أمس واليوم وغدا

إلـى مــن يهمـه أمـر الوطـن (1)

عصام السباعي
عصام السباعي

على أرض مصر وبطول النهر وفى أحضان الدلتا، خرجت كلمة «الضمير» إلى العالم، وعرف العالم قيمة الضمير، كما نحت المصريون أول منظومة أخلاقية فى تاريخ الإنسانية، وكلها شواهد تؤكد عظمة مصر التى قدمت للحضارة الإنسانية ومازالت تقدم، الكثير من الإضافات والإسهامات والقيم الإنسانية أو الاجتماعية، وفى ذلك التوقيت الذى نستقبل فيه أول أيام شهر رمضان الكريم، وروحه وريحانه تملأ النفوس، وتعبق القلوب، وتطيب الشرايين، ويعيد إلى العديد من الأسر بعضاً من بريقها، وهى تجتمع على مائدة الإفطار فى اليوم الأول، وربما لأيام، بعد تفرق يطول لشهور بلا لقاء  ولا اتصال، ولو حدث فسيكون إلكترونيا جافاً بلا روح ومن غير دفء.

تخيلت «رمضان» وهو غاضب آسف على ما وصلنا إليه، حزين على ما يشاهده وما يسمعه ومايقرأ عنه من سلوكيات وحكايات وروايات عن أسر قد انفصمت عراها، وعائلات قد فرطت فى تقواها، يستعرض معنا ما كان يحدث طوال العام، ويعاتبنا  لأن كثيراً منا أو قليلاً يتجاوز فى حق أهله: أمه وأبيه وأولاده وزوجته وأشقائه وأقاربه، يتعجب منا، كيف صنعنا كل تلك الأفعال على أرض الواقع، وكل هذه الأعمال الدرامية التى تظهر العداوة بين من يفترض أنهم لحم واحد ودم واحد، كيف حوّل البعض علاقات الدماء بسهولة إلى ماء، فسكبوه باستهتار وبقلب بارد وبعقل غائب، بل ويتم التركيز على تلك العلاقات الأسرية الشاذة فى المسلسلات الدرامية التى تقدم نموذجاً وقدوة سيئة إلى الأجيال القادمة، بل ويقومون بإنتاجها وإعدادها للبدء فى بثها وبكثافة لا يتخيلها عقل خلال الشهر الفضيل!

رغم سعادتى بدخول الدراما مجال الأمن القومى بحرفية عالية فى موسم رمضان السابق وفى أكثر من مسلسل فى الموسم الحالي، بقدر فزعى من بعض الأعمال التى تجرح، ولا أقول تشوه، أجمل وأقوى منظومة اجتماعية فى مصر، وهى الأسرة، هل يتخيل أحد أن يكون الخيط الدرامى لأحد المسلسلات عن أخين من أب واحد، يقوم أحدهما بدافع الغيرة بسجن أخيه، والزواج من زوجته وهى حامل ثم ينسب الطفل له، ويخرج شقيقه من السجن ليدور المسلسل حول رحلة الثأر والانتقام، الغريب أن المسلسل من البيئة الصعيدية، وكل أحداث المسلسل لا تقبلها قيم الصعيد ولا أخلاق المصريين بوجه عام، وما يقلقنى وجود مثل تلك الأعمال فى وقت كنا نستمتع منذ دخل التلفزيون مصر، بمسلسلات تدعم دور الأسرة بداية من مسلسل القاهرة والناس للمخرج محمد فاضل، مرورا بـ«بابا عبده» و«صيام صيام» و«أبو العلا البشرى» و«أبو العروسة» وحتى مسلسل «قوت القلوب»!!

 أرجو أن يعى الجميع أن الأسرة المصرية كانت هى حافظة الشخصية المصرية منذ بدء الحياة على أرض مصر، فالحكماء من قدماء المصريين هم  أول من صاغوا مقومات الأخلاق فى التاريخ الإنساني، وكما يؤكد البعض فقد كانت الأسرة هى المصدر الذى خرجت منه منظومة الأخلاق ومعانى الضمير الإنسانى، فقد كان قانونهم ينص على أن السلوك القويم والأخلاق الفاضلة تظهر فى طريقة معاملة الفرد لأسرته، ويظهر ذلك من نقوش على قبر أحد أشراف الوجه القبلى أخذ يعدد أعماله الطيبة وقال: «أنا لا أكذب.. لأنى كنت إنسانا محبوباً من والدي.. حسن السلوك مع أخي.. ودوداً مع أختي»، أما حرخوف الألفنتينى فقد عاش فى القرن 26 قبل الميلاد، فقد نحت على الصخور الغربية المطلة على أسوان: «كنت محبوباً من والدي، أحب كل أخوتي.. أعطيت خبزاً للصغير، وملابس لمن يحتاج، وحملت من لا قارب له»، وهكذا فقد كانت تلك العاطفة نحو الأسرة هى المنشئة  لدوافع حب لكل أنواع المخلوقات الخير والكرم وقيم الحب والشفقة والكرم، ولن أبالغ لو قلت إن تلك القاعدة توارثها المصريون، وصاغوها فى كلمات جديدة، ربما لا ننتبه لها، وتؤكد أن من ليس له خير فى أهله، فليس له خير فى أحد.. فتدبروا !

الأمر يحتاج وبقوة إلى تدخل من يهمه أمر الوطن، ولا أزعم هنا أننى أطرح قضية جديدة، فيما يتعلق بعلاقة الدراما بالأمن القومى باعتبارها أكثر الأسلحة تأثيراً فى الرأى العام وسلوك الناس، وخلق القوة الناعمة وغير الناعمة أيضاً، فقد سبق للمجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة مناقشة تلك القضية الخطيرة، ولكنى هنا أركز على الأمن الاجتماعى باعتبار أن  كل الأشياء من حولنا  لها وزن نسبى فى الأمن القومى للوطن، ولعل ذلك هو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى  خلال  افتتاحه مجمع الوثائق المؤمنة، عندما أوضح أن مفهوم الآية القرآنية الكريمة: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، لا يعنى القوة العسكرية فقط، ولكن أيضا القوة التنموية والفكرية والثقافية والمعنوية، واسمحوا لى أن أضيف مقومات القوة الاجتماعية، والحفاظ على متانة العلاقات الأسرية ومفهوم الأسرة المتماسكة الذى يدعو له وينتصر له الرئيس السيسي، ويظهر بجلاء فى مكونات المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية، وغير ذلك من البرامج.

تبقى كلمة أخيرة، وهو الدور المهم للعلم فى دراسة دور الإعلام والدراما فى الأمن الاجتماعي، وكل مكونات الأمن القومى، وكما نضع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، نحتاج إلى قياس تأثيرهما فى تغيير الاتجاهات والاقتناعات المختلفة، ولا أريد أن أقول إننا نحتاج أيضاً إلى من يقوم بتعديل تلك التغييرات، وتحقيق هذه القناعات بما يخدم الأمن القومى المصري، وللتبسيط فقد يقوم بتلك المهمة كيان أشبه بوزارة الإرشاد القومى فى الماضي، لأن ما نحتاجه فى ظل الأداء المنضبط والناجح للمجلس الأعلى للإعلام وهيئتى الوطنية للصحافة والوطنية للإعلام، هو التخطيط العلمى والمدروس لتلك القضية وثيقة الصلة بالتنشئة الاجتماعية والسياسية، وخاصة فى وطن معظمه من الشباب والفتيان والفتيات !

بوكس
الرياضة قد تكون مصدر فتنة كبيرة، قد يتسلل منها المغرضون، خاصة أن المتحكمين فيها خارج السيطرة داخل منصات التواصل الاجتماعى بعضها خارج مصر، أرجو أن نتحرك أسرع فى حسم الخلافات ومحاسبة المخطئين والمتجاوزين.