يقام فى الصيف لأول مرة وسط مخاوف من الخسائر

«معرض القاهرة للكـتاب».. الرهــان علــــى القـارئ

صورة أرشيفية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب العام الماضى
صورة أرشيفية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب العام الماضى

حسن حافظ

مشهد الطوابير الطويلة أمام مركز مصر للمعارض الدولية، كان أحد المشاهد الأثيرة الملازمة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، كان عشاق الكتب والمشاركون فى الكرنفال السنوى يتحدون الشتاء، لكن فى الدورة الـ 52 للمعرض الأكبر عربيا، فرض فيروس كورونا إيقاعه وتم نقل موعد المعرض من يناير إلى نهاية يونيو الجاري، على أن يستمر لمنتصف يوليو المقبل، وهو القرار الذى يجعل الجميع سواء اللجنة المنظمة أو الناشرين المشاركين يترقبون حجم المشاركة الجماهيرية التى ستعطى شهادة نجاح الدورة الحالية للمعرض التى تقام فى ظل ظروف استثنائية.

أعلنت وزارة الثقافة عن الملامح العامة لدورة المعرض الاستثنائية، إذ قررت اللجنة الثقافية العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، إقامة الفعاليات الثقافية للمعرض على المنصة الإلكترونية، كإجراء احترازى بسبب مخاوف انتشار فيروس كورونا، وتم استثناء حفل جوائز المعرض والنشاط المهنى واجتماعات مديرى معارض الكتاب، وهذه هى المرة الأولى التى تنظم فيها الفعاليات إلكترونيا، وذلك لتجنب الإقبال الجماهيرى على ندوات المعرض والتى كانت تشهد عادة ازدحاما كبيرا على مدار سنوات المعرض، والتى شهدت تألق العديد من المثقفين المصريين والعرب.

وتقرر تأجيل شخصيتى المعرض (يحيى حقى وعبدالتواب يوسف)، وضيف الشرف (دولة اليونان)، ومحور «هوية مصر.. الثقافة وسؤال المستقبل»، إلى الدورة التالية للمعرض فى يناير 2022، مع اعتماد شعار جديد للدورة الحالية، وهو «فى القراءة حياة»، ويأتى اختيار الشعار الجديد موفقا يعكس رؤية واضحة تواجه أجواء تفشى فيروس كورونا عالميا، إذ تؤكد رسالة المجتمع أن الحياة يجب أن تمضي، وأن نكسر محاولات الفيروس الذى فرض إيقاعه على حياة البشر، بمواصلة الاحتفاء بغذاء العقول باعتبار أن القراءة مفتاح الحياة لعقل سليم.

كما قررت اللجنة العليا لمعرض القاهرة للكتاب، حجز التذاكر للجمهور إلكترونياً منعاً للتزاحم على البوابات وتسهيلا لدخول الجمهور لأرض المعرض، والعمل على استيعاب الناشرين المتقدمين لحجز أماكن، مع تحديد أعداد الزائرين بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية وفقا للضوابط التى تضعها إدارة المعرض، مع التزام منظمى المعرض والناشرين والجمهور بالإجراءات الاحترازية، خاصة أن المعرض استقبل فى دورته السابقة العام الماضى أكثر من ثلاثة ملايين زائر، إذ يعد منذ عام 2006، ثانى أكبر معرض للكتاب فى العالم بعد معرض فرانكفورت الدولى للكتاب.

رغم هذه الاستعدادات المكثفة، فإنها لم تنجح فى تبديد مخاوف الناشرين بشكل كامل، إذ يتحسب الجميع من مخاطرة إقامة دورة معرض الكتاب فى شهر يوليو الحار، وبالتزامن مع امتحانات الثانوية العامة، وخروج بعض العائلات إلى المدن الساحلية لقضاء إجازة الصيف، فضلا عن التعايش مع فيروس كورونا، وهى عوامل يخشى البعض من أن تؤثر سلبا على حجم المشاركة التى وصلت فى بعض الأعوام إلى أربعة ملايين مشارك، لكن الإدارة المنظمة للمعرض والناشرين أجمعوا على أن نجاح دورة «فى القراءة حياة» مرهون بإقبال محبى الكتب على المعرض، فرغم المخاطر والمخاوف يظل الرهان على القارئ.

من جهتها، عبرت الدكتورة فاطمة البودي، صاحبة دار «العين» إحدى أكبر دور النشر المصرية، عن مخاوف الناشرين من مغامرة إقامة دورة المعرض فى الصيف، قائلة لـ«آخرساعة»: «على مستوى شخصى كنت أفضل إقامة المعرض فى موعده فى يناير، لأن كل الناشرين المصريين والعرب والأجانب يعلمون موعد المعرض السنوى ويستعدون له فى موعده، وليس عيبا تأجيل المعرض لدورة بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، لذا هناك بعض المخاوف من أن يؤدى المعرض إلى مزيد من الخسائر للناشرين الذين يعانون أصلا بسبب كورونا، من تراجع الإقبال الجماهيرى على المعرض المقبل».

واقترحت البودى مجموعة من الحلول التى تتكاتف فيها مؤسسات الدولة مع الناشرين من أجل عبور هذه الأزمة، عبر تخصيص وزارات الثقافة والتعليم والشباب لجزء من الميزانية لشراء الكتب من دور النشر لتزويد المكتبات التابعة لهذه الوزارات وتقديم دعم بصورة غير مباشرة للناشرين وتجنيبهم الخسائر، نريد أن تقف الحكومة بجوار الناشرين فى محنتهم لأنهم مع الدولة قلبا وقالبا»، مطالبة بألا يتم أخذ إيجار من الناشرين المشاركين فى المعرض كدعم لهم، وأن يتم السماح بحفلات التوقيع للمؤلفين داخل المعرض لأنه وسيلة جذب جيدة، لافتة إلى أن مكان إقامة المعرض فى مركز مصر للمعارض الدولية، يعد «من المفاخر التى نباهى بها أهم مراكز معارض الكتب فى العالم العربى ودوليا»، وتمنت أن تخرج دورة المعرض بشكل ناجح رغم كل الصعوبات.

بدوره قال وائل الملا، مدير دار مصر العربية للنشر والتوزيع: «إن دور النشر تستعد عادة للمعرض بإصدار العديد من العناوين الجديدة، لكن نتيجة لظروف تفشى كورونا عالميا، فلو قلنا مثلا إن كل دار كانت تنتج فى المتوسط من 40 إلى 50 عنوانا جديدا بالتوازى مع معرض القاهرة، وذلك قبل أزمة كورونا، لكن هذا العام، إذا استطاعت كل دور نشر إنتاج عشرين عنوانا جديدا سيكون هذا إنجازا كبيرا، وهذا نتيجة طبيعية لأزمة سوق النشر بسبب الظروف الحالية التى لم تكن تسمح بمدخول جيد يسمح بالتوسع فى النشر».

وأكد الملا أهمية الدورة المقبلة للمعرض، إذ «إن لها أكثر من جانب مهم، فنحن نتحدث عن معرض القاهرة أكبر معرض للكتاب فى العالم العربي، وفى أكبر دولة عربية سكانا، كما أنه الأكبر من حيث عدد دور النشر المشاركة ومن حيث الإقبال الجماهيري»، لافتا إلى حيرة الناشرين بين المشاركة فى المعرض الأهم مع وجود تخوفات من ضعف الإقبال ما يعنى خسارة لهم، والمشاركة على أمل أن القارئ العاشق للكتب سيأتى ويرفع الإقبال الجماهيري، وتابع: «الراهن على الحضور وحجم المشاركة، وهى التى ستحسم إذا كانت الدورة ناجحة من عدمه، لكن فكرة عدم المشاركة أرى أنها مرفوضة لأنها تعبر عن إلقاء الناشر لأسلحته ويشير إلى انسحابه من الملعب، لأن هذا هو معرض بلدك، لذا حتى بعض الناشرين الذى لديه تخوف يشارك فى الدورة لأنها الخيار الأفضل».

وأشار إلى أن مخاوف البعض من الخسائر له ما يبرره، وقال: «فى المعارض العربية نذهب عادة بالمنشورات الموجودة، لكن فى حالة معرض القاهرة نقوم بطبع عناوين جديدة للمشاركة فيه باعتباره ذروة الموسم لكل ناشر مصري، وهو ما يعنى زيادة التكلفة على دار النشر، لذا يسعى كل ناشر إلى تغطية نفقاته، فالمطلوب من المعرض تعويض تكلفة الطباعة وحقوق المؤلفين والمترجمين، لذا الرهان على حجم المشاركة الجماهيرية باعتبارها العامل الحاسم فى نجاح المعرض بالنسبة للناشرين».

من جهته، سعى سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين عضو اللجنة العليا لمعرض الكتاب، إلى طمأنة دور النشر، قائلا: «تم بحث مخاوف الناشرين والعمل على معالجتها، لكن لم يكن هناك بديلا أفضل من إقامة المعرض باعتباره الحل الوحيد لمساعدة دور النشر وتوفير جديد الكتب للقارئ المصري، فى إطار أن كل الدول تسعى لإيجاد حلول لمشكلة إقامة معارض الكتاب بها سواء بإقامة معرض افتراضى أو معارض صغيرة فى مدن مختلفة، فكان الخيار هو إقامة المعرض فى الصيف مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية من ناحية، وإجراءات تسهيل استقبال الجماهير من ناحية أخرى».

وتابع: «لمواجهة مخاوف ضعف الإقبال تم مد المعرض فى دورته الجديدة ليعقد على مدار 15 يوما لأول مرة، وعادة الأسرة المصرية تذهب للمصيف لأسبوع واحد، أى أن هناك متسعا من الوقت لعودتهم وزيارة المعرض، وقد تم اتخاذ جميع الإجراءات من أجل ضمان نجاح المعرض مع توسعة الممرات فى إطار الحفاظ على أرواح الناشرين والزوار، خصوصا أن هناك جانبا إيجابيا يتمثل فى تراجع عدد الإصابات بكورونا وزيادة عدد الحاصلين على اللقاح، لذا نتمنى من الله التوفيق والنجاح لجميع المشاركين ولإدارة المعرض المنظمة».

وأكد رئيس اتحاد الناشرين أن قطاع النشر يعانى بسبب تداعيات أزمة تفشى فيروس كورونا، وأن المعرض سيكون فرصة طيبة لإعادة دوران العجلة من جديد لصناعة النشر، وقال: «أنا متفائل بأن المعرض سيكون قبلة حياة للقطاع، وأن دور النشر ستجنى الأرباح وأن المطابع بدأت فى ضخ الكثير من الكتب الجديدة استعدادا للمعرض، وهذه هى الدورة الطبيعية لدور النشر، ما يمكنها من الوفاء بالتزاماتها أمام المؤلفين والعمال والموظفين لديها».