ابداعات عربيه

وجع الرمال

للفنان: محمد قاسمى
للفنان: محمد قاسمى

كتب :عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الراشدي

رحلة‭ ‬البدويّ

أعرف‭ ‬رجلا‭ ‬تدرّب‭ ‬قلبه‭ ‬على‭ ‬البداوة‭.‬لم‭ ‬يُعاند‭ ‬الصحراء‭ ‬فهو‭ ‬يعرف‭ ‬طبعها‭.‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬فقط‭.‬أعرفُهُ‭ ‬يمشي‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭.‬يُدرِّب‭ ‬قدميه‭ ‬وقلبه‭ ‬على‭ ‬السبل،‭ ‬وئيدا‭ ‬تختلج‭ ‬المسارات‭ ‬تحته،‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬يخب‭ ‬في‭ ‬رمل‭ ‬الأرض،‭ ‬لا‭ ‬يركن‭ ‬لمكان‭ ‬لأن‭ ‬وجوده‭ ‬الأول‭ ‬علّمه‭ ‬أن‭ ‬البدوي‭ ‬الحق‭ ‬لا‭ ‬يستقر‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يموت‭.‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬يتوقف‭.‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬حصل‭ ‬الأمر‭ ‬ستفاجئه‭ ‬الحياة‭ ‬بسُمّها‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬توقف‭ ‬وجع‭ .‬والمسألة‭ ‬ليست‭ ‬أن‭ ‬نتغلب‭ ‬على‭ ‬مشاكل‭ ‬الحياة‭ .‬المسألة‭ ‬ببساطة،‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬قوانينها‭. ‬

أعرفه‭ ‬يسير‭ ‬كما‭ ‬قُدِّر‭ ‬له،‭ ‬تُظلله‭ ‬الغيوم‭ ‬حينا،‭ ‬والشمس‭ ‬كثيرا،‭ ‬ثم‭ ‬يتوقف‭ ‬فجأة،‭ ‬حين‭ ‬تعبر‭ ‬فوقه‭ ‬غيمة‭ ‬وحيدة‭ ‬وتسير‭ .‬وقتها‭ ‬سيتساءل‭ ‬عما‭ ‬يفعل،‭ ‬عن‭ ‬الجدوى،‭ ‬ويدرك‭ ‬أن‭ ‬الحياة،‭ ‬هي‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬مانريد‭ ‬وما‭ ‬نستطيع‭.‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬يموت‭ ‬بعد‭ ‬مدة‭ ‬قصيرة‭ ‬إذا‭ ‬ساد‭ ‬الالتباس‭.‬

الرجل‭ ‬أسمر‭.‬كما‭ ‬قُدّر‭ ‬لكل‭ ‬معاشري‭ ‬الشمس‭.‬يلبس‭ ‬أزرقا‭ ‬حائلا‭ ‬من‭ ‬الوجه‭ ‬حتى‭ ‬القدمين‭.‬اسمه‭ ‬لا‭ ‬يهم‭.‬ولايهم‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭.‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الحاضر‭ ‬أو‭ ‬الماضي‭.‬من‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬أو‭ ‬وسطه‭.‬وقد‭ ‬ينتمي‭ ‬للمستقبل‭!.‬من‭ ‬قال‭ ‬أن‭ ‬للزمن‭ ‬معنى‭ ‬في‭ ‬الصحراء؟‭. ‬أعرفه‭ ‬وأعرف‭ ‬وجهته‭ ‬ومبتغاه‭ ‬لكنني‭ ‬لن‭ ‬أقول‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يفتضح‭ ‬الأمر‭. ‬

لن‭ ‬أقول‭ ‬أنه‭ ‬يخب‭  ‬في‭ ‬الرمل‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬امرأة‭.‬المسألة‭ ‬أجدى‭ ‬بكثير‭. ‬سوف‭ ‬أكذب‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬تبر،‭ ‬وسأكون‭ ‬مُفتَعَلا‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬أنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭. ‬إنه‭ ‬يبحث‭ ‬وكفى‭.‬عن‭ ‬شيء‭ ‬غامض‭.‬بودي‭ ‬لو‭ ‬أحدد‭ ‬صفاته،‭ ‬لكن‭ ‬مهمتي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الالتباس‭. ‬رجل‭ ‬تدّربتُ‭ ‬على‭ ‬كتابته‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أنتهي‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬لأبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬و‭ ‬لقد‭  ‬تدرّب‭ ‬بدوره‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬مني‭. ‬هل‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬حكايتي‭ ‬عن‭ ‬المشي‭ ‬وكفى؟إنها‭ ‬تسير‭ ‬وتُرهقني‭.‬

هذا‭ ‬الرجل‭ ‬قوّسَتِ‭ ‬الشمس‭ ‬والزمان‭ ‬حبال‭ ‬ظهره،‭ ‬غير‭ ‬مطمئن‭ ‬بالمرة‭ ‬لأن‭ ‬سم‭ ‬الحياة‭ ‬زعاف‭.‬قال‭ ‬له‭ ‬شيخ‭ ‬الزاوية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬واستطعَمَ‭ ‬أهلها‭ ‬أن‭ ‬التيه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الرمال‭ ‬والحر‭ ‬والريح‭.‬البدوي‭ ‬تائه‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬التيه‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الداخل‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬صدره‭.‬نحن‭ ‬التيه،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬ضالتك‭ ‬في‭ ‬صدرك‭ ‬فلن‭.‬

هذا‭ ‬الرجل‭ ‬يسير‭ ‬محني‭ ‬الظهر،‭ ‬تدفعه‭ ‬الريح‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬صفه،‭ ‬تعانده‭ ‬حين‭ ‬يتواجهان،‭ ‬فيخرق‭ ‬صلابتها‭ ‬برأسه‭.‬الرمل‭ ‬يملأ‭ ‬عينيه،‭ ‬والزوابع‭ ‬موسيقى‭.‬تسكنه‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭: ‬الصحراء‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صحراء‭.‬بتأفف‭ ‬تسكنه‭.‬رجل‭ ‬يخب‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬باحثا‭.‬في‭ ‬الزوابع‭ ‬والحر‭ .‬عن‭ ‬المعنى‭ ‬يبحث‭ ‬أم‭ ‬عن‭ ‬المبنى‭ ‬أم‭ ‬عن‭ ‬سراج‭ ‬يضيء‭ ‬القلب؟

سوف‭ ‬يسير،‭ ‬ثم‭ ‬يأنس‭ ‬نارا‭ ‬ويقصدها،‭ ‬يسلم‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الخيمة‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬يقودونه‭ ‬بعد‭ ‬الأكل‭ ‬إلى‭ ‬مضجعه،‭ ‬فيختلي‭ ‬مع‭ ‬الهواجس‭ ‬في‭ ‬الظلام‭.‬كان‭ ‬الليل‭ ‬طويلا‭ ‬والنجوم‭ ‬سهارى‭ ‬وجفونه‭ ‬لا‭ ‬تذوق‭ ‬ما‭ ‬تريد‭...‬

‭ ‬مستسلما‭ ‬لنشوة‭ ‬الظلمة،‭ ‬ولنشوة‭ ‬الراحة‭ ‬بعد‭ ‬التعب،كانوا‭ ‬يتكلمون‭. ‬ما‭ ‬همه‭ ‬إن‭ ‬تحدث‭ ‬أصحاب‭ ‬الخيمة‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬في‭ ‬خلوتهم،‭ ‬الهامُّ‭  ‬ركونه‭ ‬للراحة،‭ ‬لايهتم‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الغرباء‭ ‬الذين‭ ‬توقف‭ ‬عندهم،‭ ‬طالبا‭ ‬حمايته‭ ‬من‭ ‬تعب‭ ‬البحث،‭ ‬فأذعنوا‭. ‬لم‭ ‬يهتم‭ ‬لكلامهم‭ ‬ولا‭ ‬لحوارهم‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬الآن‭ ‬يصخب‭ ‬فلا‭ ‬تعود‭ ‬الأمور‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬ستطفو‭ ‬المشاكل‭ ‬كالأوساخ‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬ليلتهم‭ ‬هاته،‭ ‬يشاركون‭ ‬الطبيعة‭ ‬عنفها‭ ‬وهم‭ ‬ينحدرون‭ ‬جهة‭ ‬اصطخابهم،‭ ‬ينبشون‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين‭ ‬فيعرون‭ ‬على‭ ‬جروح‭ ‬لم‭ ‬تندمل‭.‬تصل‭ ‬أصواتهم‭ ‬مضجعه‭ ‬فيحس‭ ‬ألم‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭.‬ساخنا،في‭ ‬إحساس‭ ‬الراحة،‭ ‬غير‭ ‬متواطئ‭ ‬مع‭ ‬تفاصيل‭ ‬حكاياتهم،‭ ‬لا‭ ‬يشكو‭ ‬تعبا‭ ‬في‭ ‬ثباته،‭ ‬ذاته‭ ‬عميقة‭ ‬جدا‭ ‬كما‭ ‬بحيرة،‭ ‬لايسقط‭ .‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬له‭ ‬للكلام‭.‬البدوي‭ ‬صاف‭ ‬لكنه‭ ‬لايبوح‭:‬قال‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينام‭ ‬ويحلم‭.‬

يمكن‭ ‬لليل‭ ‬أن‭ ‬يرخي‭ ‬السدول،‭ ‬يمكن‭ ‬لظلامه‭ ‬أن‭ ‬يسيل،‭ ‬فقد‭ ‬تعب‭ ‬الرجل‭.‬وحده‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬الضارب‭ .‬السماء‭ ‬قبة‭ ‬بعيدة‭ ‬والأرض‭ ‬أسود‭ ‬سرمدي‭.‬يمكن‭ ‬للصحراء‭ ‬أن‭ ‬تتخفى‭.‬المسافة‭ ‬تذوب‭ ‬ويظل‭ ‬الفراغ‭ .‬اللاوجود‭. ‬يمكن‭ ‬للضربان‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬فمها‭ ‬في‭ ‬العراء‭ ‬لتأكل‭ ‬البرد‭.‬يمكن‭ ‬للريح‭ ‬الرملية‭ ‬الساخنة‭ ‬أن‭ ‬تهب‭ ‬حتى‭ ‬بالليل‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬موعدا‭.‬يُمكن‭ ‬لعيشة‭ ‬قنديشة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬وقتما‭ ‬تشاء‭ .‬عيشة‭ ‬الحاذقة‭ ‬في‭ ‬المكر‭. ‬الطالعة‭ ‬من‭ ‬ليل‭ ‬كل‭ ‬الحكايات‭.‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تتلون‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬وملامح‭ ‬كثيرة‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تغيير‭ ‬شكل‭ ‬رجليها‭.‬يا‭ ‬حُزنها‭.‬وصلت‭.‬كان‭ ‬تقف‭ ‬أمامه‭. ‬أسنانها‭ ‬تكاد‭ ‬تبلغ‭ ‬الأرض،‭ ‬أذناها‭ ‬أذنا‭ ‬حمار‭.‬قالت‭  : ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬أسناني؟‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬واقفا‭ ‬كالعود‭ ‬الصلب،‭ ‬لايرشح‭ ‬قلبه‭ ‬خوفا‭ ‬ولا‭ ‬قلقا‭ ‬ولافوضى‭. ‬لايذوب‭ ‬أمامها‭ ‬كالثلج‭ ‬في‭ ‬الصهد،‭ ‬لايرتّل‭ ‬الرجفة،‭ ‬ممتلئا‭ ‬رغم‭ ‬تعبه،‭ ‬ممتلئا‭ ‬بحسه‭ ‬البدوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬العقبات،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬عيش‭ ‬أي‭ ‬احتمال‭. ‬

ولم‭ ‬يرتجف‭ ‬الرجل،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سيفه‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ .‬وتذكر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬أمه‭ ‬تحكيه‭ ‬عن‭ ‬جد‭ ‬قديم‭ ‬أظهر‭ ‬لعيشة‭ ‬الغمد‭ ‬وقال‭: ‬وأنت‭ ‬ألا‭ ‬ترين‭ ‬سيفي؟‭ ‬ثم‭ ‬يفيق‭ ‬على‭ ‬صفير‭ ‬الريح‭ .‬كان‭ ‬الفجر‭ ‬قد‭ ‬هلّ‭ ‬فواصل‭ ‬المسير‭ ‬مودعا‭ ‬أهل‭ ‬الدار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمعن‭ ‬بأسف‭ ‬في‭ ‬الخيمة‭ ‬وأهلها‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬المعنى‭.‬سار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكد‭ ‬له‭ ‬حالهم‭ ‬جدوى‭ ‬بحثه‭. ‬سار‭ ‬ينتابه‭ ‬الأمل،‭ ‬قد‭ ‬يجد‭ ‬ضالته‭.‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المفتوح‭ ‬سوى‭ ‬غربانا‭ ‬طالما‭ ‬راودته،‭ ‬فاجأته‭ ‬والتفّت‭ ‬حول‭ ‬جيفة‭ ‬غزال‭. ‬الغربان‭ ‬حوله‭ ‬تنعق‭ ‬ثم‭ ‬تستحيل‭ ‬مناجلا‭ ‬تعمل‭ ‬فيه‭ .‬يُفيق‭ ‬ويدرك‭ ‬أنه‭ ‬نام‭ ‬ماشيا‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬صدى‭ ‬لأحلامه‭.‬

المدى‭ ‬سراب،‭ ‬والجبل‭ ‬أمامه‭ ‬ينفتح‭ ‬على‭ ‬اتساعٍ‭ ‬مهول‭ ‬للفراغ‭  ‬ثم‭ ‬جبل‭  .‬مُنحنيا‭ ‬ارتفع‭ ‬الرجل‭. ‬امتدت‭ ‬أرض‭ ‬صهباء‭ ‬أمامه،‭ ‬خيام‭ ‬وأبنية،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وصل،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬ربما،‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭.‬

‭ ‬وأعرف‭ ‬هذه‭ ‬القرية،‭ ‬أعرف‭ ‬أهلها‭.‬فاجأت‭ ‬الرجل‭ ‬ليلة‭ ‬فآنس‭ ‬نارا‭ ‬أخرى‭  ‬اتبع‭ ‬سبيلها‭ ‬ثم‭ ‬سلم‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬القرية،‭ ‬فلم‭ ‬يستنبحهُ‭ ‬كلب‭ ‬بل‭ ‬رحبت‭ ‬عبر‭ ‬خباء‭ ‬الموارب‭ ‬عجوز‭ ‬طاعنة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وقادته‭ ‬إلى‭ ‬فراش‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الأسود‭ ‬واستفسرته‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬المرأة‭ ‬الراغب‭ ‬فيها،‭ ‬فهدّه‭ ‬السؤال‭:‬

‭-‬هكذا‭ ‬أصبحتم‭ ‬أيها‭ ‬البدو‭ ‬بعد‭ ‬استقراركم؟‭ ‬لكنه‭ ‬أذعن‭. ‬ليجرب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الباطن‭ ‬أجدى‭ ‬من‭ ‬الظاهر‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬للكلام‭ ‬معنى‭ ‬غير‭ ‬المألوف‭.‬

جاءته‭ ‬القينة‭ ‬تتهادى‭ ‬يغطيها‭ ‬خمار،‭ ‬خلف‭ ‬سريرهما‭ ‬نضج‭ ‬الصمت‭ ‬لوقت‭ ‬طويل‭.‬ثم‭ ‬فتحت‭ ‬النافدة‭ ‬المغلقة‭ ‬ليمر‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬النقي‭.‬

وتراقصت‭ ‬البدوية‭ ‬الغانية‭ ‬بغنج‭ ‬أمامه‭ ‬و‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬الزين‭ ‬المسرار‭ ‬فتحطم‭ ‬قلبه،‭ ‬كانت‭ ‬أنثاه‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬حلم‭ ‬بها‭ ‬عذراءً‭.‬

كان‭ ‬قد‭ ‬أحس‭ ‬ذلا‭ ‬كبيرا‭.‬صداع‭ ‬الرأس‭ ‬يكاد‭ ‬يفنيه‭.‬غادر‭ ‬المكان‭ ‬ثم‭ ‬امتطى‭ ‬أعلى‭ ‬ثلة‭.‬أحس‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬نقاء‭ ‬الهواء،‭ ‬وتوقفت‭ ‬هواجسه‭ ‬عن‭ ‬الجريان،‭ ‬كانت‭ ‬ذماغه‭ ‬الناشفة‭ ‬قد‭ ‬لانت‭ ‬وهدأت‭ ‬بفعل‭ ‬برودة‭ ‬مفاجئة،‭ ‬وتساءل‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بحزم‭:‬عم‭ ‬تبحث‭ ‬أيها‭ ‬المبحر‭ ‬في‭ ‬الصحراء؟‭ ‬ولماذا‭ ‬قال‭ ‬الشيخ‭ ‬أن‭ ‬التيه‭ ‬في‭ ‬الداخل؟‭ ‬هل‭ ‬ابن‭ ‬الماضي‭ ‬أنت‭ ‬أم‭ ‬ابن‭ ‬الحاضر؟من‭ ‬أي‭ ‬ثقب‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬وقعت؟‭ ‬هل‭ ‬تحلم‭ ‬أم‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬صحوك؟‭ ‬ولم‭ ‬هذا‭ ‬الترتيب‭:‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬يواجهها‭ ‬سوط‭ ‬النميمة‭ ‬ثم‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تحطم‭ ‬القلب؟‭ ‬كانت‭ ‬الأسئلة‭ ‬قد‭ ‬عذبته‭ ‬فقرفص‭ ‬أعلى‭ ‬الثلة‭.‬

وأعرف‭ ‬رجالا‭ ‬كُثُرا‭ .‬خضر‭ ‬العيون‭ ‬شقر‭ ‬الوجوه‭.‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬أثار‭ ‬النعمة‭ ‬رغم‭ ‬غلالة‭ ‬الغبار‭ ‬التي‭ ‬تغطيها‭.‬جاؤوا‭ ‬من‭ ‬شيكاغو‭ ‬أو‭ ‬نيوجيرسي‭ ‬يكسرون‭ ‬الرتابة‭ ‬و‭ ‬كانوا‭ ‬يسيرون‭ . ‬يصطادون‭ ‬الأرانب‭ ‬والغزال‭.‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬غسلوا‭ ‬الأجساد‭ ‬بالبيرة،‭ ‬طبخوا‭ ‬لحم‭ ‬الغزال‭ ‬،ثم‭ ‬أخمدوا‭ ‬النار‭ ‬بماءٍ‭ ‬غالٍ‭.‬تعاركوا‭ ‬حتى‭ ‬أدمت‭ ‬وجوههم،‭ ‬حدقوا‭ ‬في‭ ‬ملامح‭ ‬بعضهم‭ ‬بغضب‭ ‬في‭ ‬العتمة‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬الفجر،عيونهم‭ ‬غائمة‭ ‬من‭ ‬سهرة‭ ‬البارحة‭.‬ضحكوا‭ ‬كثيرا‭ ‬وسبوا‭ ‬بعضهم‭ ‬بلكنة‭ ‬الروم‭ ‬ثم‭ ‬انصرفوا‭ ‬للصيد‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬ساروا‭ ‬عندما‭ ‬رأوا‭ ‬شبحا‭ ‬يتحرك‭ ‬و‭ ‬يقرفص‭ ‬أعلى‭ ‬الثلة‭ .‬ولأنهم‭ ‬فقدوا‭ ‬المرايا‭ ‬فقد‭ ‬تراهنوا‭ ‬حول‭ ‬جنس‭ ‬الغنيمة‭ ‬فقال‭ ‬بعضهم‭ ‬أنها‭ ‬غزال‭ ‬ورجح‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ظبيا‭.‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬عندما‭ ‬جهز‭ ‬أحدهم‭ ‬البندقية‭ ‬وصوّب‭.‬

اللسعة

نوم‭ ‬ثقيل،‭ ‬وظلمة‭ ‬كثيفة‭ ‬تُسوّر‭ ‬المكان،‭ ‬تُغلّف‭ ‬وجوم‭ ‬المساحة‭. ‬ثمة‭ ‬السماء‭ ‬أيضا‭:‬متهللة،‭ ‬مُشرَعة‭ ‬ضاحكة‭. ‬

من‭ ‬يحس‭ ‬كثافة‭ ‬الظلمة؟المرأة‭ ‬الصحراوية‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬نومها؟المتوّجة‭ ‬بعرقها‭ ‬المالح‭ ‬الغليظ‭ ‬؟أم‭ ‬الطفل‭ ‬المترسب‭ ‬بين‭ ‬أحضانها‭ ‬؟من‭ ‬يحس‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬عند‭ ‬قدم‭ ‬الطفل؟‭ ‬حركة‭ ‬محايدة،‭ ‬تُلامس‭ ‬قدمه‭ ‬ولا‭ ‬تلامسها،‭ ‬تخلقُ‭ ‬مسافة‭ ‬ما،تُنتِجُ‭ ‬أحساسين‭:‬إحساس‭ ‬اللذة‭ ‬وإحساس‭ ‬الفزع‭.‬

اللذة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬دغدغة‭ ‬جسم‭ ‬غريب‭ ‬للقدم‭:‬إحساس‭ ‬خفيف‭ ‬جميل‭ ‬يتسرب‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬الروح‭.‬والفزع‭ ‬الفطري،‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬مجهول،‭ ‬المولود‭ ‬مع‭ ‬الطفل،‭ ‬ربما‭ ‬قبله،‭ ‬إحساس‭ ‬الخوف‭ ‬العميق‭.‬

يتوحد‭ ‬الإحساسان،‭ ‬يتوالفان،‭ ‬ينبعان‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬واحد،‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الطفل‭ ‬النائم‭ ‬في‭ ‬عراء‭ ‬الصيف،تحت‭ ‬سماء‭ ‬الليل‭ ‬المتلألئة‭..‬

حركة‭ ‬غامضة‭ ‬عند‭ ‬قدم‭ ‬الطفل‭.‬ثم‭ ‬يسحب‭ ‬القدم‭ ‬هاربا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحركة،‭ ‬من‭ ‬خوفها‭ ‬و‭ ‬لذتها‭..‬يسحبها‭ ‬بسرعة،‭ ‬لكن‭ ‬الجسم‭ ‬يظل‭ ‬ممسكا‭ ‬بقدمه،‭ ‬لثوان‭ ‬معدودة،‭ ‬يحلم‭ ‬الطفل‭ ‬خلالها،‭ ‬كأنما‭ ‬يطول‭ ‬الحلم‭ ‬أياما‭.‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬صحراء،‭ ‬هاربا‭ ‬من‭ ‬مجهول‭ ‬ما،‭ ‬يحثه‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬الهرب،‭ ‬لكنه‭ ‬يتلكأ،‭ ‬ثم‭ ‬هاهو‭ ‬الشيء‭ ‬المجهول‭ ‬يقترب،‭ ‬يحاصره،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬له‭ ‬منفذا،‭ ‬وسيكون‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬لكي‭ ‬يهرب‭.‬يقفز،‭ ‬ثم‭ ‬يسقط‭ ‬فتُغرز‭ ‬شوكة‭ ‬في‭ ‬قدمه‭..‬يصرخ‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬الحلم،‭ ‬بعد‭ ‬اللسعة،‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬والواقع‭.‬

عند‭ ‬الصرخة‭ ‬يتحد‭ ‬الكونان‭:‬كون‭ ‬الحلم،‭ ‬وكون‭ ‬الواقع‭.‬تنهض‭ ‬الأم‭ ‬ذات‭ ‬الربيع‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬منزعجة‭ ‬من‭ ‬صياح‭ ‬ابنها،‭ ‬وترى‭ ‬عقربا‭ ‬مبتعدة‭ ‬في‭ ‬خفة‭.‬

ترتدي‭ ‬الملابس‭ ‬على‭ ‬عجل،‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬حضنها،‭ ‬كالتائهة‭ ‬تركض‭ ‬حتى‭ ‬منزل‭ ‬أمها‭.‬

-‬هل‭ ‬قتلتِها؟‭ ‬قالت‭ ‬العجوز‭.‬

ولم‭ ‬تنتظر‭ ‬جوابا،‭ ‬تفحصت‭ ‬مكان‭ ‬الضرر،‭ ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬تجريب‭ ‬وصفاتها‭:‬البصل‭ ‬والبادنجان‭ ‬والبيض‭...‬

كانت‭ ‬قد‭ ‬جربت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬عن‭ ‬مضض‭ ‬زيارة‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬مستوصف‭ ‬القرية،‭ ‬آن‭ ‬لاحظت‭ ‬تورّم‭ ‬جسد‭ ‬الطفل‭.‬متذمرا‭ ‬حقنه،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬نومه‭.‬

قبل‭ ‬الفجر،‭ ‬كان‭ ‬المنزل‭ ‬قد‭ ‬امتلأ،‭ ‬تحلقت‭ ‬النساء‭ ‬حول‭ ‬الطفل‭ ‬النائم،‭ ‬ثم‭ ‬انتهى‭ ‬بهن‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬نسيانه‭ ‬والاهتمام‭ ‬بثرثرتهن‭.‬

وأمه،‭ ‬كانت‭ ‬تراقبه‭.‬تراقب‭ ‬تنفسه‭ ‬المنتظم،‭ ‬وتقيس‭ ‬حرارة‭ ‬جبهته‭ ‬بأصابعها‭ ‬المرتجفة،‭ ‬ثم‭ ‬يفتح‭ ‬عينيه‭ ‬ببطء،‭ ‬فيتهلل‭ ‬وجهها،‭ ‬وتشرع‭ ‬في‭ ‬بكاء‭ ‬غزير‭ ‬هاديء‭.‬

مُسوّرة‭ ‬بصمتها،‭ ‬وبثرثرة‭ ‬النساء‭ ‬اللائي‭ ‬جئن‭ ‬للكلام‭ ‬فقط،ترمق‭ ‬عينيه،‭ ‬كأنما‭ ‬تراه‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭.‬

‭-‬هل‭ ‬قتلتِها؟‭ ‬قالت‭ ‬العجوز‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬كأنما‭ ‬للتو‭ ‬سألت،‭ ‬كأنما‭ ‬لا‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬السؤال‭ ‬والسؤال،‭ ‬كأنما‭ ‬تذكرته‭ ‬فجأة‭..‬

‭-‬لا‭.‬أجابت‭ ‬المرأة‭ ‬الصغيرة‭.‬

لبرهة،‭ ‬توقفت‭ ‬النساء‭ ‬عن‭ ‬الكلام،‭ ‬بتعجب‭ ‬واضح‭ ‬رمقنها،‭ ‬وسادت‭ ‬فترة‭ ‬وجوم‭.‬سَرَت‭ ‬المهمهمات‭:‬كيف‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ...‬وقتها‭ ‬ستُصدر‭ ‬العجوز‭ ‬الأوامر‭.‬

سيتبخر‭ ‬الأطفال‭ ‬وقتذاك‭.‬وتنتظر‭ ‬الأم‭ ‬صامتة‭.‬تفكر‭ ‬في‭ ‬خطئها‭.‬ثم‭ ‬يغلب‭ ‬الاطمئنان‭ ‬عليها‭ ‬فتنام‭ ‬وتحلم‭ ‬حلمها‭....‬

تحلم‭ ‬بالفرس،‭ ‬راكضا‭ ‬في‭ ‬الرمل،‭ ‬فرس‭ ‬أخضر،‭ ‬فارسه‭ ‬مدثر‭ ‬بالبياض،‭ ‬وتسأل‭ ‬الفارس،‭ ‬حين‭ ‬يمر‭ ‬قربها،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬‮«‬سيدي‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الجيلاني‮»‬؟‭ ‬أم‭ ‬زوجها؟لكن‭ ‬الفارس‭ ‬يُسرع‭ ‬كالزوبعة‭.‬كان‭ ‬بودها‭ ‬أن‭ ‬تسأله‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬لكنه‭ ‬غاب‭.‬ربما‭ ‬كان‭ ‬الفارس‭ ‬شخصا‭ ‬آخر،‭ ‬أبوها‭ ‬مثلا،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬راكبا‭ ‬فرسه‭ ‬بل‭ ‬حمارا‭ ‬أشهب،‭ ‬وتراه،‭ ‬قادما‭ ‬نحوها،‭ ‬منكس‭ ‬الرأس،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬هل‭ ‬بسبب‭ ‬التواضع‭ ‬أم‭ ‬الخجل‭.‬وتود‭ ‬لو‭ ‬تسأله،‭ ‬لماذا‭ ‬تزوجَت‭ ‬صغيرة؟‭ ‬لكنها‭ ‬استرسلت‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬توقظها‭ ‬شمس‭ ‬الصباح‭ ‬الساخنة‭.‬

سيتبخر‭ ‬الأطفال‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬العقرب‭...‬

‭-‬كلما‭ ‬تحركتِ‭ ‬العقرب‭ ‬بطلاقة‭ ‬يسري‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬دمه‭ .‬قالت‭ ‬لهم‭ ‬العجوز‭.‬

سينبشون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬غرف‭ ‬الدار،‭ ‬وفي‭ ‬زريبة‭ ‬البهائم،‭ ‬ثم‭ ‬ينتهي‭ ‬المطاف‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬جمع‭ ‬الحطب‭.‬مُتقدمةً،‭ ‬ترفع‭ ‬الحزمة‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬يتبعها‭ ‬الأطفال،

‭-‬لا‭ ‬تستعملوا‭ ‬أياديكم‭.‬

كلما‭ ‬صادفهم‭ ‬سواد‭ ‬تراجعوا‭.‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬توقفوا‭ ‬عند‭ ‬آخر‭ ‬حزمة،‭ ‬أعواد‭ ‬متشابكة‭ ‬من‭ ‬جريد‭ ‬النخل‭ ‬معقودة‭ ‬بالسعف‭. ‬ترفع‭ ‬الجدة‭ ‬الحزمة‭ ‬بمشقة،‭ ‬وتجربة،‭ ‬غير‭ ‬مكترثة‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يحصل‭ ‬فينز‭ ‬السواد‭..‬

عشرات‭ ‬العقاب‭ ‬الصغيرة،‭ ‬بعضها‭ ‬غير‭ ‬مُكتمل،‭ ‬يمينا‭ ‬ويسارا،‭ ‬وتحت‭ ‬الحزمة،‭ ‬مباشرة،‭ ‬منكمشة‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬تنام‭ ‬العقرب،‭ ‬مطمئنة‭ ‬ربما‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬النهاية،‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭  ‬العقارب‭ ‬الصغيرة‭.‬

يتوقف‭ ‬الأطفال‭ ‬متأملين‭ ‬المشهد،‭ ‬متأملين‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬الشعواء‭ ‬للصغار‭. ‬حركة‭ ‬فريدة،‭ ‬نزقة،‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬متخبطة،‭ ‬تفتقد‭ ‬النضج‭ ‬الضروري،‭ ‬تشي‭ ‬بالتيه،‭ ‬تنز‭ ‬منها‭ ‬حلاوة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالطبيعة‭ ‬والأسئلة‭...‬