فى الصميم

التوافق هام.. والسؤال ضرورى: هل استوعب العرب الدرس؟!

جلال عارف
جلال عارف

نأمل أن تشهد الفترة القادمة خطوات ملموسة لتعزيز العمل العربى المشترك وأن ينعكس ذلك على دور الجامعة العربية التى تم التجديد لأمينها العام أحمد أبوالغيط لفترة جديدة بعد فترة أولى كانت فيها الظروف العربية شديدة التعقيد بحيث كان الحفاظ على كيان الجامعة العربية إنجازا فى حد ذاته فى ظل غياب التوافق بين الأطراف العربية وهو الأساس لنجاح عمل الجامعة الذى يحكمه قرار الدول الأعضاء وليست سياسة الأمانة العامة.

الظروف الآن تختلف، والكل يدرك مدى الحاجة للعمل العربى المشترك.. ولهذا كان طبيعياً أن يغض الجميع الطرف عن محاولات لخلق مشاكل جديدة وطرح قضايا خلافية فى هذا التوقيت، وأن يكون قرار التجديد لأبوالغيط بالإجماع فى اجتماع مجلس الجامعة الأخير الذى شهد توافقاً كبيراً فى المواقف المعلنة من قضايا هامة وأساسية كانت من قبل مثاراً للخلاف ويبقى أن نرى التطبيق العملى من جانب الدول الأعضاء.

لم يعد ممكناً لأى طرف عربى أن يتغاضى عن المخاطر التى أصبحت تهدد الجميع بلا استثناء ولم يعد ممكناً أيضاً تجاهل ضرورة تدعيم العمل العربى المشترك لمواجهة هذه المخاطر.. درس السنوات الماضية وتجاربها الأليمة لابد أن يكون حاضراً وأخطاء الماضى لا يمكن السماح بأن تتكرر.

الأطراف العربية التى راهنت على الارتباط بقوى خارجية وجدت نفسها بلا حليف حقيقى فى مواجهة المخاطر، والأطراف التى حاولت لعب أدوار أكبر من قدراتها وجدت نفسها فى قلب الأزمات، والسياسات الخاطئة التى اتبعها البعض أدت به للوقوع فى أسر الحروب بالوكالة أو الصراعات الداخلية، كما أدت إلى أن تجد عصابات الإرهاب وميليشيات الطوائف فرصتها لتنشر الدمار والفوضى فى أقطار عربية شقيقة وعزيزة. ولكى تحول الوطن العربى إلى ساحة تتنافس فيها القوى الدولية وتتصارع على النفوذ فيها دول إقليمية لا يجمعها إلا العداء لكل ما هو عربى!!.

لا نقول ذلك لننكأ الجراح، ولكن لكى نستوعب جميعاً الدرس، ولكى يدرك البعض حجم الخطيئة التى سار إليها وهو يعلن يوماً أن العروبة وهم يجب التخلى عنه )!!( أو وهو يراهن على استقرار يضمنه الأعداء )!!( أو على مشروعات مشبوهة ترى أن مستقبل المنطقة ينبغى أن يتقرر فى غياب العرب وعلى حساب مصالحهم!!.

الحقائق الآن تفرض نفسها.. البحث عن حلول للقضايا العربية يبدأ من إنهاء الغياب العربى الذى طال وترك آثاره الفادحة على أمتنا. "التوافق" الذى رأينا بعض ملامحه فى اجتماعات الجامعة العربية الأخيرة ينبغى أن يكون بداية لمرحلة جديدة من العمل العربى المشترك.. القرارات التى صدرت بإدانة التدخل الإيرانى والتركى فى الشئون الداخلية العربية، شأنها شأن القرارات الخاصة بتأكيد الموقف العربى الداعم لحقوق شعب فلسطين والتمسك بالمشروع العربى الذى يجعل من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس شرطاً مسبقاً للتطبيع مع إسرائيل، وشأنها شأن الموقف الداعم لمصر والسودان فى قضية سد النهضة.. كل هذه القرارات والمواقف تنتظر التعامل الجاد والإلتزام الحقيقى الذى يستند إلى إرادة سياسية تستوعب حجم المخاطر، وتدرك أنه لابديل عن العمل العربى المشترك إلا ما رأيناه فى سنوات "الغياب العربى" العجاف من فوضى ودمار، وهدم للدولة الوطنية وإثارة للحروب الأهلية والصراعات الطائفية مع محاولة لجعل عصابات الإرهاب هى البديل للدولة، ورهن مستقبل العرب بإرادة "الآخرين" وضمان مصالحهم وتحقيق أهدافهم!.

الحقائق تفرض نفسها، والمخاطر لا تستثنى أحداً، والعمل العربى المشترك لا ينبغى أن يكون شعاراً نلجأ إليه وقت الأزمات.. وإنما أن يكون الخيار الذى لابديل عنه، والطريق الذى لابد منه.

نرجو التوفيق لأمين الجامعة العربية أحمد أبوالغيط بعد التجديد له فى موقعه، ونرجو أن يكون "التوافق" على قرارات وزراء الخارجية العرب فى اجتماعهم الأخير توافقاً فعلياً لا يتوقف عند البيانات المعلنة بل أن يكون المقدمة الطبيعية لتضامن حقيقى يقول للآخرين جميعاً أن الغياب العربى انتهى، ويقول للشعوب العربية "وهذا هو الأهم" أن النظم العربية قد استوعبت الدرس ولن تكرر الخطأ!!.