهيم عليه السلام ومن بعده، لكنهم خالفوا بعض مناسك الحج وابتدعوا فيها، وذلك حين ظهرت الوثنية وعبادة الأصنام في الجزيرة العربية.

 

فريضة الحج من أفضل العبادات وأجل القربات، شرعها سبحانه إتمامًا لدينه، وشرع معها العمرة، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم إلى جانب فريضة الحج.

 

وفرض الحج على المسلمين في السنة التاسعة للهجرة، وتعود المناسك الحالية إلى الحجة الوحيدة التي قام بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهي ما تعرف بحجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، وفيها قام النبي بعمل مناسك الحج الصحيحة، وقال "خذوا عني مناسككم"، كما ألقى النبي خطبته الشهيرة التي أتم فيها قواعد وأساسات الدين الإسلامي.