على الزيبق وروبين هود بين اللصوصية والشعر

على الزيبق وروبين هود
على الزيبق وروبين هود

شعبان‭ ‬ناجى

هذه‭ ‬دراسة‭ ‬تسعى‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جادة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنها‭ ‬تبحث‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬غير‭ ‬مطروق‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬أدبنا‭ ‬الشعبي،‭ ‬فهى‭ ‬دراسة‭ ‬مقارنة،‭ ‬وهذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬أميل‭ ‬إليه؛‭ ‬لأنه‭ ‬اللون‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬جماليات‭ ‬الإبداع‭ ‬وخفاياه‭ ‬البعيدة؛‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬يعرفنا‭ ‬أين‭ ‬نقف‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الآخر‭ ‬الذى‭ ‬تجرى‭ ‬المنافسة‭ ‬معه‭.‬
الدراسة‭ ‬التى‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬تحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬مغامرات‭ ‬الشطار‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والثقافة‭ ‬الإنجليزية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬تحذف‭ ‬الباحثة‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مغامرات‮»‬‭ ‬لتتسع‭ ‬دائرة‭ ‬بحثها‭ ‬أكثر،‭ ‬فهى‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الشطار‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مغامراتهم‭. ‬والشطار‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لهم‭ ‬مغامرات‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬حياة‭ ‬عريضة‭ ‬مثيرة،‭ ‬لا‭ ‬تحدها‭ ‬حدود‭ ‬ولا‭ ‬تحكمها‭ ‬قوانين‭.‬
والدراسة‭ ‬دراسة‭ ‬أكاديمية‭ ‬تطبيقية،‭ ‬قامت‭ ‬صاحبتها‭ ‬أميرة‭ ‬مروان،‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬نموذجين‭ ‬شعبيين،‭ ‬الأول‭ ‬ينتمى‭ ‬إلى‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬والثانى‭ ‬ينتمى‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وهو‭ ‬روبين‭ ‬هود،‭ ‬وهذان‭ ‬النموذجان‭ ‬كان‭ ‬يجدر‭ ‬بالباحثة‭ ‬أن‭ ‬تضعهما‭ ‬فى‭ ‬عنوان‭ ‬فرعى‭ ‬تحت‭ ‬عنوانها‭ ‬الرئيسي،‭ ‬فتقول‭: "‬على‭ ‬الزيبق‭ ‬وروبين‭ ‬هود‭ ‬نموذجا‭" ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سيمنح‭ ‬عنوانها‭ ‬جاذبية،‭ ‬بل‭ ‬ومنهجية‭ ‬أكثر‭.‬
والنموذج‭ ‬الشعبى‭ ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬نعرفه‭ ‬عز‭ ‬المعرفة؛‭ ‬لأنه‭ ‬ينتمى‭ ‬إلى‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬وينتمى‭ ‬إلى‭ ‬موروثاتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬أكثر؛‭ ‬أما‭ ‬النموذج‭ ‬الثاني،‭ ‬وهو‭ ‬روبين‭ ‬هود،‭ ‬فربما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الكثيرون‭ ‬منا؛‭ ‬لأنه‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الشعبية،‭ ‬وبعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬اهتمامات‭ ‬دراساتنا‭ ‬النقدية‭.‬
بدأت‭ ‬الدراسة‭ ‬بمدخل‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬اللصوصية‭ ‬والشطار‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬وفى‭ ‬التراث‭ ‬الإنسانى‭ ‬عموما،‭ ‬بعدها‭ ‬قدمت‭ ‬تعريفا‭ ‬لمصطلح‭ ‬الشطار؛‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬أوسع،‭ ‬فلم‭ ‬ترجع‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلى‭ ‬لتعرض‭ ‬قصص‭ ‬اللصوص‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يمتلئ‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬ولم‭ ‬ترجع‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬فى‭ ‬أوربا‭ ‬لتعرض‭ ‬لنا‭ ‬ولو‭ ‬نماذج‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬الرينيسانس،‭ ‬حيث‭ ‬شعراء‭ ‬التروبادور،‭ ‬أى‭ ‬الشعراء‭ ‬الجوالين‭ ‬أو‭ ‬الشعبيين،‭ ‬أو‭ ‬شعراء‭ ‬المواويل‭ ‬الشعبية،‭  ‬فذلك‭ ‬كان‭ ‬حتما‭ ‬سيفيدها‭ ‬فائدة‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬لها،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الزيبق‭ ‬امتدادا‭ ‬طبيعيا‭ ‬لشطار‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلى‭ ‬وما‭ ‬قبله،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬روبين‭ ‬هود‭ ‬امتدادا‭ ‬لعصر‭ ‬الرينيسانس‭ ‬وما‭ ‬قبله‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬نفصله‭ ‬فى‭ ‬حينه؛‭ ‬لكننا‭ ‬نحب‭ ‬الآن‭ ‬–‭ ‬وكلنا‭ ‬شوق‭-  ‬أن‭ ‬ندخل‭ ‬إلى‭ ‬متن‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الجادة‭.‬
بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬سيرة‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬فقد‭ ‬تناولتها‭ ‬الباحثة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مصادر‭ ‬ثلاثة،‭ ‬المصدر‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسى‭ ‬المتمثل‭ ‬فى‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬قصة‭ ‬على‭ ‬الزيبق‭ ‬مجرد‭ ‬نواة‭ ‬صغيرة‭ ‬داخل‭ ‬الليالي،‭ ‬وقد‭ ‬ظلت‭ ‬كذلك‭ ‬ردحا‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أخرجها‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬فنقحوها‭ ‬ووضعوا‭ ‬عليها‭ ‬مواضيع‭ ‬أخرى،‭ ‬وألقوا‭ ‬عليها‭ ‬قصصا‭ ‬كثيرة‭ ‬منتحلة،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬صارت‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬قصة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وقد‭ ‬راحت‭ ‬الباحثة‭ ‬تسردها‭ ‬لنا،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نثقل‭ ‬عليكم‭ ‬فى‭ ‬قص‭ ‬تفصيلاتها،‭ ‬فهى‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬الباحثة،‭ ‬والقصة‭ ‬نفسها‭ ‬موجودة‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬أو‭ ‬يستزيد‭.‬
وأما‭ ‬المصدر‭ ‬الثانى‭ ‬لقصة‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬فكان‭ ‬يتمثل‭ ‬فى‭ ‬مخطوط‭ ‬القصة‭ ‬نفسه؛

لكن‭ ‬هذا‭ ‬المخطوط‭ ‬قطعا‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬بعد‭ ‬انتقاله‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الشفاهية‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الكتابية،‭ ‬وبالتالى‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الباحثة‭ ‬أن‭ ‬تعوّل‭ ‬عليه‭ ‬كثيرا‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬أية‭ ‬أحكام‭ ‬قاطعة‭ ‬خاصة‭ ‬ببحثها‭.‬
المصدر‭ ‬الثالث‭ ‬لدراسة‭ ‬مغامرات‭ ‬الزيبق‭ ‬كان‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسردية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النص‭ ‬الروائى‭ ‬الحديث‭ ‬المتمثل‭ ‬فى‭ ‬نص‭ "‬ملاعيب‭ ‬على‭ ‬الزيبق‭" ‬للكاتب‭ ‬الروائى‭ ‬فاروق‭ ‬خورشيد،‭ ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬جميل‭ ‬فعلا؛‭ ‬لكن‭ ‬خورشيد‭ ‬–‭ ‬بدوره‭- ‬قد‭ ‬تأثر‭ ‬بثلاثة‭ ‬مصادر‭ ‬عندما‭ ‬كتب‭ ‬روايته،‭ ‬وهي‭: ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬ومخطوط‭ ‬السيرة،‭ ‬وسيرة‭ ‬روبين‭ ‬هود‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تنوه‭ ‬عنه‭ ‬الباحثة‭.‬
وفى‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الدراسة،‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬الباحثة‭ ‬تحليلا‭ ‬وافيا‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬فهى‭ ‬تعرض‭ ‬لنا‭ ‬وظائف‭ ‬الشخصيات‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬ثم‭ ‬تقدم‭ ‬البناء‭ ‬الداخلى‭ ‬والخارجى‭ ‬لبطل‭ ‬السيرة،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البطل‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬صفات‭ ‬ومسالك‭ ‬اللص‭ ‬الشريف‭ ‬المدافع‭ ‬عن‭ ‬الفقراء‭ ‬والمظلومين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساليب‭ ‬التنكر‭ ‬المتعددة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يمارسها‭ ‬بمهارة‭ ‬وحذق‭.‬
وهنا‭ ‬يبدو‭ ‬جليا‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬أثرا‭ ‬واضحا‭ ‬للشعراء‭ ‬الصعاليك‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬الشعبية،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬سباقين‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬بالذات،‭ ‬وليس‭ ‬علينا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬قليلا‭ ‬إلى‭ ‬سيرتهم‭ ‬لنعرف‭ ‬ذلك،‭ ‬فلنرجع‭ ‬إلى‭ ‬سيرة‭ ‬الشنفرى‭ ‬الأزدى‭ ‬أو‭ ‬تأبط‭ ‬شرا‭ ‬أو‭ ‬السليك‭ ‬بن‭ ‬السلكة،‭ ‬هؤلاء‭ ‬السود‭ ‬ممن‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬أغربة‭ ‬العرب؛‭ ‬لأنهم‭ ‬استمدوا‭ ‬السواد‭ ‬من‭ ‬أمهاتهم‭ ‬الجواري،‭ ‬وقد‭ ‬دخلوا‭ ‬الصعلكة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عمد؛‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬منبوذين‭ ‬من‭ ‬قبيلتهم‭.. ‬ربما‭ ‬شذ‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬عروة‭ ‬بن‭ ‬الورد‭ ‬الذى‭ ‬دخل‭ ‬الصعلكة‭ ‬مختارا؛‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬صعلوكا‭ ‬شريفا‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬الصعلكة‭ ‬ويجعلها‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬السيادة‭ ‬والشرف،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬حرة‭ ‬كريمة،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يغزو‭ ‬للنهب‭ ‬والسلب،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬يغزو‭ ‬ليعين‭ ‬الفقراء‭ ‬والمستضعفين‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬الجافة‭ ‬المجدبة‭.‬
وهنا‭ ‬نتساءل‭: ‬ما‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬مسلك‭ ‬الشعراء‭ ‬الصعاليك‭ ‬ومسلك‭ ‬على‭ ‬الزيبق؟‭ ‬بالقطع‭ ‬المسلك‭ ‬واحد،‭ ‬وهذا‭ ‬ملمح‭ ‬مهم‭ ‬كنا‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تفطن‭ ‬إليه‭ ‬الباحثة،‭ ‬وتلتقط‭ ‬تفاصيله‭ ‬الكثيرة‭ ‬والممتعة،‭ ‬فإنها‭ ‬لو‭ ‬فعلت‭ ‬لزادت‭ ‬دراستها‭ ‬جمالا‭ ‬فوق‭ ‬جمال،‭ ‬وأغدقت‭ ‬عليها‭ ‬رصانة‭ ‬فوق‭ ‬رصانة‭.‬
وفى‭ ‬سياق‭ ‬آخر،‭ ‬عندما‭ ‬ذكرت‭ ‬الباحثة‭ ‬أن‭ ‬السيرة‭ ‬قد‭ ‬أصابها‭ ‬تغيير‭ ‬وتبديل‭ ‬وحذف‭ ‬وإضافة‭ ‬وانتحال‭ ‬عند‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬الشفاهى‭ ‬إلى‭ ‬الكتابي،‭ ‬وهى‭ ‬تعتبر‭ ‬هذا‭ ‬أمرا‭ ‬متاحا‭ ‬للجميع،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬وتتبناه؟‭ ‬لأنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الحال‭ ‬كذلك‭ ‬فمن‭ ‬حقنا‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬صياغة‭ ‬كل‭ ‬سيرنا‭ ‬الشعبية‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬ذائقتنا‭ ‬وتفكيرنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬فتحا‭ ‬مبينا‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وربما‭ ‬أفادنا‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى؛‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬السيرة‭ ‬تعد‭ ‬مقدسا،‭ ‬والمقدس‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬المساس‭ ‬به‭.‬
وفى‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬نلمس‭ ‬ملمحا‭ ‬آخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بفكرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اكتشاف‭ ‬سير‭ ‬شعبية‭ ‬أخرى‭.. ‬فهل‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؟‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬أوقفنا‭ ‬اجتهاداتنا‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬السير‭ ‬المعدودة‭ ‬مثل‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وسيف‭ ‬بن‭ ‬ذى‭ ‬يزن‭ ‬وحمزة‭ ‬البهلوان‭ ‬والأميرة‭ ‬ذات‭ ‬الهمة‭.. ‬فهل‭ ‬انتهت‭ ‬السيرة‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد؟‭ ‬وهل‭ ‬مات‭ ‬الباحث‭ ‬الشعبى‭ ‬ومات‭ ‬دوره‭ ‬البحثي؟
وأما‭ ‬عن‭ ‬الشق‭ ‬الثانى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬والذى‭ ‬يتعلق‭ ‬بروبين‭ ‬هود،‭ ‬فقد‭ ‬استندت‭ ‬الباحثة‭  ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مصادر،‭ ‬الأول‭: ‬هو‭ ‬مجموعة‭ ‬الأغانى‭ ‬والقصص‭ ‬الشعبية‭ ‬القديمة‭ ‬التى‭ ‬جمعها‭ ‬جوزيف‭ ‬ريتسوس‭.. ‬والثانى‭: ‬هو‭ ‬مغامرات‭ ‬روبين‭ ‬هود‭ ‬فى‭ ‬السرد‭ ‬الوسيط،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رواية‭ "‬المغامرات‭ ‬المرحة‭ ‬لروبين‭ ‬هود‭ ‬ذائع‭ ‬الصيت‭" ‬للكاتب‭ ‬والمصور‭ ‬الأمريكى‭ ‬هاورد‭ ‬بايل‭.. ‬وأما‭ ‬المصدر‭ ‬الثالث‭: ‬فهو‭ ‬يتعلق‭ ‬بمغامرات‭ ‬روبين‭ ‬هود‭ ‬فى‭ ‬سرديات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رواية‭ "‬مغامرات‭ ‬روبين‭ ‬هود‭" ‬للروائى‭ ‬الإنجليزى‭ ‬روجر‭ ‬غرين‭.‬
وقد‭ ‬استخدمت‭ ‬الباحثة‭ ‬المنهج‭ ‬نفسه‭ ‬الذى‭ ‬قدمت‭ ‬به‭ ‬سيرة‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬فقد‭ ‬قدمت‭ ‬لنا‭ ‬الوظائف‭ ‬المتعددة‭ ‬للشخصيات‭ ‬التى‭ ‬تتغير‭ ‬بتغير‭ ‬المكان‭ ‬والأحداث‭ ‬والظروف‭ ‬والملابسات،‭ ‬كما‭ ‬قدمت‭ ‬لنا‭ ‬البناء‭ ‬الداخلى‭ ‬والخارجى‭ ‬لأبطال‭ ‬القصة،‭ ‬والذى‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬منافسه‭ ‬العربى‭ ‬الشاطر‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬وهذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬لا‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نغرق‭ ‬القارئ‭ ‬فى‭ ‬تفصيلاتها‭ ‬الكثيرة،‭ ‬فهى‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬متن‭ ‬البحث‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يطالعها‭.‬
لكن‭ ‬ما‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إليه‭ - ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬نسيته‭ ‬الباحثة‭- ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نستبشر‭ ‬خيرا‭ ‬بأن‭ ‬القصص‭ ‬الشعبى‭ ‬الإنجليزى‭ ‬كان‭ ‬سيختلف‭ ‬عن‭ ‬منافسه‭ ‬العربى،‭ ‬فيما‭ ‬يختص‭ ‬بكسر‭ ‬قاعدة‭ ‬البطولة‭ ‬الذكورية‭ ‬التى‭ ‬تسيطر‭ ‬تماما‭ ‬على‭ ‬السيرة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العنصر‭ ‬الأنثوى‭ ‬ولكن‭ ‬ظننا‭ ‬قد‭ ‬خاب،‭ ‬فلقد‭ ‬ظل‭ ‬الذكر‭ ‬هو‭ ‬البطل‭ ‬الأوحد،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬قائما‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭.. ‬وأفلام‭ ‬الحركة‭ ‬والإثارة‭ ‬والمغامرات‭ ‬تشهد‭ ‬بذلك‭. ‬
لكن‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬آنفا‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬على‭ ‬الزيبق،‭ ‬سوف‭ ‬نقوله‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬روبين‭ ‬هود،‭ ‬فرغم‭ ‬تأثر‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬بالقصص‭ ‬الشعبى‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬الرينيسانس،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬شعراء‭ ‬التروبادور‭ ‬أو‭ ‬الشعراء‭ ‬الجوالين‭ ‬أو‭ ‬شعراء‭ ‬المواويل‭ ‬الشعبية،‭ ‬وما‭ ‬قبلهم‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الإغريق‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬زعيمهم‭ ‬العظيم‭ ‬هوميروس‭.. ‬أفليس‭ ‬هوميروس‭ ‬نفسه‭ ‬شاعرا‭ ‬جوالا‭ ‬وإلياذته‭ ‬العظيمة‭ ‬هى‭ ‬قصص‭ ‬شعبى‭ ‬بامتياز‭.. ‬وبالمثل‭ ‬دانتى‭ ‬أليجيرى‭ ‬فى‭ ‬كوميدياه‭ ‬الإلهية،‭ ‬وكذا‭ ‬الديكاميرون‭ ‬لبوكاشيو؟‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬الملاحم‭ ‬وغيرها‭ ‬تحمل‭ ‬فى‭ ‬نغمتها‭ ‬الأساسية‭ ‬قصصا‭ ‬شعبيا‭ ‬أفادت‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬الأعمال‭ ‬اللاحقة‭ ‬التى‭ ‬تتعاطى‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭.‬
كما‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬لنا‭ ‬الباحثة‭ ‬إن‭ ‬مغامرات‭ ‬روبين‭ ‬هود‭ ‬وعلى‭ ‬الزيبق‭ ‬وغيرها‭ ‬قد‭ ‬ألقت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإبداعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬اللاحقة‭ ‬التى‭ ‬حازت‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة،‭ ‬فلا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬تأثر‭ ‬المبدعين‭ ‬الروس‭ ‬بهذا‭ ‬القصص‭ ‬الشعبى‭ ‬وخصوصا‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬التى‭ ‬ظهرت‭ ‬أصداؤها‭ ‬فى‭ ‬أعمالهم،‭ ‬وهنا‭ ‬نذكر‭: ‬تولستوى‭ ‬وديستويفسكى‭ ‬وكيرلوف‭ ‬ومكسيم‭ ‬جوركى‭ ‬وغيرهم‭.  ‬