لحظة وعى

الإسكافى معروف.. والورد فى الخدود

سلمي قاسم جودة
سلمي قاسم جودة

كتبت: سلمى‭ ‬قاسم‭ ‬جودة‭

المجد لمصر.. هنا رهبة الخلود الساطعة.. هنا أشرق التاريخ.. تجلت الحضارة المرصعة بالضمير، الفكر، الفن والجمال.. 3 إبريل توقف الزمن ليتعانق الماضى السحيق مع الحاضر والمستقبل، يتوحد العالم، تُحبس الأنفاس فى حضرة عظمة وبهاء الروح المصرية عبر الموكب المهيب والسفرة الذهبية لمومياوات ملوك وملكات مصر.. ست الدنيا.. ست الحسن.. المحروسة.. ميدان التحرير فى ذروة الألق حيث المسلة الفرعونية تترنم صادحة بسحر الأبد، الوقت عصرا الاستعداد للاحتفال.. وهاهو معروف الإسكافى جاء من بغداد بأمر شهر زاد درة النساء، فمصر هى المرادف لألف ليلة وليلة، وهذا الحدث الاستثنائى لا يمر مرور الكرام، والإسكافى معروف، مصرى من الدرب الأحمر وهو آخر العنقود وخاتم الحكايا بالنسبة لشهر زاد، ومصر قلب الدنيا، مالكة أقدم ذاكرة للإنسانية، كنز البشرية حظيت بعبقرية المكان ونشوة الزمان، تعرف النصر ولا تعرف الهزيمة.. تقول شهر زاد فى الليلة الثلاثمائة بعد التسعين: «الباطل كالدخان والحق مشيد الأركان».

بدأت شمس المغيب فى الذوبان لتسقط صريعة اكتمالها بين خبيئة البنايات المتراصة لتصطبغ السماء بحمرة الياقوت فيزداد جمال الميدان أيضا بفعل الأضواء بكل ارتعاشاتها وروعتها، اقتربت الأنثى المليحة واسمها الورد فى الخدود من الإسكافى، فلقد عرفته وسط كل هذا الحشد، فهى تكتب عنه منذ بضع سنوات: أهلا بك ياعم معروف فى المحروسة نورت الميدان، كيف حال شهر زاد وشهريار، دمشق، بغداد، تدافعت الأسئلة، قال معروف: إنه جاء أولا لحضور الرحلة الملكية إلى متحف مصر القديمة، ثم رمضان على الأعتاب وأهل مصر يعشقون حكايا ألف ليلة، الحمّال والثلاث بنات، على بابا والأربعين حرامى، على شار ونمر الجارية، حلاق بغداد، مدينة النحاس، والسندباد... والقائمة شاهقة، أما عن شهريار فلقد تاب ولكن الشيطان لم يتب ياورد، فلا أحد ينام فى بغداد أو دمشق وعلى رأسهم شهرزاد، فالنوم ممنوع للأشخاص والأوطان، فالغفلة تعنى الموت والفناء، اليقظة والانتباه ضرورة لكل من يسعى إلى البقاء، فلا أحد ينام فى ألف ليلة.. هذا النص الليلى الفذ العامر بالبحارة، الدراويش، الغرباء، الملوك والأمراء، الصياد، الحمال، الحلاق والنخاس، المحظيات والجوارى، الصعاليك، اللصوص، الشطار والبصاصين، المردة والعفاريت، المخيلة، الحلم والثقافة هى الأقانيم المفضية إلى طوق النجاة والخلاص من المكائد، المؤامرات وغدر الزمان تلك الآلة الجهنمية التى تدك كل شىء، فباق من الزمن ليلة أو ألف ليلة لا أحد يدرى والله أعلم، فالمخادع، الأبسطة والرؤوس تطير، ولقد سطر نجيب محفوظ ليالى ألف ليلة وليلة، عن شهرزاد وعنى، وله قول حكيم: «إن الأوطان تحيا بموت الأبطال» وحكت شهرزاد فى ليلة من لياليها الليلاء أن فى كتاب «أمام العرش» لمحفوط يقول أحمس الملك العظيم: «علمتنى الحياة أنها صراع مستمر لاراحة فيه لإنسان، ومن يتهاون فى إعداد قوته يقدم ذاته فريسة سهلة لوحوش لاتعرف الرحمة». أما تحتمس الثالث فقال: «الموت لامفر منه، ولئن يموت الإنسان وهو يبنى المجد خير من أن يهلك فى وباء أو بسبب لدغة ثعبان.. رسمت خططى على أساس من المفاجأة والإتقان لأحصل على أسرع نصر بأقل تكلفة من الأرواح». شهرزاد ألهمت أساطير الإبداع شرقا وغرباً فكان «القصر المسحور» لطه حسين وتوفيق الحكيم و«شهرزاد» لطه حسين، وعنى أنا معروف الإسكافى الغلبان الذى عاش يرقع الزرابين.. كتب ألفريد فرج «على جناح التبريزى وتابعه قفة»: هنا أدرك الإسكافى معروف المساء فسكت عن الكلام المباح وغيره وبينما ينهشه الجوع وهو المبهور المسحور بهول الموكب الخلاب للملوك والملكات المجلل بالبديع من التفاصيل المتقنة والألحان التى تسحر الألباب تعبر الأزمنة والأمكنة، قالت الورد فى الخدود للإسكافى: إنها ستطعمه الكرواسون وهو على شكل الهلال صنعه مغامر بفيينا فى سالف العصر والأوان لإرضاء أهل الغرب حيث يظفرون باللذة عند التهامهم شعار الدولة العثمانية. يحكى معروف أنه مسكون بالشوق لمقاهى وحمامات، أزقة ودروب المحروسة حيث حكمة البسطاء ونسيم الأمسيات المعطرة بشذا الياسمين ولكن يسأل ورد: لماذا الكتابة عنى بالتحديد؟ فتحكى ورد: بينما الهواء الليلى يزف موسيقى ونغم هشام نزيه وروعة قائد الأوركسترا نادر عباسى وموكب العظماء يعبر مخاطباً الخلايق فى أرجاء الكون الفسيح أن مهنة الإسكافى مرتبطة بأديم الأرض، بالتراب، لتذكرنا دوماً إننا إلى زوال مخلوقات فانية، أنت ترقع الزرابين، الأحذية الملتصقة بالغبار لننتبه أننا الزائرون نياماً، أو العابرون نياماً، ألا ننسى فى خضم تلك الزيارة المغوية أن نحرص على الحق، الخير والجمال أن نكتنز خبيئة القديم وزهوه الجديد.. أن نذكر قول شهرزاد فى ليالى محفوظ: «الحب والكِبر لايجتمعان» وأخيراً كلماته: «آه.. مابال جميع الكائنات تختفى ولايبقى إلا الغبار».