البستان

الخضر .. أبداع أنساني

لوحة متخلية لـ «الخضر»
لوحة متخلية لـ «الخضر»

أ‭.‬د‭.‬محمد‭ ‬أبوالفضل‭ ‬بدران

كان‭ ‬أبى‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ - ‬إذا‭ ‬ذُكِر‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬اعتدل‭ ‬فى‭ ‬جلسته؛‭ ‬وقال‭: ‬وعليكم‭ ‬السلام‭ ‬ورحمة‭ ‬الله‭ ‬وبركاته،‭ ‬فسألته‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬صغيرا‭ : ‬على‭ ‬ترد‭ ‬السلام؟‭ ‬فقال‭ ‬أبي‭: ‬على‭ ‬الخضر‭ ‬فما‭ ‬ذُكر‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬حاضرا‭ ‬به‭.‬

كم‭ ‬استهوتنى‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬من‭ ‬أبى‭ ‬فرحتُ‭ ‬أستحضره‭ ‬فى‭ ‬ذاكرتى‭ ‬ممنيا‭ ‬نفسى‭ ‬برؤيته‭ ‬والحديث‭ ‬معه،‭ ‬جمعت‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬فى‭ ‬انتظاره‭ ‬وطوال‭ ‬حياتى‭ ‬ورحلاتى‭ ‬كنتُ‭ ‬أبحث‭ ‬عنه‭ ‬وحالى‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭:‬

أمُرُّ‭ ‬على‭ ‬الأبوابِ‭ ‬من‭ ‬غيرِ‭ ‬حاجةٍ

لعلى‭ ‬أراكمْ‭ ‬أوْ‭ ‬أرى‭ ‬مَنْ‭ ‬يراكمُ

جمعتُ‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬عنه‭ ‬والتقيت‭ ‬من‭ ‬سمعت‭ ‬أنه‭ ‬رآه‭ ‬وجمعتُ‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬أصدرته‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬أقدمه‭ ‬لكم‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬تروا‭ ‬كيف‭ ‬انتشر‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬أيقونة‭ ‬إبداعية‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬القلوب‭ ‬مكانا‭ ‬ومن‭ ‬الأدب‭ ‬إبداعا‭.‬

ومن‭ ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬المستشرقة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل‭ ‬كانت‭ ‬تنادينى‭ ‬مولانا‭ ‬صاحب‭ ‬الخضر،‭ ‬وقد‭ ‬أرسل‭ ‬لى‭ ‬الصديق‭ ‬الأديب‭ ‬أحمد‭ ‬فضل‭ ‬شبلول‭ ‬مقطع‭ ‬قصيدة‭ ‬شدا‭ ‬بها‭ ‬الشاعر‭ ‬المالى‭ ‬بكرى‭ ‬سيسى‭ ‬فى‭ ‬حفل‭ ‬أقيم‭  ‬بملتقى‭ ‬النيلين‭ ‬للقصيدة‭ ‬العربية‭  ‬بالخرطوم‭  ‬فى‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬مستحضرا‭ ‬الخضر‭.‬

‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬المالى‭ ‬بكرى‭ ‬سيسى‭ ‬فى‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬بوصلة‭ ‬تائهة‮»‬‭ :‬

‏رأيتنى‭ ‬فى‭ ‬مَغَارِ‭ ‬الفِكْرِ

‏أكتبنى‭ ‬‏بَوْحاً‭ ‬‏جَلِيًّا

‏وفِكْرِى‭ ‬تَوأمُ‭ ‬الفَلَقِ

والخِضْرُ

‏فى‭ ‬مَرْتَعِ‭ ‬الألفاظِ‭ ‬‏يُنبِئنِي‭:‬

عَصَاكَ‭ ‬‏‭ ‬للكلماتِ‭ ‬السِّحْرِ

فائتَلِقِ‮ ‬

بنيتُ

من‭ ‬رَحِمِ‭ ‬الإبداعِ‭ ‬قافيةً

‏وزني

‏تُعانقهُ‭ ‬خيَّالةُ‭ ‬الشَّفَقِ

يعد‭ ‬الخضر‭- ‬وهذا‭ ‬لقبه‭ - ‬وكنيته‭ ‬أبوالعباس‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التى‭ ‬اختلط‭ ‬فيها‭ ‬الدينى‭ ‬المقدَّس‭ ‬بالأسطورى‭ ‬الشعبى‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬الخلط‭ ‬إلى‭ ‬ديمومة‭ ‬حضور‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الدينى‭ ‬والأدبى‭ ‬والنقدى‭ ‬وفى‭ ‬الفُلكلور‭ ‬الإنسانى‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬مقصوراً‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬العربى‭ ‬بل‭ ‬تخطاه‭ ‬نحو‭ ‬آداب‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية‭ ‬جمعاء؛‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الإندونيسى؛‭ ‬وفى‭ ‬الفارسى؛وفى‭ ‬التركى‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الآسيوى‭ ‬نلمح‭ ‬Al-Khizr‭ ‬أيضا؛‭ ‬فعند‭ ‬مسلمى‭ ‬الهند‭ ‬وغير‭ ‬المسلمين‭ ‬أيضا‭ "‬صار‭ ‬مقدساً‭ ‬عند‭ ‬صيادى‭ ‬الهند،‭ ‬فغدا‭ ‬مرشد‭ ‬البحارة‭ ‬ودليلهم،‭ ‬ومايزال‭ ‬يُذكر‭ ‬اسمه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البحارة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يبحرون‭ ‬بقواربهم‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والهند‭ ‬الشمالي‭" ‬فقد‭ ‬أضحى‭ ‬الخضر‭ ‬مقدسا‭ ‬لدى‭ ‬البحارة‭ ‬فى‭ ‬الهند‭ ‬وأضحى‭ "‬راعى‭ ‬الملاحة‭ ‬فى‭ ‬الهند‭ ‬حيث‭ ‬يقال‭ ‬هناك‭ ‬إن‭ "‬رجا‭ ‬كيدار‭" ‬هو‭ ‬الحارس‭ ‬ضد‭ ‬أخطار‭ ‬الملاحة‭" ‬أى‭ ‬صار‭ ‬رمزا‭ ‬للحماية‭ ‬لدى‭ ‬الهنود‭ ‬وغيرهم‭ ‬فى‭ ‬أصقاع‭ ‬المعمورة؛‭ ‬وفى‭ ‬تركيا‭ ‬يطلقون‭ ‬على‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬خِزر‭ ‬كما‭ ‬يُسَمَّى‭ ‬فى‭  ‬سريلانكا‭     ‬Kilur،أو‭ ‬Kalir‭ ‬أو‭  ‬Halir‭  ‬كيلُر،‭ ‬كالير‭ ‬أو‭ ‬هالير،‭ ‬أى‭ ‬كلّ‭ ‬المشتقّات‭ ‬من‭ ‬خضر‭ ‬العربيّ‭ ‬وأيضًاHayatun Nabi‭ "‬النبى‭ ‬الحي‭" ‬لقد‭ ‬أضحى‭ "‬الخضر‭ ‬مثل‭ ‬الهواء‭ . ‬عندما‭ ‬يفكّر‭ ‬أحد‭ ‬فيه‭, ‬فإنه‭ ‬هناك‭" ‬وفى‭ ‬التراث‭ ‬الفارسى‭ ‬نجد‭ ‬الخضر‭ ‬أو‭ ‬خِيسير‭ ‬متواترا،‭ ‬ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬وجود‭ ‬الخضر‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬تجاوزهم‭ ‬إلى‭ ‬الملل‭ ‬الأخرى‭ ‬لنجده‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬اليهودى‭ ‬الذى‭ ‬يراه‭ ‬الـحَبر‭ ‬يهوشع‭  ‬أو‭ ‬يوشع‭ ‬او‭ ‬إيليا؛‭ ‬والتراث‭ ‬المسيحى‭ ‬الذى‭ ‬يسميه‭ ‬القديس‭ ‬جورج‭ ‬أو‭ ‬جورجيوس‭ ‬أو‭ ‬مارى‭ ‬جرجس؛‭ ‬وكأنه‭ ‬إرث‭ ‬يرغب‭ ‬الجميع‭ ‬فى‭ ‬ملكيته؛‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حضوره‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محدوداً‭ ‬بكتب‭ ‬التراث‭ ‬بل‭ ‬تعايشت‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬مع‭ ‬العصور‭ ‬لتتجاوزها‭ ‬وتظل‭ ‬حية‭  ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬البيئات‭ ‬والأمم‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬وما‭ ‬مزارات‭ ‬الخضر‭ ‬المنتشرة‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وتركيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬إلا‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينية‭ ‬ومحاولة‭ ‬تجسيده‭ ‬فى‭ ‬المزارات‭ ‬والإبداع‭.‬

فالباحث‭ ‬عن‭ ‬عين‭ ‬الحياة،‭ ‬والشارب‭ ‬منها‭ ‬يمُنح‭ ‬الخلود،‭ ‬ويتحول‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬التقاء‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬حول‭ ‬اسمه‭ ‬وعصوره؛‭ ‬وشبه‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬مواصفاته‭ ‬وأدواره؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬توظيفه‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬والنقد‭ ‬معينا‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬ورؤى‭ ‬إبداعية‭ ‬لاتُحد،‭ ‬قد‭ ‬يتغير‭ ‬اسمه‭ ‬وشكله‭ ‬وأوصافه‭ ‬تبعا‭ ‬للبيئات‭ ‬والأزمنة‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬نقطة‭ ‬إبداع‭ ‬ومحور‭ ‬خيال‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬النقاد‭  ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬فكّ‭ ‬طلاسمه‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الإبداع‭ ‬والنقد‭.‬

فالتراث‭ ‬الشفهى‭ ‬يوظّف‭ ‬الخضر،‭ ‬ويتمثله‭ ‬ويجسِّده‭ ‬ويتوسَّل‭ ‬به‭ ‬ويراه‭ ‬قائداً‭ ‬للأولياء،‭ ‬يقلدهم‭ ‬الولاية،‭ ‬يجتمع‭ ‬بهم؛‭ ‬وفى‭ ‬معظم‭ ‬الملاحم‭ ‬والسِّيَر‭ ‬الشعبية‭ ‬يطل‭ ‬الخضر‭ ‬مُنْجداً‭ ‬أبطالها‭ ‬فى‭ ‬لحظات‭ ‬الضيق‭ ‬والمخاطر‭ .‬

ولم‭ ‬تقف‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬فوظفه‭ ‬الأدباء‭ ‬فى‭ ‬شعرهم‭ ‬ونثرهم،‭ ‬وهذا‭ ‬مانراه‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬التركى‭ ‬والفارسى‭ ‬والألمانى‭ ‬والهندى‭ ‬وفى‭ ‬أدبنا‭ ‬العربى‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬سأوضحه‭ ‬لاحقاً‭.‬

وقد‭ ‬توقف‭ ‬النقد‭ ‬الأدبى‭ ‬أمام‭ ‬الخضر‭ ‬وحاول‭ ‬النقاد‭ ‬أن‭ ‬يسبروا‭ ‬أغوار‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية،‭ ‬وأن‭ ‬ينـزعوا‭ ‬عنها‭ ‬ما‭ ‬أحاط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬غموض‭ ‬وتداخل،‭ ‬فالخضر‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الأدبى‭ ‬تحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬معين‭ ‬لقصائد‭ ‬الشعراء‭ ‬يوظفونه‭ ‬فى‭ ‬رؤاهم،‭ ‬فغدا‭ ‬رمز‭ ‬الخلود،‭ ‬وتلامست‭ ‬شخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬النقدى،‭ ‬فجلجامش‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬أسطورة‭ ‬تنـزاح‭ ‬رؤاها‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الإنسانى‭ ‬لتتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الشخصية‭ ‬لمناقشة‭ ‬قضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬عبر‭ ‬عصور‭ ‬الزمن‭ ‬المختلفة؛‭ ‬فيتماهى‭  ‬جلجامش‭ ‬فى‭ ‬شخصية‭ ‬الخضر،‭ ‬ويتشابه‭ ‬تموز‭ ‬مع‭ ‬الخضر،‭ ‬وفى‭ ‬عودة‭ ‬أوزيريس‭ ‬الذى‭ "‬ساعده‭ ‬ملك‭ ‬الخلود‭" ‬وجعله‭ ‬Thot‭ ‬ينتصر‭ ‬على‭ ‬أعدائه‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬الموتى،‭ ‬فتجمع‭ ‬زوجه‭ ‬إيزيس‭ ‬أشلاء‭ ‬جسده‭ ‬الممزق‭ ‬فيعود‭ ‬حياًّ‭ ‬مرة‭ ‬أخرى؛‭ ‬ونشاهد‭ ‬التشابه‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬و‭"‬نفركاه‭ ‬بتاح‭" ‬ابن‭ ‬الفرعون‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬السحرى‭ ‬الذى‭ ‬كتبه‭ ‬الإله‭ ‬توت‭ "‬ومن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ويقرأ‭ ‬أول‭ ‬حكمة‭ ‬فيه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يسلط‭ ‬سحره‭ ‬على‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭ ...‬وأما‭ ‬من‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬حكمته‭ ‬الثانية‭ ‬فإنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬بعد‭ ‬مماته‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإقامة‭ ‬فيها‭"‬،‭ ‬ويترك‭ ‬نفركاه‭ ‬بتاح‭ ‬امرأته‭ ‬وابنه‭ ‬الوحيد‭ ‬بمدينة‭ ‬قفط‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬فيدركه؛‭ ‬نرى‭ ‬ظلال‭ ‬الخضر‭ ‬وملامحه‭ ‬فى‭ ‬ديونيسوس‭ ‬–‭ ‬زاغروس‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬اليونانى؛‭  ‬وفى‭ ‬الإمام‭ ‬الغائب‭ ‬نلمح‭ ‬صفات‭ ‬الخضر‭ ‬أيضاً؛‭  ‬وتتعدد‭ ‬الأسماء‭ ‬لكن‭ ‬للخلود‭ ‬صيغته‭ ‬الوحيدة‭.‬

نرى‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبين‭ ‬إلياس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخري؛‭ ‬وبينه‭ ‬وبينGeorge‭ ‬جورجيوس‭ ‬المقدس‭ ‬الذى‭ ‬ورد‭ ‬ذكره‭ ‬عند‭  ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬والثعلبى‭ ‬وغيرهما‭ ..‬كما‭ ‬نرى‭ ‬امتداد‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬الربوع‭ ‬الإسلامية‭ ‬وغيرها؛‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬منح‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬التى‭ ‬تلامس‭ ‬فيها‭ ‬الواقعى‭ ‬التاريخى‭ ‬بالمتخيل‭ ‬البقاءَ‭ ‬والتجدد‭ ‬فى‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية؟‭ ‬هل‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تداخل‭ ‬الثقافات؟‭ ‬هذا‭ ‬الخلط‭ ‬جعل‭ ‬حسنى‭ ‬حداد‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ "‬بعل‭ ‬–‭ ‬هدد‭ ‬الأوغاريتى‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬نبى‭ ‬فى‭ ‬اليهودية‭ [‬إيليا‭]‬،وإلى‭ ‬مقدس‭ ‬فى‭ ‬المسيحية‭[‬جورجيوس‭]‬،وإلى‭ ‬وليّ‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‭[‬الخضر‭]"‬

وفى‭ ‬نص‭ ‬عثرت‭ ‬عليه‭ ‬لأبى‭ ‬منصور‭ ‬الثعالبى‭ ‬فى‭ ‬ثمار‭ ‬القلوب‭ ‬فى‭ ‬المضاف‭ ‬والمنسوب‭ ‬ينبئ‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬اشتداد‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الخضر؛‭"‬قال‭ ‬القاضى‭ ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭: ‬أما‭ ‬الخضر‭ ‬فالناس‭ ‬فى‭ ‬أمره‭ ‬فريقان‭: ‬منكر‭ ‬ومكذب،‭ ‬ومقر‭ ‬ومصدق‭. ‬ومعظم‭ ‬أهل‭ ‬الشرائع‭ ‬والنبوات‭ ‬يثبت‭ ‬عينه‭ ‬وإن‭ ‬اختلف‭ ‬فى‭ ‬نعته،‭ ‬وإنما‭ ‬ينكره‭ ‬خواص‭ ‬من‭ ‬متكلمى‭ ‬الإسلام‭ ‬ومتخصصى‭ ‬الملل؛‭ ‬فأما‭ ‬عوام‭ ‬ملتنا‭ ‬والسواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكتابين‭ ‬والمجوس،‭ ‬فهم‭ ‬على‭ ‬افتراق‭ ‬المذاهب‭ ‬بهم‭ ‬فى‭ ‬اسمه‭ ‬وصفته،‭ ‬وفى‭ ‬زمانه‭ ‬ومدته،‭ ‬مطبقون‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬عبدٍ‭ ‬لله‭ ‬صالحٍ،‭ ‬حى‭ ‬على‭ ‬الدهر،‭ ‬ممدودٍ‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬الأجل،‭ ‬جوالٍ‭ ‬فى‭ ‬الأرض،‭ ‬مغيب‭ ‬الشخص‭ ‬عن‭ ‬الأبصار‭.‬وربما‭ ‬تجاوز‭ ‬جهال‭ ‬هذه‭ ‬الأمم‭ ‬إلى‭ ‬تثبيت‭ ‬أمورٍ‭ ‬هى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬العقول،‭ ‬وأذهب‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬الاستحالة‭"‬

ولهذا‭ ‬النص‭ ‬أهميتان‭ ‬فهو‭ ‬يلقى‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬اشتداد‭ ‬الحوار‭ ‬بل‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬المصدقين‭ ‬والمنكرين‭ ‬لوجود‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬الثعالبى،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يذكر‭ ‬الثعالبى‭ ‬أن‭ ‬عوام‭ ‬المسلمين‭ ‬و‭ ‬أهل‭ ‬الكتابين‭ ‬والمجوس‭ ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬عبد‭ ‬صالح‭ ‬بينما‭ ‬يختلفون‭ ‬على‭ ‬اسمه‭ ‬وصفاته‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬مقولة‭ ‬الثعالبى‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬أسيف‭ ‬حسين‭ ‬فى‭ ‬مقاله‭ ‬المعنون‭ ‬بـ‭" ‬كاتارجاما‭ ‬أرض‭ ‬الخضر‭" ‬يقول‭ ‬فيه‭"‬إن‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬كاتاراجاما‭, ‬مركز‭ ‬طائفة‭ ‬سكاندا‭ ‬بين‭ ‬الهندوسيّين‭ ‬و‭ ‬البوذيّين‭, ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬فى‭ ‬القلوب‭ ‬المسلمة‭ ‬أيضًا‭ .‬إذ‭ ‬لحقت‭ ‬القدسيّة‭ ‬بالمكان‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المسلمين‭ ‬المحلّيّين‭ ‬حول‭ ‬سكاندا‭, ‬لكنّ‭ ‬كائنا‭ ‬غامضا‭ ‬يدعى‭ ‬الخضر‭ ‬أو‭ ‬الأخضر‭ ‬الذى‭ ‬يُعْتَقَد‭ ‬وجوده‭ ‬ومأواه‭ ‬هنا‭ ‬رُبِطَ‭ ‬مع‭ ‬خالير‭ ‬ماكام‭ ‬فى‭ ‬الحيّ‭ ‬المسلم‭ ‬كاتاراجاما‭ ‬غير‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬مينيك‭ ‬جانجا‭  ‬بالطّبع‭, ‬بل‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنّه‭ ‬الخضر‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬تنسب‭ ‬له‭ ‬مسمىكاتاراجاما‭" ‬

لقد‭ ‬طغى‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬الشعر‭ ‬العربى‭ ‬والعالمى،‭ ‬فقد‭ ‬جمعتُ‭ ‬مئات‭ ‬الأبيات‭ ‬التى‭ ‬تناول‭ ‬أصحابها‭ ‬الخضر‭ ‬مستشهدين‭ ‬به‭ ‬معلما‭ ‬وهاديا‭ ‬أو‭ ‬مسقطين‭ ‬عليه‭ ‬رؤى‭ ‬معاصرة‭ ‬فى‭ ‬توظيف‭ ‬إبداعى‭ ‬متجدد؛‭ ‬نراه‭ ‬عند‭ ‬مجنون‭ ‬ليلى‭ ‬والمتنبى‭ ‬والمعرى‭ ‬وابن‭ ‬حجر‭ ‬العسقلانى‭ ‬وابن‭ ‬نباتة‭ ‬المصرى‭ ‬والسراج‭ ‬الوراق‭ ‬والشاب‭ ‬الظريف‭ ‬وبهاء‭ ‬زهير‭ ‬والبوصيرى‭ ‬و‭ ‬صفى‭ ‬الدين‭ ‬الحلى‭ ‬وخضر‭ ‬القزوينى‭ ‬ومحمود‭ ‬سامى‭ ‬البارودى‭ ‬وغيرهم؛‭ ‬كما‭ ‬ألفيته‭ ‬حاضرا‭ ‬عند‭ ‬الكتّاب‭ ‬كأبى‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدى‭ ‬وأبى‭ ‬منصور‭ ‬الثعالبى‭ ‬والجاحظ‭ ‬وابن‭ ‬الجوزى‭ ‬وابن‭ ‬الأثير‭ ‬وأبى‭ ‬حاتم‭ ‬السجستانى‭ ‬والعماد‭ ‬الأصفهانى‭ ‬والميدانى‭ ‬والنويرى‭ ‬وابن‭ ‬خلكان‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وقد‭ ‬رآه‭ ‬إخوان‭ ‬الصفا‭ ‬فى‭ ‬رسائلهم‭ "‬عبدالله‭ ‬مولانا‭ ‬الخضر‭ ‬وأنه‭  ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬صاحب‭ ‬سر‭ ‬غَيب‭ ‬وكتمان‭.‬

لقد‭ ‬شغل‭ ‬الناس‭ ‬يقظة‭ ‬ومناما،‭ ‬فالناس‭ ‬يتوقون‭ ‬شوقا‭ ‬لرؤيته؛‭ ‬ولكثرة‭ ‬من‭ ‬يحلم‭ ‬بمشاهدته‭ ‬ولو‭ ‬مناما‭ ‬فقد‭ ‬فسر‭ ‬ابن‭ ‬سيرين‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬رأى‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬الخصب‭ ‬والسعة‭ ‬بعد‭ ‬الجدوبة،‭ ‬والأمن‭ ‬بعد‭ ‬الخوف‮»‬‭ ‬كما‭ ‬فسر‭ ‬ابن‭ ‬شاهين‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الإشارات‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬العبارات‭ ‬أن‭ "‬من‭ ‬رأى‭ ‬الخضر‭ ‬فإنه‭ ‬يسافر‭ ‬سفراً‭ ‬بعيداً‭ ‬بالسعة‭ ‬والأمان،‭ ‬وقيل‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬الخضر‭ ‬فإنه‭ ‬يحج‭ ‬ويكون‭ ‬عمره‭ ‬طويلاً‭"‬

وقد‭ ‬تتبعتُ‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬اللافت‭ ‬فى‭ ‬الشعر‭ ‬والمعاجم‭ ‬والقصة‭ ‬والرواية‭ ‬والأدب‭ ‬الشعبي؛كما‭ ‬ألقى‭ ‬الخضر‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬الفن‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية‭ ‬صورت‭ ‬الخضر‭ ‬ولقاءاته‭ ‬عبر‭ ‬مدارس‭ ‬الفن‭ ‬المختلفة،‭ ‬وقد‭ ‬صور‭ ‬الرسام‭ ‬الشعبى‭ "‬النبيَّ‭ ‬الخضر‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬شيخ‭ ‬جليل‭ ‬تشع‭ ‬علامات‭ ‬الإيمان‭ ‬والتقوى‭ ‬من‭ ‬عينيه‭ ‬ووجهه،‭ ‬فى‭ ‬يده‭ ‬مسبحة،‭ ‬وحوله‭ ‬نوق،‭ ‬وزرع‭ ‬أخضر‭"  ‬وكم‭ ‬من‭ ‬المقامات‭ ‬والمزارات‭ ‬أقيمت‭ ‬شواهد‭ ‬على‭ ‬مروره‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬والجُزر‭ ‬سميت‭ ‬باسمه‭ ‬لرؤيته‭ ‬مارا‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬مكتشفا‭ ‬لها،‭ ‬وقد‭ ‬يحدث‭ ‬الخلط‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬الخضر‭ ‬برام‭ ‬الله‭ ‬التى‭ ‬يروون‭ ‬أنها‭ " ‬دعيت‭ ‬الخضر‭ ‬باسمها‭ ‬هذا‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬أقيم‭ ‬فيها‭ ‬تخليدا‭ ‬للقديس‭ ‬مار‭ ‬جرجس‭ ‬من‭ ‬أمراء‭ ‬القبادون‭ ‬الذى‭ ‬استشهد‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الرواية‭ ‬النصرانية‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬303م‭ ‬وعيده‭ ‬فى‭ ‬أواخر‭ ‬شهر‭ ‬نيسان‭" ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬الخلط‭ ‬متعمد‭ ‬للتداخل‭ ‬والتعدد‭.‬لقد‭ ‬كان‭ ‬المفسرون‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬الأدب،‭ ‬حتى‭ ‬يفسروا‭ ‬النص‭ ‬القرآنى‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نحلل‭ ‬أقوال‭ ‬المفسرين‭ ‬فى‭ ‬إطارها‭ ‬التحليلى‭ ‬البلاغى‭ ‬والنقدي؟‭  ‬

1-2‭ ‬الخضر‭ ‬حضور‭ ‬إنساني

يمثل‭ ‬موضوع‭ ‬الخضر‭ ‬إشكالية‭ ‬فى‭ ‬عقلية‭ ‬الفكر‭ ‬الإنسانى‭ ‬إذ‭ ‬تطور‭ ‬تشكيل‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬الصيرورة‭ ‬والديمومة‭ ‬وتجاوز‭ ‬البيئات‭ ‬والفرق‭ ‬والأزمنة‭ ‬والاختلافات‭ ‬حول‭ ‬وجوده؛‭ ‬َفى‭ ‬أى‭ ‬عصر‭ ‬كان؟‭ ‬أهو‭ ‬كائن‭ ‬دوماً؟؛‭  ‬وهل‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬حياً‭ ‬ومتى‭ ‬سيموت‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬مايزال‭ ‬حيا؟‭ ‬وما‭ ‬سبب‭ ‬خلوده‭ ‬وبقائه‭ ‬؟‭ ‬ومَن‭ ‬حظى‭ ‬بمقابلته‭ ‬ومن‭ ‬تعلّم‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬؟‭ ‬وما‭ ‬درجته؛‭ ‬أهو‭ ‬وليٌّ‭ ‬أم‭ ‬نبيٌّ‭ ‬أم‭ ‬رسول‭ ‬أم‭ ‬ملكٌ‭ ‬من‭ ‬الملائكة‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كُنهه؟

لم‭ ‬يرد‭ ‬اسم‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم؛‭ ‬فكيف‭ ‬نفسر‭ ‬هذا‭ ‬التتبع‭ ‬والشغف‭ ‬بسيرة‭ ‬حياته‭ ‬منذ‭ ‬مولده‭ ‬وعلاقته‭ ‬مع‭ ‬أبيه‭ ‬وموقفه‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬ورقّه،‭ ‬وأوصافه‭ ‬وبقائه‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬بقائه؟‭ "‬فالجمهور‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬باق‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭"‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬سنرى؛‭  ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬روى‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬حول‭ ‬سيرة‭ ‬حياته،‭ ‬فما‭ ‬أصولها‭ ‬؟‭ ‬إنها‭ ‬إنتاج‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية‭ ‬للشعوب‭. ‬ولِم‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬الخضر‭ ‬نقطة‭ ‬بحث‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬المقارن؟‭ ‬ففى‭ ‬تركيا‭ ‬نجد‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ "‬خزر‭"  ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬Trabzon-Khidr-Festival‭   ‬الاحتفال‭ ‬بعيد‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬ترابزون‭ ‬التركية‭ ‬و‭"‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خزر‭ ‬إلياس‭ ‬التركى‭ ‬ذا‭ ‬شعبية‭ ‬عند‭ ‬الفلاحين‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬الدوائر‭ ‬الرسمية‭ ‬العثمانية‭ ‬أيضا‭" ‬لقد‭ ‬تناوله‭ ‬الأدباء‭ ‬الأتراك‭ ‬فى‭ ‬أشعارهم‭ ‬ونثرهم،وربما‭ ‬يعود‭ ‬لون‭ ‬الرايات‭ ‬الخضراء‭ ‬التى‭ ‬غدت‭ ‬رمزا‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامى‭ ‬للخضر‭ ‬بما‭ ‬يوحيه‭ ‬من‭ ‬تجدد‭ ‬واخضرار‭ ‬ونمو‭ ‬وبقاء‭.‬وفى‭ ‬لون‭ ‬الخرقة‭ ‬الأخضر‭ ‬ما‭ ‬يوحى‭ ‬بارتباطها‭ ‬بالخضر‭ ‬ضمنا‭.‬

لقد‭ ‬وجدت‭ ‬المخيلة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجمعية‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬والعلم‭ ‬ضالتها‭ ‬فى‭ ‬الخضر‭ ‬وأَلْفَت‭ ‬فيه‭ ‬البديل‭ ‬عن‭ ‬الفناء‭ ‬الذى‭ ‬يزعج‭ ‬الجموع‭ ‬فبحثت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬عن‭ ‬خلودها‭ ‬المنشود‭ ‬المخبوء‭ ‬الذى‭ ‬تُسقط‭ ‬عليه‭ ‬همومها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬وغيرها؟‭ ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نفسر‭ ‬انشغال‭ ‬المفسرين‭ ‬وعلماء‭ ‬الحديث‭ ‬وأصحاب‭ ‬الفِرق‭ ‬وعلماء‭ ‬الكلام‭  ‬والنقاد‭ ‬والشعراء‭ ‬والكتاب‭ ‬والفلاسفة‭ ‬والفنانين‭ ‬بالخضر؟

كيف‭ ‬تحوَّل‭ ‬الخضر‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬للأولياء‭ ‬؟‭ ‬ومصدر‭ ‬إبداع‭ ‬وكيف‭ ‬أدخل‭ ‬الخضر‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬الإبداع‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يُقسم‭ ‬أنه‭ ‬رآه‭ ‬وأنه‭ ‬صاحَبه؛‭ ‬لقد‭ ‬حوَّل‭ ‬الخضر‭ ‬المتلقى‭ ‬من‭ ‬قارئ‭ ‬سلبى‭ ‬إلى‭ ‬متلقٍ‭ ‬مبدع،‭ ‬وكيف‭ ‬وظفه‭ ‬الأدباء‭ ‬فى‭ ‬إبداعهم؟‭ ‬ما‭ ‬مرجع‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬وإيليا‭ (‬إلياس‭) "‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المقامات‭ ‬والأضرحة‭ ‬المنسوبة‭ ‬لهذا‭ ‬الاسم‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭"  ‬وما‭ ‬مردّ‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬وإلياس‭ ‬وجورجيوس‭ "‬فما‭ ‬يزال‭ ‬مزار‭ ‬الخضر‭ ‬–‭ ‬جاورجيوس‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬عند‭ ‬ميناء‭ ‬السويدية‭ ‬على‭ ‬مصب‭ ‬نهر‭ ‬العاصي‭" ‬لقد‭ ‬تحول‭ ‬الخضر‭ ‬عبر‭ ‬البيئات‭ ‬والأزمنة‭ ‬إلى‭ ‬أخضار‭ ‬متعددة‭.‬

هذه‭ ‬الآراء‭ ‬والأسئلة‭ ‬آمل‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬لبعضها‭ ‬أجوبة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭. ‬ولا‭ ‬يدخل‭ ‬الباحث‭ ‬فى‭ ‬شَرَك‭ ‬إثبات‭ ‬بقائه‭ ‬أو‭ ‬موته‭ ‬بل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إثبات‭ ‬حضوره‭ ‬الإبداعى‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬النقدى‭ ‬وأثر‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬ونقديا‭.             ‬

1-3‭ ‬كارل‭ ‬يانج

سأتبع‭ ‬المنهج‭ ‬التاريخى‭ ‬الذى‭ ‬سيدلنى‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬تكوين‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر‭.‬

وتبعاً‭ ‬للمادة‭ ‬التى‭ ‬سأعثر‭ ‬عليها‭ ‬فإن‭ ‬المنهج‭ ‬التحليلى‭ ‬سيكون‭ ‬أوفر‭ ‬حظاً‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المناهج‭ ‬النقدية‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬تحليل‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الأدبى‭ ‬والإبداع‭ ‬المعاصر‭.‬

كما‭ ‬أنى‭ ‬سأقفو‭ ‬خطى‭ ‬المفكر‭ ‬السويسرى‭  ‬Carl Gustav Jung‭  (‬1875‭ ‬–‭ ‬1961‭)   ‬كارل‭ ‬جوستاف‭ ‬يانج‭ ‬الذى‭ ‬درس‭ ‬الأديان‭ ‬والحضارات‭ ‬وفق‭ ‬نظريته‭ ‬حول‭ "‬التزامن‭" ‬و‭"‬الـ‭ ‬لاشعور‭ ‬الجماعي‭" ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العقل‭ ‬الباطن‭ ‬الذى‭ ‬يفسر‭ ‬الظواهر‭ ‬المتشابهة‭ ‬للبشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإرث‭ ‬المعرفى‭ ‬للبشر‭. ‬

1-4‭ ‬الدراسات‭ ‬السابقة‭:‬

لقى‭ ‬موضوع‭ ‬الخضر‭ ‬اهتمام‭ ‬المفسرين‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬سأوضحه‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬كما‭ ‬لقى‭ ‬اهتمام‭ ‬الفقهاء‭ ‬والمؤلفين‭ ‬ولعلنا‭ ‬عندما‭ ‬ننظر‭ ‬فى‭ ‬أسماء‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬وردت‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬والمراجع‭ ‬نجد‭ ‬عناوين‭ ‬كتب‭ ‬أُلفت‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬فُقدت‭ ‬أو‭ ‬لـمَّا‭ ‬تُكتشف‭ ‬بعد‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تحقق؛‭ ‬فنظرة‭ ‬فى‭ ‬كشف‭ ‬الظنون‭ ‬تنبىء‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬كتاباً‭ ‬عن‭ ‬الخضر؛‭ ‬كعجالة‭ ‬المنتظر‭ ‬فى‭ ‬شرح‭ ‬حال‭ ‬الخضر‭ ‬لأبى‭ ‬الفرج‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬الجوزى‭ (‬ت597هـ‭) ‬وكتاب‭ "‬قصة‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭" ‬لشمس‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬البساطى‭ (‬ت‭ ‬843‭) ‬و‭"‬الزهر‭ ‬النضر‭ ‬فى‭ ‬أنباء‭ ‬الخضر‭"  ‬لشهاب‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬حجر‭ ‬العسقلانى‭ (‬ت‭ ‬852‭) ‬و‭"‬الوجه‭ ‬النضر‭ ‬فى‭ ‬ترجيح‭ ‬نبوة‭ ‬الخضر‭" ‬لجلال‭ ‬الدين‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬السيوطى‭ (‬ت911‭) ‬و‭"‬رسالة‭ ‬الأولياء‭ ‬وحياة‭ ‬الخضر‭ ‬وإلياس‭" ‬لعبدالأحد‭ ‬بن‭ ‬مصلح‭ ‬الدين‭ ‬النورى‭ (‬ت‭ ‬1061‭)‬و‭"‬القول‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الخضر‭  ‬ووجود‭ ‬الأبدال‭"  ‬لنوح‭ ‬بن‭ ‬مصطفى‭  ‬الرومى‭ (‬ت1070‭) ‬وغيرهم‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬الكتانى‭ ‬أن‭ ‬يحيى‭ ‬الشاوي‭"‬نظم‭ ‬جواباً‭ ‬فى‭ ‬إثبات‭ ‬حياة‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬أبيات‭ ‬36‭ ‬فى‭ ‬درجين‭" ‬والعجيب‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬لم‭ ‬نرها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬والأبواب‭ ‬التى‭ ‬تناثرت‭ ‬فى‭ ‬معظم‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬تؤكد‭ ‬مدى‭ ‬حضور‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬العقلية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وكيف‭ ‬شغل‭ ‬الخواص‭ ‬والعوام،‭ ‬وكيف‭ ‬احتلت‭ ‬موقعا‭ ‬مميزاً‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬العربى‭ ‬والإسلامي‭.‬

وقد‭ ‬وضع‭ ‬الشعرانى‭ ‬كتابه‭ "‬الميزان‭ ‬الخضرية‭" ‬وقد‭ ‬تحدث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبحر‭ ‬الشعرانى‭ ‬لكن‭ ‬تشعبت‭ ‬المسائل‭ ‬عليه،‭ ‬وتناقضت‭ ‬الأجوبة‭  "‬فتوجهتُ‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وسألته‭ ‬أن‭ ‬يجمعنى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬عنده‭ ‬علم‭ ‬ذلك،‭ ‬فمن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على،‭ ‬وتفضل‭ ‬وأجاب‭ ‬على‭ ‬سؤالى،‭ ‬وجمعنى‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬ومولانا‭ ‬أبى‭ ‬العباس‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬سنة‭ ‬إحدى‭ ‬وثلاثين‭ ‬وتسعمائة‭ ‬بسطح‭ ‬جامع‭ ‬الغمرى،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬ساكنا‭ ‬فيه،‭ ‬فشكوت‭ ‬إليه‭ ‬حالى،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬تعلمنى‭ ‬يا‭ ‬نبى‭ ‬الله‭ ‬ميزاناً‭ ‬أجمع‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬مذاهب‭ ‬المجتهدين‭ ‬ومقلديهم،‭ ‬وأردها‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬الشريعة؛‭ ‬فقال‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ :‬ألق‭ ‬سمعك،‭ ‬وافتح‭ ‬عين‭ ‬قلبك،فقلتُ‭ ‬له‭ :‬نعم،‭ ‬فقال‭:‬اعلم‭..." " ‬وبدأ‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬تعليم‭ ‬الشعرانى،‭ ‬وحَفِظ‭ ‬ما‭ ‬أملاه‭ ‬وفسّره‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬هذا‭. ‬

وقد‭ ‬ألّف‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الحصين‭ ‬رسالة‭ ‬أسماها‭"‬الخضر‭ ‬وآثاره‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والخرافة‭" ‬وقد‭ ‬أوضح‭ ‬هدفه‭ "‬بيان‭ ‬الخرافات‭ ‬التى‭ ‬يعتقدها‭ ‬العامة‭ ‬وبطلانها‭ ‬وخصوصا‭ ‬فى‭ ‬آثار‭ ‬الخضر‭" ‬والكتاب‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الخطابة‭  ‬والنقل‭ ‬دون‭ ‬النقد‭ ‬والعقل،‭ ‬إذ‭ ‬حوّل‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬سباب‭ ‬واتهامات‭ "‬للمتربصين‭ ‬بالإسلام‭ ‬وأهله‭ ‬المنتحلين‭ ‬لعقائد‭ ‬أهل‭ ‬الزيغ‭ ‬والفساد‭ ‬الذين‭ ‬استمرأو‭[!] ‬حياة‭ ‬الوهم‭ ‬والخرافة‭ ‬أدعياء‭ ‬التصوف‭ ‬الكاذب‭ ‬والكشف‭ ‬المزعوم‭ ‬أبوا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يجعلوا‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬شخصية‭ ‬أسطورية‭" ‬ومضى‭"‬وما‭ ‬يشيعه‭ ‬بعض‭ ‬المتصوفة‭ ‬الجهلة‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬هواجس‭ ‬ووساوس‭" ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬ألف‭ ‬كتابا‭ ‬أسماه‭"‬كشف‭ ‬الخدر‭ ‬عن‭ ‬أمر‭ ‬الخضر؛‭ ‬وهو‭ ‬مطبوع‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬فى‭ ‬قازان‭ ‬سابقا‭"‬؛‭ ‬وربما‭ ‬عنى‭ ‬كتاب‭"‬الحذَرُ‭ ‬فى‭ ‬أمر‭ ‬الخضر‭"‬لعلى‭ ‬بن‭ ‬سُلطان‭ ‬محمد‭ ‬القارى‭ ‬الهروي،‭ ‬وقد‭ ‬نُشر‭ ‬محققا‭.‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الحصين‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لأنه‭ ‬مبنى‭ ‬على‭ ‬الانتصار‭ ‬لحياة‭ ‬الخضر‭ ‬وتفنيد‭ ‬رأى‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬بموته‭.‬

وقد‭ ‬ذكر‭ ‬ابن‭ ‬القارى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬البدع‭ "‬اجتماع‭ ‬النساء‭ ‬وبعض‭ ‬السفهاء‭ ‬ولو‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬الفقهاء‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬الحزورة‭ ‬وقيت‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬ليلة‭ ‬سبت‭ ‬من‭ ‬ذى‭ ‬القعدة‭ ‬معتقدين‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬حينئذ‭ ‬هو‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭" ‬وقد‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬قيم‭ ‬الجوزية‭ ‬الذى‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬موته،‭ ‬وأوضح‭ ‬أنه‭ ‬حى‭ ‬لا‭ ‬خالد‭ "‬إذ‭ ‬المخلد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يموت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭ ‬بهذا‭ ‬فى‭ ‬حقه‭ ‬أحد‭" ‬كما‭ ‬ردّ‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬الذى‭ ‬ذكر‭ "‬لو‭ ‬كان‭ ‬الخضر‭ ‬حيا‭ ‬لوجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يأتى‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ويجاهد‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ويتعلم‭ ‬منه؛‭ ‬فقال‭ ‬ابن‭ ‬القاري‭:"‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬غريب‭ ‬من‭ ‬شيخ‭ ‬الإسلام‭" ‬واستشهد‭ ‬بأويس‭ ‬القرني‭.‬وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬حى‭ ‬فى‭ ‬الخفاء‭ ‬يتشكل‭ ‬كيف‭ ‬يشاء‭.‬

وضع‭ ‬محمد‭ ‬رمضان‭ ‬يوسف‭ ‬كتاباً‭ ‬حول‭ "‬الخضر‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والتهويل‭" ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬حاول‭ ‬مؤلفه‭ ‬أن‭ ‬يناقش‭ ‬قضية‭ ‬وجوده‭ ‬حياً‭ ‬أم‭ ‬ميتاً‭ ‬وبعد‭ ‬استقصاء‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬حلٍّ‭ ‬وسط‭ ‬يرضى‭ ‬الطرفين‭ "‬إن‭ ‬الخضر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ [‬أى‭ ‬يراه‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬عصر‭] ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الحقيقة‭ ‬والواقع،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬للتوفيق‭ ‬بين‭ ‬الأقوال‭" ‬فمن‭ ‬رآه‭ ‬فقد‭ ‬رآه‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭.‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬–‭ ‬نفسه‭ - ‬لم‭ ‬يقتنع‭ ‬بما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬فأردف‭ "‬أما‭ ‬موته‭ ‬فإن‭ ‬قامت‭ ‬عليه‭ ‬أدلة‭ ‬قطعية،‭ ‬فكل‭ ‬نفس‭ ‬ذائقة‭ ‬الموت،‭ ‬ومالم‭ ‬تقم‭ ‬تلك‭ ‬الأدلة‭ ‬فلا‭ ‬مانع‭ ‬عقلاً‭ ‬ولا‭ ‬نقلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬حياته،‭ ‬لوجود‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬كذلك‭" ‬والكتاب‭ ‬لايتعرض‭ ‬لتوظيف‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬رؤية‭ ‬نقدية‭ ‬بل‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬تراه‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬المثال‭ ‬؛‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭ "‬إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬وحده‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وأنه‭ ‬باق‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬ويلتقى‭ ‬بالناس،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حقيقة‭ ‬ففى‭ ‬عالم‭ ‬المثال‭" ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفى‭ ‬أنى‭ ‬أفدتُ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭.‬

وقد‭ ‬ظهر‭ ‬كتاب‭ "‬كشف‭ ‬البيان‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬الخضر‭ ‬أبى‭ ‬العباس‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭"‬،‭ ‬جمعه‭ ‬واعتنى‭ ‬به‭ ‬الشيخ‭ ‬خضر‭ ‬العبيدي،‭ ‬قدم‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬عيتاني،وقد‭ ‬ادّعى‭ ‬محمد‭ ‬رمضان‭ ‬يوسف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ "‬الخضر‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والتهويل‭" ‬ورد‭ ‬الثانى‭ ‬أنه‭ ‬جمَع‭ ‬كما‭ ‬جمَع‭ .‬

وقد‭ ‬ألف‭ ‬محمود‭ ‬شلبى‭ ‬كتابا‭ ‬وسمه‭ ‬بـ‭"‬حياة‭ ‬الخضر‭" ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية،‭ ‬ولم‭ ‬يدل‭ ‬برأى‭ ‬واكتفى‭ ‬بقوله‭"‬إذا‭ ‬تحدث‭ ‬الأكابر‭ ‬فليصمت‭ ‬الأصاغر‭ ‬أمثالي‭" ‬لكنه‭ ‬أورد‭ ‬مسرحية‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬كتابه‭ ‬تقرب‭ ‬القصص‭ ‬الدينى‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬المعاصرين‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭- ‬وهى‭ ‬مسرحية‭ ‬تعليمية‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭.‬

كما‭ ‬ألف‭ ‬الشيخ‭ ‬محمود‭ ‬على‭ ‬الرفاعى‭ ‬كتيّبا‭ ‬عن‭ "‬قطب‭ ‬الأقطاب‭ ‬وعالم‭ ‬الزمان‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭" ‬دافع‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬بقائه‭ ‬وقال‭"‬وأعجب‭ ‬لمن‭ ‬يصدق‭ ‬بطول‭ ‬بقاء‭ ‬إبليس‭ ‬وينكر‭ ‬طول‭ ‬بقاء‭ ‬الخضر‭" ‬وجمع‭ ‬بعض‭ ‬الأدعية‭ ‬التى‭ ‬وردت‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬وبعض‭ ‬معاصريه‭ ‬كالشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬رضوان‭ ‬

وقد‭ ‬ألف‭ ‬محمود‭ ‬المراكبى‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ "‬موسى‭ ‬والخضر‭ ‬عليهما‭ ‬السلام؛‭ ‬علمى‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن‭"‬وأوضح‭ ‬فى‭ ‬المقدمة‭ ‬أنه‭ ‬صوفى‭ "‬خضتُ‭ ‬التجربة‭ ‬الصوفية‭ ‬كاملة‭ ‬غير‭ ‬منقوصة،‭ ‬فقد‭ ‬تلقيتُ‭ ‬الطريق‭ ‬وسلكت‭ ‬مقاماته‭ ‬السبع‭ ‬المعروفة؛‭ ‬ثم‭ ‬كُلّفتُ‭ ‬برتبة‭ ‬مشيخة‭ ‬الطريق‭(...)‬ثم‭ ‬تلقيتُ‭ ‬الإذن‭ ‬بدعوة‭ ‬الخلق‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الحق‭ ‬ثم‭ ‬الإذن‭ ‬بترقية‭ ‬السالكين‭ ‬إلى‭ ‬مقام‭ ‬المشيخة‭" ‬ثم‭ ‬حكى‭ ‬أنه‭ ‬يود‭ ‬نقل‭ ‬مشاهداته‭ ‬وعلمه‭ ‬فى‭ ‬مسألة‭ ‬الخضر‭ ‬فعقد‭ ‬فصلا‭ ‬عن‭ ‬أسطورة‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ "‬أسطورة‭ ‬لا‭ ‬يقبلها‭ ‬العقل‭ ‬والفطرة‭ ‬السليمة،‭ ‬وهى‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬حكايات‭ ‬العجائز‭ ‬عن‭ ‬الغول‭ ‬والشاطر‭ ‬حسن‭" ‬وهو‭ ‬رأى‭ ‬ندر‭ ‬أن‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬صوفي‭. ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬لقاءات‭ "‬مزعومة‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬وإلياس‭" ‬وأرجع‭ ‬الحكايات‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬إلى‭ ‬الفرق‭ ‬الباطنية‭ ‬،‭ ‬ونفى‭ ‬حياته‭ ‬وأن‭ "‬من‭ ‬يدعى‭ ‬صحبة‭ ‬الخضر‭ ‬والاجتماع‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬اليقظة‭ ‬إما‭ ‬جاهل‭ ‬أو‭ ‬مبتدع‭ ‬فى‭ ‬الدين‭" ‬لكنه‭ ‬وقع‭ ‬فى‭ ‬التناقض‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬يرفض‭ ‬الروايات‭ ‬ولكنه‭ ‬ينتقى‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬بانيا‭ ‬على‭ ‬انتقاءاته‭ ‬أحكاما،‭ ‬ثم‭ ‬إنه‭ ‬ناصب‭ ‬التصوف‭ ‬العداء،‭ ‬والتصوف‭ ‬عنده‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة،‭ ‬يحكم‭ ‬عليها‭ ‬أنه‭ "‬تبين‭ ‬لى‭ ‬الشطط‭ ‬والغلو‭ ‬فى‭ ‬الفكر‭ ‬الصوفي‭" ‬و‭"‬أن‭ ‬مزاعم‭ ‬الفرق‭ ‬الباطنية‭ ‬عن‭ ‬اجتماعهم‭ ‬بالخضر‭ ‬أو‭ ‬أخذهم‭ ‬عنه‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬مزاعم‭ ‬الصوفية،‭ ‬وكلها‭ ‬من‭ ‬تلبيس‭ ‬إبليس‭"‬

والظاهر‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬ألفت‭ ‬أنها‭ ‬تدور‭ ‬فى‭ ‬رحى‭ ‬الخلاف‭ ‬على‭ ‬نبوته‭ ‬أو‭ ‬ولايته؛‭ ‬وعلى‭ ‬الخلاف‭ ‬حول‭ ‬حياته‭ ‬أو‭ ‬مماته؛‭ ‬وهما‭ ‬جوهر‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬المؤلفين؛لكن‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬أحدهم‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬علمي‭- ‬أمام‭ ‬الظاهرة‭ ‬نقدياً‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬نقطتيْ‭ ‬الخلاف‭ ‬المذكورتين‭ ‬آنفا،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أدبى‭ ‬نقدى‭ ‬تبدو‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭.‬

2-‭ ‬المستشرقون‭ ‬والخضر‭:‬

نظر‭ ‬معظم‭ ‬المستشرقين‭ ‬إلى‭ ‬الخضر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أسطورة،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬تعاملوا‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬رؤاهم‭ ‬ومشاربهم‭.‬

2-1‭ . ‬Wensinck والخضر‭:‬

فى‭ ‬EI‭  ‬دائرة‭ ‬المعارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬الألمانية‭ ‬كتب‭ ‬A.J‭. ‬Wensinck‭  ‬مقالاً‭ ‬حول‭ ‬الخضر‭ ‬بعنوان‭:‬

al-Khadir Sagen und Legenden von al‭-‬Khadir knuepfen in erster Linie an die koranische Erzaehlung Sura‭ ‬XVIII‭ (‬18‭) ‬59-81

أوضح‭ ‬أن‭ "‬الأساطير‭ ‬Legenden und Sagen‭  ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬ترتبط‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بالقصص‭ ‬القرآنى؛‭ ‬و‭ ‬تعود‭ (...) ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مصادر‭ : ‬ملحمة‭ ‬جلجامش،‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬وإلى‭ ‬الأسطورة‭ ‬اليهودية‭ ‬حول‭ ‬إلياس‭ ‬و‭ ‬الـحَبر‭ ‬يهوشع‭ ‬بن‭ ‬ليفي‭.‬

ويتعلق‭ ‬المصدر‭ ‬الأَوّل‭ ‬بالثانى‭ ‬أما‭ ‬قصة‭ ‬السمكة‭ ‬فهى‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬ولكنها‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭.‬

2-1-1‭ ‬ جلجامش‭ ‬والخضر‭: ‬

هناك‭ ‬ربط‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬وجلجامش،‭ ‬ففى‭ ‬جلجامش‭ : ‬بسبب‭ ‬حزن‭ ‬البطل‭ ‬جلجامش‭ ‬على‭ ‬موت‭ ‬صديقه‭ ‬إِنجيدو‭ ‬سافر‭ ‬جلجامش‭ ‬إلى‭ ‬ملتقى‭ ‬نهرى‭ ‬Khasisatra und Xisouthros‭ ‬كى‭ ‬يلتقى‭ ‬بجده‭ ‬الأكبر‭ ‬Utnapishtim‭ ‬أُتنابشتيم‭ ‬الذى‭ ‬يسكن‭ ‬هناك‭ ‬والذى‭ ‬مُنح‭ ‬الخلود‭ . ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسأله‭ ‬جلجامش‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬النبات‭ ‬الذى‭ ‬يقهر‭ ‬الموت‭.‬ويلقاه‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬السماوي‭""‬السماء‭ ‬من‭ ‬فوقه‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬جبلين،‭ ‬والعالم‭ ‬السفلى‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬يحرسه‭ ‬الإنسان‭ ‬الثعبان‭ ...‬وأخيرا‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أُتنابشتيم‭ ‬فقص‭ ‬عليه‭ ‬قصة‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬الخلود،‭ ‬إنها‭ ‬قصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬حدثت‭ ‬مرة‭ ‬فلن‭ ‬تحدث‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ...‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬مستيقظا‭ ‬ستة‭ ‬أيام‭ ‬وست‭ ‬ليالٍ،‭ ‬وعجز‭ ‬جلجامش‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬غلبه‭ ‬النوم،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يرجع‭ ‬خائبا‭...‬ثم‭ ‬ركب‭ ‬السفينة،‭ ‬وقد‭ ‬عزّ‭ ‬على‭ ‬زوجة‭ ‬أُتنابشتيم‭ ‬أن‭ ‬يرجع‭ ‬جلجامش‭ ‬هكذا‭ ‬خائبا،‭ ‬فطلبت‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬شيئا‭ ‬يجعله‭ ‬سعيدا‭ ‬فى‭ ‬رحلته،‭ ‬وهنا‭ ‬يوقف‭ ‬سفينته‭ ‬متلهفا‭ ‬سماع‭ ‬كلمة‭ ‬أخرى‭ ‬منه،‭ ‬ويحكى‭ ‬له‭ ‬أُتنابشتيم‭ ‬قصة‭ ‬الأعشاب‭ ...‬ويعثر‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬سيره‭ ‬على‭ ‬الأعشاب،‭ ‬وهنا‭ ‬يثق‭ ‬جلجامش‭ ‬كل‭ ‬الثقة‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬أمله،‭ ‬فيلقى‭ ‬الأعشاب‭ ‬جانبا‭ ‬حتى‭ ‬يرجع‭ ‬بها‭ ‬سعيدا‭ ‬إلى‭ ‬أوروك،‭ ‬وينـزل‭ ‬ليستحم‭ ‬فى‭ ‬نشوة‭ ‬من‭ ‬السعادة،‭ ‬وفى‭ ‬لحظة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فى‭ ‬حسبانه‭ ‬يفقد‭ ‬جلجامش‭ ‬الأعشاب‭ ‬وتنهمر‭ ‬الدموع‭ ‬من‭ ‬عينيه‭ ‬خائبا‭" ‬وقد‭ ‬رأى‭ ‬الأفعى‭ ‬تلتهم‭ ‬آخر‭ ‬عشبة‭ ‬من‭ ‬أعشاب‭ ‬الخلود‭.‬

بين‭ ‬الخضر‭ ‬وجلجامش‭ ‬أوجه‭ ‬اتفاق‭ ‬واختلاف‭:‬

إن‭ ‬جلجامش‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬بينما‭ ‬الخضر‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬لكنه‭ ‬وُهِبَه؛‭ ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬الباحث‭ ‬والموهوب‭.‬

إن‭ ‬الخلود‭ ‬هبة‭ ‬وليس‭ ‬كسبا‭.‬

انطلاق‭ ‬جلجامش‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬موقف‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬تأثره‭ ‬بفقد‭ ‬صديقه‭ ‬إنجيدو‭ ‬وحتى‭ ‬يهب‭ ‬الخلود‭ ‬للمقاتلين‭ ‬معه؛‭ ‬بينما‭ ‬الخضر‭ ‬لم‭ ‬يبحث‭ ‬ولم‭ ‬يمنح‭ ‬الخلود‭ ‬لغيره‭ .‬

يبدو‭ ‬موقف‭ ‬Utnapishtim‭ ‬أُتنابِشتيم‭ ‬موقفا‭ ‬للمخلّد‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يتكرر‭ ‬والخضر‭ ‬كذلك،‭ ‬ويلتقيان‭ ‬فى‭ ‬الحكمة،‭ ‬والاختبار‭ ‬والتعليم‭.‬

لم‭ ‬يوهب‭ ‬جلجامش‭ ‬الخلود‭ ‬وقد‭ ‬طلبه‭ ‬بينما‭ ‬أدركه‭ ‬الخضر‭ ‬دونما‭ ‬طلب‭.‬

2-1-2‭ ‬ رواية‭ ‬الإسكندر‭:‬

فى‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭: ‬قصة‭ ‬السمكة‭  - ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬تعنينا‭ ‬هنا‭ ‬لأن‭  ‬Wensinckاستند‭ ‬عليها‭ ‬كما‭ ‬مر‭ ‬بنا‭ ‬آنفا‭- ‬التى‭ ‬تصور‭ ‬بحث‭ ‬الإسكندر‭ ‬عن‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬تأتى‭ ‬بالتفصيل‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬الآشورى‭ ‬وفى‭ ‬ملحمة‭ ‬الإسكندر‭ ‬التى‭ ‬يرويها‭ ‬لأمه‭ ‬ولأستاذه‭ ‬أرسطو‭ ‬عن‭ ‬سفره‭ ‬فى‭ ‬بحر‭ ‬الظلمات‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬التى‭ ‬سمع‭ ‬بها؛‭ ‬وبينما‭ ‬هم‭ ‬يسافرون‭ ‬فى‭ ‬مشقة‭ ‬عبر‭ ‬بلاد‭ ‬الظلام‭ ‬إذ‭ ‬بالطباخ‭ ‬أندرياس‭ ‬يغسل‭ ‬سمكة‭ ‬مملحة‭ ‬فى‭ ‬الماء‭ ‬فيفاجأ‭ ‬بأنها‭ ‬تحيا‭ ‬وتسبح‭ ‬بعيدا‭.‬فيسبح‭  ‬أندرياس‭ ‬وراءها‭ ‬ويصل‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬إلى‭ ‬الخلود‭ ‬بعدما‭ ‬شرب‭ ‬من‭ ‬النبع‭ ‬ولم‭ ‬يحك‭ ‬للإسكندر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬رحلوا‭ ‬بعيدا‭ . ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يحكى‭ ‬للإسكندر‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬ويوقن‭ ‬الإسكندر‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬أدرك‭ ‬عين‭ ‬الخلود‭ ‬فيبحث‭ ‬عنها‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يجدها‭. ‬ويعلق‭ ‬فينسينك‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ "‬هكذا‭ ‬يصل‭ ‬الطباخ‭ ‬المتشائم‭  ‬إلى‭ ‬الخلود‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬ينتفع‭ ‬منه‭ ‬كما‭ ‬سينتفع‭ ‬منه‭ ‬الإسكندر‭ [‬لو‭ ‬أدركه‭]"‬

ويحاول‭ ‬الإسكندر‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭ ‬الطباخ‭ ‬ولكن‭ ‬هيهات‭ ‬لقد‭ ‬شرب‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬الخلود‭. ‬وتقارن‭ ‬نبيلة‭ ‬إبراهيم‭ ‬بين‭ ‬ملحمتى‭ ‬جلجامش‭ ‬والإسكندر‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬اتفاقا‭ ‬بينهما‭ ‬فى‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ "‬فالبطل‭ ‬يسعى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الخلود‭ ‬وبعد‭ ‬تجوال‭ ‬طويل‭ ‬يرجع‭ ‬فاشلا،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬يسعى‭ ‬إليه،‭ ‬ولكنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬يسعد‭ ‬به،‭ ‬فقد‭ ‬قدر‭ ‬لطاهى‭ ‬الإسكندر‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬مع‭ ‬الحيوانات‭ ‬المائية‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬كما‭ ‬قدر‭ ‬لأوتنابشتيم‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬حياته‭ ‬منعزلا‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يحياها‭"‬وهذا‭ ‬التقاء‭ ‬بين‭ ‬ملحمتيْ‭ ‬الإسكندر‭ ‬وجلجامش‭.‬

بين‭ ‬الخضر‭ ‬ورواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تترجم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬أوجه‭ ‬اختلاف‭ ‬أيضا‭:‬

الإسكندر‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬مثل‭ ‬جلجامش‭ ‬بينما‭ ‬الخضر‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬

لا‭ ‬يدرك‭ ‬الإسكندر‭ ‬الخلود‭  ‬بينما‭ ‬يدركه‭ ‬طباخه‭ ‬إندرياس‭ ‬

إن‭ ‬إندرياس‭ ‬لا‭ ‬ينتفع‭ ‬بالخلود‭ ‬بينما‭ ‬ينفع‭ ‬الخضر‭ ‬الناس‭ ‬مرشدا‭ ‬ومنيرا‭ ‬ومنقذا‭.‬

تبدو‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬قصة‭ "‬الصعب‭ ‬ذى‭ ‬القرنين‭" ‬رواية‭ ‬وهب‭ ‬بن‭ ‬منبه‭ ‬الذى‭ ‬رفع‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬طالب‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬وجهه‭ ‬–‭ ‬التى‭ ‬وردت‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬التيجان‭ ‬فى‭ ‬ملوك‭ ‬حمير‭- ‬حيث‭ ‬يحكى‭ ‬وهب‭ ‬أن‭ ‬ذا‭ ‬القرنين‭ ‬سار‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬حتى‭ ‬يلقى‭ ‬النبى‭ ‬الخضر‭ ‬حتى‭ ‬يفسر‭ ‬له‭ ‬رؤى‭ ‬رآها‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تأويلها‭ ‬فالتقاه‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬المقدس،‭ ‬والرواية‭ ‬تجعل‭ ‬مسمى‭ ‬الخضر‭ "‬موسى‭ ‬الخضر‭" ‬ثم‭ ‬فسر‭ ‬له‭ ‬الخضر‭ ‬رؤاه‭ ‬وأمره‭ ‬بالسير‭ ‬نحو‭ ‬المغرب‭ ‬فسارا‭ ‬معا،‭ ‬وأخذ‭ ‬الخضر‭ ‬ينصحه‭ ‬ويعلّمه‭ ‬؛حتى‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬الصخرة،‭ ‬فدنا‭ ‬منها‭ ‬ذو‭ ‬القرنين‭ "‬ليرقى‭ ‬عليها،‭ ‬فانفضت‭ ‬وتقعقعت،‭ ‬فرجع‭ ‬عنها‭ ‬فسكنت‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬ثانية‭ ‬،‭ ‬فانفضت‭ ‬وتقعقعت‭  ‬فرجع‭ ‬عنها‭ ‬فسكنت‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬ثالثة،‭ ‬فانفضت‭ ‬كذلك‭ ‬فرجع‭ ‬فسكنت،‭ ‬ثم‭ ‬دنا‭ ‬منها‭ ‬الخضر‭ ‬فسكنت‭ ‬فرقى‭ ‬عليها‭ ‬فلم‭ ‬يزل‭ ‬يرقى‭ ‬وذو‭ ‬القرنين‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭  ‬والخضر‭ ‬يطلع‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬حتى‭ ‬غاب‭ ‬عنه‭ ‬فناداه‭ ‬منادٍ‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬السماء‭ :‬ياموسى‭ [‬الخضر‭] ‬امض‭ ‬أمامك‭ ‬واشرب‭ ‬فإنها‭ ‬عين‭ ‬الحياة،‭ ‬وتطهر‭ ‬فإنك‭ ‬تعيش‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬النفخ‭ ‬فى‭ ‬الصور،‭ ‬ويموت‭ ‬أهل‭ ‬السماء‭ ‬وأهل‭ ‬الأرض‭ ‬فتذوق‭ ‬الموت‭ ‬حتما‭ ‬مقضيا،‭ ‬فمضى‭ ‬حتى‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الصخرة‭ ‬فأصاب‭ ‬عينا‭ ‬ينـزل‭ ‬فيها‭ ‬ماء‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬فشرب‭ ‬وتطهر‭(...) ‬فقيل‭ ‬اشرب‭ ‬وارجع‭ ‬وبلّغ‭ ‬علمك،‭ ‬قال‭ :‬فلما‭ ‬رجع‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬إلى‭ ‬ذى‭ ‬القرنين‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬يا‭ ‬ذا‭ ‬القرنين‭ :‬إنى‭ ‬شربت‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬وتطهرت‭ ‬منها‭ ‬وأعطيت‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬وأموت‭ ‬حتما‭ ‬مقضيا،‭ ‬ومُنِعْتَ‭ ‬أنت‭ ‬ذلك،‭ ‬ولك‭ ‬مدة‭ ‬تبلغها‭ ‬ثم‭ ‬تموت‭ ‬فارجع‭ ‬فليس‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬مزيد‭ ‬لإنس‭ ‬ولا‭ ‬جن‭..." ‬

أ‭.‬لو‭ ‬أخذنا‭ ‬بالرأى‭ ‬الذى‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصعب‭ ‬ذا‭ ‬القرنين‭  ‬هو‭ ‬الإسكندر‭ ‬الأكبر‭ ‬فالروايتان‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬واحد،‭ ‬وفى‭ ‬رواية‭ ‬وهب‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬ذا‭ ‬القرنين‭ ‬يتسبب‭ ‬فى‭ ‬إدراك‭ ‬الخضر‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬بينما‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬الخضر‭ ‬بل‭ ‬نجد‭ ‬الطاهى‭ ‬إلياس‭.‬

ب‭.‬يبدو‭ ‬خيال‭ ‬وهب‭ ‬ومن‭ ‬روى‭ ‬عنهم‭ ‬فى‭ ‬روايته‭ ‬خيالا‭ ‬إبداعيا‭ ‬خصبا‭ ‬يصلح‭ ‬أن‭ ‬يكوّن‭ ‬رواية‭ ‬بمقاييس‭ ‬الرواية‭ ‬العصرية‭.‬

ج‭.‬يبدو‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬وهب‭ ‬نبيا‭ ‬يوحى‭ ‬إليه‭.‬

د‭.‬ينبئ‭ ‬الخضر‭ ‬ذا‭ ‬القرنين‭ ‬بإدراكه‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬بل‭ ‬يتركه‭ ‬يحاول‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬بينما‭ ‬يخفى‭ ‬إندرياس‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬الإسكندر‭ ‬هذا‭ ‬السر‭.‬

هـ‭. ‬لايتخاصم‭ ‬ذو‭ ‬القرنين‭ ‬والخضر‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬وهب‭ ‬بل‭ ‬يسيران‭ ‬معا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬ينشرا‭ ‬الإيمان‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬بينما‭ ‬يحاول‭ ‬الإسكندر‭ ‬قتل‭ ‬إندرياس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭.‬

و‭.‬فى‭ ‬رواية‭ ‬وهب‭ ‬نجد‭ ‬نهاية‭ ‬ذى‭ ‬القرنين‭ ‬مذكورة‭ "‬لما‭ ‬نزل‭ ‬ذو‭ ‬القرنين‭ ‬بالحنو‭ ‬حنو‭ ‬قراقر‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬العراق‭ ‬مرض‭ ‬ثمانى‭ ‬ليال‭ ‬ثم‭ ‬مات‭ ‬ثم‭ ‬غاب‭ ‬الخضر‭ ‬فلم‭ ‬يظهر‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬بعده‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬موسى‭ ‬بن‭ ‬عمران‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬ودُفن‭ ‬ذو‭ ‬القرنين‭ ‬بحنو‭ ‬قراقر‭" ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬مناقضاً‭ ‬للتاريخ‭. ‬

ز‭.‬تاريخيا‭ ‬تبدو‭ ‬رواية‭ ‬وهب‭ ‬أقدم‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تكتشف‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬1846م

2-1-3‭  ‬ الخضر‭ ‬والأسطورة‭ ‬اليهودية‭:‬

يرى‭  ‬Wensinck‭ ‬فينسينك‭ ‬أن‭ ‬المصدر‭ ‬الثالث‭ ‬للخضر‭ ‬هو‭ ‬الأسطورة‭ ‬اليهودية‭ ‬التى‭ ‬تحكى‭ "‬كيف‭ ‬سافر‭ ‬الحبر‭ ‬يهوشع‭ ‬بن‭ ‬ليفى‭ ‬مع‭ ‬إلياس‭ . ‬واشترط‭ ‬إلياس‭ ‬عليه‭ ‬أشياء‭ ‬مشابهة‭ ‬لما‭ ‬اشترطها‭ ‬عبدالله‭[‬على‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭] ‬فى‭ ‬القرآن‭. ‬يقوم‭ ‬إلياس‭ ‬بأعمال‭ ‬شنيعة‭ [‬ويأتي‭]‬رد‭ ‬فعل‭ ‬يهوشع‭ ‬عليها‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬موسى‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭" ‬

التناقض‭ ‬موجود‭   ‬لديه‭ ‬فهو‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬الأساطير‭ ‬تتصل‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بالقص‭ ‬القرآنى‭ ‬ثم‭ ‬يرجع‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬ثلاثية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬القرآن‭ ‬لمجرد‭ ‬وقوع‭ ‬تشابه‭ ‬شكلى‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬أحداثها‭ ‬ولمجرد‭ ‬أنها‭ ‬وقعت‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬قبل‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭.  ‬وترجع‭ ‬نظرية‭ ‬تشابه‭ ‬القرآن‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأسطورة‭ ‬إلى‭ ‬Zunz‭ ‬زونز‭.‬

عندما‭ ‬أدركWensinck‭  ‬أن‭ ‬حججه‭  ‬واهية‭ ‬راح‭ ‬يتلمس‭ ‬أشياء‭ ‬مضحكة‭ ‬فيرجع‭ ‬رفيق‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬لأنه‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬فى‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش؛‭ ‬ويرجع‭ ‬مجمع‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬رابع‭ ‬شفهى‭ ‬مجهول‭ ‬له‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬بحرا‭ ‬ومحيطا‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬المثنى‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬المصادر‭. ‬ويرجع‭ ‬الصخرة‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬شفهى‭ ‬مجهول‭ ‬أيضا‭ .‬أما‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬فَيُذكِّره‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬بـ‭ ‬Utnapishtim-Khasisatra‭ ‬فى‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭. ‬ويرجع‭ ‬اختبار‭ ‬الصبر‭ ‬بشكل‭ ‬مؤكد‭ ‬إلى‭ ‬الأسطورة‭ ‬اليهودية‭. ‬

يعترف‭ ‬Wensinck‭  ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ترجمة‭ ‬عربية‭ ‬لرواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬إنما‭ ‬توجد‭ ‬قصص‭ ‬مختلفة‭ ‬لأسطورة‭ ‬الإسكندر‭ ‬درسها‭ ‬Friedlaender‭ ‬ومنها‭ ‬نسخ‭ ‬غير‭ ‬محققة‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ ‬الإسكندر‭ ‬غير‭ ‬مترجمة‭ ‬فكيف‭ ‬أخذها‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬وبنوا‭ ‬عليها‭.‬

وقد‭ ‬تحول‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬الهند‭ ‬تحت‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطانى‭ ‬إلى‭ ‬إله‭ ‬الأنهر‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬خواجا‭ ‬خضر‭ ‬الذى‭ ‬يصوَر‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬سمكة؛‭ ‬كما‭ ‬لدى‭ ‬بحارة‭ ‬نهر‭ ‬Indus‭ ‬وهو‭ ‬نهر‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬الهمالايا‭ ‬ويمر‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬البنجاب‭ (‬بالهند‭ ‬وباكستان‭).‬وفى‭ ‬محاولة‭ ‬فينسينج‭ ‬لتفسير‭ ‬كلمة‭ ‬الخضر‭ ‬يسوق‭ ‬الأحاديث‭ ‬والمقولات‭ ‬التى‭ ‬ترجع‭ ‬أصل‭ ‬الكلمة‭ ‬إلى‭ ‬الاخضرار‭ ‬والإنبات‭ ‬وهناك‭ ‬مقولة‭ "‬أنت‭ ‬الخضر‭ ‬حيثما‭ ‬تطأ‭ ‬قدماك‭ ‬تخضرّ‭ ‬الأرض‭" ‬يعلق‭ ‬عليها‭ ‬أنها‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬مطابقة‭ ‬تماما‭ ‬لجملة‭ ‬غير‭ ‬مشهورة‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ : ‬زكريا‭ ‬6‭/‬12‭ ‬

‭ ‬“Siehe‭ (‬es‭ ‬kommt‭) ‬ein Mann‭, ‬dessen Name ist Spross‭; ‬unter ihm wird‭ ‬es sprossen”‭  ‬

وترجمتها‭ ‬كما‭ ‬أوردها‭ ‬انظر‭: "‬سيأتى‭ ‬رجل‭ ‬اسمه‭ ‬برعم،‭ ‬سينبت‭ (‬شيء‭) ‬من‭ ‬تحته‭..." ‬إلا‭ ‬أنى‭ ‬رجعتُ‭ ‬إلى‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭  ‬بالعربية‭ ‬فوجدت‭ ‬النص‭ ‬كالتالى‭ : "‬هو‭ ‬ذا‭ ‬الرجل‭ ‬الغصن‭ ‬اسمه‭ ‬ومن‭ ‬مكانه‭ ‬ينبت‭ ‬ويبنى‭ ‬هيكل‭ ‬الرب‭" (‬Faelschung‭: ‬es statt Tempel‭) ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬المعنيين؛ولا‭ ‬أدرى‭ ‬لماذا‭ ‬لجأ‭ ‬Wensinck‭ ‬إلى‭ ‬هذا؟

‭"‬وفى‭ ‬المنظور‭ ‬الصوفى‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬عصر‭ ‬له‭ ‬خضره‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬نقيب‭ ‬الأولياء‭ ‬يكون‭ ‬الخضر‭ ‬نفسه‭."‬

وفى‭ ‬بحث‭ ‬Karl Dyroff‭ ‬بعنوان‭ ‬Wer‭ ‬ist Chadir‭?   ‬مَن‭ ‬الخضر؟‭ ‬يناقش‭ ‬بحث‭ ‬Lidzbarski‭ ‬حول‭ ‬Zu‭ ‬den arabischen Alexandergeschichten‭  "‬نحو‭ ‬قصص‭ ‬الإسكندر‭ ‬العربية‭" ‬وتساءل‭ ‬لدزبارسكى‭ "‬لماذا‭ ‬مزج‭ ‬العرب‭ ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬وذى‭ ‬القرنين‭"‬؟‭ ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬المزج‭ ‬بل‭ ‬التقيا‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الروايات‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬سيأتى‭ ‬لاحقا‭.‬

كما‭ ‬رأى‭ "‬أن‭ ‬تشابه‭ ‬الأساطير‭ ‬حول‭ ‬الخضر‭ ‬وإلياس‭ ‬يجعلنا‭ ‬نرى‭ ‬أنهما‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الخضر‭"‬

والتراث‭ ‬الإسلامى‭ ‬واضح‭ ‬التفريق‭ ‬بينهما‭ ‬فإلياس‭ ‬نبى‭ ‬مرسل،‭ ‬وأما‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬فغيره؛‭ ‬والخلط‭ ‬بينهما‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامى،‭ ‬والتقاء‭ ‬الخضر‭ ‬وإلياس‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬مشهور‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬عدم‭ ‬الخلط‭ ‬بينهما‭.‬

‏2-2‭ ‬Julia Gonnella‭  ‬ والخضر‭:‬

ترى‭ ‬Julia Gonnella‭ ‬يوليا‭ ‬كونيلا‭ ‬فى‭ ‬كتابها‭ ‬Islamische Heiligenverehrung im urbanen Kontext am Beispiel von Aleppo‭ (‬Syrien‭) "‬تقديس‭ ‬الأولياء‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬بيئة‭ ‬مدنية‭ ‬ممثلاً‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬حلب‭ ‬بسوريا‭" ‬أن‭ "‬الارتباط‭ (‬الخلط‭) ‬بين‭ ‬الخضر‭ ‬والقديس‭ ‬جورج‭ ‬ربما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬عندما‭ ‬بلغ‭ ‬تقديس‭ ‬المسيحيين‭ ‬للقديس‭ ‬جورج‭ ‬أَوْجَه‭ ‬وربما‭ ‬نشأت‭ ‬طقوس‭ ‬تقديس‭ ‬الخضر‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التنافس‭". ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬خطأ‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭:‬

‭(‬1‭) ‬إن‭ ‬المفسرين‭ ‬الإسلاميين‭ ‬للقرآن‭ ‬قد‭ ‬ذكروا‭ ‬الخضر‭ ‬بكل‭ ‬إجلال‭ ‬وتقديس‭ ‬فى‭ ‬معرض‭ ‬تفسيرهم‭ ‬للقاء‭ ‬موسى‭ ‬مع‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬سورة‭ ‬الكهف‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬حددت‭ ‬الخضر‭ ‬اسما‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬السبق‭ ‬التاريخى‭ ‬فى‭ ‬تقديس‭ ‬الخضر‭ ‬قبل‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬1096‭- ‬99‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬البابا‭ ‬أوربان‭ ‬الثانى‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬1291‭. ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬القديس‭ ‬جورج‭ ‬المتوفى‭ ‬فى‭ ‬303‭ ‬م‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬نسج‭ ‬الأساطير‭ ‬حوله‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬عشر‭ ‬الميلادى‭ ‬أى‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية؛‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬أسطورة‭ ‬قتل‭ ‬القديس‭ ‬جورج‭ ‬للتنّين‭ ‬وغدا‭ "‬الحامى‭ ‬المقدس‭ ‬للمحارب‭ ‬وصانع‭ ‬الأسلحة‭"‬؛‭ ‬أى‭ ‬أن‭ ‬تقديس‭ ‬جورج‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬صاحب‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬التى‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬رمز‭ ‬دينى‭ ‬لإخفاء‭ ‬مطامعها‭ ‬فوجدت‭ ‬فى‭ ‬جورج‭ ‬ضالتها‭.‬بل‭ ‬إن‭ ‬القديس‭ ‬جورج‭ ‬مختلَف‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬المسيحية‭ ‬ويرى‭ ‬بعض‭ ‬المسيحيين‭ ‬أنه‭ ‬أسطورة‭ ‬لكنهم‭ ‬لجأوا‭ ‬إليه‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬رمزا‭ ‬حربيا‭ ‬وزراعيا‭.‬

لقد‭ ‬وجدتُ‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬نص‭ ‬إسلامى‭ ‬يتحدثُ‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬–‭ ‬خارج‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬–‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬كعب‭ ‬الأحبار‭ (‬ت‭ ‬32هـ‭ = ‬652م‭) ‬أى‭ ‬أن‭ ‬النصوص‭ ‬حول‭ ‬الخضر‭ ‬قبل‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬بخمسة‭ ‬قرون،‭ ‬ولكنه‭ ‬البناء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬خطأ‭.‬

‭(‬2‭)‬إنه‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬الضريح‭ ‬والمقام‭ ‬والمشهد‭ ‬والمزار؛‭ ‬فالضريح‭ ‬بناء‭ ‬فوق‭ ‬قبر‭ ‬لميت‭ ‬مقدس؛‭ ‬والـمقام‭ ‬كذلك‭ ‬حيث‭ ‬يعبر‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬الولى‭  ‬تأدباً‭ ‬ـ‭ ‬بـ‭ : ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه،‭ ‬اصطفاه‭ ‬الله‭ ‬إليه،حُجب‭ ‬عن‭ ‬الأنظار،‭ ‬أقام‭ ‬فى‭ ‬جبانة‭ ...‬،‭ ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬حى‭ ‬عند‭ ‬ربه‭ ‬قياساً‭ ‬على‭ ‬الشهداء،بينما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬الولى‭ ‬فى‭ ‬مكانٍ‭ ‬ما‭ ‬بالمزار‭ ‬لأنه‭ ‬زار‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭  ‬أو‭ ‬يُزار‭ ‬فيه،‭ ‬ويعبر‭ ‬العامة‭ ‬فى‭ ‬صعيد‭ ‬مصر‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬بأفعال‭ : ‬علَّمَ؛‭ ‬نوَّرَ‭  ‬دلالةً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشيخ‭ ‬الميت‭ ‬قد‭ ‬زار‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬ورُؤى‭ ‬نوره‭ ‬فيه‭.‬من‭ ‬هنا‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أوضح‭ ‬نقطةً‭ ‬لها‭ ‬أهميتها‭ ‬القصوى‭ ‬وهى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يُعد‭ ‬مقامات‭ ‬الخضر‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬مزارات‭ ‬لأن‭ ‬الخضر‭ ‬حسب‭ ‬اعتقاد‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬حى‭ ‬وبداهةً‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬قبر‭ ‬له‭ ‬يقضى‭ ‬على‭ ‬بقائه‭ ‬ومن‭ ‬ثَم‭ ‬فلا‭ ‬داعى‭ ‬لتقديسه‭.‬

‭(‬3‭) ‬إن‭ ‬الحضور‭ ‬القوى‭ ‬للخضر‭ ‬لدى‭ ‬الصوفيين‭ ‬يؤكده‭ ‬اتخاذهم‭ ‬الخضر‭ ‬رمزاً‭ ‬وقائداً‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬ويجعل‭ ‬الخضر‭ ‬ذا‭ ‬خصوصية‭ ‬قوية‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الصوفى‭ .‬

‭(‬4‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تأكد‭ ‬لى‭ ‬من‭ ‬ورود‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬الشعر‭ ‬العربى‭ ‬القديم‭ ‬عبر‭ ‬عصوره‭ ‬المختلفة‭ ‬والكتابات‭ ‬النثرية‭ ‬أيضا‭ ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخضر‭ ‬قد‭ ‬نشأ‭ ‬متأخراً‭ ‬فى‭ ‬العقلية‭ ‬العربية‭ ‬ولم‭ ‬يظهر‭ ‬إلا‭ ‬إبان‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭.‬

وفى‭ ‬محاولة‭  ‬Julia Gonnella‭ ‬لتفسير‭ ‬اسم‭ ‬الخضر‭ ‬ترجعه‭ ‬‮«‬لاخضرار‭ ‬جسده‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬أدرى‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬جاءت‭ ‬بهذا‭ ‬الرأى؟

‏2-3‭ ‬Goethe‭ ‬جوته‭ ‬وMelkonian‭ ‬مِلْكونيان‭ ‬و‭ ‬Franke‭ ‬فرانكه‭ ‬و‭ ‬Irfan Omar‭ ‬عرفان‭ ‬عمر‭ ‬والخضر‭:‬

احتل‭ ‬الخضر‭ ‬دور‭ ‬المرشد‭ ‬والمعلم‭ ‬ومانح‭ ‬الخلود‭ ‬عند‭ ‬الشاعر‭ ‬الألمانى‭ ‬جوته‭  ‬Goetheالذى‭ ‬قال‭ ‬فى‭ ‬ديوانه‭ ‬الشرقى‭ ‬الغربي‭"‬

‭"‬هناك،‭ ‬حيث‭ ‬الحب‭ ‬والشرب‭ ‬والغناء

سيعيدك‭ ‬ينبوع‭ ‬الخضر‭ ‬شابا‭ ‬من‭ ‬جديد

إلى‭ ‬هناك‭ ‬حيث‭ ‬الطهر‭ ‬والحق‭ ‬والصفاء‭ ‬

أود‭ ‬أن‭ ‬أقود‭ ‬الأجناس‭ ‬البشرية

حتى‭ ‬أنفذ‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬الأصل‭ ‬السحيق‭ " ‬

وربما‭ ‬أخذ‭ ‬جوته‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬من‭ ‬شاعره‭ ‬المفضل‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬الذى‭ ‬نرى‭ ‬حضور‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬مثنوياته‭ ‬وأشعاره‭ ‬حضورا‭ ‬قويا،‭ ‬ففى‭ ‬مثنوياته‭ ‬يتساءل‭ ‬الرومى‭ ‬عن‭ ‬طول‭ ‬الرحلة‭ ‬وحاجته‭ ‬إلى‭ ‬قائد‭ ‬وهو‭ ‬يعنى‭ ‬الخضر‭ ‬المرشد‭.‬و‭ ‬قد‭ ‬بنى‭ ‬جوته‭ ‬ديوانه‭ ‬الشرقى‭ ‬الغربى‭ ‬على‭ ‬رؤى‭ ‬روحية‭ ‬استمدها‭ ‬من‭ ‬الأشعار‭ ‬الصوفية‭ ‬التى‭ ‬بهرته‭ ‬وشكَّل‭ ‬منها‭ ‬رؤيته‭ ‬حيال‭ ‬الشرق،‭ ‬ومن‭ ‬يحلل‭ ‬تشكيل‭ ‬فاوست‭ ‬لدى‭ ‬جوته‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬جوته‭ ‬كان‭ ‬متأثراً‭ ‬بقراءاته‭ ‬الإسلامية‭ ‬ولاسيما‭ ‬الخضر‭ ‬الذى‭ ‬وجد‭ ‬فيه‭ ‬ضالته‭ ‬نحو‭ ‬الخلود‭.‬

فى‭ ‬دائرة‭ ‬المعارف‭ ‬EI‭ ‬الإنجليزية‭ ‬يذكرV‭. ‬Melkonian‭  ‬تحت‭ ‬al-Khadir‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬جزيرة‭ ‬تسمى‭ ‬جزيرة‭ ‬الخضر‭ ‬وهذا‭ ‬الاسم‭ ‬أُطلق‭ ‬على‭ ‬جزيرة‭ ‬عبدان‭  ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬العرب‭  ‬لأنه‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الخضر‭ ‬ظهر‭ ‬هناك‭ . ‬وحسب‭ ‬الرواية‭ ‬فقد‭ ‬ظهر‭ ‬رجل‭ ‬رث‭ ‬الثياب‭ ‬على‭ ‬شط‭ ‬قناة‭ ‬بهمانشير؛‭ ‬وسأل‭ ‬المراكبى‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬به‭ ‬المياه‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬رفض‭.[‬وعند‭ ‬ذلك‭] ‬أمر‭ ‬الرجل‭ ‬الغريب‭ ‬القارب‭ ‬أن‭ ‬يأتى‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذى‭ ‬يقف‭ ‬عنده‭ [‬فأتاه‭ ] ‬من‭ ‬الماء‭  ‬إلى‭ ‬الشط‭ ‬عاليا‭ ‬ثم‭ ‬اختفى‭. ‬بنى‭ ‬أهل‭ (‬مزارعى‭ ) ‬المنطقة‭ ‬حول‭ ‬القارب‭ ‬سورا‭ ‬من‭ ‬الصلصال‭  ‬وفى‭ ‬905هـ‭/ ‬1501‭  ‬رمّمه‭ ‬الأسطى‭ ‬جمعة‭.‬وفى‭ ‬953‭/‬1546‭ ‬بُنى‭ ‬مقام‭ [‬تعلوه‭]‬قبة‭ ‬وعُلق‭ ‬القارب‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬ويزار‭ ‬المقام‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‮»‬‭.         ‬

يرى‭ ‬Patrick Franke‭   ‬أن‭ ‬الخضرder Grüne،‭ ‬يشترك‭ ‬مع‭ ‬المقدس‭ ‬جورج‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬التى‭ ‬تحكى‭ ‬عنهما‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬أنهما‭ ‬حررا‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬تنين‭ ‬شرير‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يقدّمون‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬عذراء‭ ‬كقربان‭ ‬وهذا‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬Friedlaender

ويستشهد‭ ‬‮«‬أن‭ ‬سليمان‭ ‬المرشد‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الخضر‭ ‬أن‭ ‬يدعو‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬يُدخل‭ ‬العلويين‭ ‬النار‮»‬‭ ‬أى‭ ‬يقوم‭ ‬بدور‭ ‬الشفيع‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬Fürsprecher‭, ‬ein Patron‭  ‬der Alawiten‭   ‬والمرشدية‭ ‬هم‭ ‬أتباع‭ ‬موسى‭ ‬المرشد‭ ‬ثم‭ ‬ابنه‭ ‬ساجي،‭ ‬وهى‭ ‬طائفة‭ ‬سورية‭ ‬تغلو‭ ‬فى‭ ‬تقديس‭ ‬الخضر‭ ‬غلوا‭ ‬شديدا‭.‬

كتب‭ ‬Irfan Omar‭   ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬The Muslim World‭ ‬مقالا‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامى‭ ‬عرض‭ ‬فيه‭ ‬لأسطورة‭ ‬الخضر‭ ‬–على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭-  ‬ورأى‭ ‬أنه‭ "‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬نظرة‭ ‬حديثة‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬فإن‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامى‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬أساطير‭ ‬كثيرة،‭ ‬وأحداث‭ ‬تاريخية‭ ‬لايمكن‭ ‬أن‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬وجودها‭ [‬علميا‭] ‬‮«‬ومضى‭ ‬متحدثا‭ ‬عن‭ ‬الخضر‭ ‬كأسطورة‭ ‬وأنه‭ ‬يدخل‭ ‬‮«‬فى‭ ‬التصوف‭ ‬الكلاسيكى‭ ‬تحت‭ ‬مصطلح‭ ‬الأبدال‮»‬‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬كائن‭ ‬ماوراء‭ ‬التاريخ‭ ‬بكونه‭ ‬أزليا‮»‬‭ ‬وأننا‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬موقف‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬التحليلى‭ ‬فإننا‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬أنموذج،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يفقد‭ ‬حقيقته‭ ‬ويصبح‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬‮«‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قصة‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬‮«‬تصور‭ ‬لنا‭ ‬تناقضات‭ ‬الحياة،‭ ‬وترمز‭ ‬بخاصة‭ ‬إلى‭ ‬التوازن‭ ‬الدقيق‭ ‬بين‭ ‬الصبر‭ ‬والإيمان‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬تناقضات‭ ‬الحياة‭  ‬‮«‬أن‭ ‬الخسارة‭ ‬الظاهرة‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬فائدة‭ ‬حقا،‭ ‬والظلم‭ ‬الظاهر‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رحمة‭ ‬حقا،‭ ‬والحكمة‭ ‬الإلهية‭ ‬تفوق‭ ‬كل‭ ‬الحسابات‭ ‬البشرية‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬تحليل‭ ‬جاد‭ ‬وعميق‭.‬

2-4‭ ‬الخضر‭ ‬بين‭  ‬Ruckert‭ ‬ريكرت‭ ‬والقزوينى؛‭ ‬دراسة‭ ‬مقارنة‭:‬

من‭ ‬المستشرقين‭ ‬الألمان‭ ‬الذين‭ ‬فُتنوا‭ ‬بالخضر‭ ‬يأتى‭ ‬Goethe‭ ‬جوته‭ ‬وديوانه‭ ‬الشرقى‭ ‬الغربى،‭ ‬ويأتى‭ ‬الشاعر‭ ‬Johann Michael Friedrich Ruckert(1788‭ - ‬1866‭)  ‬فريدريش‭ ‬ريكرت‭ ‬فى‭ ‬قصيدته‭ ‬الرائعة‭ "‬Chider‭ ‬التى‭ ‬ترجمتُها‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬ويقول‭ ‬فيها‭:‬

خضر‭  ‬Chider

الخضر‭ ‬الشابُ‭ ‬الخالدُ‭ ‬قال‭:‬

مررتُ‭ ‬عبر‭ ‬إحدى‭ ‬المدن

كان‭ ‬رجل‭ ‬يقطف‭ ‬الفاكهة‭ ‬فى‭ ‬الحديقة‭ ‬

وسألتُ‭ ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬توجد‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟

قال‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يقطف‭ ‬الفاكهة‭:‬

‮«‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬توجد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬منذ‭ ‬الأبد

وستبقى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‮»‬

ولكننى‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون

مررتُ‭ ‬بالطريق‭ ‬ذاتها‭.‬

فلم‭ ‬أجد‭ ‬أثراً‭ ‬لهذى‭ ‬المدينة‭.‬

وكان‭ ‬هناك‭ ‬راع‭ ‬وحيدٌ‭ ‬ينفخُ‭ ‬فى‭ ‬المزمار

وكانت‭ ‬الأغنام‭ ‬ترعى‭ ‬العُشبَ‭ ‬والأوراق

وسألتُه‭: ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬اختفت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة

قال‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬ينفخ‭ ‬فى‭ ‬مزماره‭:‬

شيء‭ ‬ينمو‭ ‬بينما‭ ‬يجف‭ ‬شيء‭ ‬آخر

هذا‭ ‬مرعاى‭ ‬الأزلي‭.‬

ولكننى‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭ ‬

مررتُ‭ ‬بالطريق‭ ‬ذاتها

فوجدتُ‭ ‬بحراً‭ ‬ترتطم‭ ‬فيه‭ ‬الأمواج

وكان‭ ‬هناك‭ ‬صيادٌ‭ ‬يرمى‭ ‬الشبكة‭ ‬فى‭ ‬الماء

وعندما‭ ‬ارتاح‭ ‬من‭ ‬الرمى‭ ‬والشد

سألته‭: ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬يوجد‭ ‬هذا‭ ‬البحر

قال‭ ‬وضحك‭ ‬على‭ ‬كلماتي

منذ‭ ‬أن‭ ‬ترتطم‭ ‬الأمواج

ويصطاد‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الخليج

ولكننى‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭ ‬

مررت‭ ‬بالطريق‭ ‬نفسها

وجدت‭ ‬غابةً‭ ‬ذات‭ ‬أشجار

وكان‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬يقطن‭ ‬فى‭ ‬الغابة

وكان‭ ‬يقطع‭ ‬الشجرةَ‭ ‬بالفأس

وسألته‭ ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬توجد‭ ‬هذه‭ ‬الغابة‭ ‬

قال‭: ‬هذه‭ ‬الغابة‭ ‬هى‭ ‬الملجأ‭ ‬الأبدي

ومنذ‭ ‬الأزل‭ ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان

وستنمو‭ ‬الأشجار‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون

مررتُ‭ ‬بالطريق‭ ‬ذاتها

فوجدتُ‭ ‬مدينةً‭ ‬ذات‭ ‬ضوضاء‭ ‬

ضج‭ ‬السوق‭ ‬بأصوات‭ ‬شعبية‭ ‬عالية

وسألتُ‭ ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬بُنيت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟

أين‭ ‬الغابة‭ ‬والبحر‭ ‬والمزمار

صرخوا‭ ‬ولم‭ ‬يسمعوا‭ ‬كلماتي

هكذا‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬دائما‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬

وسيظل‭ ‬هكذا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭ ‬

سأمرُّ‭ ‬بالطريق‭ ‬ذاتها‭!‬

فى‭ ‬قصيدة‭ ‬ريكرت‭ ‬السابقة‭ ‬نلمح‭ ‬تشبع‭ ‬الشاعر‭ ‬بالثقافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ومعرفته‭ ‬العميقة‭ ‬بالتراث‭ ‬الإسلامى‭ ‬وهضمه‭ ‬ثم‭ ‬نظمه،‭ ‬وقد‭ ‬ركز‭ ‬الشاعر‭ ‬على‭ ‬الخضر‭ ‬الخالد‭ ‬وديمومة‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬رؤى‭ ‬فلسفية‭ ‬تجاه‭ ‬الوجود‭ ‬المتغير‭ ‬ذى‭ ‬الحقيقة‭ ‬الواحدة‭.‬

وقد‭ ‬وجدتُ‭ ‬نصا‭ ‬للقزوينى‭ (‬ت‭ ‬682هـ‭) ‬فى‭ ‬‮«‬عجائب‭ ‬المخلوقات‮»‬‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬النص‭ ‬الذى‭ ‬اتكأ‭ ‬عليه‭ ‬Friedrich Ruckert‭ ‬ريكرت‭ ‬فى‭ ‬قصيدته‭ ‬السابقة‭.‬

قال‭ ‬القزوينى‭: ‬‮«‬ولنختم‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬بحكاية‭ ‬عجيبة‭ ‬وهى‭ ‬ما‭ ‬روى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بنى‭ ‬إسرائيل‭ ‬شاب‭ ‬عابد‭ ‬وكان‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬يأتيه،‭ ‬فسمع‭ ‬بذلك‭ ‬ملك‭ ‬زمانه‭ ‬فأحضره‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬وقال‭: ‬إذا‭ ‬جاءك‭ ‬الخضر‭ ‬فائتنى‭ ‬به‭ ‬وإلا‭ ‬قتلتك،‭ ‬فقال‭ ‬الشاب‭ : ‬ويحك‭ ‬آتيك‭ ‬بالخضر‭ ‬؟‭ ‬قال‭ : ‬نعم‭ ‬وإلا‭ ‬قتلتك،‭ ‬فرجع‭ ‬الشاب‭ ‬إلى‭ ‬مكانه‭ ‬متفكراً‭ ‬فى‭ ‬أمره‭ ‬حتى‭ ‬جاءه‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬فحدثه‭ ‬بحديث‭ ‬الملك‭ ‬فقال‭ ‬امض‭ ‬بى‭ ‬إليه،‭  ‬فلما‭ ‬دخلا‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬الملك‭: ‬أنت‭ ‬الخضر؟‭ ‬قال‭ ‬نعم‭ ‬قال‭ ‬حدثنى‭ ‬بأعجب‭ ‬شيء‭ ‬رأيته،‭  ‬فقال‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭:‬رأيت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬عجائب‭ ‬الدنيا‭ ‬وأحدثك‭ ‬بما‭ ‬حضرنى‭ ‬الآن‭. ‬كنت‭ ‬فى‭ ‬اجتيازى‭ ‬مررت‭ ‬بمدينة‭ ‬كثيرة‭ ‬الأهل‭ ‬والعمارة‭ ‬سألت‭ ‬رجلاً‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ : ‬متى‭ ‬بنيت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟‭ ‬فقال‭ ‬هذه‭ ‬مدينة‭ ‬عظيمة‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬مدة‭ ‬بنائها‭ ‬نحن‭ ‬ولا‭ ‬آباؤنا؛‭ ‬ثم‭ ‬اجتزت‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬خمسائة‭ ‬سنة‭ ‬فلم‭ ‬أر‭ ‬للمدينة‭ ‬أثراً،‭ ‬ورأيت‭ ‬هناك‭ ‬رجلاً‭ ‬يجمع‭ ‬العشب،‭ ‬فسألته‭ ‬متى‭ ‬خربت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟‭ ‬فقال‭ ‬لم‭ ‬تزل‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬كذلك،‭ ‬فقلت‭ ‬أما‭ ‬كانت‭ ‬ها‭ ‬هنا‭ ‬مدينة؟‭ ‬فقال‭ ‬ما‭ ‬رأينا‭ ‬هنا‭ ‬مدينة‭ ‬ولا‭ ‬سمعنا‭ ‬عن‭ ‬آبائنا‭. ‬ثم‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬خمسمائة‭ ‬عام‭ ‬فوجدت‭ ‬بها‭ ‬بحراً‭ ‬فلقيت‭ ‬هناك‭ ‬جمعا‭ ‬من‭ ‬الصيادين‭ ‬فسألتهم‭ ‬متى‭ ‬صارت‭ ‬هذه‭ ‬الأرضُ‭ ‬بحراً؟‭ ‬فقالوا‭ ‬مثلك‭ ‬يَسأل‭ ‬عن‭ ‬هذا؟‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تزل‭ ‬كذلك،‭ ‬قلت‭ ‬أما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬يبسا؟‭ ‬قالوا‭ ‬ما‭ ‬رأينا‭ ‬ولا‭ ‬سمعنا‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬آبائنا‭. ‬ثم‭ ‬اجتزت‭ ‬بعد‭ ‬خمسمائة‭ ‬عام‭ ‬وقد‭ ‬يبست‭ ‬فلقيت‭ ‬بها‭ ‬شخصاً‭ ‬يختلى؛‭ ‬فقلت‭ ‬متى‭ ‬صارت‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬يبساً؟‭ ‬فقال‭ ‬لم‭ ‬تزل‭ ‬كذلك،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬أما‭ ‬كان‭ ‬بحرا‭ ‬قبل‭ ‬هذا؟‭ ‬فقال‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬ولا‭ ‬سمعنا‭ ‬به‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭. ‬ثم‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬خمسمائة‭ ‬عام‭ ‬فوجدتها‭ ‬مدينة‭ ‬كثيرة‭ ‬الأهل‭ ‬والعمارة‭ ‬أحسن‭ ‬مما‭ ‬رأيتُها‭ ‬أولا،‭ ‬فسألت‭ ‬بعض‭ ‬أهلها‭ : ‬متى‭ ‬بُنيت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟‭ ‬فقال‭ ‬إنها‭ ‬عمارة‭ ‬قديمة‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬مدة‭ ‬بنائها‭ ‬نحن‭ ‬ولا‭ ‬آباؤنا،‭ ‬فقال‭ ‬الملك‭ ‬إنى‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتبعك‭ ‬وأفارق‭ ‬مُلكي‭. ‬فقال‭ ‬له‭ : ‬إنك‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬ذلك؛‭ ‬ولكن‭ ‬اتبع‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬فإنه‭ ‬يدلك‭ ‬على‭ ‬الرشاد،‭ ‬والله‭ ‬الموفق‭ ‬للصواب‮»‬‭.‬

فالقصيدة‭ ‬والقصة‭ ‬العجيبة‭ ‬يتناصان‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬واضح‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬أرجع‭ ‬النويرى‭ (‬ت‭ ‬733ه‭=‬1333م‭)‬القصة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬دمشق‭ ‬فقد‭ ‬حكى‭ ‬النويرى‭ ‬‮«‬وقيل‭: ‬كان‭ ‬زمن‭ ‬معاوية‭ ‬رجل‭ ‬صالح‭ ‬بدمشق،‭ ‬كان‭ ‬الخضر‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬يأتيه‭ ‬فى‭ ‬أوقات،‭ ‬فبلغ‭ ‬ذلك‭ ‬معاوية،‭ ‬فجاء‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭ ‬وسأله‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الخضر،‭ ‬فذكر‭ ‬الرجل‭ ‬ذلك‭ ‬للخضر،فأبى؛‭ ‬فقال‭ ‬معاوية‭:‬قل‭ ‬له‭: ‬قد‭ ‬قعدنا‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬منك؛‭ ‬وحدثناه،‭ ‬وهو‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لكن‭ ‬اسأله‭ ‬عن‭ ‬ابتداء‭ ‬بناء‭ ‬دمشق‭ ‬كيف‭ ‬كان،‭ ‬فسأله؛‭ ‬فقال‭: ‬نعم‭ ‬صرت‭ ‬إليها،‭ ‬فرأيت‭ ‬موضعها‭...‬‮»‬‭  ‬وقد‭ ‬ألفيت‭ ‬القصة‭ ‬كاملة‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬بسيط‭- ‬عند‭ ‬الأبشيهى‭ ‬852هـ‭=‬1448م‭) ‬فى‭ ‬‮«‬المستطرف‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬فن‭ ‬مستظرف‮»‬

وإذا‭ ‬توقفنا‭ ‬نقديا‭ ‬مقارنين‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬الأربعة‭ ‬وجدنا‭ ‬ترتيبها‭ ‬التاريخى‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬القزوينى‭ ‬فالنويرى‭ ‬فالأبشيهى‭ ‬ثم‭ ‬يأتى‭ ‬حديثا‭ ‬ريكرت؛‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الأبشيهى‭ ‬قرأ‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬القزوينى‭ ‬لأنه‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬المستطرف‭ ‬نقل‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع،‭ ‬وفى‭ ‬رواية‭ ‬الأبشيهى‭ ‬زيادة؛‭ ‬بينما‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬النويرى‭ ‬نقص‭ ‬قياسا‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬القزويني‭.‬

بين‭ ‬الروايات‭ ‬اتفاق‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬التى‭ ‬يزور‭ ‬فيها‭ ‬الخضر‭ ‬المكان‭ ‬نفسه؛إذ‭ ‬يأتى‭ ‬كل‭ ‬خمسمائة‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بينها‭ ‬اتفاقا‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬الخضر‭ ‬هو‭ ‬الراوى؛‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الروايات‭ ‬العربية‭ ‬باستثناء‭ ‬رواية‭ ‬الأبشيهى‭ ‬تكاد‭ ‬تجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬طلب‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬من‭ ‬الخضر‭ ‬عن‭ ‬أعجب‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬ريكرت‭ ‬هذا‭ ‬الملك‭ ‬قط؛‭ ‬ويلتقى‭ ‬القزوينى‭ ‬مع‭ ‬النويرى‭ ‬فى‭ ‬الشاب‭ ‬العابد‭ ‬أو‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬الذى‭ ‬يلتقى‭ ‬الخضر،‭ ‬لكن‭ ‬النويرى‭ ‬يوجه‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬دمشق‭ ‬وإلى‭ ‬معاوية‭ ‬الذى‭ ‬يرفض‭ ‬الخضر‭ ‬لقاءه‭ ‬لأسباب‭ ‬لايذكرها‭ ‬النص‭.‬

تبدو‭ ‬لغة‭ ‬القزوينى‭ ‬ولغة‭ ‬النويرى‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الأبشيهى،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬ريكرت‭ ‬قد‭ ‬اتكأ‭ ‬على‭ ‬رواية‭ ‬الأبشيهى‭ ‬للأسباب‭ ‬التالية‭:‬

أولا‭:‬بداية‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬الخضر‭ ‬مدينة‭ ‬فى‭ ‬روايات‭ ‬القزوينى‭ ‬والأبشيهى‭ ‬وريكرت؛‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬بداية‭ ‬رواية‭ ‬النويرى‭ ‬بحر‭.‬

ثانيا‭: ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬رواية

‭ ‬القزوينى‭ ‬النويرى‭ ‬الأبشيهى‭ ‬Ruckert‭ ‬

مدينة‭  ‬بحر‭ ‬مدينة‭ ‬مدينة‭ ‬لا‭ ‬مدينة‭ (‬خراب‭)‬غيضة‭ ‬أطلال‭ ‬مدينة‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬للمدينة

بحر‭ ‬بحر‭ ‬بحر‭ ‬بحر

يبَس‭ ‬مدينة‭ ‬دمشق‭ ‬غيضة‭ ‬غابة

مدينة‭ ‬عامرة‭ ‬

‭-‬مدينة‭ ‬كالأولى‭  ‬

مدينة‭ ‬عامرة

‭-‬أطلال‭ ‬مدينة‭ ‬تدخن‭  ‬

ما‭ ‬يراه‭ ‬الخضر‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬الأبشيهى‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬مطابقا‭ ‬لما‭ ‬يراه‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ ‬ريكرت؛‭ ‬وتنفرد‭ ‬رواية‭ ‬الأبشيهى‭  ‬بنهاية‭ ‬العدم‭ ‬بينما‭ ‬تنتهى‭ ‬الروايات‭ ‬الأخرى‭ ‬بالمدينة‭ ‬العامرة‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬مقصد‭ ‬الأبشيهى‭ ‬فى‭ ‬العظة‭ ‬والاعتبار‭ ‬دافعا‭ ‬له‭ ‬لاختيار‭ ‬هذه‭ ‬النهاية؛‭ ‬ولذا‭ ‬عقب‭ ‬على‭ ‬النهاية‭ ‬بقوله‭ : ‬‮«‬فسبحان‭ ‬مُبيد‭ ‬العباد‭ ‬ومُفنى‭ ‬البلاد‭ ‬ووارث‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭ ‬وباعث‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬رده‭ ‬إليها‮»‬‭.‬

الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬فى‭ ‬سياحة‭ ‬الخضر‭ ‬مختلفة‭ ‬فهى‭ ‬عند‭ ‬القزوينى‭ ‬و‭ ‬Ruckert‭ ‬ألفا‭ ‬عام‭ ‬وعند‭ ‬النويرى‭ ‬ألف‭ ‬وخمسمائة‭ ‬عام‭ ‬بينما‭ ‬امتدت‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬الأبشيهى‭ ‬إلى‭ ‬ألفين‭ ‬وخمسمائة‭ ‬عام‭.‬

حدث‭ ‬اختلاف‭ ‬بين‭ ‬الشخص‭ ‬المسئول‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الخضر‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬لكن‭ ‬جميعهم‭ ‬جاهلون‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬تغير،‭ ‬وتلك‭ ‬نظرة‭ ‬فلسفية‭ ‬فى‭ ‬جهل‭ ‬الإنسان‭ ‬بحقيقة‭ ‬التغير‭ ‬الذى‭ ‬يراه‭ ‬ثباتا‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭.‬

وجاء‭ ‬المسئول‭ ‬فى‭ ‬الروايات‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

القزويني‭ ‬النويري‭ ‬الأبشيهي‭   ‬

Ruckert‭ ‬

رجل‭ ‬بالمدينة‭ - ‬بعض‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬رجل‭ ‬يقطف‭ ‬الفاكهة

‭ ‬جامع‭ ‬عشب‭ ‬بالطلل‭ - ‬راع‭ ‬بالأطلال‭  ‬راع‭ ‬وحيد‭ ‬يعزف‭ ‬بالمزمار

صياد‭ ‬بالبحر‭ ‬العميق‭-  ‬غواص‭ ‬بالبحر‭ ‬العميق‭ ‬صياد‭ ‬يرمى‭ ‬الشبكة‭ ‬فى‭ ‬البحر

رجل‭ ‬يختلى‭ ‬باليبس‭ - ‬صيادون‭ ‬بالغيضة‭  ‬حطاب‭ ‬الغابة‭ ‬يجمع‭ ‬الخشب

بعض‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭ ‬بعض‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭. ‬الحال‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسمع‭ ‬سؤالي‮»‬‭   ‬لكثرة‭ ‬ضوضاء‭ ‬المدينة

راع‭ ‬بمدينة‭ ‬محطمة‭  ‬

عندما‭ ‬نوازن‭ ‬بين‭ ‬الروايات‭ ‬العربية‭ ‬ونقارنها‭ ‬بقصيدة‭ ‬Ruckertنجد‭ ‬أن‭ ‬رواية‭ ‬النويرى‭ ‬حذفت‭  ‬السؤال‭ ‬والمسئول‭ ‬مكتفية‭ ‬بمشاهدات‭ ‬الخضر،‭ ‬وتفردت‭ ‬قصيدة‭ ‬Ruckert‭  ‬بحركة‭ ‬أفعال‭ ‬الشخوص‭ ‬الذين‭ ‬يسألهم‭ ‬الخضر‭ : ‬يقطف،‭ ‬يعزف،‭ ‬يرمى‭ ‬الشبكة،‭ ‬حطاب‭ ‬يجمع‭ ‬الحطب‭ ‬وهنا‭ ‬ينتصر‭ ‬للحياة‭ ‬وديمومتها‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬يسقط‭ ‬Ruckert‭ ‬فى‭ ‬سؤاله‭ ‬الأخير‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬الخربة‭ ‬التى‭ ‬غدت‭ ‬طللا،‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬بالعدم،‭ ‬إنه‭ ‬معنى‭ ‬بالوجود؛‭ ‬بينما‭ ‬ينتصر‭ ‬الأبشيهى‭ ‬للعدم‭ ‬والفناء؛‭ ‬والمجيب‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬فى‭ ‬القصيدة‭ ‬يبدو‭ ‬غير‭ ‬مهتم‭ ‬بالأسئلة‭ ‬فالرجل‭ ‬يجيب‭ ‬وهو‭ ‬يقطف‭ ‬الفاكهة‭ ‬والراعى‭ ‬يجيب‭ ‬وهو‭ ‬يعزف‭ ‬والصياد‭ ‬يجيب‭ ‬وهو‭ ‬يرمى‭ ‬الشباك‭ ‬والحطاب‭ ‬يجيب‭ ‬وهو‭ ‬يحتطب‭ ‬وأهل‭ ‬المدينة‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬السؤال‭ ‬فى‭ ‬الأصل‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يرغبون‭ ‬فى‭ ‬الأسئلة؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬القزوينى‭ ‬فى‭ ‬موضع‭ ‬واحد‭ ‬عندما‭ ‬سأل‭ ‬الخضر‭ ‬الصيادين‭ ‬عن‭ ‬المدينة؛‭ ‬‮«‬فقالوا‭ ‬مثلك‭ ‬يَسأل‭ ‬عن‭ ‬هذا؟‭!‬‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬ترك‭  ‬Ruckert‭ ‬السؤال‭ ‬العبثى‭ ‬الأخير‭ ‬دونما‭ ‬إجابة‭ :‬

‭"‬وسألتُ‭ ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬بُنيت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟

أين‭ ‬الغابة‭ ‬والبحر‭ ‬والمزمار

صرخوا‭ ‬ولم‭ ‬يسمعوا‭ ‬كلماتي‭"‬

فلا‭ ‬مجيب‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬لأسئلة‭ ‬لا‭ ‬يشغل‭ ‬الإنسان‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬لها‭ ‬وإذا‭ ‬شُغل‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬بأسئلة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬تبدو‭ ‬أسئلة‭ ‬ترف‭ ‬وتبدو‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬لأن‭ ‬منطقها‭ ‬الفلسفى‭ ‬يبدأ‭ ‬بسؤال‭ ‬لا‭ ‬يجاب،‭ ‬ويؤكد‭  ‬Ruckert‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬مشغولون‭ ‬عنه‭ ‬بالحياة،‭ ‬وأن‭ ‬الحياة‭ ‬تلبس‭ ‬أثوابها‭ ‬المتغيرة‭ ‬لكن‭ ‬كُنهها‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭. ‬

‭"‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬دائما‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬

وسيظل‭ ‬هكذا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭ ‬

سأمرُّ‭ ‬بالطريق‭ ‬ذاتها‭!"‬

ويقرر‭ ‬Ruckert‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الخضر‭ ‬أنه‭ ‬سيجيء‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬قرون‭ ‬أخرى‭ ‬ليترك‭ ‬المتلقى‭ ‬يتخيل‭ ‬ما‭ ‬سيراه،‭ ‬طارحا‭ ‬سؤال‭ ‬زمنية‭ ‬الأبد‭ ‬اللامحدود،‭ ‬إنه‭ ‬امتداد‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬نهايته،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬نهايته‭ ‬محتومة‭.‬

وقد‭ ‬أصرّ‭ ‬ريكرت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬للأبد‭ ‬وللأزل‭ ‬تعريفات‭ ‬كثيرة‭ :‬

قال‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يقطف‭ ‬الفاكهة‭:‬

‮«‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬توجد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬منذ‭ ‬الأبد

وستبقى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‮»‬

وقال‭ ‬راع‭ ‬وحيد‭ ‬وهو‭  ‬ينفخُ‭ ‬فى‭ ‬المزمار‭ ‬والأغنام‭ ‬ترعى‭ ‬العُشبَ‭ ‬والأوراق

شيء‭ ‬ينمو‭ ‬بينما‭ ‬يجف‭ ‬شيء‭ ‬آخر

هذا‭ ‬مرعاى‭ ‬الأزلي‭.‬

وأجاب‭ ‬صياد‭ ‬عندما‭ ‬ارتاح‭ ‬من‭ ‬الرمى‭ ‬والشد

منذ‭ ‬أن‭ ‬ترتطم‭ ‬الأمواج

ويصطاد‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الخليج

بينما‭ ‬حاول‭ ‬رجل‭ ‬يقطن‭ ‬الغابة‭ ‬أن‭ ‬يفلسف‭ ‬له‭ ‬الإجابة‭:‬

قال‭: ‬هذه‭ ‬الغابة‭ ‬هى‭ ‬الملجأ‭ ‬الأبدي

ومنذ‭ ‬الأزل‭ ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان

وستنمو‭ ‬الأشجار‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية

ولم‭ ‬يعثر‭ ‬الخضر‭ ‬على‭ ‬مجيب‭ ‬أسئلته‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬مزدحمة‭ ‬بالسكان‭ ‬

صرخوا‭ ‬ولم‭ ‬يسمعوا‭ ‬كلماتي

هكذا‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬دائما‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬

وسيظل‭ ‬هكذا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد

وهنا‭ ‬تبدو‭ ‬قصيدة‭ ‬Ruckert‭ ‬قصيدة‭ ‬فلسفية‭ ‬يعتمد‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬العربى‭ ‬والإسلامى‭ ‬الذى‭ ‬يعرفه‭ ‬Ruckert،‭ ‬حق‭ ‬المعرفة،‭ ‬فالتأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬واضح؛‭ ‬وقد‭ ‬لقيت‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬وعدت‭ ‬من‭ ‬دُرر‭ ‬القصائد‭ ‬الألمانية‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬القصيدة‭ ‬دور‭ ‬فى‭ ‬انتباه‭ ‬الألمان‭ ‬نحو‭ ‬شخصية‭ ‬الخضر‭ ‬وتوظيفها‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬والمسرح‭ ‬الألماني‭.‬

إنه‭ ‬الخضر‭ ‬الذى‭ ‬يجتاز‭ ‬الأماكن‭ ‬والبلدان‭ ‬والقارات‭ ‬والأزمنة‭ ‬ليظل‭ ‬وجوده‭ ‬باقيا‭ ‬فى‭ ‬الإبداع‭ ‬الإنساني‭.‬