أوراق شخصية

التوثيق العقاري.. رحلة الكعب داير!

آمال عثمان
آمال عثمان

لا يخفى على أحد حجم المعاناة، والمشقة التى يتكبّدها المواطن في التعامل مع مكاتب توثيق الشهر العقارى، وكل من فرضت عليه الظروف التعامل مع أحد تلك المكاتب، يُدرك مدى الإحباط والمذلة التى يكابدها، ورحلة "الكعب الداير" المريرة التى يخوضها للحصول على الأوراق والموافقات من جهات عديدة، وما تفرضه كل منها من رسوم قانونية وغير قانونية!!

 كما يعلم تماماً أنه أصبح صيداً ثميناً وقع فى شباك الصيادين، وعليه أن يختار بين طريقين أحلاهما مر!! إما الاستسلام لجشع محامين يتفاوضون باسم "أصحاب الهمم" داخل دهاليز جهات نرزح تحت وطأتها، مقابل الحصول على عشرات الآلاف من الجنيهات، ويا سواد ليلك لو وقعت فى محامٍ فاقد الضمير المهنى، تقضى عمرك تنتظر الفرج من عند الله، وإذا قررت أن تتولى الأمر بنفسك، وترضخ لأوامر وطلبات "الباشا" موظف الشهر العقارى التى لا تُعد ولا تُحصى!! وتقف أمام بوابة الحارس "رضوان" تنظر بحسرة لأطنان الملفات الورقية المكدسة على الأرفف، وترقب بأسى عملية البحث المضنية عن ملفك، ستقف أمام المدير لينظر لك بكل قرف، ويملى عليك الأوراق التى عليك إعادة استخراجها، ولا تسألنى عزيزى القارئ لماذا؟! فقد أثبتت الهيئة الموقرة أن الأوراق مثل الطعام، لها تاريخ صلاحية، وتفسد بعد بقائها داخل ثلاجة الشهر العقارى!! وعليك أن ترضخ صاغراً لرحلة غير مأمونة العواقب مرة أخرى!!

خضتُ تلك الرحلة "الكابوسية" بنفسى، بعد سنوات من انتظار محامٍ أوقعنى فيه حظى العاثر، فالأمر لا يحتاج لمحاكم ومذكرات قانونية ومرافعات، وملاك العقار سددوا ضرائبهم، وازداد يقينى بتأكيد رئيس هيئة الشهر العقارى على سلامة الأوراق، وأن الأمر لن يستغرق أكثر من شهر، دهشتُ حين أخبرنى بأن 10% فقط من ثروة مصر العقارية موثّقة، وأن هناك قانوناً جديداً للتيسير وتشجيع المواطنين على توثيق أملاكهم، وذهبتُ إلى مكتب الشهر العقارى يحدونى الأمل والتفاؤل، لكن الرحلة انتهت بالفشل، وأدركتُ يومها لماذا يعزف المواطنون عن توثيق ثروتهم العقارية؟!

والسؤال: أين التشجيع الذى يزعمه أصحاب القانون الجديد فى قانون يجترئ على الأحكام القضائية، ويُلزم المواطنين بسداد إتاوات لصالح نقابة المحامين، ويجبرهم على مطاردة أصحاب العقارات لتسديد ضرائبهم؟ أين التحفيز فى قانون مُجحف يهدد الشعب بقطع المياه والكهرباء والغاز، فى ظل إجراءات إدارية عقيمة تجعل المواطن يلجأ للأبواب الخلفية؟ أين التيسير فى قانون يعوق الاستثمار ويهدر المليارات على خزانة الدولة، بسبب قانون عمره 75 عاماً، ومكاتب تفتقر للتحديث والتطوير إلكترونياً وبشرياً، وبعد ذلك يستنكر وزير العدل عزوف الناس عن توثيق عقاراتهم، ويصفه بوضع شاذ ولا يصح!