أديب نوبل يعترف: أدين بالفضل فى حياتى للعبقرى «سلامة موسى»

 سلامة موسى
سلامة موسى

القلم يتحول فى يد أديبنا الكبير نجيب محفوظ إلى مشرط ينفذ به إلى أعمق أعماق النفس الإنسانية، وإذا تحدث نجيب محفوظ فى شىء فهو الدارس المنطقى النافذ البصيرة، لهذا أردت أن أتعرف على آراء كثيرة له توزن بميزان الحكمة والاستاذية، والتقينا فى جزيرة الشاى، والطبيعة من حولنا تبتسم، الماء تحت اقدامنا مرآة صافية تهتز فيها صور الاشجار والعشاق، فى جزيرة الشاى بحديقة الحيوان التقينا.

فى بداية الحوار قال لى نجيب محفوظ عن بداية مشواره الأدبى : "عندما تخرجت فى كلية الآداب، قسم الفلسفة عام ١٩٢٤، لم أكن أفكر على الاطلاق فى أن أكون أديبا.. ولكنى كتبت فى الفترة بين ١٩٣٤ إلى ١٩٣٧ عدة مقالات فى الفلسفة، لأننى كنت أحضر لرسالة الماجستير والدكتوراة، وفى غضون عام ١٩٣٧، ولست أدرى كيف قلت لنفسى : " لابد أن أكرس كل حياتى للأدب "، وبدأت بالقصة القصيرة، كتبت فيها حوالى مائة، ثم أتضح لى أن الأقصوصة شىء مركز يتضمن فى أكثر الأحيان كل عناصر القصة الطويلة، وبحثت فيما كتبت فوجدت اننى أستطيع أن أحول تسعين اقصوصة من المائة إلى قصص طويلة، ومن هنا قررت أن أكتب القصة الطويلة وهناك شىء يجب أن أعترف به، أن سلامة موسى هو الأستاذ العبقرى الذى أدين له بالفضل فى حياتى الأدبية، كنت أذهب إليه وأنا طالب صغير أكتب لنفسى، كنت أذهب اليه فى بنطلون قصير وانتزعه من بين زوجته وأولاده فيأخذ منى كراسة كاملة، ويقرأها ويناقشنى فيما كتبت، ويقول لى دائما : " استمر "، وقد قضيت عامين أتردد على بيت سلامة موسى، وهو يبشرنى دائما بأننى اتقدم، ويقول لى إن فى بذرة لم أكتشف عنها بعد، ونشر لى سلامة موسى أول قصة لى وهى " ملوك تحت الأرض" فى مجلته التى كان يسميها " المجلة الجديدة" هذا فى الأدب، أما فى الفلسفة فقد نشر لى بحثا عن الله استغرق عامين!.
< سألت نجيب محفوظ : وماذا كان موضوع قصتك القصيرة الأولى؟
− كانت تتحدث عن فتاة تجمع أعقاب السجائر وكانت تبحث عن أبيها فتجده فى طرف من أطراف القاهرة حيث لايصل رجال البوليس، كان يدير عصابة لتجارة المخدرات، والقصة بعد هذا تصوير لانفعالات المسكينة بين أبيها وأعوانه المردة!

وماذا بعد هذا؟
− سأكمل اعترافى.. أقول إن الأستاذ سلامة موسى صاحب فضل على وعلى آخرين من ابناء جيلى، وهو أول من نادى بالفكر التقدمى، وهو أحد القلائل الذين أسسوا قيادة اللغة العربية وجعلوها لغة طيعة تواجه حاجات العصر والعلم بل لا أبالغ إن قلت إنه عمل فيها أكثر مما عمل الجاحظ فى زمانه، وإنى لأتساءل بعد هذا: كيف لا يستعين المجمع اللغوى بهذا العبقرى العظيم!

وما أول قصة طويلة لك؟
− «عبث الأقدار» .. وقد نشرها لى الأستاذ سلامة موسى أيضا.
 
من هم أبطال قصصك ومامدى الخيال وما نصيب الواقع فيها ؟

− أبطال قصصى أناس ممن تراهم العين كل يوم، آدميون، يتفعلون ويثورون ويضحكون ويصيحون فى زحمة الحياة، قد يكونون معى فى البيت أو فى السكن، أو جوارى فى المكتب، وقد يكونون فى حانوت أو طريق، وأنا أخذ من الواقع وأنسج عليه من الخيال، فإن العمل الفنى ليس أن تعطى الواقع كما هو بل أن تأخذه وتبلوره ثم تخرجه من جديد خلقا آخر.

< هل أعرت شخصيتك لبطل من أبطال قصصك؟
− أعرت نصف عقلى لأحد أبطال قصتى " بين القصرين" وقد ندمت على ذلك أشد الندم، فإن الروائى لا يصبح روائيا إلا إذا تحدث عن الآخرين.

< هل فى حياته قصة حب، وهل قرأناها لك فى كتبك ونحن لا ندرى؟
− لا تخلو حياة من قصة حب، وفى قصتى "بداية ونهاية" قصة حب فيها ملامح من قصة وقعت لى!

< هل تعتقد أن للزواج أو العزوبية أثرا فى إنتاج الأديب؟
− كلا.. وإذا نظرت إلى تاريخ العباقرة من الكتاب والأدباء لوجدتهم مزيجا من المتزوجين والعزاب، ولو كان الزواج يعطل العبقرية مثلا.. لهلكت البشرية، على أننى أعتقد أن الرجل خلق ليتزوج، وبعد هذا يتحكم الحظ فى إنتاجه فقد يسعده الله بزوجة تزيد هذا الإنتاج وتكون ملهمته، وقد يبتليه بزوجة تصرفه عنه.

< يردد كثير من الأدباء عندنا أنهم لا يتعاونون مع السينمائيين لأنهم يشوهون أعمالهم فما رأيك؟
− الأدباء عندنا لا يكتبون قصصهم للسينما بل يكتبونها للقراء ولكى نزيل شكوى الأدباء أطالب بأن يشركهم المخرجون معهم فى إعداد القصة للسينما حتى يتم كل شىء بعلمهم فلا يصرحون بعد إخراج الفيلم بأنه ابن غير شرعى لهم.

< وماهى قصصك التى كتبتها للسينما ؟
− كتبت للسينما خصيصا " مغامرات عنتر وعبلة " وقد صادف قدرا محدودا من النجاح، و" فتوات الحسينية" و"جعلونى مجرما" و"النمرود".

هل أنت راض عن السينما المصرية ؟
− فى حدود إمكاناتها القائمة تبذل السينما جهودا موفقة، ولست أعيب عليها إلا ضعف القصة والسيناريو، ويمكن للسينما أن تتلافى هذا العيب إذا سخت على المؤلفين ونبذت القصص المسروقة، والسينما فى حاجة إلى تشجيع من الدولة، وفتح أسواق جديدة أمام الفيلم المصرى.

< ما رأيك فى الرقابة على الفكر والإبداع ؟
− الرقابة تطالب بمراعاة الأخلاق والنظام العام وأمن الدولة، وتتزمت تزمتا يعانى منه السينمائيون مر العناء. ولكى تصلح الرقابة يجب أن تطعم عقلية الرقيب بروح الأديب، لتتمكن السينما من أداء رسالتها النقدية والاجتماعية.
«الكواكب» - 12 فبراير 1957