د. سحر سليم: علم الأشعة ساعدنا على دراسة مومياوات سقارة

الدكتورة سحر سليم خلال عمل الأشعة المقطعية على إحدى المومياوات
الدكتورة سحر سليم خلال عمل الأشعة المقطعية على إحدى المومياوات

من المبهج أن نتقن ما كنا نحسد الأجانب عليه. دراسة المومياوات على سبيل المثال كانت حكرا على العلماء الأجانب، وكلما كانت العملية معقدة واحتاجت لأجهزة تكنلوجية معقدة زاد ابتعادنا عنها، لكن مؤخرا استطعنا دخول هذا المجال وبقوة من خلال مجموعة من الأساتذة يقدمون إضافات كبيرة لهذا المجال.
الدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة التشخيصية بجامعة القاهرة، بدأت عملها منذ عام ٢٠٠٤ حين تخرجت من كلية الطب البشرى بجامعة القاهرة، وحصلت على درجة الماجستير والدكتوراه فى علم الأشعة، وبعدها سافرت إلى كندا وحصلت على زمالة أشعة الآثار من جامعة ويسترن أونتاريو بكندا.
 استطاعت سليم القيام بالعديد من الدراسات العلمية، لعل أبرزها؛ دراسة المومياوات الملكية التى تعود لملوك وملكات مصر، إذ توصلت لملابسات موت هؤلاء الملوك. وأخرى كشفت من خلالها بعض أسرار التحنيط مثل: تجميل المتوفى من خلال وضع حشوات تحت جلد الوجه وهى عملية مماثلة لعمليات التجميل المعاصرة. كما شاركت فى العديد من المشاريع الأثرية مثل  فحص مومياوات خبيئة العساسيف والتى أعلن عنها عام ٢٠١٩.
خلال الكشف الأثرى الأخير الذى أعلن عنه الدكتور زاهى حواس بسقارة كان ما يهم الدكتورة سحر سليم هو أن  تفحص المومياوات داخل الآبار التى وجدت بها تقول: الأمر أعطانا ميزة، لأن الأشعة السينية يمكنها اختراق الجسم، ومن خلال الفحص بها نستطيع أن نتعرف عما بداخل التابوت حتى دون أن نفتحه وهذا يساعدنا فى الحفاظ على الأثر، وأن نتعرف على حالة المومياء، ونتمكن من الإجابة عن بعض الأسئلة منها: «هل المومياء محفوظة بحالة جيدة أم لا، وهل تعود لشخص بالغ أم طفل، لرجل أم لامرأة؟»، ومن خلال وجود التمائم والحلى داخل التابوت وكذلك مواد التحنيط المستخدمة، نستطيع معرفة المستوى الاجتماعى للمتوفى، وهل كان غنيًا أم فقيرًا؟ على سبيل المثال لا تخترق الأشعة العظام أو التمائم المصنوعة من الذهب فتظهر لنا باللون الأبيض، أما الأحشاء و مواد التحنيط فتظهر باللون الأسود، والدرجات الرمادية المختلفة هى التى توضح لنا محتوى المومياوات المحفوظة بداخل التوابيت المغلقة.
بعد أن نتعرف على حالة المومياء الموجودة بالتابوت بواسطة الأشعة قد لا يحتاج الأمر لفتحه، وبذلك نحافظ عليها داخل بيئتها التى حفظتها لآلاف السنين. وإذا وجدنا مومياء متماسكة تحتاج إلى دراسة أعمق نقوم فى تلك الحالة برفع التابوت من البئر لدراستها بجهاز الأشعة المقطعية. تضيف سليم إنه خلال الفترة المقبلة سيتم استكمال فحص مومياوات أخرى داخل موقع سقارة بهدف التعرف على عمر المتوفى، والأمراض التى أصابتهم، وكذلك معرفة طريقة تغذيتهم والتى تنعكس على العظام، لأن التغذية غير الجيدة تظهر آثارها على العظام، كما سنقوم بدراسة الأمراض التى أصابت تلك المجموعة من المومياوات ونقارنها بغيرها من الاكتشافات السابقة.
مؤامرة الحريم
أثناء فحص سحر سليم للمومياوات الملكية، كان ما يشغلها هو معرفة الطريقة التى مات بها الملك رمسيس الثالث، تقول: وصلت المومياء للمتحف المصرى فى القرن العشرين وخصصت احتفالية حضرها الخديو مع مدير المتحف المصرى، وعندما بدأوا بإزالة الضمادات من منطقة الرقبة، لم يتمكنوا من ذلك، لأن الضمادات كانت مثبتة على الجسد بشكل أكبر مقارنة بباقى المومياوات، وأصبح الجسد طوال تلك الفترة ملفوفاً بالضمادات لم تفك، لكن نحن عندنا فى بردية موجودة بتورينو تذكر أن هناك مؤامرة تسمى بـ«بمؤامرة الحريم» إذ ذكر فيها أن هناك مؤامرة حيكت ضد حياة الملك، وكعادة المصريين القدماء لم يذكروا شيئًا عن مقتل الملك، وبالتالى لم نتعرف إذا ما كان الملك قد نجا من المؤامرة أم لا، لكن من خلال الأشعة المقطعية وجدت أن تثبيت الضمادات بهذا الشكل كان بقصد، فقد وضعوا كمية كبيرة من المواد الراتنجية وبالتالى أحكموا لف المومياء، ووجدنا حينها قطع عميق فى أسفل الرقبة، حتى وصل إلى عظمة تربط فقرات الرقبة وقد قتل بخنجر غرس فى الرقبة، وبحركة عرضية تم توسيع الجرح، وقطعت القصبة الهوائية وشرايين الرقبة. وحين قمت بعمل إشاعة مقطعية وجدت أن إصبع قدمه قد بُترت أيضا، وهذا البتر لم يلتئم؛ أى أن ذلك حدث قبيل وفاته بأداة أشبه بالساطور، مما يعنى أن الشخص الذى ضربه من أمامه أراد شل حركته عن طريق قطع إصبعه، ليسهل لهم عملية قتله من الخلف بالخنجر المدبب.
مستقبل علم الأشعة
تقول الدكتورة سحر سليم إن إزالة اللفائف عن المومياوات كانت تتم فى الماضى بغرض المتعة، إذ أقيمت حفلات عامة داخل أوروبا وأمريكا لفك المومياوات، وفى المتاحف تم تشريح وإتلاف العديد منها لدراستها، وظل الوضع هكذا حتى عام ١٨٩٥ عندما تم اكتشاف الأشعة السينية، وقبل إخضاعها للتجربة على البشر تمت تجربتها على مومياوات مصرية قديمة؛ منها مومياء لطفل وأخرى لقطة، وبالتالى تعرفوا على ما داخل المومياء دون الحاجة لفك الضمادات، وكانت هذه التجارب هى البداية الفعلية لعلم الأشعة، والتى استخدمت فيما بعد على الأشخاص الأحياء، لكن مع تطور العلم انعكس ذلك وتطورت أجهزة الأشعة، ولم نعد بحاجة لتكسير الأوانى كى نتعرف على ما بداخلها، وبذلك حافظنا على الآثار بأشكالها المختلفة، سواء كانت بقايا حيوانية أو آدمية أو حتى توابيت، والأكثر من ذلك أعطتنا الكثير من المعلومات التى كنا نجهلها بسبب اعتمادنا على العين المجردة، فتمكنّا من معرفة سن المومياء وجنس المتوفى والأمراض التى أصابته فى حياته وكذلك طريقة التحنيط والمواد المستخدمة، وهكذا أصبحنا من خلالها نرى ما لا يُرى، ونتيجة لهذا التطور العلمى ظهرت الأشعة المقطعية التى عرفناها فى أوئل سبعينيات القرن الماضى، وقد تم فحص أول مومياء بالأشعة المقطعية فى عام ١٩٩٧ بتورونتو بكندا، وجميع تلك التطورات انعكست على علم الآثار الذى لم يعد علمًا واحدًا بل أصبح مجموعة من التخصصات المختلفة التى تكمل بعضها البعض، فيما نسميه بـmultidisciplinary approach. لكن يجب هنا أن نوضح، أن علم أشعة الآثار يختلف عن علم الأشعة الإكلينيكية، نظرًا لأن هناك تغيرات تحدث نتيحة تقادم الجسم، بالإضافة إلى أن تحنيط الجسد، يسبب حدوث تغيرات، فالغير المتخصصين فى علم أشعة الآثار قد يحللوا نتائج المومياء بطريقة خاطئة لعدم درايتهم بتلك التغيرات. كما يتطور علم الأشعة باستمرار من خلال استخدام برامج الكومبيوتر المتقدمة، التى من خلالها نتمكن من تركيب صور الأشعة ثلاثية الأبعاد بشكل أدق وإزالة اللفائف عن المومياوات بشكل افتراضى، لمعرفة التفاصيل الدقيقة للوجه، وكذلك أمراض الجلد دون الحاجة لإزالة الضمادات، ومع التقدم التكنولوجى سنتمكن قريبًا من معرفة التركيب الكيميائى للمواد الموجودة داخل المومياء أو التماثيل، وذلك دون الحاجة لأخذ أى من العينات لفحصها مما يساعدنا فى النهاية على دراسة المومياوات دون الإضرار بها بأى شكل.