محمد البهنساوي يكتب: السياحة الروسية.. وحتى تصبح «العودة».. «نعمة» !!

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

«سائحونا سيصلون الغردقة وشرم الشيخ خلال شهر تقريبا.. وأعتقد أنهم سيكونوا فى غاية السعادة للعودة إلى مصر».. هكذا يمكننا تلخيص زيارة السفير الروسي المهمة إلى الغردقة الأحد الماضي.

وعندما نقول المهمة فلهذا الوصف أسباب عديدة في مقدمتها أن الزيارة أول تحرك عملي لتنفيذ اتفاق الرئيسين السيسي وبوتين بعودة الرحلات الجوية الروسية إلى مدننا السياحية, وهناك أيضا التصريحات المهمة التي أدلى بها السفير الروسي جيورجي بوريسينكو عقب لقائه محافظ البحر الأحمر اللواء عمرو حنفي, حيث شدد على العلاقات المتميزة بين البلدين بكافة المجالات, وقال في معرض حديثه عن عودة السياحة الروسية لمصر أن ما تقوم به الحكومة المصرية من إجراءات احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا وعملية تطعيم العمالة السياحية، تحركات مهمة تدفع لعودة السياحة بقوة.

إذن..بدأت العجلة في التحرك, بل إن محافظ البحر الأحمر اللواء عمرو حنفي أدلي بتصريحات أكثر تفاؤلا أكد خلالها أن الأسبوع الجاري سيشهد حضور منظمي رحلات روس للتباحث مع نظرائهم المصريين وبدء التعاقد تمهيدا لانطلاق الرحلات من المدن الروسية ومقاصدنا السياحية بعد انقطاع حوالي 6 سنوات.

وهنا لابد من عدة وقفات مهمة قبل عودة السياحة الروسية حتى لا تتحول كما قلنا سابقا «النعمة إلى نقمة» لو لا قدر الله لم نكن مستعدين لها, وهنا أتوقف أولا عند اعتراض البعض على التهليل الكبير من قطاع السياحة بعودة الروس والتأكيدات على جاهزية منتجعاتنا لاستقبالهم, ووجه اعتراضهم أننا جاهزون وسعداء للسائحين من كل الجنسيات, وهنا نقول أن الروس كانوا يمثلون وحدهم حوالي 30% من السياحة الوافدة إلى مصر قبل توقفهم, كما أن عودتهم رسالة للعالم أجمع وتأكيد على أمن وأمان مدننا ومطاراتنا, وتأتي في توقيت تعاني فيه السياحة وبشدة, إذن فالفرحة لها مبرراتها.
 
نأتي لأولى الوقفات مع النفس قبل عودة السياحة الروسية وهي حالة الفنادق خاصة بشرم الشيخ والغردقة.. نعلم أن هناك الكثير من المنتجعات جاهزة خاصة التي لم تتوقف إشغالاتهم الشهور الماضية, وهؤلاء بدأت اتصالات الشركات الروسية معهم لاستقبال أعداد كبيرة من الروس, لكن لا ننكر أن هناك منتجعات وفنادق أخرى ليست جاهزة ونخشى أن تستقبل مجموعات من الروس وتحدث أية مشاكل ولو بسيطة, فلنكن صرحاء ونعلم أن السوق الروسي بعد تلك العودة لن يحتمل أية مشاكل, وهنا نشير لنقطتين مهمتين الأولي خاصة بوزارة السياحة والآثار بالتنسيق مع غرفة الفنادق للتأكد من جاهزية كافة الفنادق والمنتجعات التي ستتعاقد لاستقبال السياحة الروسية وعدم وجود أية معوقات ولو بسيطة بها.. وثانيا وهو المهم ضرورة التدخل لتفعيل مبادرة القروض من البنوك خاصة القرض الخاص بالصيانة في الفنادق والمنتجعات, فللأسف معظم البنوك لم تفعل تلك المبادرات, وهنا أُحيي الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار لحديثه في تلك النقطة صراحة في إحدى حواراته الصحفية وإلقائه اللوم على البنوك التي لا تنفذ المبادرات.
 
النقطة الثانية تتعلق بالنقل السياحي, فالجميع يعلم جيدا أن هناك مشكلة منذ شهور وربما سنوات في النقل السياحي بمصر وخفف من وطأتها الأزمات التي تعرضت لها السياحة وتراجعت معها الأعداد , لكن الآن والجميع يعلم أيضا أن الروس سيتدفقون بمئات الآلاف , فهل أسطول النقل السياحي جاهز لتلك الإعداد , لابد من إجابة عاجلة وتحرك فوري إذا لم تكن الإجابة بالسلب ، وهنا نقطة تدعو للطمأنينة ، فمن الواضح انه لا حج هذا العام مع غموض موقف وموعد رحلات العمرة فالأتوبيسات التي كانت معدة للرحلات البرية جاهزة للسياحة الأجنبية خاصة الروسية، بجانب أتوبيسات مبادرة التمويل

المزاج الروسي 

نقطة أخرى تتعلق بمزاج وعادات السائح الروسي ، فالسياحة الروسية التي كانت تهتم فقط بالسياحة الشاطئية متوقفة منذ حوالي ٦ سنوات فمن يضمن أن مزاج السائح الروسي لم يتغير؟ ، البعض يؤكد أن الروس بدءوا ينفتحوا علي السياحة الثقافية فمن الممكن جذبهم إلى مدن الصعيد والرحلات النيلية ، وأيضا جذبه لزيارة القاهرة التي تغيرت تماما ناهيك عن الطفرة في المتاحف بها خاصة بعد افتتاح الحضارات والمتحف الكبير , هذا الأمر لا يجب تركه للصدفة انما تتم عليه دراسات عاجلة وسريعة للعمل علي أي تغيير في مزاج وعادات السائح الروسي.

الفيروس والتطعيم

أما فيما يتعلق بتأثير وتهديد فيروس كورونا فهناك نقطتين مهمتين الأولى تتعلق بتطعيم العاملين في القطاع السياحي والتي تجري على قدم وساق ، لابد من إتمام تطعيم تلك العمالة بالبحر الأحمر وجنوب سيناء في أسرع وقت ممكن ، وليس هؤلاء فقط إنما تطعيم كل من يتعامل مع السائحين من سائقين وبازارات مطاعم وغيرهم ، والاهم عمل دعاية و«بروباجندا» كبيرة لهذا الحدث بالتطعيم يعد نقطة قوة سياحية في زمن الوباء !!
والنقطة الثانية تتعلق بأماكن وإجراءات تحليل «pcr» قبل مغادرة السائحين ، فقد كانت هناك شكوى من ضيق المكان المخصص لذلك بالغردقة مع وجود مكان واحد في شرم والغردقة وهو ما لا يتناسب مطلقا مع حجم الأعداد المتوقع تدفقها من الروس ، ونتعشم تحقيق ما صرح به محافظ البحر الأحمر حول هذا الموضوع وهي مطالب لخبراء السياحة منذ بداية الأزمة ، حيث أكد انه سيتم إجراء المسحة في أماكن تواجد السائحين بالفنادق من قبل فرق طبية ، لعدم إضاعة الوقت , وتسهيلًا للإجراءات . وتخصيص أماكن بمساحات كبيرة لأخذ المسحات الطبية للسائحين، ويتم إرسال النتيجة على الفور إلى السائحين في أماكن إقامتهم.


الدعاية والأسعار.. والأتراك 

ونختم بـالنقطة الأهم في عودة السياحة الروسية إلى مصر، وهي نقطة متشعبة ومتشابكة تتعلق بأسعار بيع الرحلات لمصر في السوق الروسي ، وهل هناك حاجة الي حملة دعاية لمصر بروسيا وعلاقة تلك النقطتين بتركيا التي توقفت الرحلات السياحية الروسية إليها ، قد يبدو انه لاعلاقة ظاهرة بين النقاط الثلاثة ، لكن الحقيقة ان هناك تشابك كما قلت بينها جميعا ، فتركيا كانت تحصل علي نصيب الأسد من السوق الروسي واستقبلت العام الماضي حوالي ٥ ملايين سائح روسي ، وكانت النسبة قبل ذلك بالسوق الروسي تقاسمها تركيا ٧٠٪؜ ومصر حوالي ٣٠ ٪؜ الان روسيا أوقفت الرحلات مع تركيا وهذا يهدد بازمة كبرى لمنظمي الرحلات الروس حلها الوحيد التدفق والإقبال الكبير على مصر ، وسواء عادت رحلات الروس لتركيا او تأجلت فان الفرصة ذهبية لزيادة الاسعار والبيع بسعر يتناسب في حده الادني مع قيمة مصر السياحية وهذا ما سيجنيه اقتصادنا القومي ، وهنا يجب أن نشيد بقرار وزير السياحة والاثار بوضع حد أدنى لأسعار الاقامة في الفنادق طبقا لنجوميتها وبما يحافظ على المصلحة العليا للدولة ، تبقى المتابعة الدقيقة التي تضمن تطبيق القرار ومعاقبة المخالفين.

أما عن الدعاية في السوق الروسي فهي ترتبط أيضا بقرار وقف الرحلات إلى تركيا إلى حد ما ، فكلنا نعلم ان هناك تعطش لزيارة مصر لدى الروس ، ومع وقف الرحلات لتركيا نحتاج لدعاية تذكيرية سريعة انتظارا للحملة التي يتم إعدادها للسياحة المصرية في كافة الأسواق، اما في حالة العودة القريبة للرحلات بين روسيا وتركيا فإننا نحتاج إلى إستراتيجية دعائية مختلفة نضمن بها نصيب الأسد من السياحة الروسية.

وتبقى نقطة مهمة وهي كيفية التعامل مع الشركات التركية العاملة في السوق الروسي والتي كانت تستحوذ على المكاسب الأكبر حتي من الرحلات الروسية إلى مصر سابقا حتى لا نقع في نفس الفخ ، لكن هذا يحتاج مقال منفصل ومطول لاحقا ، كل ما نتمناه الآن ان يظل القطاع بجناحيه الحكومي والخاص في حالة انعقاد دائم لبحث كل التساؤلات والإشكاليات والسلبيات السابقة في السوق الروسي حتى تتحقق النعمة من العودة التي نراها قريبة و متدفقة وغزيرة.