عاجل

«مصر بلا غارمات».. طوق النجاة من السجون

 الغارمات
الغارمات

ظاهرة الغارمات ذات أبعاد اجتماعية خطيرة، تسلط الضوء على معدلات الفقر بين النساء، والنساء المعيلات للأسر، وتؤدى عواقب الظاهرة إلى تفاقم معدلات التفكك الأسري وتشرد الأطفال، لذلك تأسست مبادرة «مصر بلا غارمات» بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2018.

وأولى صندوق تحيا مصر اهتماماً خاصاً لهذا الملف، حيث عمل على تنفيذ عدة محاور رئيسية منها: الدعم الاجتماعى، والرعاية الصحية، والتمكين الاقتصادى، ودعم التعليم والتدريب. لتلك الفئات الأكثر احتياجًا.

وقد تم رصد ما يقرب من 30 مليون جنيه لتنفيذ تلك المبادرة، إضافة إلى الإفراج عن 6400 حالة من مختلف السجون حتى عام 2019، حيث رصدنا من خلال المبادرة قصص الغارمات التى أنقذت من غيابات السجون.

قصص إنسانية عاشت معها «الأخبار المسائى» للغارمات القصة الأولى كانت لـ «فتحية محمد» وهى سيدة غير متعلمة يعانى زوجها من أمراض عديدة وعملت بائعة للملابس ولكن مصروفات مرض زوجها مع احتياجات المنزل ونفقات أربعة أبناء أثقلت كاهلها فلجأت للقروض والاستدانة حتى تضاعفت الديون عليها لدرجة أنها رهنت أثاث بيتها وأجهزته، وأصبح بيتها خاويًا على عروشه ولم يبق فيه إلا سريرًا صغير وبوتاجاز شعلة ورغم ذلك لم يصبر عليها تجار الملابس الذين كانت تحصل منهم على بضاعتها فحبسوها بإيصالات الأمانة. 

أما محسنة مصطفى فهى سيدة سجنت بسبب ديون عليها ولجأت لإحدى الجمعيات لتساعدها على سداد ديونها وخرجت من السجن وبعد خروجها رفض أهلها بقائها معهم وزوجها تزوج عليها وعملت بعد ذلك فى مصنع. 

أما «منه على» أرملة وعمرها 37 سنة ولديها طفل وطفلة وزوجها توفى بسبب حسرته بعدما غرقوا بالديون لأنهم فتحوا مشروع هى وزوجها وكان المشروع ناجحًا بالبداية، ولكن بعد ذلك توقف المشروع، وبدأوا يستدينون من الغير ليقدروا على إكمال المشروع الذى يوفر نفقات أبنائهم إلا أن الديون تراكمت عليهم بشدة ورفع الديانة عليهم دعاوى قضائية حتى توفى زوجها لعدم احتماله على حد قولها وأصبحت وحدها وسط كل هذه الديون وباعت أثاث المنزل كله وتركت شقتها هى وأبناؤها وسكنت مع والدتها فى غرفة تحت السلم، لأنها لا تملك حق الإيجار وتدهورت حالتها المادية لدرجة أنها لم تملك حق الإيجار ولا أى أموال لإطعام أطفالها وكانت مهددة بالحبس لولا أنها نجحت عبر إحدى الجمعيات الخيرية فى سداد الديون المتراكمة عليها وتبدأ الآن مشروع لتنفق منه على أولادها.

مصر بلا غارمات

ولذا تم طرح مشروع قانون إلغاء الحبس للغارمين والغارمات وتم تقديم مشروع القانون والموافقة عليه بمجلس النواب وحسبما ذكر المجلس القومى لحقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن هذا القانون بدأ منذ انطلاق مبادرة «مصر بلا غارمات» والتى أطلقها الرئيس السيسى عام 2014 لتوفير الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعى وتمكين الغارمين والغارمات اقتصاديًا بتوفير فرص عمل نمطية وغير نمطية لضمان حياة كريمة ورغم أن هذه المبادرة لها دعم مادى واجتماعى إلا أنها ليس لها دعم تشريعى. 

وينص مشروع القانون على إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا الغارمين والغارمات لتحقيق أهداف المبادرة الرئاسية ومراعاة لحقوق الإنسان ومقتضيات العدالة الاجتماعية بإعادة تأهيل المحكوم عليه كما أن مشروع القانون ينتهج بديل العمل لصالح المجتمع عن الحبس قصير المدة وإيقاف تنفيذ العقوبة كبديل عقابى منصوص عليه طبقًا للمادة 17 من قانون العقوبات المتعلقة بحق استخدام الرأفة.

كما أن المادة 18 من قانون العقوبات نصت على أن لكل محكوم عليه بالحبس البسيط لمدة لا تتجاوز 6 أشهر أن يطلب بدلاً من تنفيذ عقوبة الحبس عليه تشغيله خارج السجن إلزام المحكوم عليه بالقيام بأعمال معينة لخدمة المجتمع خلال المدة التى تقررها المحكمة.

كما تنص التعديلات على تغيير المادة رقم 341 من قانون العقوبات واستبدال تنفيذ العقوبة داخل السجن بالعمل فى الخدمة المدنية خارج السجن مع شطب السابقة التى يسجن بسببها الغارم أو الغارمة بسبب إيصال أمانة من صحيفة الحالة الجنائية الخاصة بها.

ونص مشروع القانون على تحويل عقوبة الحبس فى قضايا الدين للعمل فى إطار مشروعات صغيرة ومتوسطة ويتم تشغيل المحكوم عليهم من الغارمين والغارمات للمساهمة فى الدين وتحقيق دخل للمحكوم عليه خلال تلك الفترة.

فك كرب الغارمين

ويقول محمد السعيد الأسود رئيس مبادرة "فك أسر الغارمات، أن الجمعيات الأهلية تقدم مساعدات للغارمين والغارمات بأعداد كبيرة، حيث تم فك كرب أكثر من 69 ألف غارم وغارمة من خلال الجمعيات الأهلية.

كما نجح صندوق تحيا مصر فى فك كرب 5 آلاف غارم وهذا يقلل العبء على ميزانية الدولة لأن السجين يكلف الدولة 4 آلاف جنيه شهرياً أى أن الـ 73 ألف غارم وغارمة وبوجه عام رعاية السجناء تكلف الدولة 292 مليون جنيه شهرياً بواقع 3.5 مليار جنيه سنويًا ويتم طرح هذا القانون لتخفيف العبء عن الحكومة، حيث يتم تشغيل الغارم ويسدد الغرامة الواقعة عليه فى نفس الوقت.

وأضاف السعيد قائلاً: "الغارمين والغارمات من أكثر الفئات التى تحتاج للمساعدة  لأنهم سجنوا بسبب الديون التى تراكمت عليهم لأسباب كثيرة فأغلب حالات الغارمات يكون سبب حبسها أنها تجهز أحد أفراد أسرتها أما أغلب الغارمين فسبب حبسهم أنهم يرممون شىء ببيتهم فأحد الغارمين تم حبسه لأنه كان يكمل تجهيز شقة ابنه ليسكن فيها، وحالة غارم آخر أنه تم حبسه لأنه اشترى جاموسة بموجب ايصالات أمانة حررها على نفسه لعمل مشروع يكتسب منه ثم ماتت لذا تم حبسه وحالة آخرى لسيدة تم سجنها لأنها اشترت ثلاجة ولم تقدر على سداد ثمنها". 

بعض الجمعيات تنصب على الغارمين

وكشف السعيد أن بعض الجمعيات الأهلية تشارك فى عمليات النصب على هؤلاء الغارمين واستغلال احتياجهم للمال ومضاعفة الديون عليهم لأن هذه الجمعيات تعطى مساعدات فى صورة قرض حسن لهؤلاء الغارمين وتعرض على الغارم إما أن يقسط المبلغ أو أن يرده للجمعية بفائدة، والكارثة أن الفائدة تكون أعلى من فوائد البنوك لذا فهذا القرض لو كانت قيمته 3 آلاف جنيه تصبح فجأة 5 آلاف جنيه ثم 6 آلاف جنيه فيعجز الغارم أو الغارمة عن السداد فتقاضي الجمعية صاحبة القرض الغارم أو الغارمة بشيكات ويتم حبس الغارم أو الغارمة أو يصدر ضدهم أحكام بالحبس غيابية لذا تتحول هذه الجمعيات أداة لحبس الفقراء بدل من مساعدتهم لذا لا بد أن تدرك منظمات المجتمع المدنى أن دورها هو مساعدة هذه الفئة لأن هذه الفئة غير قادرة على سد احتياجاتها الأساسية.  

أما عن أعداد الغارمين والغارمات فلا يوجد حصر بأعداد الغارمين والغارمات ويعزز القانون الجديد البعد الإنسانى لهذه الفئة فهم فئة لم ترتكب جريمة ولم تقصد ارتكابها ولذا لا بد أن يتم رفع التوعية القانونية للمواطنين كى لا يقع ضحية هذه الجمعيات النصابة ومشروع القانون هو إنسانى ولا يهدف لعدم معاقبة الغارم لأنه عند منع العقوبة عن الغارم فكثير منهم سيستغل الوضع ويحصل على مبالغ مالية دون أن يحاسبه أحد لذا فالقانون لم يلغى العقاب ولكن حوله لعمل مشروع يفيد المجتمع يعمل فيه الغارم. 

وطالب السعيد بأن يتم عمل توعية قانونية للمواطنين حتى لا يسقطوا كضحايا لهذه الجمعيات التى تقرضهم بفوائد مركبة وتشديد الرقابة عليها ووضع معايير لهذه الجمعيات لتصبح مثل البنوك والنقابات التى تعطى قروض حسنة لأعضائها أو عملائها وبالتالى تصبح مراقبة من الجهاز المركزى للمحاسبات.

سجناء الفقر

وتقول نوال مصطفى رئيس جمعية "أطفال السجينات" إن فكرة القانون تقوم على العقوبة البديلة باستبدال عقوبة الحبس بالخدمة العامة ويأتى ذلك فى إطار إنشاء الرئيس السيسى للجنة الوطنية للغارمين والغارمات لتغيير أوضاعهم فى مصر وتوفير حياة أفضل لهم.

وترى نوال مصطفى أن المساعدة المالية ليست هى الحل النهائى والحاسم لهذه الأزمة ولكن لا بد من إتاحة فرص عمل طويلة الأمد للغارمات حتى لا يلجأ للاقتراض مرة أخرى بتدشين مشروعات صغيرة تتبناها الجمعيات الأهلية حتى لا يقع هؤلاء الغارمين والغارمات فى فخ الديون مرة أخرى.

كما أن بداية حل أزمة الغارمات المتزايدة بمصر هو وضع تعريف واضح ومحدد لكلمة الغارمات للتفريق بينهن وبين من يستغلون القضية للتربح فالغارمين والغارمات هم «سجناء الفقر» لأن الفقر هو سبب استدانتهن. 

وترى الدكتورة حنان أبو سكين الاستاذ بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية, أن الغارمين هم أشخاص يستدينون من أجل أبنائهم وتحقيق أبسط متطلباتهم فى الحياة بما يفوق طاقتها لذا فهى لا ترتكب جريمة ومشروع القانون يطرح هذا المبدأ على أن يتم ربط الدين الخاص بكل حالة بالعمل الذى ستؤديه فى المجتمع والخدمة العامة وبذلك ستصبح السجون  «بلا غارمين».

وتابعت الدكتورة حنان قائلة إن مشروع القانون يمكن أن يطرح قيام البنوك مثل بنك ناصر الاجتماعى مثلًا فى أقراض هذه الفئات بنسبة فائدة قليلة وعلى مدة سداد طويلة الأجل وتكون هذه القروض لتجهيز العرائس لأن أبرز أسباب ظاهرة الغارمين والغارمات هى نفقات الزواج لأن تلك المرحلة العمرية تحتاج لمبالغ مالية ضخمة كما يجب توعية المجتمع بعدم المغالاة فى تكاليف الحياة الزوجية.  

أما الدكتور كريم العمدة أستاذ الاقتصاد الدولى قال إنه لا بد من تبني حملات لمناهضة التكاليف الباهظة للزواج لأن هذه التكاليف هى أحد أسباب الاستدانة كما يجب استبدال العقوبات الجنائية للغارمات بالعمل فى المصانع والمزارع التابعة لمصلحة السجون المصرية لتتمكن الغارمات من سداد الديون وتوفير دخل ثابت لأسرهم. 

وناشد العمدة المجلس القومى للمرأة أن يحصل على قروض من البنك المركزى لتدعيم هذه السيدات بعمل مشروع لهن كما يجب أن تقوم وزارة التضامن الاجتماعى بعمل معارض توفر الإثاث وكل احتياجات المنزل الجديدة بأسعار رمزية لأن نفقات الزواج العالية أهم أسباب حبس الأمهات.