فنجان قهوة

زمن القوة 

يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى

من الإنصاف أن يُكتب التاريخ ويَكتب عن هذه الفترة التى تمر بها دولة مصر بأنها زمن عصر القوة. بسرعة مذهلة وامكانات لم تكن متاحة تسترد مصر نضارتها ومكانتها فى الداخل بمشروعات عظيمة وفى أفريقيا بتحركات ذكية وفى العالم العربى بقرارات حكيمة وفى الشرق الأوسط بإيقاعات منضبطة وفى العالم بالسياسة طويلة النفس.
فى ليلة ٢٦ يونيو ٢٠١٣ (من ثمانى سنوات فقط) كان كل ماسبق هو المستحيل ذاته، من كان يصدق أن بلدا لا يملك قمحا يكفيه شهرا وطوابير بلا نهاية لتوفير البنزين فى كل مكان فى مصر واحتياطى نقدى يقترب من الصفر.. يمكنه أن يحلم أو أن يتنفس!
هذه ليلة فاصلة بين كوميديا سوداء تدعو للضحك والبكاء من قمة العبث ومنتهى الفوضى.. وبين فاصل نعود بعده إلى مصر القوية من جديد.. فى هذه الليلة كانت مصر تعيش تحت سماء غاب عنها القمر والنجوم، شديدة السواد والكآبة والحزن. لا أحد يعرف ماذا بعد؟ ماذا بعد من فصول أخرى ليس بها أدنى فكرة عن الغد وعن المستقبل وعن الحياة!
فى الغرف المغلقة التى لا نعرف ماذا دار بها ويمكن اليوم أن نتصور جزءا مما كان يدور فيها.. كان هناك سيناريوهات قليلة للحل، كلها تكاد تكون مستحيلة، تحتاج قوة لا تخاف ولا تتراجع وتحتاج أكثر إلى الله.
ليلة هى ذاتها الخط الأحمر.. نفس الخط الأحمر الذى يستخدمه صاحبه حتى اليوم فى أزمات تخص مشاكل سياسية حادة. خط أحمر مابين الفوضى والأمان، مابين الضياع والاستقرار، مابين الخوف والشجاعة.. من هذه الليلة صكت عبارة (خط أحمر) على يد الفريق السيسى فى رسائل أمان إلى شعب يبحث عن منقذ شجاع.
على بعد ثمانى سنوات من هذا (الخط الأحمر) لم يكن الأمر أبدًا سهلا، ليس بهذه البساطة التى أكتب بها ولا بنعومة مرور السنوات التى مضت فى مرحلة العلاج والنقاهة واسترداد الصحة والعافية.. من هذه الليلة بدأت صناعة مصر الحديثة، عصر جديد من النهضة التى تساوى قيمة وثراء وقامة مصر، زمن نكون أو نكون، نحيا ونمر ونبدع ونكبر.
كان للأستاذ لينين الرملى رواية مسرحية عن رجل يفقد ذاكرته سنوات ثم يستردها بعد ذلك دون أن يعرف ماذا حدث فى سنوات توقف ذاكرته، إذا طبقنا خيال الرملى على ماحدث مابين ليلة ٢٦ يونيو ٢٠١٣ وليلة ٢٦ يونيو ٢٠٢١، سوف تكون الرواية مثيرة بالخيال.. لكنه خيال لم يتفوق على الواقع، بالواقع أن مصر الليلة أكبر وأعظم بكثير من خيال أى مؤلف موهوب.