يوميات الأخبار

هل نحن فى أزمة؟

صالح الصالحي
صالح الصالحي

رغم أزمة سد النهضة وجائحة كورونا.. مصر تعتمد العمل سنة حياة.. وتبهر العالم بموكب المومياوات الملكية

هل نحن فى أزمة حقيقية بعدم توقيع اتفاق ملزم لإثيوبيا قبل الملء الثانى لسد النهضة.. الكل يتساءل ماذا أذن مصر فاعلة؟..

الخطاب الرسمى المصرى يشدد على الحلول السلمية، باعتبارها الأمثل رغم تعقد القضية ووصولها لأزمة..

الكل يتساءل لماذا التعنت الإثيوبى والانكشاف الفج فى موقفها بعدم توقيع اتفاق ملزم؟ لماذا تراوغ وتماطل وتتلاعب وترفض كل الفرص؟

أبدا لم تتحدث القاهرة عن خيار عسكرى رغم احتمالية وقوعه فى ظل التعقيد والتشدد الإثيوبى.. فلا يوجد عاقل يستبعد هذا السيناريو.. لكنه فى الوقت الحالى هو الخيار الأبعد.. ولاتزال القاهرة تتمسك بالخيار السلمى وتطرق كل الطرق المؤدية له.. تتحدث مع الحلفاء والأصدقاء الاقليميين والدوليين فى محاولة للتوصل لحل يريح المنطقة ويجنبها أزمات وعدم أستقرار ليس فى صالح أحد.

وفى وقت لاتخفى فيه إثيوبيا رغبتها فى المضى قدما فى فعل كل ماهو مستفز  واطلاق التصريحات التى تشعل الازمة منها البيع المستقبلى للمياه وبيع الطاقة بعد توليدها من السد الإثيوبى..

نحن أمام مشهد كل من يتناوله بالتحليل يذهب مباشرة لمقارنة القدرات العسكرية بين البلدين.. والتى هى بالطبع تميل لصالح القاهرة، وفى نفس الوقت ليس من حق أحد أن يتحدث نيابة عن القاهرة ويلوح بالحل العسكرى..

صبر مصر لم ينفد ورغم إتاحة كل الخيارات فى الداخل بوضع استراتيجيات لمنظومة الرى ودعوات لترشيد استخدام المياه وإيجاد حلول لتعويض الفاقد من المياه.. إلا أنه فى نفس الوقت مصر لن تفرط فى قضيتها العادلة.. فلا أحد يملك أن يعطش أو يجوع أكثر من 120 مليون مواطن بحجة توليد الكهرباء.

الوضع الراهن متأزم للغاية.. ورغم ذلك لايزال الأمل قائما إن توفرت الإرادة السياسية لدى الجانب الإثيوبى فى توقيع اتفاق ملزم.. ولكنها لاترغب وعلى مايبدو أنها ماضية فى هذا الامر وتراهن على عدم رغبة مصر فى الحل العسكرى لأنها تراه من وجهة نظرها سيكون عملا ضد طموحها التنموى..

صحيح مصر لا تهدد أحد ولكنها لا يمكن أن تتخلى عن النيل الذى وهب لها الحياة وأقامت عليه أعرق الحضارات التى أبهرت ولاتزال تبهر العالم.

ولكنها الرشادة السياسية والحكمة المصرية، التى تتعامل مع الموقف بضبط النفس لأقصى درجة.

والسؤال الذى يدور فى إذهان البعض.. ما هى القوة الداعمة لإثيوبيا حتى تستقوى بمنع مياه نهر دولى عابر للعديد من الدول من الوصول لدولتى المصب مدمرة ملايين الأفدنة الزراعية ومهلكة لثروة حيوانية لاتقدر بثمن؟.. الإجابة الواضحة أن أثيوبيا اغترت بنفسها وليس بأحد غير نفسها ظانة أن مياه الأمطار التى تسقط على هضبة الحبشة ملكها وحدها.. ولم تعى ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى أن اللى ربنا عمله من جريان نهر النيل ووصوله للمصب لا أحد يستطيع الوقوف أمامه.. هو يقول هذا الكلام ليس لقلة حيلة كما يظن البعض.. ولكنه لإيمانه الشديد بقدرة وعظمة الخالق ووعيه البيئى القوى بأن احتجاز إثيوبيا للمياه سيدمرها فى المقام الأول.

اغترت إثيوبيا وظنت أنها حينما وصلت لهذه المرحلة من البناء تستطيع أن تجعل السد أمرا واقعا.. فعلا ممكن البناء يكون واقعا.. ولكنه من الممكن أيضا ألا يكتمل فى باقى مراحله.. من الممكن ألا تدور التربينات المولدة للكهرباء فى هذا السد.. وبالتالى لا يتحقق حلمها التنموى.

أغترت إثيوبيا وظنت أنها ستتحكم فى دول المنطقة وتستطيع أن تحرمها من محاصيلها الزراعية. وتسمح لهم فقط بأن يستوردوا منها ما يحتاجون حسب إرادتها وحدها. وهذا لن يحدث على الإطلاق ولن تتقبله مصر بأى حال.

وأمام كل ذلك مازلت أؤمن أن تربينات توليد الكهرباء فى السد الأثيوبى لن تدار الا بحصول مصر والسودان على حقهما كاملا وكل السيناريوهات ستؤدى لهذا الأمر.. ومن المستحيل أن يستمر الأمر هكذا فمصر دولة قوية ورائدة فى المنطقة ولا تعتدى على أحد ولكنها أيضا لا تفرط فى حقوقها أبدا.. وإن غدا لناظرة لقريب.. أثيوبيا حددت موعد الملء الثانى ومصر ستحدد متى وكيف ستأخذ حقها كاملا دون نقص نقطة مياه واحدة.

ثانى رمضان مع كورونا

الحمد لله الذى بلغنا رمضان.. كل عام وأنتم جميعا بخير.. ومازلنا تحت وطأة جائحة كورونا.. قطعنا موجتين من الإصابات والوفيات ودخلنا فى موجة ثالثة..

رمضان هذا العام يختلف عن العام الماضى.. هذا العام تكيف المصريون مع الجائحة سواء بالإجراءات الاحترازية أو بتقبل فكرة الإصابة وتشييع العديد من الوفيات جراء الاصابة بالفيروس اللعين.

من الشيء القاسى على النفس أنك تعتاد على المأساة.. المأساة نستقبلها فى بدايتها بجزع وخوف وترقب وهو ما كنا عليه فى رمضان العام الماضى.. وتزايدت الاصابات نتيجة تراخى الناس فى احتفالات رمضان فكان عيدا قاسيا بارتفاع الإصابات والوفيات.. وكان أول عيد لكورونا يحمل معه الخوف والذعر، وتعود الناس وأصبحت لديهم لامبالاة.. أو بمعنى آخر أصبحنا نتعايش بطريقة أو بأخرى مع الفيروس.. وكأننا تقبلنا فكرة الإصابة والوفاة.. واختفى الذعر وحل محله الأسى والتعاطف مع المرضى..

أما رمضان هذا العام فيأتى تحت وطأة الفيروس ولكن لدينا الآن لقاحات.. وأصبحنا نملك شيئا جديد قد يخفف من وطأة الفيروس وحدته.. ولكن الآثار الجانبية للقاحات تجعل الأمل محدودا.. حتى أن البعض يخشى من التطعيم والحصول على المصل أكثر من خشيته من الفيروس نفسه.. فيهربون من فكرة التطعيم.. ورغم ذلك فإن وجود المصل يجعل هناك أملا فى انخفاض الإصابات والوفيات.

الأمر الطيب أن الأيام تتحسن فقد يخفق التطعيم بعض الشىء فى حالات معينة لكنه أصبح موجودا.. ووجوده يعنى أملا فى الشفاء والوقاية.. فدوام الحال من المحال.

أكيد غدا سيكون أفضل بعد أن وصلنا فعلا على مدار أكثر من عام لذروة الإصابات والوفيات.. ومع التطعيم الذى سيتطور مع الأيام ستبدأ الصورة فى التغيير للأفضل بإذن الله.

ولعلنا نستغل هذا الشهر الكريم وفى ظل هذا الوباء أفضل استغلال.. فنصوم بنية خالصة لوجه الله.. ونبدأ الشهر بالتوبة والاصرار على الفوز بالبركة والرحمة والنجاة من الأوبئة والعتق من النار.. علينا أن نعد أنفسنا للخروج من رمضان ونحن فائزون وذلك بالاخلاص فى العمل والعبادة.. ونعد قلوبنا لتستقبل بركات هذا الشهر العظيم الكريم.. نجاهد أنفسنا ونرتقى بهاالى مصاف الطاعات نكثر من أعمال البر والخير والصدقات والزكاة والتكافل والتراحم والمحبة ونصل أرحامنا ونرضى أباءنا وأمهاتنا.

علينا أن نحيى هذا الشهر باخلاص النية لله تعالى والعزم على اغتنام كل أوقاته والاجتهاد فيه بالصالحات.. ونغير سلوكنا وأفعالنا السيئة الى الحسنة.. ونكثر من الدعاء والتودد لله ورجائه أن يزيح عنا الغمة والوباء والبلاء.

علينا أن نجعله شهرا مختلفا عن العام الماضى حتى مع استمرار هذا الوباء.

العمل سنة حياة

رغم الكورونا ورغم أزمة سد النهضة ورغم كل شيء العمل الدءوب لا يتوقف على أرض مصر.. مصر اختارت أن تكون سنة حياتها هى العمل.. وهو أمر فطنت له القيادة السياسية.. فلم تركن أبدا لفكرة الاغلاق.. وفرت الاجراءات الاحترازية ورشدت التجمعات وسمحت بالعمل والإنتاج.. حققنا أرقاما قياسية فى ظل ظرف استثنائى تحت وطأة وباء الكورونا.. كل المؤشرات الاقتصادية إيجابية.. وحققنا بذلك المعادلة الصعبة.. لاتفريط فى حياة المصريين واعتبرنا العمل حياة للمصريين أيضا..

وجاء موكب المومياوات الملكية فى صورة أبهرت العالم.. شوارع القاهرة تشهد رحلة الموكب الملكى غير المسبوقة.. نقل مومياوات 16 ملكا و4 ملكات من عصر الدولة القديمة منها مومياوات رمسيس الثانى والثالث وحتشبسوت وسقنن رع وتحتمس الثالث وسيتى الأول وغيرها.

الرحلة من المتحف المصرى بميدان التحرير للمتحف القومى للحضارة المصرية بمدينة الفسطاط أول عاصمة إسلامية لمصر.

المشهد كان مهيبا يدل على عظمة هذا الشعب.. الشعب الحارس على الحضارة الفريدة الممتدة فى أعماق التاريخ.. الكل تابع هذا الحدث الفريد سواء داخل مصر أو خارجها.. المصريون استمدوا روح الأجداد العظام الذين صانوا الوطن وصنعوا حضارة تفخر بها كل البشرية لنكمل طريقنا الذى بدأه أجدادنا فى البناء والإنسانية.

لا أبالغ أن هذا الحدث العظيم بل العبقرى جعل كل أنظار العالم تتجه ناحية القاهرة لتقود العالم أجمع فى موكب مهيب فريد لم تشهده أى مدينة أخرى فى العالم.

إذا كنا نعانى على مدار أكثر من عقد من الزمان أزمة فى الركود السياحى بسبب عدم الاستقرار الذى لحق بالمنطقة جراء ثورات الربيع العربى وأختتمت بأزمة كورونا التى قطعت الطرق وأغلقت المطارات وعطلت السفريات.. فإن هذا العمل العظيم والمتحف الجديد الذى صمم على أحدث الطرز العالمية حتما سيؤدى الى دفع السياحة بشكل كبير.. خاصة بعد أن نجحت الاحتفالية فى إلقاء الأضواء على مكانة مصر عبر التاريخ.. كما وصفت صحيفة الواشنطن بوست هذا الاحتفال بأنه فى قمة الاحترافية، جاء فى مشهد تاريخى للحكام القدامى.. مشهد أبهر العالم.. هذه هى عظمة مصر.. وعظمة المصرى الذى سيظل يبهر العالم.