أخر الأخبار

يوميات الأخبار

يونس إيمره: انظر ماذا جعل الحبُّ منى؟

د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران

لكن أن نترك القطارات والأتوبيسات وسيارات النقل نهبا للجنيات والعفاريت التى تشعلها بالحرائق فهذا أمر لا يقبله العقل.

يعد الشاعر يونس إيمره من أهم شعراء المتصوفة وقد عاش بعد غزو السلاجقة شرق الأناضول ووسطها وقد ولد 1238 وتوفى فى 1328 فى قرية صارى كوى بتركيا وكان معاصرا لسلطان ولد (ابن جلال الدين الرومى) وربما قابل جلال الدين فى سنوات حياته الأخيرة كما تذهب لذلك المستشرقة الألمانية أنمارى شيمل فى كتابها "الأبعاد الصوفية فى الإسلام وتاريخ التصوف" (ترجمة محمد إسماعيل ورضا حافظ قطب) وقد كان مريدا للشيخ تابدوك إمره لمدة 40 عاما وهى السنوات المطلوبة لمقام الصبر.

وقد ورث حاله وصار خليفته من بعده، ويراه بعض النقاد أهم الشعراء الأتراك الذين عبروا عن الحب والشوق وقد كان يعمل قاضيا فى بدء حياته لكنه ترك الوظيفة خوفا من أن يظلم أحدا، وقد توفى عن عمر ناهز السبعين عاما وقد كان رحّالة يطوف البلدان وينشد أشعاره بين الناس فقد زار بلدانا كثيرة والتقى بشيوخها وأوليائها، وفى كل مكان كان يلقى أشعاره ويلتف الناس حوله،وقد ناقش مصائر الإنسان فى شعره:

"كل يوم يمر يؤجج شوقي
ما أريده فى الدارين شيء واحد
أنت الذى أحتاج إليه"
وقد ترجم الدكتور د. الصفصافى أحمد القطورى بعض أشعاره
"من لا يحب فإنه لا يسجد،
ولا يعرف قلبه الإيمان،
الإنسان الذى لا يحب،
يشبه شجرة
وعندما لا تثمر الشجرة،
لا تنحنى هامتها"
... "عليه أن يدع الشراب
أن يتجرع السم،
أن ينـزع قلبه من الدنيا بيمينه،
أن يحصد الشعير،
عليه أن يخلط دقيقه بالرماد،
وأن يجففه فى الشمس"…
وقد شاهدتُ مسلسلا تليفزيونيا عنه تحدث عن علاقته بشيخه تابدوك وركّز على عشقه الذات الإلهية وحب النبى صلى الله عليه وسلم.
"كل نحلة تدخل الخلية
تصلى على محمد ألف مرة ومرة"
"من لا يعرف القرآن
فكأنه لم يولد أبدا"
ومن قصائده الشهيرة:
"صعدتُ فوق شجرة برقوق،
لأجنى العنب
فسألنى البستاني:
أوَ تأكل ثمار الجوز؟"
وقد شرحت هذه القصيدة شروحا كثيرة ومن هذه الشروح التأويلية شرح الشاعر نيازى مصرى(ت1697) يقول: "أراد الشاعر بهذه القصيدة أن يبين لنا أن كل شجرة من أشجار الأعمال لها ثمار خاصة... يشير الشيخ المبجل بذكر البرقوق والعنب والجوز إلى الشريعة والطريقة والحقيقة، فالذى يؤكل من البرقوق هو جزؤه الخارجي، وليس نواته، وما يشبه البرقوق هو الجانب الظاهرى للأعمال... وبالنسبة للعنب فإنه يؤكل ويصنع منه أشياء كثيرة، مثل السجق الحلو والمربى والمخللات والخل ومثلها أشياء أخرى للأكل، غير أنه بسبب وجود بعض البذور الصغيرة من الرياء والفخر والكبر والاعتزاز بالنفس فإنها تسمى أعمالا باطنية غير أنها ليست هى "الحقيقة".

أما الجوز فهو رمز تام للحقيقة، ففى قلب الجوز لا يوجد شيء ينبغى أن يرميه، فكل ما فى داخلها يؤكل، وهى دواء لكثير من الأمراض.

والبستانى هو الشيخ الصوفى الكامل الذى يستطيع المرء بمساعدته فقط أن يفرق بين الثمار وأن يصل إلى الحقيقة".

وردة الشبلى للحلاج

يصور الشاعر بير سلطان مشهد مقتل الحلاج رميا بالأحجار من العامة وكيف ألقى عليه صديقه الشبلى وردة فتنهد الحلاج صارخا:
"حجارة هذا البلد لا تؤلمني
ووردة الصديق ألقتنى جريحا"
التليفون خارج نطاق الحياة
كثُرت فى الآونة الأخير وفيات الأحبة والزملاء وكم أتعبُ كثيرا فى تحويلهم من خانة الأحياء إلى خانة الموتى، هذه عملية معقدة ومؤلمة لا أحب الوداع فهو مبتدأ الألم، وكم أطلب رقم هاتف عزيز فلا يرد أو يأتى الصوت "الهاتف الذى طلبته خارج نطاق الخدمة" لأكتشف أنه خارج نطاق الحياة، إنه فى برزخ ربما يرانا منه ولا نبصره إلا مناما، وكم تُخفف هذه المنامات (الرؤى) هذا البُعد، كم نتلمس تلك الرؤى وننتظرها بلهفة، عندما كنتُ صغيرا قالوا لنا إن أرواح الموتى تأتى فى صورة طائر أخضر كنت أبحثُ عن هذه الطيور الخضراء التى لا تجيء إلا نادرا، كم كنت أفرح عندما أرى طائرا أخضر حطّ على إحدى شجراتنا أو نخلاتنا وينظر إلينا فى فرح مغردا، كنت أترك ما لدىّ محملقا فيه، أودّ أن أسلّم عليه، ربما كان جدى أو أختى التى ماتت فى ريعان شبابها..

كانت الطيور الخضراء أرواح الأحبة التى جاءت لتزورنا وتطمئن على أحوالنا، هل صار الموت طقسا عاديا فى ظل كورونا، نراه ونسمع به وكأننا نشاهد فيلما تراجيديا، كان العزاء فى قرينتا يستمر أربعين يوما، وعندما اختصروه لسبعة أيام كان هذا الحدث قصة ظلت تُتداوَل بين الناس فريق موافق وآخر معترض، وعندما اختصروا العزاء لثلاثة أيام صار الأمر عُرفا فرضه عمل الناس ووظائفهم. أما الآن مع كورونا فلم يعد هناك عزاء إذْ أغلقت المنادر أبوابها وصار العزاء على القبر، وحتى هذا العزاء على القبر لم يعد متاحا، صار الدفن يتم بسرعة بمن حضر من خواص الفقيد، صار الفقد أسرع مما نتخيل، وصار الرحيل سمة هذا الزمان، صار الموت مشهدا مرئيا كل مساء وكل صباح وأضحت منصات التواصل الاجتماعى شواهد قبور تكتب جملة على أول شاهد لتنسخه للقبور التالية، لا تحذفوا أرقام الراحلين بل هاتفوهم حتى لو كانوا خارج نطاق الحياة، ألم يقل الشاعر أبونواس:
وما الناسُ إلا هالكٌ وابن هالكٍ
و ذو نسبٍ فى الهالكين عريقُ
عفاريت القطارات والطرق
فى رمضان تُصفّد العفاريت لكن يبدو أن عفاريت الطرق والقطارات ليسوا من المصفدين فكيف ندرك ما حدث فى قطارات سوهاج والدلتا وطوخ أخيرا وفى أتوبيس أسيوط، هل يخرج جان فجأة أمام السائق الذى يخاف فيقفز تاركا القطار يصطدم بآخر وكأننا فى لعبة أتارى أو أن سائقا "لديه موعد" فيترك قيادة القطار لمساعده الذى تغويه الجِنّيَّة فيتوقف فجأة لأن الجنّية شدت فرامل اليد المثبّتة فى إحدى العربات، وشالت مساعد السائق لتخلو به بعيدا عن جثث الموتى وأشلاء الضحايا؟ وكيف نفهم دخول سائق أتوبيس فى سيارة محملة بالبترول فيتفحم الركاب، هل شالت الجنّية سيارة البترول ووضعتها أمامه فلم يبصرها فاصطدم بها، أم أن هذا السائق قاد هذا الأتوبيس القاهرة أسوان مرتين فى يومين متتاليين دون نوم، فلماذا لا نطبق ما يطبقه العالم فى قوانين المرور ألَّا يقود سائق النقل الثقيل والأتوبيسات أكثر من خمس ساعات متواصلة ولو كانت المسافة أطول من خمس ساعات يجب أن يكون بالسيارة سائقان، ولماذا لا يكون من مهام نقطة المرور إثبات ساعة البداية للسائق فى دفتر السيارة وتوقيع الضابط النوبتجى بنقطة البداية وعليه إطلاع كل نقاط المرور فى خط سيره على الدفتر والتوقيع عليه، وإذا تجاوز السائق خمس ساعات قيادة متواصلة فلا يمرره إلا إذا استراح ساعتين على الأقل أو خولف لعدم وجود سائق آخر معه.كما أننا من خلال هذا الدفتر سنعرف إن كان هذا السائق تجاوز السرعة المقررة أو التزم بها بقسمة الزمن على المسافة التى انطلق منها، لكن أن نترك القطارات والأتوبيسات وسيارات النقل نهبا للجنيات والعفاريت التى تشعلها بالحرائق فهذا أمر لا يقبله العقل وإذا فشلنا فى تنظيم القطارات والأتوبيسات فلماذا لا نتركها للجان والعفاريت لتنظيمها مقابل أخذ السائقين المخالفين المُخَاوين - أى الذين تزوجوا من الجنيات - ونسكّنهم فى قبائل الجان لمدة عام وبذلك نضمن ألَّا نراهم مرة أخرى وسيفرج عنهم الجان بعد عام لنراهم يمشون على وجوههم فى الطرقات مُناجين شمهورش وبهاريا فمنظر الجثث الملقاة على الإسفلت وعلى قضبان السكك الحديدية لا يقبله إنس ولا جان!
 دى إن إيه المركزى؟
فى حادثة حريق أتوبيس أسيوط وتفحّم الركاب هرع الناس إلى مستشفيات أسيوط حتى يستلموا جثث ذويهم ففوجئوا أن عليهم الانتظار أياما حتى ترد نتائج تحليل المعمل المركزى DNA بالقاهرة، هل يعقل هذا؟ كل محافظات صعيد مصر وربما كل محافظات الدلتا أيضا لا يوجد بها معمل مثل هذا وعلى الناس الانتظار! فى الوقت الذى تحاول الدولة التخفيف عن الناس تبخل بإنشاء معمل يفصل فى معرفة هويات الجثث غير واضحة المعالم ويفيد فى قضايا النسب والاغتصاب وغير ذلك؟

متى نقضى على هذه المركزية ونقيم العدالة الصحية بين محافظات مصر؟ ألا يكفى الناس فجيعتهم حتى نجعلهم يتمنون دفن أحبائهم؟

 فى النهايات تتجلى البدايات
كيف أدعوك إلهى
وذنوبى لا تُعدّ
كيف لا أدعوك حاشا
أنت جودٌ لا يُحَدّ
أنت يامولاى ربٌّ
وأنا يا ربى عَبدُ

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي