التحليل النفسي والمجتمعي لشخصية «المستريح»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

◄النصاب شخصية سيكوباتية من الدرجة الأولى.. والطمع أهم أسباب عودة الظاهرة

◄سيد قاسم: الاستثمار الأسود يُهدد الأمن القومى.. ياسر سيد أحمد: العقوبات غير رادعة

كتب: خالد عثمان

عادت ظاهرة توظيف الأموال بصورة ملفتة للنظر بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم أجمع، ولم تكن تلك الظاهرة جديدة على المجتمع المصري، حيث ظهرت هدي عبد المنعم المعروفة إعلاميًا بالمرأة الحديدية عام 1987، لتقوم بخداع المصريين والنصب عليهم والاستيلاء على أموال كبيرة وقامت بالهروب لدولة اليونان، بعدها ظهر أحمد الريان صاحب القضية الشهيرة في الاستيلاء علي أموال المصريين، وكذلك في ذات الفترة أشرف السعد باعتبارهما قاما باستغلال رجال الدين في الترويج لمشاريعهم والنصب علي المواطنين.

بعدها في عام 2015 ظهر الفتي الأسمر أحمد مصطفي والذي شغلت قضيته الرأي العام وعرفت باسم «مستريح» الصعيد والذي قام بالنصب والاستيلاء علي أكثر من ملياري جنيه، ولكن الظاهرة بدأت تعود من جديد.
 
كيف يُصنع «المستريح»؟

في البداية يقوم الشخص بالترويج والإعلان عن مشروعاته الناجحة والمربحة والتي تعطي فائدة أكبر من فوائد البنوك ويوهم ضحاياه علي مقدرته وخبرته الكبيرة علي توظيف واستثمار أموالهم، ويكون حريصاً في البداية علي الالتزام الشديد بدفع النسب أو الفائدة في أوقاتها وذلك طمعًا في الحصول والنيل من أرضية وثقة لدي الزبائن والذين يقومون بالتطوع لجلب زبائن جدد من آقاربهم وأصدقائهم طمعًا في الحصول علي عمولة.
بعدها يدخل الزبون الطماع في صدمة كبري حيث يفاجأ أنه أمام نصاب، حيث يتهرب من السداد ويفكر في الهروب خارج البلد أو يتم القبض عليه.

الاقتصاد الأسود

الدكتور سيد قاسم، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، يقول لـ«الأخبار المسائي» إن الاقتصاد الأسود يهدد ملف الأمن الاقتصادي للدولة، لافتًا إلي أنه مما لا شك فيه أن مصر عانت الكثير من تداعيات الاقتصاد الأسود فترات عديدة، ويعرف قاسم الاقتصاد ذات الصبغة السوداء بأنه الاقتصاد الذي يحمل في طياته الاستثمار في المعاملات المشبوهة من خلال قنوات تدفق الأموال غير الشرعية لغسيل الأموال كالإتجار في المخدرات والسلاح وتجارة الأعضاء البشرية والقرصنة على أموال البنوك، وغيره من المعاملات التي تضر بالأمن القومي، والذى من خلاله يعمل مستثمرو الاقتصاد الأسود على تكوين ثروات طائلة ناتجة عن أنشطة الاقتصاد الأسود، وتكون هذه الآلية هي التي تنهش بها ثروات وموارد الدولة ويكمن به المخاطر الحقيقية التي تعبث بملف الأمن الاقتصادى على المدى القصير والبعيد.
ويضيف أنه طبقاً للأحداث الأخيرة المواتية عن ظاهرة المستريح والتي كشفت أن بمصر كمية أموال بالمليارات متداولة فى مصادر غير شرعية، فهذا الاقتصاد الأسود الذى يدعم الاقتصاد غير الرسمي والذى ينهش ثروات وموارد الدولة ويوهم بالتنمية والثراء السريع بما جعله حقًا دوله تهدد كيان الدولة القومية بسيطرته على معظم مفاصلها, فهو حقاً يمكنه في حالة عدم وجود درع رادع كيان يعمل بشكل خفى وهادم لكل ما تبذله الدولة من جهود لخلق حياة كريمة للمواطن المصرى.
وفى سياق ما تم ذكره فتسعي الدولة جاهدة، بل نجحت في خلق قنوات شرعية لمراقبة وإدارة الأموال التي يتم تدفقها في الاقتصاد الوطني، حتى لا نجد فرصة لصناعة ظاهرة عشوائية مدمرة تعمل على هدم الكيان القومي للدولة المصرية كظاهرة المستريح ألا وهى منظومة الشمول المالي والشمول الرقمي للدولة.

اقرأ أيضا: 10 قرى بالغربية يحاصرها الصرف الصحي.. ومحطة تنقية تأخرت 10 سنوات

ويعرف عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع الشمول المالى بأنه إدخال أو دمج جميع الفئات حتى التي ما يطلق عليها مهمّشة ماليًا أو من ذوي الدخل المالي المنخفض الذي لا يسمح لها بالانخراط في عمليات النظام المصرفي، بالتعامل مع الجهاز المصرفي من خلال منظومة العمل الرقمية.
ووضع قاسم عدة ضوابط لكبح جماح لكل ما تسول له نفسه بالتلاعب والنصب على المواطنين كظاهرة المستريح، لذا يجب وضع استراتيجية وطنية لرفع مستويات التعليم والتثقيف المالى للفئات المستهدفة، ورفع الوعى المالى للشخص الطبيعى والشخص الاعتباري على مختلف الفئات، ومراعاة قلة خبرات المستهلكين الجدد فيما يتعلق باستخدام الخدمات المالية، كذلك إطلاق برامج لتوعية المستهلك المالى بكيفية اتخاذ قرارات مالية تلائم احتياجاتهم.
أما د.عبدالرحمن شعبان، الخبير الاقتصادى والضريبي، فيؤكد أن ظاهرة المستريح خطيرة يقع مردودهاعلى الاقتصاد القومى فى المقام الأول، ومن أسباب انتشارها رغبة صاحب المال فى الحصول على أرباح كبيرة بمعدل عائد 20%، ومن ثم يقع فريسة للنصاب الذى يوعده بتوفير أرباح خيالية بمعدل عائد يفوق معدلات عائد البنوك، ويضيف: «ظهرت فى الثمانينيات شركة توظيف أموال استغلت هذه الفكرة ونصبت على الكثير من الضحايا، وتم التغلب عليها وقتها بزيادة ورفع معدلات الفائدة فى البنوك لجذب المودعين، أما آثار ظاهرة المستريح على الاقتصاد القومى فهى تؤدى إلى آثار سلبية على السيولة وندرتها وتمركزها فى أيدى المستريح، وكذلك تؤدى هذه الظاهرة إلى زيادة التضخم، وما تسببه من أضرار على الاقتصاد القومى، والحل الأمثل هو ترغيب أصحاب الأموال فى استثمارها فى مشروع قومية وإصدار صكوك وسندات بمعدل فائدة عالية تشجع أصحاب الأموال على الاستثمار فيها.

الطمع.. مفتاح الظاهرة
وعن التحليل النفسي لشخصية «المستريح» يؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، بقوله: «هناك طرفان في الموضوع، طماع في مكسب زيادة ووضع أمواله في أماكن غير صحيحة، في المقابل نجد النصاب أو المستريح، حيث يبدأ في نشر الأكاذيب حول أرباحه والنسب الكبيرة أو الفائدة، حيث يسيل لعاب الطماع». ومن أبرز صفات النصاب يرى فرويز السلبية وعدم المبالاة تجاه النتائج من جراء تصرفاته ولا توجد لديه مشاعر ولا يهتم بالعواقب أو ماذا سيحدث لمن قام بالنصب عليه سواء السجن أو المرض وإصابته بجلطات، فذلك لا يؤثر عليه ولا على مشاعره حتي وإن تم سجنه يخرج من جديد ليعيد عمليات النصب بعد اكتسابه خبرات جديدة داخل السجن بتطوير أسلوبه. 
ويضرب فرويز مثالاً بذلك بفيلم العتبه الخضراء والذي استعرض الظاهرة بشكل كوميدي والذي نجح خلاله الفنان أحمد مظهر في إقناع الفنان إسماعيل ياسين المقبل من الصعيد بشراء ميدان العتبة الخضراء بدلاً من التجارة في الفاكهة وذلك في إطار كوميدي، وأضاف فرويز بأن شخصية المستريح تعتمد بشكل كبير علي طمع الطرف الآخر والطمع في الحصول علي مكاسب كبيرة عندها يسيل لعابه للكلام المعسول بأسلوب خادع وبراق لذلك يتزايد أعداد المنصوب عليهم في تلك العملية المنظمة والوقوع في الفخ ودون وجود الطماع وأكثر طمعاً كان فريسة سهلة لتلك الشخصية. 
ويؤكد الدكتور جمال فرويز أن شخصية المستريح سيكوباتية من الدرجة الأولي وتتكون تلك الشخصية لعدة أسباب منها الجينات الوراثية والتربية الخاطئة في الصغر منذ نشأته الأولي بفعل التدليل الزائد أو نتيجة لفقد أحد الوالدين أو العنف المتزايد بشكل كبير بمرحلة الطفولة وحرمانه الشديد في تلبية متطلباته الأساسية في مرحلة الطفولة، إضافة لمروره بخبرات حياتية ومكتسبات سيئة، مشيرًا إلى أن الشخص الفقير يسعي بكل دأب لتحسين وضعه، لذلك من الممكن أن يلجأ لعمليات نصب لكنه ليس لديه صفات الشخصيات السيكوباتية إلا إذا كان لديه اضطرابات في الشخصية من الأساس. 
وأكد الدكتور جمال فرويز أن شخصية المستريح بجانب عمليات النصب من الممكن أن يلجأ للسرقة أو الإدمان وإقامة علاقات شاذة، ويطلق فرويز علي شخصية المستريح الشخصية المضادة للمجتمع أو الشخصية الذاتية، ومن خلال تلك الصفات نري أن لديها ميول قوي للنصب علي المواطنين.

عدم اتعاظ الناس

ومن جانبه يوضح الدكتور محمود فوزي؛ مدرس الإعلان بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أن بعض النصابين المحترفين يستغل التطبيقات الرقمية المختلفة عبر شبكة الإنترنت في خداع الجمهور وتضليلهم، باستخدام شعارات دعائية خادعة، تلعب علي دغدغة مشاعر المواطنين، واستمالتهم عاطفيًا نحو الثراء السريع، واستثمار رأس مالهم، وتحقيق فوائد مالية متزايدة بطرق غير قانوينة وغير مشروعة.


ويضيف فوزي أن من يضاعف من فاعلية التأثير استخدام هؤلاء المجرمين لمؤثرات سمعية وبصرية ووسائط مالتي ميديا متنوعة، وتصميم مواقع إلكترونية وهمية، وإنشاء حسابات إلكترونية زائفة علي شبكات التواصل الاجتماعي؛ بغرض إقناع المواطنين راغبي الثراء السريع، بل ويلجأ بعض النصابين إلي إثارة غرائز وشهوات المواطنين؛ عبر ظاهرة «تسليع المرأة» من خلال توظيف المفاتن الجسدية والعورات المجسمة والإيحاءات المبتذلة لبعض الفتيات الساقطات، وغيرها من الممارسات الدعائية غير الأخلاقية التي تتنامي درجة تأثيرها عبر الفضاء الإلكتروني الذي تهيمن عليه خصائص التفاعلية واللامركزية، واللاجماهيرية، وتعددية الوسائط الإعلامية.


ويشرح ياسر سيد أحمد، المحامي بالنقض، أن القانون 146 لسنة 1988 حظر في الفقرة الأولى من المادة الأولى: «علي أي شخص غير الشركات المساهمة المقيدة في هيئة الاستثمار أن تتلقي أموالاً من الجمهور بأية عملة أو وسيلة وتحت أي مسمي لتوظيفها أو استثمارها، ولا يجوز دعوة الجمهور للإيداع بأي وسيلة سواء علنية أو مستترة». كما نص فى مادته رقم 21 على أنه: «كل من تلقي أموالاً علي خلاف أحكام هذا القانون أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد علي مثل ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها ويحكم علي الجاني برد الأموال المستحقة إلي أصحابها».


وعمومًا، والكلام لياسر، أنه تنقضى الدعوى الجنائية إذا بادر المتهم برد المبالغ المستحقة لأصحابها أثناء التحقيق أو أثناء المحاكمة وللمحكمة إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الرد قبل صدور حكم نهائى فى الدعوى، وهذا ما قرره القانون فى الحالات الكثيرة التى تواجه المواطنين فى استغلالهم واستغلال أموالهم دون رابط قانوني.
ويشير المحامي بالنقض أنه بالرغم من مازالت تظهر على الساحة العديد من هذه القضايا بداية من الريان ثم السعد فالمرأة الحديدية من الثمانينات والتسعينيات وصولاً لتطور المسمى تحت لفظ المستريح سواء بالمنيا أو بنى سويف أو الفيوم أو الدقهلية فى الألفينيات: «بما يدل على عدم اتعاظ الناس أو أن العقوبات ليست رادعة أو غياب توعية الناس».
 

اقرأ أيضا:تفاصيل أكبر مشروع قومي في البحيرة.. «محور المحمودية» طريق المستقبل