«انت متعرفش أنا مين؟».. دولة 30 يونيو تواجه محاولات سحق القانون

ارشيفيه
ارشيفيه

توجيهات رئاسية بتطهير الوزارات والهيئات من الفاسدين
وزير ومحافظ ورئيس هيئة يقبعون خلف الأسوار بسبب «المال الحرام»

خالد عبد الحميد 

مخطئ من يعتقد أن مصر لم تتغير نحو الأفضل.. ومن الظلم أن نتجاهل الإصلاحات التى تمت فى مجال محاربة الفساد واستغلال النفوذ وهى الجرائم التى أحدثت – فى السابق -  شرخاً فى المجتمع المصرى قبل ثورة 30 يونيو 2013 .

كنا نسمع فى السابق ونعيش فى ظل شعارات مزقت أواصر الأمة وأحدثت فتنة مزمنة بين أبناء الشعب الواحد «الأغنياء» و«الفقراء»..

مرحلة أفقدت الشعب الثقة فى حكامه فى ظل مناخ كان سائداً وصفه الحديث الشريف أبلغ وصف عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .....» صدق رسول الله

اقرأ أيضا| القبض على تجار مخدرات غسلوا 25 مليون جنيه في العقارات بالجيزة

وقد وصل بنا الحال إلى قيام بعض الأشقياء بارتكاب جرائم سرقة وسطو مسلح واعتداء على المال العام وغلفوها برداء «الشرعية» بزعم أنهم يحصلون على جزء من أموال الشعب المنهوبة .


كان هذا هو الحال قبل 30 يونيو 2013، وشتان الفارق بين ما كان يحدث قبل هذا التاريخ وما حدث بعده ولا يزال.. لن نتحدث فى هذا التقرير بطبيعة الحال عن جميع التغيرات التى تمت فى مختلف المجالات وكانت سبباً فى تلك النقلة الكبيرة والنهضة التنموية التى تعيشها مصر الآن، بل سنقتصر فقط على مجال واحد وهو مجال حقوق الإنسان ومحاربة الفساد وسطوة أصحاب النفوذ الذين تصوروا أنهم فوق القانون وأنهم لا يُسألون عما يفعلون .


لقد أرسى الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ توليه مقاليد الحكم عام 2014 مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وتطبيق مبدأ آخر لصيق بالأول وهو «تطبيق الثواب والعقاب» أياً كان مرتكب الجريمة أو المخالفة .. الكل أمام القانون سواء، ولأول مرة فى تاريخ مصر نشاهد وزيراً فى الحكومة يتم القبض عليه فى ميدان عام وأمام المواطنين بتهمة الرشوة واستغلال النفوذ، ولأول مرة نشاهد محافظاً يتم ضبطه في مكتبه بتهمة الفساد، ومئات من القضايا المشابهة المتهمين فيها مسؤولون كبار بالدولة وأبناء مشاهير كانوا بمنأى عن الحساب فى السابق .. الآن يقضوا عقوبة أفعالهم وجرائمهم خلف القضبان ولم تشفع لهم مناصبهم ولا أنسابهم ولا مراكزهم الاجتماعية أو أقاربهم في السلطة.

لقد أعادت واقعة كافيه «البلكونة» الذي تمتلكه المذيعة المشهورة زوجة عضو بارز بمجلس النواب وشقيقه مسؤول بقطاع السياحة إلى الأذهان جرائم «ولاد الأكابر» الذين ظنوا أنهم فوق القانون أو المحاسبة عندما قام ضابط الشرطة بتنفيذ القانون وتحرير محضر مخالفة لمالك المقهى لمخالفة الإجراءات الاحترازية ومنع شرب الشيشة داخل الكافيه، وإذ بشقيق المذيعة صاحبة الكافيه ينهر الضابط ويقول له «انت إزاي تدخل الكافيه كده انت مش عارف أنا مين» ؟! ليرد عليه الضابط: «بما إنك مسؤول وشخصية مهمة من الواجب عليك أن تكون أول من يطبق القانون وقام شقيق الإعلامية بتهديد ضابط الشرطة». وما إن علمت قيادات المستوى الأعلى بتفاصيل الواقعة حتى صدر القرار بتشميع «البلكونة» واتخاذ جميع الإجراءات القانونية تجاه «المسنودين».

وأكد رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة تعليقاً على تلك الواقعة: «محدش أكبر من الدولة» وقامت شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء برفع عدادات الكهرباء الخاصة بالكافيه بمنطقة التجمع الأول.

نعم ذكرتنا واقعة «البلكونة» بوقائع مماثلة أبطالها مسؤولون كبار فى الدولة ظنوا أن اليوم كالبارحة وأنهم يمكن أن يفلتوا بجرائمهم استناداً إلى مكانتهم ومناصبهم ونفوذهم .

تذكرنا الآن واقعة فندق فيرمونت عندما قام أبناء عدد من المسؤولين ورجال الأعمال بواقعة اغتصاب جماعى لفتاة بالفندق وظنوا أن الأمر سينتهى بانتهاء الحفل «الجماعى»، إلا أن القضية طفت للسطح وأصبحت قضية رأي عام وتم القبض على الجناة وكان من بينهم نجل رجل أعمال كبير جداً كان أحد مراكز القوى فى عهد سابق وقد توفى مؤخراً إلا أنه عايش قبل وفاته بعض تفاصيل فضيحة ابنه «المتربى» بيبو، وهو عضو بغرفة التطوير العقارى، ويمتلك شركة تطوير عقارى كبرى .

ومن بين المتهمين أيضاً نجل مرشح سابق لرئاسة الجمهورية وهو الآن هارب بالخارج بعد أن تقمص دور الزعامة وقاد قنوات فضائية معادية للدولة المصرية.. كما تضم قائمة المتهمين «نمبر1» أو «جانر» الساحل الشمالى كما يلقبوه, ويعمل متعهد حفلات، ويمتلك علاقات قوية مع نجوم الفن ورجال السياسة، لتنظيمه حفلات غنائية كبرى في القرى السياحية، وسبق له تنظيم عدة حفلات في قرية مراسي وهاسييندا خلال السنوات الماضية لعدد من النجوم، من بينهم هيفاء وهبي وحكيم وهشام عباس.

تذكرنا أيضا واقعة تعدى مستشارة بالنيابة الإدارية على ضابط شرطة وتوجيه ألفاظ نابية له وتمت إحالة الواقعة لجهات التحقيق وتم القبض على المستشارة والتحقيق معها فيما هو منسوب إليها قبل إخلاء سبيلها.

لم تمض أيضاً واقعة تعدى نجل أحد القضاة على رجل مرور أثناء تأدية عمله استناداً إلى وظيفة والده الذي يعمل فى السلك القضائى .. تلك المهنة المقدسة التى نجلها جميعاً ونحترمها، والتى لا يمكن لوقائع فردية كهذه أن تنال من قدسية هذه المهنة واحترامنا للعاملين فيها.

حيث أمر المستشار حمادة الصاوي، بإيداع الطفل نجل المستشار المتهم بالتعدى على فرد شرطة المرور إحدى دور الملاحظة، وحبس من كانوا في صحبته احتياطيًّا على ذمة التحقيقات. وقالت النيابة العامة في إطار استكمالها للتحقيقات في الواقعة إنها تبينت نشر الطفل المتعدي مقطعًا، بمواقع التواصل الاجتماعي فور تسليمه لوالديه إنفاذًا لقرار النيابة العامة، تضمن ارتكابه جريمة جديدة. 

لم ننس أيضاً قضية القاضي الذي خان الأمانة وتزعم عصابة للإتجار فى المواد المخدرة واستغل حصانته القضائية وعدم تفتيشه فى الأكمنة لتهريب المخدرات وتوزيعها بحرية تامة. قدمت النيابة العامة أدلة إدانة القاضي إلى مجلس القضاء الأعلى بعد التأكد من صحتها، وأن القاضي هو من يتزعم تلك العصابة التي تتولى تصنيع كميات كبيرة من المخدرات داخل فيلا بأكتوبر، وتوزيعها على كبار التجار في محافظات الصعيد، وبعد مراجعة مجلس القضاء الأعلى الذي قرر رفع الحصانة القضائية عن القاضي المتهم، ألقت أجهزة الأمن القبض عليه تنفيذًا لقرار النيابة العامة وتم اقتياده إلى النيابة التي قررت حبسه على ذمة التحقيقات وبعد تداول القضية وانتهاء النيابة من التحقيق فيها قررت إحالته محبوسًا إلى محكمة الجنايات.

ومن الإنصاف هنا ونحن نسطر هذا التقرير أن ننسب الفضل لأصحابه .. وأصحابه هنا هى الأجهزة الرقابية التى انتفضت ضد فساد الكبار وتألق رجالها فى كشف مافيا الفساد واستغلال النفوذ فى جميع أجهزة الدولة ووزاراتها المختلفة.

كانت التوجيهات الرئاسية للأجهزة الرقابية بضرورة الضرب بيد من حديد على كل مسؤول فاسد مهما كان منصبه .. الشرارة  التى أشعلت الحماس لدى رجال الرقابة لينجحوا فى سنوات قليلة فى ضبط مئات من قضايا الفساد أبطالها مسؤولون فى الدولة، حتى أن قيادات كبيرة بحجم وزراء ومحافظين لم تفلت من قبضة الرقابة وسقطت فى أكمنة متلبسة  بالرشوة.
ومن بين القضايا الشهيرة التى نجحت الرقابة الإدارية فى ضبطها بعد 30 يونيو واقعة إلقاء القبض على الدكتور صلاح هلال وزير الزراعة،  ففى السابع من  سبتمبر عام  2015  ألقت أجهزة الأمن القبض على صلاح هلال، وزير الزراعة فى ميدان التحرير، بناءً على تعليمات الرقابة الإدارية، فى القضية المعروفة إعلامياً بقضية «الفساد الكبرى بوزارة الزراعة». ووقتها أعلن مجلس الوزراء استقالة صلاح هلال وزير الزراعة، بناءً على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى.
من القضايا الشهيرة أيضاً التى اتهم فيها مسؤول كبير فى الدولة قضية محافظ المنوفية الدكتور هشام عبدالباسط والذي تم القبض عليه بمعرفة رجال الرقابة الإدارية بتهمة الرشوة. وذلك عقب اتخاذ عدد من الإجراءات التى اتبعتها الرقابة الإدارية لضبط المحافظ متلبساً بالرشوة وبحوزته مليونى جنيه هو واثنين من رجال الأعمال.
من القضايا التى شغلت الرأى العام أيضاً قضية القبض على رئيس مصلحة الضرائب الأسبق؛ حيث ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على عبدالعظيم حسين، رئيس مصلحة الضرائب وقتها متلبساً عقب حصوله على منافع مادية وعينية على سبيل الرشوة من بعض المحاسبين القانونيين المتعاملين مع المصلحة تحت رئاسته، وذلك عقب استصدار الأذون القانونية من نيابة أمن الدولة العليا.
وتم وقتها إلقاء القبض على رئيس المصلحة، عقب خروجه من أحد الفنادق؛ حيث وجد معه مظروفًا يحتوى على 100 ألف جنيه. كما ألقت الهيئة القبض على عضو مجلس النواب، عن دائرة الخليفة والمقطم والدرب الأحمر في القضية رقم 501 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا، لطلبه وحصوله على مبلغ 300 ألف جنيه ‏على سبيل الرشوة، من رئيس مجلس إدارة شركة «نكست هوم» ‏مقابل استغلال نفوذه ‏لدي بعض مسؤولى بعض الجهات الحكومية، لإنهاء إجراءات خاصة لأحد المشروعات بمنطقة المقطم، والبالغ قيمته 7،5 مليون جنيه. وعن فساد بعض رؤساء الأحياء فحدث ولا حرج؛ حيث ألقت الرقابة الإدارية القبض على العديد من رؤساء الأحياء فى قضايا رشاوى من بينهم رئيس حى المقطم والذي تم ضبطه متلبساً بتقاضي رشوة مبلغ 1.5مليون جنيه, من شركة خاصة لإنهاء إجراءات تراخيص إحدي مشروعاتها.
كما ألقت الرقابة الإدارية القبض على كل من رئيس حي مصر القديمة، وأحد متعهدي جمع القمامة العاملين في نطاق الحي، عقب تقاضى المتهم الأول مبلغ 400 ألف جنيه على سبيل الرشوة من الثاني، الذي جمعها له من متعهدي القمامة المتعاقدين مع الحي، مقابل قيام رئيس الحي بالإخلال بواجبات وظيفته، وعدم إلغاء التعاقدات الخاصة بالمتعهدين وتمكينهم من صرف مستحقاتهم المالية المتأخرة لدى الحي.
تلك كانت نماذج لقضايا فساد أبطالها مسؤولون وأصحاب نفوذ لم تتستر عليهم الدولة باعتبارهم مسؤولين فيها لكن كانت التعليمات واضحة : لا تهاون مع أي مسؤول فاسد وليس هناك من هو فوق القانون، هذا هو نهج دولة 30 يونيو التى أعلنت الحرب على الفساد ولصوص المال العام واسترداد جميع أراضي الدولة التى نهبها عدد من رجال الأعمال والمسؤولين فى غيبة القانون فى عهود سابقة تحول فيها الفساد إلى نهج وعرف وفريضة من يمتنع عن أدائها أو التعاطى معها أو فكر فى كشف مرتكبيها يكون مصيره إما الطرد من الخدمة أو تلفيق قضايا له والزج به داخل السجون.