70 عاما من العطاء | الرئيس يبني مدينة للثقافة.. والوزيرة تتجاهل طرد نادي القصة

وزيرة الثقافة
وزيرة الثقافة

لم أكن أتوقع يوما أن أشارك في جرم بهذا الحجم، فمنذ نعومة أظافري وأنا أنظر لهؤلاء الرواد وهذا المكان على أنه كوكب مستقل يعيش على أرض مصر لما يضمه من أسماء عظيمة، فالكاتب العظيم إحسان عبد القدوس حين فكر في إنشاء نادي القصة عما 1950 كانت الفكرة فى حد ذاتها عمل إبداعي، وكما يذكر التاريخ أنه خلال هذه الفترة هرع العظيم إحسان عبد القدوس إلى البكباشي يوسف السباعي في مكتبه بسلاح الفرسان بكوبري القبة وعرض عليه فكرته .. مشروعه .. وهي إنشاء نادٍ للقصة يستقطب فرسان هذا الفن الجميل الآخذ في الازدهار في أنحاء مصر.. تردد السباعي فدعاه عبد القدوس لتناول الشاي فى منزله وجًيَّش العديد من المثقفين آنذاك في حجرة الاستقبال  بمنزله .. ليعاونوه في تنفيذ الفكرة، كان من بينهم:(عبد الحميد جودة السحار .. صلاح ذهني .. محمد عبد الحليم عبد الله .. نجيب محفوظ .. علي أحمد باكثير .. أمين يوسف غراب). وبفضل الجهد المضني للسباعي وإحسان وغيرهما أصبح نادي القصة بعد سنوات قليلة أهم منتدياتنا الأدبية.


 بعد ذلك عرض السباعي وإحسان فكرة المشروع على الكبار: طه حسين.. توفيق الحكيم..محمود تيمور.. فأبدوا أيضا حماسهم ليتشكل أول مجلس إدارة للنادي  من 12 عضوا.. حضر اجتماعه  الأول تسعة هم : ( طه حسين .. توفيق الحكيم ..إحسان عبد القدوس ..يوسف السباعي .. علي أحمد باكثير ..صلاح ذهني ..محمد عبد الحليم عبد الله .. يوسف غراب ..محمد فريد أبو حديد .. نجيب محفوظ .. ..محمود تيمور ..عبد الحميد جودة السحار) وعقد أول اجتماع للمجلس في الخامس والعشرين من مارس عام 1952، في حين غاب عن الاجتماع الأول (محفوظ وتيمور والسحار) لوجودهم خارج القاهرة .. وتم تنصيب طه حسين رئيسا للنادي.


فكر الكبار بعد فترة في البحث عن مقر أكثر اتساعاً ليستقروا على شقتين بعمارة فؤاد سراج الدين في 68 شارع قصر العيني.. وأبدى الباشا ترحيبه بتأجير الشقتين للنادي، وتم بالفعل توقيع عقد الإيجار بين المالك فؤاد سراج الدين ويوسف السباعي وكيلاً عن مجلس الإدارة! 


 لينطلق النادي إلى آفاق أرحب مصرياً وعربياً من خلال ندواته ومسابقاته السنوية ومجلة القصة وسلسلة الكتاب الذهبي .


 هذا ما يرويه التاريخ عن نادي القصة العريق الذى كان رئيسه الأول عميد الأدب العربي طه حسين.


بعد مرور كل هذه السنوات على نادي القصة وما قدمه رواده للمكتبة العربية من زخائر كانت سببا فى وجود كتاب كبار على مستوى مصر والعالم العربى كله، يتم رفع دعوى قضائية من ورثة المالك فؤاد سراج الدين لاسترداد المقر المكون من شقتين، ولا أجد فى الحقيقة غضاضة فى ذلك فهو حقهم الموروث وقد حكم القضاء بذلك ولا تعليق على حكم القضاء، وفي الأيام القليلة الماضية كان تنفيذ حكم المحكمة من قسم شرطة قصر النيل، لاستلام المقر.. والغريب فى الأمر أن تسليم  المقر لم يكن بالأمر الهين على المجتمع الثقافي كله، وكان الأولى أن يكون كذلك على مجلس إدارة النادى، غير أن اللافت للنظر أنه لم يحضر من مجلس الإدارة سوى الكاتب محمد القصبى سكرتير النادي والدكتور سيد نجم أمين صندوق النادي والكاتبة منى ماهر عضو مجلس الإدارة، وجاد حسين المسؤول الإداري فى النادي، وكاتب هذه السطور، فهل كان الأمر مهماً للمجتمع الثقافي فقط وليس بتلك الأهمية عند باقى أعضاء مجلس الإدارة!؟


حاول القصبي جاهدا الحصول على بعض الوقت لعل المشهد المهين للثقافة فى مصر يتغير وينتصر لهذا الصرح المهتمون بالشأن الثقافي، فقدم استشكالا على الحكم ليكسب بذلك أقل من شهرين راجيا أن يحدث الله بعد ذلك أمرا.


 حالة من الحزن سيطرت على الحضور رغم قلتهم لكنها نقلت مدى تقديرهم لقيمة هذا الصرح التاريخى الذى مر على إنشائه أكثر من سبعين عاما، ولا يمكن أن أنسى وجه صديقى جاد حسين الذى جعلنى أظن أنه المحكوم عليه بطرده من شقته السكنية وليس نادى القصة، من فرط الحزن الذى افترش وجهه، فهل أصبحنا مغيبين إلى هذه الدرجة لنحكم بالإعدام على سبعة عقود من الريادة الثقافية دون أن تنظر وزيرة الثقافة الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم إلى إيجاد حل لهذا الصرح العريق؟


أكثر من 5 مليارات تم إنفاقهم على الثقافة خلال السنوات السبع لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسى على الثقافة، بعد توجيهات من الرئيس للقائمين على الثقافة بضرورة استعادة الريادة الثقافية ولم يبخل عليهم بشيء،  حتى أن الرئيس أمر ببناء مدينة للثقافة والفنون فى العاصمة الإدارية الجديدة على مساحة 127 فدانا، تقديرا لقيمة الثقافة فى المجتمعات، فهل ننتظر دائما كل مشكلة على أرض مصر أن يتدخل الرئيس السيسى لحلها كما رأينا مرارا وتكرارا، فما دور وزارة الثقافة إذا!


هل عجزت وزارة الثقافة عن تحمل القيمة الإيجارية للنادى والتى استطاع القصبى التفاوض مع وكيل الورثة على استمرار العقد مقابل 7 آلاف جنيه شهريا، أو أن الوزارة عجزت عن توفير مقرا للنادى لتحافظ على صرح كان رئيسه الأول عميد الأدب العربى وضم خلال سبعة عقود رواد الكتابة فى العالم العربي كله.