أمس واليوم وغدا

عظيمـة يـــامصـر

عصام السباعي
عصام السباعي

لا‭ ‬حديث للناس فى بلادى فى هذا المساء وما تلاه من صباح عشته منذ أيام، سوى ذلك الشعور بالفخر بمصر.. التاريخ.. الشموخ.. والانتماء لذلك التراب الذى نمشى عليه، والذى سبق وسار عليه أجداد فاقت عظمتهم كل الحدود، وسيرة عرفت كل معانى الخلود، وشموخ شهد عليه كل العالم، وفى ذلك اليوم المعهود عاد لى الحنين إلى نعمة الكتابة واستعدت قدرتى عليها، بعد أسابيع من تعرضى لاحتلال غاشم من الفيروس الخبيث «كورونا»، واستخدمت كل ما أمتلكه من أسلحة، وما لدى من دفاعات للتخلص من ذلك المحتل الغاصب، وبالالتزام والمتابعة انتصرت ونجحت فى أن أعاود حياتى الطبيعية وأن أخرج من ذلك العزل الإجبارى الذى كنت فيه، كانت هناك أكثر من مرة شعرت فيها بالفخر خلال فترة الانعزال، ولكن الشعور هذه المرة فاق وتدفق مع تلك الاحتفالية العالمية بنقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارة فى الفسطاط.

إنه يا سادة شعور بالفخار وليس بالفخر فقط، فهو فخر مضاعف مئات المرات، لو وضعنا ذلك الحدث فى السياق العام لبلد استرد عافيته.. جمع أجزاءه.. ضمد جراحه.. كشف من خانوه وحاولوا بيعه.. رفع من جديد أعمدة الدولة.. وصد هجمات قطاع الطرق ولصوص الغلابة وأهل الشر.. وتغيرت أحواله إلى الأحسن.. إلى الأفضل.. عادت ماكينات مصانعه للعمل ويزداد عددها فى كل يوم، وهل يوجد فخر ما بعده فخر أن تجد رئيس بلدك يعلن منذ أيام افتتاح مدينة صناعية حديثة عالمية للدواء، فى خطوة تتقاطع مع الهدف العام لتقديم خدمة صحية رفيعة المستوى للمواطن المصري، ولا أبالغ لو قلت إنه لا يوجد قطاع لم تصل إليه مشروعات التحديث تحت لافتة مشروع كبير له برامج محددة وتوقيتات زمنية للتنفيذ، هو «أجندة التنمية الشاملة»، ولا يمر يوم إلا ويظهر صرح وطنى ضخم، فقد سبق وشاهدنا مشروع الدلتا الجديدة العملاق على محور صحراء الضبعة، عندما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يتفقدها وهى جنة خضراء.

عندما أعود إلى سنوات قليلة مضت منذ العام 2013 وأستعيد تطورات الأوضاع الداخلية أشعر وكأننا نعيش المعجزة، وسبحان مغير الأحوال، ونفس الشيء ونفس الفخر فيما يتصل بعلاقات مصر مع العالم الخارجى، وتخيلوا معى كيف كانت دون المستوى، وعلى أى ازدهار قد أصبحت، أشعر بالفخر وبلادى تستعيد مكانتها كقوة إقليمية، وكفاعل أساسى ومؤثر فى السلم العالمى، مملوء بالزهو لأن العديد من المخططات فى المنطقة قد تحطمت، أسجد لله شكرا أن نجح أبطال قواتنا المسلحة الأبية وشرطتنا الباسلة فى حماية الوطن، ومسح الإرهاب من على الحدود وبين البيوت والمساجد والكنائس وفى تقاطعات الطرق، فصار ذكرى أليمة لهم، أستعيد كلمات الرئيس السيسي، القائد المقاتل الذى يتعامل بدقة مع كل كلمة تخرج منه، وينظر لها على أنها أمانة يجب أن تتحقق، كما يعلم أيضا أن الكلمة مثل الرصاصة، لها مداها، وإذا انطلقت فيجب أن تصل إلى هدفها، وهكذا أعلن خطوط مصر الحمراء، وأجبر الجميع على احترامها وعدم تخطيها، تحقق ذلك فى الغرب والشرق والشمال والجنوب، وباتت كل المجالات الحيوية المصرية بخير وفى خير، وكان هناك الخط الأحمر الأخير، فلا يوجد من يستطيع تجاوز حصة مصر من مياه النيل، لم يكن الكلام عدائيا، ولكن من خلال يد ممدودة بالسلام من خلال معركة التفاوض التى تحكمها القوانين الدولية ذات الصلة بالمياه العابرة للحدود، وكان الرئيس صريحا فى كلامه، فالعمل العدائى قبيح، وله تأثيرات كبيرة جدا تمتد لسنوات طويلة لأن الشعوب لا تنسى.

أكتب لكم وبصدق عن مشاعر حقيقية جميلة غمرتنى، ولم تمنعنى تداعيات إصابتى بفيروس كورونا من أن أسجلها، رغم أنفاسى المضطربة، وبؤر الإصابة التى نحتها الفيروس فى الرئتين، أقول: نعم أنا أشعر بالفخر والرضا، وأقول أيضا ما قاله الرئيس السيسى للإعلام والإعلاميين: «اجعلوا الناس تعرف أن بلدهم كبيرة وبفضل الله قادرة وميبقاش الكلام مجرد خبر فى جورنال»، وهل كل ذلك العطاء وكل ذلك التاريخ والمجد والعرق يمكن تلخيصه فى مجرد خبر أو حتى تريليون خبر؟! وبالفعل نحن مقصرون؟

أعود إلى لحظة أن غرغرت عيونى بالدموع فخرا بأجدادى القدماء، شعرت وقتها أننا فى مراحل تاريخية متصلة، أحسست أن جينات قدماء المصريين لا تزال تسرى فى دمائنا، تنتقل عبر العقود، تتداولها الأجيال، وكم أنا فخور بها، وأتمنى أن نعرف أكثر عنها حتى نعرف قيمة هؤلاء الأجداد وفضلهم الكبير على الإنسانية، وأتذكر أننى قبل 3 سنوات كنت ألقى محاضرة فى المنتدى السنوى لمركز دندرة الثقافى عن أخلاق العمل، ذلك التخصص العلمى الذى لم يظهر إلا قبل عقود فى جامعات العالم، وكنت مع الدكتور على عونى الأستاذ بالجامعة الأمريكية، فى حوار أداره المذيع الجنوبى الأصيل خالد النوبي، وأمام الجمع الحاشد الممتد، ووجدت نفسى أتناول كتاب «فجر الضمير» لجيمس بريستد، الذى ترجمه لنا رائد علم الأثريات سليم حسن، وحكيت لهم كيف نسج المصريون القدماء أول منظومة أخلاقية وصلت لنا عن أقدم جماعة بشرية فى التاريخ الإنساني، ودعوت الجميع إلى أن يكونوا مثل الأجداد، ولا يتخلوا عن الأخلاق فى كل شيء.

 اليوم وبكل فخر أيضا أرجو أن يدرس طلابنا فى المدارس مقررا مختصرا ومنتقى من كتاب «فجر الضمير»، ليعرف أولادنا من أجدادنا السلوك القويم والأخلاق الفاضلة فى البيت.. مع الأسرة.. مع الآخرين.. مع الجيران.. مساعدة الناس.. البعد عن أذى أى مخلوق.. حب الأب والأم والأسرة ومساعدة كل الناس.

اليوم أطلق دعوتى إلى من يهمه الأمر بتنفيذ عمل درامى عن ملحمة سيبنى حارس الباب الجنوبي، عند شلال النيل الأول، وكيف قام برحلة تحفها المخاطر والأهوال، من أجل استعادة جثمان والده «مخو» الذى قتله البعض هناك ليتم حفظه هنا فى مصر، وكما عرفت من الكتاب، فلازال قبر «سيبني» الشجاع موجوداً فى أسوان.

بوكس

- وجدوا على شاهد قبر رجل مصرى عاش فى القرن الثانى والعشرين قبل الميلاد نقشا يقول: «إن فضيلة الرجل هى أثره، ولكن الرجل السيئ الذكر منسي»، وظلت تلك الكلمات يتداولها المصريون عبر آلاف السنين، وقالوها ببساطة «السيرة أطول من العمر»، وأرجوكم اجعلوا سيرتكم حلوة!