حكايات| سري للغاية.. هجوم علماء بالأزهر على سعد زغلول «عدو الإسلام» 

صورة أرشيفة
صورة أرشيفة

كان طبيعيًا أن يبكي الزعيم الراحل سعد زغلول بـ«حرقة» حين تسلم مظروفًا أصفر كبيراً من وزارة الداخلية، مختوم بعدد من الأختام بالشمع الأحمر، مكتوب عليه «سري للغاية» و«مستعجل جداً»، لكن هذا لم يحدث؛ بل انفجر في الضحك بصوت عال.

كانت الكلمات الأهم قبل فتح المظروف هي «يُسلَّم باليد لصاحب الدولة رئيس الوزراء»، حينها كان سعد باشا جالساً مع أفراد أسرته، بعد أن انتهى من تناول العشاء، وفض المظروف ووضع نظارة القراءة فوق عينيه، وأمسك ورق وراح يقرؤها باهتمام ثم انفجر في الضحك.

اقرأ أيضا| حكايات| «هل رأيت قاتلي؟!».. محاولة لاصطياد «مجرم» بإعلان طرق

لم تتمالك الأسرة وبدأ الجميع يتساءلون عن سر الضحك، وتلح لسماع هذه النكتة التي وصلت إلى رئيس وزراء مصر، فقال سعد إن وزارة الداخلية أرسلت إليه منشورًا ضده كان يوزع في الجامع الأزهر، وأن المنشور بعنوان «عدو الإسلام»، ويقول إنه لم يكتف بالاعتداء على الإسلام عندما عيّن وزيرين قبطيين في وزارته لأول مرة في دولة دينها الإسلام؛ بل إنه أمضى في عدوانه على الشريعة بإقامة مسابقة بين «العاهرات» في مصر.

مدافع الاتهام المتضمنة في المنشور، شملت اتهام لأحد الوزيرين القبطيين وهو مرقص حنا باشا بالوقوف خلف هذه المسابقة عبر توزيع جزائر مالية على هؤلاء «المومسات»، وهي أموال مقتطعة من أموال المسلمين، وبدلا من أن ينفقها «عدو الإسلام» – أي سعد زغلول – على إنشاء بيوت الله ينفقها على تشجيع بيوت الدعارة.

وبحسب ما نشره الكاتب الصحفي الراحل الأستاذ مصطفى أمين في كتابه (من واحد لعشرة)، فإن اتهامات المنشور تحدثت عن ضرورة رفع مرتبات رجال الدين بدلاً من مكافأة من يرتكبن الفحشاء في الطريق العام.

ألقى سعد باشا بالورقة أمامه ثم أمسك بسماعة التليفون وهو يضحك واتصال بمرقص حنا باشا وزير الأشغال وسأله – متظاهراً بالجدية – هل صحيح أنك أقمت مسابقة بين المومسات؟.. ودهش الوزير مرقص من هذا السؤل الغريب.

كسر رئيس الوزراء حاجز الصمت والحيرة لدى وزيره ثم لاحقه: إن بعض العلماء في الأزهر وزعوا منشوراً يقولون فيه هذا.. وقرأ سعد المنشور على مرقص، فغضب بدوره وقال: «هذه أكذوبة حقيرة لا أساس لها من الصحة».

تدخل سعد باشا مرة أخرى وقاطعه وهو لا يزال يضحك: «الأزهريون لا يكذبون وأنا أزهري قديم أعرف دائماً ماذا يقصدون بكل كلمة يقولونها!.. إنهم يقصدون المباراة المسرحية التي أقامتها وزارة الأشغال للممثلين والممثلات، وتوليت أنت توزيع الجوائز فيها!».

وكانت وزارة سعد أول حكومة في مصر تقيم مباراة للتمثيل المسرحي؛ تشجيعاً للفن كما تفعل دول العالم المتقدمة، وأقيمت حفلة في دار الأوبرا، وكانت الفنون في تلك الأيام تابعة لوزارة الأشغال بصفتها المشرفة على دار الأوبرا.

آنذاك، تألفت لجنة اختارات أبرز الممثلين والممثلات في المسرح الغنائي ومنحت المتفوقين منهم جوائز مالية كبيرة، واعتبر بعض الأزهريين المتعصبين الممثلات والمطربات «مومسات وعاهرات»، واعتبروا المسارح دور دعارة وتشجيع المسرح المصري تشجيعاً للفسق والفجور وارتكاب الفحشاء في الطريق العام!.

وما بين هذا وذاك اكتشف سعد بعد ذلك أن بعض رجال القصر الملكي هم الذين حرضوا هؤلاء الأزهريين على طبع هذا المنشور، وأنهم دفعوا لهم نفقات الطبع، وكان من رأي مرقص حنا باشا ضرورة القبض على موزعي المنشور وتقديمهم إلى المحاكمة، لكن سعد باشا زغلول رفض وحاول غلق القضية.