جمال الشناوي يكتب: نصيحة السيسي.. من قلب غزة

جمال الشناوي
جمال الشناوي

لا توجد ذاكرة قوية تكفى لجعلك ناجحا فى الكذب 

فمثلا من سلم العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل يلومنا الآن على ضياع فلسطين 

ومن تاجر بالدين والأرض يصر على مواصلة جنى أرباحه ولو على جثامين ضحايا  أهله

في نهاية عام ٢٠٠٨ دخلت إلى قطاع غزة ولسوء الحظ بدأ القصف الإسرائيلي.. أسبوعين تحت حصار القصف والأبواب المغلقة.. ربما كانت فرصة جيدة للتجول في كل مدن قطاع «غزة هاشم».. 

وتحولت إلى سواح أشاهد وأدون كثيرا من الملاحظات.. وسمعت كثيراً في الشارع كلمات غضب على نخب وفصائل بعضها يجيد التجارة والتربح من الأزمات.. وضحت الرؤية للمواطن العادى، الذى ضاق بألاعيب أهل السياسة، وسمعت قصص وحكايات تكشف أزمة التنظيمات المتنافرة.

أكثر ما علق بذاكرتى حتى الآن هي كلمات من ابن مؤسس حماس أحمد ياسين.. فبعد زيارة للمنزل الذى تحول إلى ما يشبه المتحف بعد اغتياله.. ودعنى ابنه وأذكر أنه مدرس.. سألته إذا كان مدركا للغضب الكامن في صدور الغزاوية بسبب الصراعات بين الفصائل.. وكان رده مفاجئاً .."كل الناس زهقت منهم".
سمعتها من ابن مؤسس حماس.. وسمعتها من سائق التاكسى والشباب في الشارع.

مصر الكبيرة تتحرك بفعل الضمير الوطني والقومي، ولن أعيد وأزيد عن سجل طويل وممتد من الثمن الباهظ الذى دفعته مصر منذ عام ٤٨.. دماً ومالاً وخسرت أجيال متعاقبة من أبنائها فرصة الحق في التنمية والتقدم.. وحولت مصر اقتصادها لعقود إلى إقتصاد حرب ولم يعلو صوت على أصوات المعارك. وأجلت حلم التنمية والرفاهية لشعبها فبعد نمو هائل في النصف الأول من الستينات ، تجمد الأمل وصار الحلم سراباً..

في السنوات الأخيرة، تحولت القضية الفلسطينية من حرب تحرير، إلى قتال فصائل.. الخاسر الأكبر فيها هو الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.. وبذلت مصر كل جهدها لسنوات في محاولات جمع الشمل وترتيب البيت الفلسطينى ليصدر عنه صوت موحد يطالب بالحق المشروع فلا قضية طالما استبدلوا معاركهم مع المحتل الإسرائيلي، إلى حرب الفصائل.

تركوا شرف النضال الوطني ومعارك التحرر التي يدعمها القانون الدولي.. واستبدلوها بألاعيب السياسة، التي لا تختلف كثيرا عن «البيزنيس»، وعندما يتحول المناضل إلى ممارس لألاعيب السياسة، فهو خاسر لا محالة.

مصر الكبيرة تحاول وتسعى وتنبه  وتحذر وتستضيف بهدف توحيد الأخوة ..وهى الخطوة الأولى الحتمية لبناء الدولة الفلسطينية ، وأذكر قبل أربع سنوات من الآن  كانت هناك جولة جديدة بذلت مصر خلالها جهودا كبيرة لتوحيد الفصائل.. توجت في أكتوبر ٢٠١٧ بحكومة توافق فلسطينى.. بل وإلتأم اجتماع حكومي مشترك.. ويومها وجه الرئيس السيسي من قلب غزة للأخوة .. داعماً لهذا التوافق، ومحذرا من الإنقسام  

ولخصت الكلمة ستة رسائل هامة:

* القاهرة هي الداعم الرئيسي للحقيق مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة .

*حل الخلافات داخل البيت الفلسطيني بدعم عربى مع عدم قبول تدخل أي قوى خارجية .

* الجميع خاسر من الإنقسام ولا مستفيد منه إلا القوى التي استغلت الموقف 

*هناك فرصة سانحه لتحقيق السلام بشرط إخلاص كافة الجهود 

* تهيئة المناخ أمام توفير حياه كريمة للشعب الفلسطينى وشعوب المنطقة 

وحذر الرئيس السيسي في ختام كلمته من أن التاريخ سيحاسب من تسبب في ضياع فرص تحقيق السلام ..

«لعل تجربة السنوات الماضية أثبتت لنا أن الجميع خاسر من الانقسام، ولا مستفيد إلا القوى التي استغلت الموقف لتحقيق أهدافها لإحداث التطرف بين بعض الفصائل الفلسطينية»

مصر تعاملت بشرف مع صراع الأخوة الأعداء، لم تسع يوما لاستغلال هذا الانقسام.. بل على العكس شهدت القاهرة عشرات الاجتماعات واللقاءات على مدار سنوات الانقلاب الداخلي، مصر لم تضرب في الظهر، رغم قدرتها على فضح بيزنس النضال، لكنها كرست جهوداً مضنية وتحملت الكثير من بذاءات بعض النفوس.. مصر جمعت الفصائل كافة مرات عده في القاهرة بتوجيه من الرئيس، لتوحيد الصف، وإيجاد صوت موحد لبدء معارك التحرير والتفاوض من اجل الاستقلال.

مصر قادرة ولم تفعل على وضع كل القيادات أمام مسئوليتاها، وكشف المستور عن عورات المتلاعبين بمستقبل الأرض"الوحيدة" المحتلة في العالم حتى.. ولأن مصر تتمسك بالشرف فظلت  فلسطيندوما في مقدمة الأولويات المصرية.

مصر التي تسابق الزمن لبناء نفسها، وتنفذ اكبر مشروع تنموى في العالم يتوفير حياة كريمه لريفها ولأكثر من نصف السكان حوالى ٥٨ مليون مواطن.. اقتطعت من أموالها، وقدمت ٥٠٠ مليون دولار لإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في حربها الرابعة في  على جزء من أرض فلسطين.

عموماً ليس هذا هو وقت الحساب، فالتاريخ  كما قالها الرئيس السيسي من قلب غزه سيسجل على كل النخب والقيادات ما قدموه خيراً كان، أم شراً 

وخطوات مصر وتتحرك في نور القانون وضياء الحق الفلسطيني، كما رسمها الرئيس السيسي وقالها منذ اليوم الأول له في الحكم وكررها أكثر من مرة .. ستواصل مصر عملها «لاستعادة الشعب الفلسطينى حقوقه.. وإقامة دولته المستقلة وفق مرجعيات الشرعية الدولية»

مصر الكبيرة، لا تلتفت إلى أفعال الصغار، تسامحت مع الكثير من الإساءات وقت أزمتنا، ومن الرصاصة الأولى من جيش الاحتلال تحركت سريعاً، ونجحت جهودها في وقف نزيف الدماء الذي استمر 11 يوما في قصف يحصد أرواح الأبرياء، حتى تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار الجمعة الماضية.

مصر الكبيرة لم تهرول إلى سلام دافئ مع اسرائيل، بل رهنت الدفء بحل القضية الفلسطينية، ورغم الألم  ولا يوجد مصري واحد يقبل بمحاولات التهجير القصرى للفلسطينيين من شرق القدس.. هذا هو التهجير القصرى الحقيقي وليس مثلما اتهمونا عبر بيانات مدفوعة الأجر من منظمات حقوقية.. نراها صامته الآن أمام أزمة حي الشيخ جراح وكأن على رؤوسهم الطير.

مصر الكبيرة تحركت من اللحظة الأولى، وشهد العالم من أقصى الغرب، حيث البيت الأبيض إلى قصر الكرملين وبكين شرقاً.. حتى أن بايدن قال "العالم قال أنه يتابع بإعجاب تلك المبادرة المصرية وخرج يوجه الشكر للرئيس السيسي ومساعدوه على التوصل لوقف اطلاق النار.

مصر الكبيرة لم تتوقف لمحاسبة البعض على جرائمه في سنوات الغدرالماضية. وشماتة آلته الإعلامية مع كل شهيد يرتقى إلى السماء بعضهم كان يهلل فرحا مع تفجير الكنائس والمساجد، ويتوقون لشرب دماء الضحايا، وهو في بيوت الله.

مصر الكبيرة.. تتحرك، و لا تبالى بأفعال الصغار اللائقة لهم وعليهم.. ومن لا يرى الدور المصري، يحتاج فوراً إلى طبيب عيون لصحيح بصره، أو إلى جراح قلب، يستأصل السواد الذى يسكن قلبه.

مصر الكبيرة عليها ألا تقبل مزايده رخيصة بعد اليوم.. فأعلى هرم السلطة في مصر، شريف  لا يناور في الحق، شجاع لا يهاب إلا الله ومصلحة البلاد.. ومواقفه ثابته وواضحة من القضية الفلسطينية.. قالها علانية، ومازال صداها يتردد في كلمته من قلب قطاع غزة في اجتماع لحكومة توافق وطنى، محذراً من خطورة استمرار الانقسام.

٧٣ عاماً من النكبة، وتحل ذكراها الآن، هل يفيق قادة فلسطين من كل الفصائل، إلى واقع أليم يعيش فيه الشعب الفلسطيني وظروف غير انسانية.

مصر الكبيرة  تمارس دورها القومى بالشرف في زمن عز فيه الشرف.