من باب العتب

هل الزيادة السكانية مشكلة دينية..؟

محمود عطية
محمود عطية

لماذا تطل المشايخ برأسها سريعا كلما تحدثنا عن الزيادة السكانية.. ويصمت الاقتصاديون وعلماء هندسة المجتمعات سكانيا.. ويتسابق وزير الأوقاف والمفتى ودعاة الفضائيات ليسردوا علينا الأحاديث المعادة المكررة المحفوظة بأن تنظيم النسل جائز شرعًا، وأن الْتِماس الزوجين لوسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما لا ينطبق على التحذير من قتل الأولاد خشية الإملاق لأنهم لم يتكونوا بعد..!
وعلى عجل تبدأ جحافل الطابور الخامس من شيوخ الجماعات المخفيين وفقهاء الزوايا فى القرى والنجوع وحتى فى بعض المناطق الشعبية معارضين أحاديث وزير الأوقاف والمفتى بأن قتل النفس حرام وكل واحد بيجى برزقه.. ويستشهدون أيضا بالآيات على عدم جواز تحديد النسل.. ويرفعون لواء الأحاديث خاصة حديث (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك) فى وجه من يفتون بجواز تنظيم النسل ويدعون لعدم سماع الفتاوى الحكومية ـ كما يرددون -..!!!
وتصبح المشكلة قضية دينية خلافية ككل القضايا الدينية التى تنتج العديد من الآراء ونسمع فى النهاية من يقول استفتى قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك... فى رأيى لو تمسكنا بتديين المشكلة فنحن بالتأكيد خاسرون والدليل رغم الفتاوى الدينية بجواز التنظيم لم يلتفت أحد وحظينا بخلافات فقهية وبزيادة سكانية غير مسبوقة نعانى منها.. إذ وصلت الزيادة طبقًا لآخر إحصائيات للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى ولادة 4 أطفال كل دقيقة، بواقع 240 طفلًا كل ساعة، و5 آلاف و760 طفلاً يوميًا، بواقع أكثر من 21 مليون طفل سنويا، ومتوقع عام 2030 أن يصل تعداد السكان إلى نحو 130 مليون نسمة.. ومازلنا نجادل!!
ولن ننسى بالطبع هوجة حملات الأجهزة الحكومية هى الأخرى ونذكر منها أغنية المطربة الشعبية فاطمة عيد عن قصة حسنين ومحمدين.. وركزت الأغنية على الزيادة السكانية فى مصر وتنظيم الأسرة من خلال كلمات الأغنية.. كما ساهم الفنان أحمد ماهر، بمقولته «الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته». ثم حملة «اسأل.. استشر».. ونتيجة تلك الحملات تظهر فى الزيادة غير المسبوقة التى لا تكف عن التضاعف...!
وأظن كل ما ننادى به من خطورة الانفجار السكانى غير المحسوب يتصادم مع ثقافة تعشش فى رءوس البيئات المصرية خاصة خارج نطاق المدن الكبرى وهى ثقافة العزوة وكثرة الأبناء تمثل ناحية اقتصادية عند العديد من الأسر الريفية وغيرها.. علاوة على ترسخ فهم دينى وجهل يتعارض مع كل ما نطالب به.. وجماعات تردد بلا وعى أن الزيادة السكانية خير.. ونحن نعلم أنها زيادة فى الأبدان وليست أبدان مدربة صاحبة عقل وتعليم وفكر.. كما أن التكنولوجيا الحديثة باتت لا تتطلب قوى بدنية وما يقوم به مائة فرد ممكن أن يقوم به فرد واحد... علينا وسريعا التعامل مع خطر الزيادة عير المحسوبة بطرق غير تقليدية بعيدا عن الأنماط التقليدية التى أثبتت فشلها.. وقدرنا أن نواجه الشلال الإنجابى وسط ظروف حياتية واقتصادية صعبة.
ولن نصل إلى ما نرجوه إلا بتجرع الدواء المر من خلال قوانين صارمة للحد من الزيادة وتنمية حقيقية للوعى بالخطر الداهم على الأمن القومى المصرى من تلك الزيادة.. وعلينا البحث عن بدائل غير تقليدية لتذويب ثقافة تحجرت على مدى سنوات ولا نتركها سبوبة لمنتجى البرامج والأغانى.. ولا نجعلها مشكلة دينية..!