خواطر عامة حول إعادة طباعة الترجمات القديمة

د. مصطفى صفوان
د. مصطفى صفوان

الترجمة‭ ‬فعل‭ ‬مثاقفة‭ ‬اجتماعى‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬لغوى‭ ‬هجين‭. ‬وهى‭ ‬تتطلب‭ ‬موهبة‭ ‬تصقل‭ ‬بالدربة‭ ‬والتجربة‭ ‬العملية‭. ‬ومما‭ ‬يساعد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬كثرة‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬كبار‭ ‬المترجمين‭ ‬ودراسات‭ ‬النقاد‭ ‬والمنظرين‭. ‬نعم‭ ‬هى‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬مترجما‭ ‬جيدا،‭ ‬لكنها‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬صقل‭ ‬موهبة‭ ‬المترجم‭ ‬وإشعاره‭ ‬بأهمية‭ ‬الحقل‭ ‬الذى‭ ‬تخصص‭ ‬فيه‭. ‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬فإننى‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬تجارب‭ ‬المترجمين‭ ‬وترجماتهم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قديمة‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أننى‭ ‬عندما‭ ‬اترجم‭ ‬أجد‭ ‬اقتباسات‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ترجمت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬ولذا‭ ‬فإننى‭ ‬أبحث‭ ‬فى‭ ‬الترجمات‭ ‬لأشير‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬الاقتباس‭ ‬فيها‭. ‬وسبب‭ ‬ذلك‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬اترجم‭ ‬فى‭ ‬فراغ‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬ثقافى‭ ‬رصين‭ ‬ومستقر‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬جهود‭ ‬السابقين‭ ‬فيه‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إننى‭ ‬اسعى‭ ‬لتشبيك‭ ‬ترجمتى‭ ‬بالترجمات‭ ‬السابقة‭ ‬بهدف‭ ‬المساعدة‭ ‬فى‭ ‬التراكم‭ ‬المعرفى‭ ‬الحادث‭ ‬الآن‭. ‬

وبالطبع‭ ‬فإننى‭ ‬أكتشف‭ ‬أخطاء‭ ‬كثيرة‭ ‬إبان‭ ‬مراجعتى‭ ‬للترجمات‭ ‬القديمة،‭ ‬وللعلم‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء‭ ‬يشوه‭ ‬الأصل‭ ‬بدرجة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصورها‭ ‬دون‭ ‬اطلاع‭. ‬وآخر‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء‭ ‬الكبيرة‭ ‬هى‭: ‬ارسالة‭ ‬منطقية‭ ‬فلسفية‭ ‬للودفيج‭ ‬فيتجنشتاين‭ ‬بترجمة‭ ‬عزمى‭ ‬إسلام‭. ‬وكتاب‭ ‬اما‭ ‬فوق‭ ‬مبدأ‭ ‬اللذة‭ ‬لسيجموند‭ ‬فرويد‭ ‬بترجمة‭ ‬إسحاق‭ ‬رمزي‭. ‬وكتاب‭ ‬االتحليل‭ ‬النفسى‭ ‬لرُهاب‭ ‬الأطفالب‭ ‬لفرويد‭ ‬أيضا‭ ‬بترجمة‭ ‬جورج‭ ‬طرابيشى‭. ‬

وفرويد‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شوهت‭ ‬ترجماته‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭. ‬وليس‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ترجمات‭ ‬فرويد‭ ‬سيئة،‭ ‬فهناك‭ ‬ترجمة‭ ‬تعد‭ ‬نموذجا‭ ‬يحتذى،‭ ‬وهى‭ ‬ترجمة‭ ‬مصطفى‭ ‬صفوان‭ ‬لكتاب‭ ‬اتفسير‭ ‬الأحلامب‭ ‬لفرويد‭. ‬وهى‭ ‬ترجمة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬وتجعلنى‭ ‬اتأسف‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يواصل‭ ‬ترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬فرويد‭. ‬وميزة‭ ‬ترجمة‭ ‬صفوان‭ ‬لكتاب‭ ‬اتفسير‭ ‬الأحلامب‭ ‬درجات‭ ‬التجويد‭ ‬التى‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬الترجمة؛‭ ‬حيث‭ ‬ترجمها‭ ‬بداية‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬الألمانى،‭ ‬تحديدا‭ ‬عن‭ ‬الطبعة‭ ‬الثامنة‭ ‬وهى‭ ‬آخر‭ ‬طبعة‭ ‬صدرت‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬فرويد‭ ‬وبها‭ ‬آخر‭ ‬تنقيحاته‭ ‬وزياداته‭. ‬ولأن‭ ‬صفوان‭ ‬عالم‭ ‬متخصص‭ ‬ويتقن‭ ‬الألمانية‭ ‬والعربية‭ ‬فإن‭ ‬ترجمته‭ ‬هذه‭ ‬جاءت‭ ‬نموذجا‭ ‬فى‭ ‬بابها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬اللغة‭ ‬والاصطلاحات‭. ‬ثم‭ ‬زاد‭ ‬الأمر‭ ‬إعجازا‭ ‬بأن‭ ‬راجع‭ ‬ترجمته‭ ‬هذه‭ ‬على‭ ‬الترجمة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التى‭ ‬ترجمها‭ ‬ستراشى‭ ‬بمعاونة‭ ‬آنّا‭ ‬فرويد‭ ‬شخصيا،‭ ‬وأضاف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الترجمة‭ ‬ما‭ ‬وجده‭ ‬مهما‭ ‬فى‭ ‬الهوامش‭ ‬والملاحق‭ ‬والمقدمة‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بالطبع‭. ‬وظنى‭ ‬أنه‭ ‬قام‭ ‬أيضا‭ ‬بمراجعة‭ ‬الترجمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ومنها‭ ‬نقل‭ ‬النصوص‭ ‬الفرنسية‭ ‬التى‭ ‬وضعها‭ ‬فى‭ ‬الهوامش‭. ‬وبعد‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬قام‭ ‬أستاذه‭ ‬العالم‭ ‬الجليل‭ ‬مصطفى‭ ‬زيور‭ ‬بمراجعة‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الترجمة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬المذكورة‭. ‬شيء‭ ‬معجز‭ ‬حقًا‭ ‬ويجعلنا‭ ‬كمترجمين‭ ‬ومتخصصين‭ ‬دائمى‭ ‬الخوف‭ ‬والهلع‭ ‬عند‭ ‬ترجمة‭ ‬النصوص‭ ‬التأسيسية‭ ‬للثقافة‭ ‬المعاصرة‭. ‬ويا‭ ‬ليته‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬واصل‭ ‬ترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬فرويد‭ ‬الأخرى‭! ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬فعل‭ ‬لأتحف‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬بمجموعة‭ ‬فذة‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬ولأنقذنا‭ ‬من‭ ‬تشويه‭ ‬الترجمات‭ ‬الأخرى‭ ‬وفسادها‭!‬

‭>>>‬

والسؤال‭ ‬الآن‭: ‬إذا‭ ‬عرض‭ ‬عليّ‭ ‬تصحيح‭ ‬أى‭ ‬ترجمة‭ ‬سابقة‭ ‬أو‭ ‬مقارنتها‭ ‬بالأصل‭ ‬الألمانى‭ ‬فهل‭ ‬أفعل؟‭ ‬وأجابتى‭ ‬هنا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالمؤلفين‭ ‬والمترجمين‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬أحياء‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭! ‬فإذا‭ ‬كانوا‭ ‬أحياء‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬معهم‭ ‬وأخذ‭ ‬الإذن‭ ‬منهم‭. ‬وفقط‭ ‬بعد‭ ‬الموافقة‭ ‬أشرع‭ ‬فى‭ ‬مراجعة‭ ‬الترجمة‭. ‬أما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬المترجم‭ ‬قد‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬وكذلك‭ ‬المؤلف‭ (‬كما‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬جورج‭ ‬طرابيشى‭ ‬وفرويد،‭ ‬وعزمى‭ ‬إسلام‭ ‬وفيتجنشتاين،‭ ‬وإسحاق‭ ‬رمزى‭ ‬وفرويد‭) ‬فسوف‭ ‬أرفض‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬وانصح‭ ‬غيرى‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬بالأمر‭ ‬نفسه؛‭ ‬لأن‭ ‬إقدام‭ ‬أى‭ ‬مترجم‭ ‬على‭ ‬هكذا‭ ‬عمل‭ ‬يعد‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬جريمة‭ ‬ثقافية‭! ‬ورأيى‭ ‬هذا‭ ‬مرتبط‭ ‬بفهمى‭ ‬للترجمة‭ ‬كمهنة‭ ‬وحرفة‭ ‬وفن‭. ‬

د‭. ‬حسن‭ ‬عثمان

والترجمة،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬كلامى‭ ‬هنا،‭ ‬افعل‭ ‬مثاقفة‭ ‬اجتماعى‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬لغوى‭ ‬هجين‭. ‬وهى‭ (‬فعل‭) ‬لأنها‭ ‬بمثابة‭ ‬صراع‭ ‬ثقافى‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المترجم‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬ثقافته‭ ‬ومجتمعه‭ ‬الخاص‭ ‬مع‭ ‬نص‭ ‬يخص‭ ‬مجتمع‭ ‬أخر‭ ‬وثقافة‭ ‬أخرى‭. ‬وهو‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬بغرض‭ (‬المثاقفة‭) ‬وزيادة‭ ‬التفاهم‭ ‬والتعارف‭ ‬بين‭ ‬المجتمعين؛‭ ‬مجتمع‭ ‬النص‭ ‬ومجتمع‭ ‬الترجمة‭! ‬وهو‭ ‬اجتماعى‭ ‬أيضًا‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬فى‭ ‬فراغ‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬ثقافى‭ ‬اجتماعى‭ ‬يتأثر‭ ‬به‭ ‬المترجم‭ ‬ويؤثر‭ ‬فيه‭ ‬بفعله‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الترجمة‭. ‬أما‭ (‬الطابع‭ ‬اللغوى‭) ‬المقصود‭ ‬هنا‭ ‬فهو‭ ‬يخص‭ ‬المترجم‭ ‬تحديدًا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الترجمة‭ ‬مهمة‭ ‬لغوية‭ ‬صعبة‭ ‬وعلى‭ ‬المترجم‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬مستويين‭. ‬فالترجمة‭ ‬تعتمد‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التأويلية‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬سياق‭ ‬النص‭ ‬الأصلى‭ ‬فى‭ ‬لغة‭ ‬مختلفة‭ ‬وثقافة‭ ‬مختلفة‭. ‬والفهم‭ ‬يعنى‭ ‬هنا‭ ‬فهم‭ ‬التراكيب‭ ‬اللغوية‭ ‬والمصطلحات‭ ‬الخاصة‭ ‬للنص‭ ‬الأصلى‭ ‬ثم‭ ‬سياقاته‭ ‬المختلفة‭. ‬ويكتمل‭ ‬دور‭ ‬المترجم‭ ‬عندما‭ ‬ينجح‭ ‬فى‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬سياق‭ ‬النص‭ ‬الأصلى‭ ‬فى‭ ‬أفق‭ ‬لغته‭ ‬الأم‭. ‬والنجاح‭ ‬هنا‭ ‬يتطلب‭ ‬النقل‭ ‬الدقيق‭ ‬والأمين‭ ‬لمعانى‭ ‬العمل‭ ‬الأصلى‭ ‬وروحه‭ ‬الخاص‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬لغة‭ ‬واضحة‭ ‬وقادرة‭. ‬القضية‭ ‬الملغزة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬عندما‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬يطبع‭ ‬النص‭ ‬المترجم‭ ‬بطابعه‭ ‬الخاص‭. ‬فالنص‭ ‬المترجم‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬هو‭ ‬نص‭ ‬هجين‭ ‬أو‭ ‬نص‭ ‬بينى‭ ‬إن‭ ‬شئنا‭ ‬الدقة،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬فقط‭ ‬روح‭ ‬مؤلفه‭ ‬وخصائصه‭ ‬اللغوية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬روح‭ ‬المترجم‭ ‬وخصائصه‭ ‬اللغوية،‭ ‬وكيفية‭ ‬تركيبه‭ ‬للجمل‭ ‬واختياره‭ ‬للمفردات‭. ‬وهذه‭ ‬الخصائص‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬اسميه‭ ‬بالطابع‭ ‬اللغوى‭ ‬أو‭ ‬البصمة‭ ‬الخاصة‭ ‬للمترجم‭!‬

وعندما‭ ‬يموت‭ ‬المترجم‭ ‬تتحول‭ ‬ترجماته‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬بصمته‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬الترجمة‭ ‬الجديد‭ ‬مثله،‭ ‬والذى‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬يعامل‭ ‬مثل‭ ‬تراث‭ ‬الترجمة‭ ‬القديم،‭ ‬فلا‭ ‬يحق‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ (‬يلعب‭) ‬فى‭ ‬متنه‭ ‬الترجمى،‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬شاهد‭ ‬ثقافى‭ ‬على‭ ‬عصره‭ ‬ومترجمه‭ ‬وحال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وقت‭ ‬الترجمة‭. ‬ولذا‭ ‬فما‭ ‬يسمى‭ ‬بمراجعة‭ ‬هذه‭ ‬الترجمات‭ ‬على‭ ‬أيدى‭ ‬محررين‭ ‬أو‭ ‬مترجمين‭ ‬جدد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تشويه‭ ‬لكل‭ ‬هذا؛‭ ‬تشويه‭ ‬لمساهمة‭ ‬المترجم‭ ‬الأصلى‭ ‬وتعدى‭ ‬على‭ ‬تراثه‭ ‬الخاص،‭ ‬وتشويه‭ ‬للنص‭ ‬المترجم‭ ‬كشاهد‭ ‬على‭ ‬عصره‭ ‬لغويا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬وتشويه‭ ‬للأسلوب‭ ‬العلمى‭ ‬وللتقاليد‭ ‬الثقافية‭ ‬الراسخة‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بإعادة‭ ‬نشر‭ ‬تراث‭ ‬الترجمة‭ ‬القديم‭ ‬والجديد‭. ‬

فمن‭ ‬يريد‭ ‬إعادة‭ ‬طبع‭ ‬أى‭ ‬ترجمة،‭ ‬أصبحت‭ ‬تراثا‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬صاحبها،‭ ‬لديه‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬خيارين‭ ‬لا‭ ‬غير؛‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬طبع‭ ‬الترجمة‭ ‬كما‭ ‬هى‭ ‬دون‭ ‬تدخل،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يحققها‭ ‬كأى‭ ‬نص‭ ‬تراثي‭. ‬أى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬للمحقق‭ ‬أى‭ ‬دخل‭ ‬بالمتن،‭ ‬وله‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬فى‭ ‬الهوامش‭! ‬

فلو‭ ‬كنت‭ ‬محررا‭ ‬وأردت‭ ‬إعادة‭ ‬طباعة‭ ‬االكوميديا‭ ‬الإلهيةب‭ ‬بترجمة‭ ‬المترجم‭ ‬الكبير‭ ‬حسن‭ ‬عثمان‭ () ‬فإننى‭ ‬سأتعامل‭ ‬معها‭ ‬بالضبط‭ ‬مثل‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ترجمات‭ ‬حنين‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬أو‭ ‬بشر‭ ‬بن‭ ‬متى‭ ‬أو‭ ‬غيرهما‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬المترجمين‭ ‬فى‭ ‬تراثنا‭ ‬القديم‭. ‬فمن‭ ‬الخطأ‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬أننى‭ ‬سأراجع‭ ‬ترجمة‭ ‬حنين‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬على‭ ‬أصلها‭ ‬اليونانى‭ ‬وأحررها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬حتى‭ ‬تتناسب‭ ‬وعصرنا‭. ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬أحققها‭ ‬كنص‭ ‬تراثية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الترجمات‭ ‬القديمة‭ ‬بالفعل؛‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها‭ ‬كنصوص‭ ‬تراثية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬باحثين‭ ‬كبار‭ ‬مثل‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بدوى‭. ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬فلتة‭ ‬عصرى‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬أبين‭ ‬عبقريتى‭ ‬فأمامى‭ ‬التجربة‭ ‬المذهلة‭ ‬لشكرى‭ ‬عباد‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بتحقيق‭ ‬ترجمة‭ ‬بشر‭ ‬بن‭ ‬متى‭ ‬لكتاب‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬لأرسطو‭ ‬ولكن‭ ‬قابلها‭ ‬بترجمة‭ ‬حديثة‭ ‬أنجزها‭ ‬هو‭ ‬عن‭ ‬اليونانية‭ ‬مباشرة‭. ‬فلله‭ ‬دره‭ ‬لأنه‭ ‬أعجز‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬بأن‭ ‬ضرب‭ ‬مثلا‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬مجاراته‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬

فإعادة‭ ‬نشر‭ ‬تراث‭ ‬الترجمة‭ ‬الجديد‭ ‬لا‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬يختلف‭ ‬فى‭ ‬تقاليده‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬تراثها‭ ‬القديم‭. ‬ولهذا‭ ‬فما‭ ‬يفعله‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬فى‭ ‬سلسلة‭ ‬اتراث‭ ‬الترجمةب‭ ‬أمر‭ ‬محمود‭ ‬ومشكور؛‭ ‬لأنه‭ ‬يعيد‭ ‬نشر‭ ‬الترجمة‭ ‬كما‭ ‬هى‭ ‬ولا‭ ‬يتدخل‭ ‬فى‭ ‬متنها،‭ ‬وفقط‭ ‬مقدمة‭ ‬جديدة‭ ‬ممن‭ ‬يوكل‭ ‬له‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الطبع‭. ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬أحاول‭ ‬فعله‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬ترجمات‭ ‬المازنى‭ ‬القديمة‭ ‬ضمن‭ ‬أعماله‭ ‬الكاملة‭ ‬التى‭ ‬ينشرها‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬بتحقيقى‭. ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬استطيع‭ ‬التدخل‭ ‬فى‭ ‬متن‭ ‬ترجمات‭ ‬المازنى،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمكننى‭ ‬فعله‭ ‬كمحقق‭ ‬سيكون‭ ‬فى‭ ‬الهوامش‭ ‬ولهذا‭ ‬تحديدا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬الهوامش‭!.‬

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا