مصطفى أبو هيف.. بطل مصر الذي سقط في الهند

مصطفى أبو هيف
مصطفى أبو هيف

كثير من الألعاب الرياضية المختلفة والأبطال الرياضيين في مصر لا يأخذون نصيبهم من الشهرة على قدر بطولاتهم وما يحققوه من إنجازات وبطولات يرفعون فيها علم مصر في الكثير من البلاد العالمية، فدائما ما تتصدر كرة القدم ولاعبيها المشهد الرياضي وتكون شهرتهم الإعلامية على أوسع نطاق.

اقرا ايضا|سر رفض فؤاد المهندس للتمثيل مع شويكار

وفي الخمسينيات كان من هؤلاء الأبطال الرياضيين البطل "مصطفى أبوهيف" بطل مصر في "تنس الطاولة" ولكنه تعرض لحادث في الهند جعل صيته يصل إلى الإعلام وتتجه كثير من الأنظار إليه، وأيضًا تفاصيل رحلة وصوله إلى القاهرة كانت تحمل من الإثارة والتفاصيل التي تم تداولها في كثير من الجرائد والمجلات.

وانفردت مجلة "أخر ساعة" بنشر هذه التفاصيل في يوم 19 يناير 1955، فبدأت قصة نزوله إلى مطار القاهرة في الساعة السابعة صباحًا حيث كان هناك طابور كبير من الناس وقفوا ينتظرون الطائرة القادمة من "بومباي" وفجأة اهتز جهاز اللاسلكي من برج المراقبة وانطلقت رسالة عبر الهواء تقول: هنا الطائرة التي تحمل "مصطفى أبو هيف" لقد تطورت حالته وأصبحت خطيرة ولا نستطيع الهبوط لأن أقل اهتزاز ربما يقضي على مصطفى.

لقد كان ضغطه ينخفض بسرعة والدكتور "جاللوالا" الطبيب الهندي الذي جاء مع البطل المصري كان يحاول أن يفعل المستحيل.

وكانت هناك سيدة وقور تراقب ما يجري حولها في المطار في ذهول وتحاول أن تخفي دموعها وراء نظارتها السوداء وتردد في همس: يا رب.. أنت معاه، إنها أم البطل مصطفى أبو هيف.

وفي السماء كان هناك جو آخر من القلق في الطائرة الكبيرة، لقد جلس "يحيى" شقيق مصطفى بجواره وراحت أصابعه تتحسس العرق البارد الذي تصبب على جبينه بينما تعلقت عيون شقيقته "إحسان" بالبارومتر الذي أخذ يسجل هبوط الضغط بشكل مخيف.

وأمسك الدكتور جاللوالا بقرص صغير وقال: هذا هو آخر أمل لنا لكي ننقذ حياته، وبدأ يحاول فتح فم أبو هيف لكي يبتلع القرص لكن بلا فائدة، لقد كان مصطفى يلفظ القرص في كل مرة.

- اللحظة الرهيبة في السماء

وبدأ العرق البارد يغطي وجه جاللوالا في هذه المرة، ومرت لحظات قصيرة رهيبة فأنفاس مصطفى تضيق وصدره يعلو ويهبط بسرعة وعيونه تذبل وتتوارى خلف وجهه الشاحب، و فجأة لمعت فكرة في رأس الطبيب الهندي وبدأ يجربها.

لقد أذاب القرص في كوب ماء ثم أخذ السائل في حقنة صغيرة وأخذ الدواء المنعش يسري في عروق مصطفى وفتح عينيه، وفي هذه اللحظة فقط هدأت أنفاس الذين أحاطوا به وكانت هذه إحدى اللحظات القلقة التي مرت على مصطفى أبو هيف قبل أن يصل إلى القاهرة.

وفي نفس الوقت الذي فتح فيه باب الطائرة كانت الأم الحزينة تصعد السلم في الطريق إلى ابنها الذي تركها منذ سبعين يومًا لكي يمثل مصر في المباراة الدولية لتنس الطاولة في الهند.

وارتمت الأم على ابنها وقالت: خير.. خير الحمد لله يا مصطفى، ولم تتمالك أعصابها فتركت الطائرة وخرجت تجفف دموعها بعيدًا عن الابن الذي عاد إليها نائمًا على نقالة ويلتقط أنفاسه من خرطوم في أنفه يتصل بأنبوبة أكسجين موضوعة بجانبه، وقد استغرقت عملية إنزال مصطفى من الطائرة ساعة كاملة.

وسقط البطل المصري

لقد بدأت قصة مرض مصطفى أبو هيف بطل "البنج بونج" فجأة بلا مقدمات، كان قد سافر على رأس الفريق المصري لكي يشترك في مقاطعة "بارودا" في الهند، وبذل مصطفى مجهودًا ضخمًا في التمرينات للاستعداد للمباريات النهائية.

كان يجري من غرفة إلى غرفة ويوزع إرشاداته وتعليماته على اللاعبين، وبدأت المباريات ولعب مصطفى بشكل أدهش جميع الحاضرين وكان على رأسهم مهراجا بارودا نفسه وصفقوا له طويلا، وبدأت بعد ذلك المباراة الثانية وقام مصطفى بحركة خاطفة وارتفعت الأيدي تصفق للبطل المصري.

وفجأة حدثت المفاجأة، لقد وضع مصطفى يده على قلبه ثم ترنح وسقط على الأرض وتوقفت الأيدي عن التصفيق، ومرت لحظات صامتة رهيبة ثم أفاق المتفرجون إلى أنفسهم وحملوا مصطفى إلى غرفته في الفندق.

ومرت ثلاثة أيام وتطورت حالته وتورمت قدماه وانتفخت يداه وقال طبيب المقاطعة أن مصطفى أصيب بجلطة في الرئة اليسرى ويجب نقله في الحال إلى بومباي، وأرسل مهراجا مقاطعة بارودا برقية سريعة إلى بيت مصطفى في القاهرة.

واخفى إخوته البرقية عن أمه وسافر له شقيقه الأكبر "حسن" وأشرف على نقله إلى بومباي ولكن حالة مصطفى كانت تتطور بسرعة خاطفة، وأصيب بعد ذلك بهبوط في القلب.

عقد أطباء بومباي "كونصلتو" وقرروا وضعه تحت العلاج مدة شهر على الأقل، وفرضوا رقابة تامة على حركته وحرموا على الجميع دخول غرفته في المستشفى.

- جمال عبد الناصر يعلم بالقصة

وفي القاهرة عرفت الأم بالحكاية كلها وجاء حسن وسافر أخوه "يحيى" ومعه شقيقته وصممت الأم على السفر ولكنهم قالوا لها إنهم سيعودون بعد أسبوع واحد، ومضى ثلاثة أسابيع ولم يعودوا وقلقت الأم ووصلت قصة البطل المصري إلى أذن الرئيس جمال عبد الناصر.

وقال جمال: يجب أن يعود مصطفى في الحال لكي يطمئن أهله ويعالج تحت إشراف الإخصائيين في مصر، وفعلا أعد له مكان خاص يشبه سرير المستشفى في إحدى الطائرات القادمة من الهند.

ومرت تسع ساعات هادئة في الطائرة أخذ أبو هيف خلالها سبع حقن لتقوية القلب، وكان يجلس بجواره الدكتور جاللوالا أستاذ أمراض القلب في جامعة بومباي وبعد ذلك حدثت التجربة الرهيبة في السماء فوق المطار ووصل البطل إلى أرض مصر وتم نقله إلى مستشفى القبة.

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم