نائب وزير الخارجية السابق: لست متفائلاً بموقف إثيوبيا من أزمة سد النهضة

السفير على الحفني، نائب وزير الخارجية السابق
السفير على الحفني، نائب وزير الخارجية السابق

أحمد بهجت- سحر رجب
تتعامل مصر مع الملفات الخارجية بكثير من الحكمة والثبات، فمنذ تولي الرئيس السيسي الحكم منذ سنوات، ومواقفنا تجاه القضايا الخارجية ثابتة لا تتغير، وتسعى القاهرة لإحداث حالة من الهدوء والاستقرار القائم على الشرعية في المنطقة ودول الجوار.
السفير على الحفني، نائب وزير الخارجية السابق، أحد الجنود الحاضرة في مطبخ السياسة الخارجية لمصر، التقته «الأخبار المسائي» ليخرج ما في حقيبته حول كثير من القضايا الخارجية، وإلى نص الحوار:

> هناك مطالب بحل أزمة سد النهضة بخيار عسكري، ماذا فى هذا الشأن؟
> >  الجانب الرسمى المصري لم يقل بهذا الحل حتى اللحظة، الرئيس ألمح إلى أن مياه النيل خط أحمر، وكان من الضرورى وصول مثل هذه الرسالة، ليس فقط لإثيوبيا، وإنما لكل العواصم المعنية. ملف سد النهضة على أجندة الرئيس وكبار المسؤولين، ويتم الحديث عنه فى كل اللقاءات مثل الزيارة الأخيرة لباريس أو زيارة وزير الخارجية الأمريكى للقاهرة. والرسالة المصرية الرسمية تؤكد على أن هذا الأمر يتعلق بوجود مصر والشعب المصرى، وأن أمن مصر المائى لا يمكن أن نسمح لأحد بالتجرؤ عليه، وبالتالى لا يستطيع أحد أن يلوم مصر على ممارسة حقها الشرعى فى الدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة إذا احتدمت الأمور. من أجل ذلك يشدد الرئيس على أن آلية التفاوض مطلوبة، ومصر لديها بال طويل، وانتظرنا كثيراً وصبرنا، ومن الممكن أن نصبر بعض الوقت أيضاً، إنما أن يتم فرض الأمر الواقع فهذا غير مقبول.
> ننتظر مقابل ماذا؟
> > الوصول لاتفاق ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا.
> لكن الخبراء يقولون بأنه إذا تم الملء الثانى للسد، سيكون التعامل عسكرياً مع جسم السد أمراً صعباً، وسيتضرر السودان  بشدة؟
> > لدينا قيادة مسؤولة، ولدينا مؤسسات عتيدة فى مثل هذه الأمور وتتحسب لكل الاحتمالات ما هو سهل منها وما هو صعب، وما الذى يمكن أن يترتب عنه من تداعيات.


اللجوء للحل العسكرى يتوقف على أمور كثيرة، لا أحد يستطع اليوم الرد على هذا السؤال سوى القيادة السياسية، والمؤسسات التى تلعب دوراً مهماً فى مثل هذا الموضوع، اتخاذ مثل هذا القرار يعنى الوصول لمرحلة اللاعودة، وأعتقد أن الموقف المصرى مقروء جيداً من إثيوبيا.
يجب ألا ننسى بأن إثيوبيا تمر بالعديد من المشاكل الداخلية، فهناك مطالب ملحة من قبل العديد من القوميات ومتعارضة فى بعض الأحيان، فهناك مثلاً أهالى الأمهرة المتواجدون على أرض سودانية ولهم سنوات طويلة، وكذلك أزمة إقليم تيجراى وتدخل دولة جارة بقواتها وهو ما أثار حفيظة المجتمع الدولى. كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي واقع تحت ضغوط كثيرة ويواجه تحديات كثيرة وهناك استحقاقات مقبلة، وهناك من يشير لإمكانية تفجر الوضع فى أى لحظة.
يجب ألا ننسى بأن القيادة السياسية المصرية قيادة حكيمة وواعية جداً لكل المخاطر، ومنذ أن تولى الرئيس سدة الرئاسة، وهو يسعى جاهداً ليس فقط لاستعادة الأمن والاستقرار فى ربوع مصر والانطلاق منها لعملية تنمية تحقق متطلبات المواطنين المصريين، وإنما أيضاً على المستوى الإقليمى مصر تشيع هذه الثقافة، وتؤكد على ضرورة تسوية النزاعات بطريقة سلمية وضرورة تحقيق الاستقرار، لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة للانطلاق لعملية التنمية.


> كيف ترى مستقبل أزمة سد النهضة؟
> > أتمنى أن تتزايد الضغوط على إثيوبيا بالشكل الذى يدفعها للتراجع عن هذا الجمود الذى امتد طيلة العشر سنوات الماضية. 
ومصر أعلنتها صريحة بأن الأمن المائى المصرى خط أحمر، نعم من الممكن التحرك فى نطاق المفاوضات، لكن القبول بما لا يقبله الشعب المصرى مرفوض.


ويجب أن نعلم بأن منطقة القرن الأفريقى مهمة جداً لمصر لاعتبارات عدة، ليس فقط من أجل البحر الأحمر وارتباطه بقناة السويس، وإنما أيضاً كون السودان مهم جداً لمصر، ونحن دعمنا السودان منذ أحداث 2019، وهو تحول فى الاتجاه السليم، لمعالجة تراكمات منذ عقود كثيرة والارتقاء بمستوى معيشة الفرد. ومن الضرورى التأكيد على أن الاتفاقيات التى أُبرمت فى جوبا بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة مهمة جداً، وهذا توجه سليم ومصر تدعمه وتسهم فيه وحضرنا كل خطوة، ولنا سفارة فى جنوب السودان تراقب وتتابع.


لكن على أى حال أنا لست متفائلاً، لأن منطلقات الموقف الإثيوبى لم تتغير، رفضت كل الأطروحات. يجب ألا ننسى بأن إثيوبيا لديها مشكلة كبيرة مع كينيا، فقد جففت إحدى البحيرات الكبيرة هناك، حيث كانت تعتمد عليها تجمعات سكانية كبيرة.


نحن بحاجة إلى أن يكون هناك فى أديس أبابا حكومة مسؤولة تحترم القانون الدولى والأعراف والاتفاقيات الدولية القديمة منها والحديثة، وتكون أكثر حرصاً على علاقات حسن الجوار، وكما تطالب إثيوبيا الآخرين بتفهم موقفها واحتياجاتها التنموية، عليها أيضاً احترام حقوق واحتياجات الشعوب الأخرى.


> على المستوى الشخصى، هل تعتقد أن أزمة سد النهضة ستنتهى سلمياً؟
> > آمل ذلك، لكن لا أحد يستطيع الاجابة على هذا التساؤل لأنه مرتبط بالكثير من الاعتبارات وبتطورات الملف، وما يزال هناك مجال للأخذ والرد، وتفاوض ومحادثات ودول تلعب دور المراقبين.
نحن نتفهم أن تتخذ بعض الدول موقفاً من الحل العسكرى، لكنه ليس بالضرورة عامل حاسم، لو اضطررنا لاستخدامه.
> البعض يتساءل، من يدعم إثيوبيا فى موقفها المتعنت؟
> > هذا الأمر فى غاية التعقيد، فعند الحديث عن موقف إثيوبيا من سد النهضة يجب تفهم العقلية الإثيوبية، وهى عقلية تحكمها ميراث طويل من الارتباطات متعددة الأشكال إقليمياً ودولياً ومرتبطة برغبة فى بسط النفوذ والتوسع.
إثيوبيا لديها مشروعات طموحة فيما يتعلق بالتنمية ويريدون تعزيز قدرتهم فى توليد الطاقة وقد بنت سدوداً كثيرة، ولديها النية فى بناء سدود أخرى، ليس بالضرورة 100 سد جديد كما أُعلن، لكنها فى هذا لا تأخذ فى الاعتبار مصالح شعوب دول الجوار. إذاً يمكننا القول بأن الإثيوبيين هم من يقفون خلف إثيوبيا؟
> هل استطاعت أي دولة فرض أجندتها على السياسة الخارجية المصرية فى المنطقة؟
> > لا يستطيع أحد أن يفرض أجندته على مصر، فمنذ عام 2013، خاصة عند تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى سدة الحكم، لدينا استقلال فى الإرادة السياسية.
فى بعض الأحيان هناك أبعاد إقليمية ودولية وأمنية ومتطلبات داخلية تجعلنا نتخذ بعض المواقف، لكن أن نكون خاضعين لضغوط خارجية فهذا غير مقبول. القيادة المصرية كانت بالفصاحة، حيث إنها استعادت التوازن لعلاقات مصر الخارجية، وأن تنفتح على كل مناطق العالم، وأن تجرى صفقات مع كل الدول الممكنة وخاصة ذات التأثير على المستويين الإقليمى والدولى. مصر أصلحت علاقاتها أفريقياً وعربياً وفى البحر المتوسط وأوروبيا وحتى مع الولايات المتحدة الأمريكية.
يجب أن نعلم بأن الرئيس السيسى ورث ميراثاً تنوء عنه الجبال، والفوضى التى اعترت مصر منذ 2011 وحتى 2013، وبعض المواقف التى عايشتها خلال تلك الفترة أوضحت كيف اضمحل تأثير مصر وتراجعت مصداقيتها، وبالتالى فعندما يشير الرئيس لعودة هيبة الدولة، فهذا صحيح. اليوم يُحسب حساب كبير لمصر، وعندما نتحدث يُصغى لنا، ويُطلب رأى مصر ودعمها فى بعض المواقف. مصر أرسلت مساعدات طبية لأفريقيا، وبعض الدول تلقت مساعدات لأكثر من مرة. البعض أعتقد بأن ما حدث لمصر خلال الفترة ما بين 2011 و2013 مرشح للاستمرار لسنوات طويلة، لكن الزائر الجديد لقصر الاتحادية استطاع أن يخلط الأوراق ويستعيد زمام الأمور داخلياً، والقيادة السياسية خلفها شعب يدعمها.
وعلى سبيل المثال فعندما يجلس الرئيس مع كبار قادة العالم، ويُطلب من مصر أمر غير منطقى، تكون الإجابة بأن الشعب المصرى يرفض ذلك.
> كيف تقيمون الدور الذى قامت به مصر فى فلسطين خلال الأزمة الأخيرة؟
> > فى واقع الأمر فإن الرئيس فاجئنا نحن كمصريين كما فاجأ العالم كله بهذه المواقف، وذلك كون الموقف المصرى كان مبنياً على إدراك واع جداً لاختلاف المواجهة الأخيرة عن المواجهات السابقة.
مصر تحركت بشكل سريع لقطع الطريق أمام أى أطراف أخرى من الممكن أن تستفيد من الأزمة الأخيرة، ومصر أرادت تحقيق وقف إطلاق نار سريع لأنه لو امتد لا نعرف تداعياته، فمثلاً لم نكن لنعرف ما الذى يمكن أن يحدث من جانب حزب الله فى لبنان، أو إقحام إسرائيل إيران نفسها بتصرفات استفزازية، بما من شأنه إحداث فوضى فى المنطقة، والموقف المصرى كان مدركاً لكل هذا. والرئيس أعلن عن تخصيص نصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة، فى مقابل مبالغ هزيلة من قبل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وربما تدخر هذه الأطراف الإعلان عن دعمها لمؤتمر لاحق لإعادة الاعمار.

 

ويجب أن نعرف أن الدولة المصرية تحركت فى الأزمة الأخيرة بشكل سريع وفعال وجاد، بشكل راعى مصالح الشعب الفلسطينى، وهذا الدعم المصرى هو رسالة لإسرائيل، بأن القاهرة لديها تواجد داخل قطاع غزة وبالتالى هذا سيجعل إسرائيل تفكر كثيراً فى الإقدام على عدوان جديد، ويمكنك أن تشاهد الناقلات الكبيرة والمعدات التى دخلت القطاع، وكيف تم تغطية هذا إعلامياً، والأمر لا يتعلق بقدرة مصر المادية فقط، وإنما ما يمكن أن تحدثه من تأثير.

 

ومن الضرورى فى هذا الصدد على القيادات الفلسطينية التوجه نحو حسم مسألة الانقسام والاتجاه لانتخابات لخلق واقع جديد بما من شأنه أن يعيد الفلسطينيين والإسرائيليين لمائدة المفاوضات.


> كيف ترى مستقبل المرحلة الانتقالية في ليبيا؟
> > ما حدث في ليبيا هو اعجاز بمعنى الكلمة، ومصر لعبت فيه دوراً مهم جداً، ليس دور مصر منفردة إنما في إطار محافل دولية، ولا ننسى الذي حدث في مؤتمر برلين وتنسيقنا المستمر مع قوى دولية، فيما يتعلق بضرورة وضع حد للأوضاع المأساوية التي كان يعانيها الليبيون، والانطلاق إلي مرحلة جديدة وهذا ما حدث، رغم الموضوع معقد للغاية، وخاطيء من يتصور أنه من الممكن أن تحل المشاكل بسهولة، حتي لو فرض أن تتم الانتخابات الليبية في موعدها المحدد نتوقع أن يكون في مشاكل وعقبات وعراقيل وتحديات كبيرة، لأننا نتحدث عن ميراث ثقيل جداً ، وأطراف كثيرة تدخلت ومولت وسلحت وميليشيات وكيانات ظهرت، وناس تستقدم من الخارج عددها بالآلاف عاشت في ليبيا السنوات الماضية، وتمرست في عملية القتل، لذا لا نستغرب من إحداث العنف التي تظهر من هنا أو هناك.


> هل هذه التحديات صعبت من مهمة القاهرة في المساهمة في إيجاد حل جذري ومستدام في ليبيا؟
> > الذكاء في القيادة المصرية أنها تعاملت مع هذا الكم، وتعمل جاهدة في الاستمرار في الدفع في اتجاه إعادة استقرار هذه الشقيقة الجارة، ومصر بدأت بالمنطقة الشرقية، والآن داخلين علي المنطقة الغربية نعيد فتح مكاتبنا الدبلوماسية ونضغط في هذا الاتجاه، وننسق مع الدول الأخرى «أمريكا وألمانيا وأيطاليا وفرنسا» والأمم المتحدة وغيرها، وفي وقت من الأوقات قال مبعوث الأمم المتحدة بشأن ليبيا غسان سلامة «أن مشكلة ليبيا التي يستحيل الحل معها هي كثرة التدخلات الخارجية». مصر نجحت في الحد من اختلاف التدخلات الخارجية عبر الأجندات المختلفة، وقالت: فيما معناه أن استقرار ليبيا يتوائم مع مصالح الجميع، بل دعونا ننقذ هذه الدولة وشعبها، ولا نسمح لمساعي التجزئة والتفرقة والانقسام والوقيعة نتعامل مع ليبيا ككيان واحد حفاظا علي تراب الوطن، فالحقيقة ما حدث في ليبيا اعجاز والموقف المصري دائماً ما يتخير الوقت المناسب لكي يبدي عزمه لاتخاذ قرارات حاسمة، والرئيس عبدالفتاح السيسي لم يقل هذه القرارات من قصر الاتحادية بل ذهب إلي الحدود الغربية في وجود التشكيلات العسكرية.

 

وقال: هذه القرارات، أن سرت والجفرة خط أحمر، ولا نتصور أن استعادة استقرار ليبيا مسار سهل، بل هو مسار شديد التعقيد ويستغرق كثيراً من الوقت وكثير من التدابير والعمل والتحركات الإقليمية والدولية، مع استمرار الدفع في إيجاد نهاية لهذه المأساة، وأن أسهمك تزيد ليس فقط في المنطقة الشرقية ولكن أيضاً في المنطقة الغربية، والليبيون يعلمون جيداً أن الرئيس السيسي ليس لديه مصلحة غير الأمن وليس أمن مصر بل الأمن العربي والأمن الأفريقي.

 

اقرأ أيضا: العـودة إلى القارة السمراء.. رئاسة ناجحة للاتحاد الأفريقي