د. زاهى حواس: الاكتشافات الحديثة ستغير شكل سقارة

 زاهى حواس
زاهى حواس

حقق العالم الدكتور حواس العديد من الاكتشافات الكبرى، لعل أبرزها؛ الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرامات، والعثور على العديد من المبانى والتكوينات المعمارية المرتبطة بمجموعة خوفو الهرمية. أما آخر تلك الاكتشافات فكانت فى سقارة مطلع العام الجاري، حيث أعلن الكشف عن المعبد الجنائزى للملكة نعرت زوجة الملك تتي، وتم الكشف عن آبار دفن وتوابيت ومومياوات تعود للدولة الحديثة، وتعيد رسم خريطة المنطقة. هنا نحاور حواس حول الكشف الأخير.

-بدت سقارة كمنطقة بكر خلال الفترة الأخيرة، ما الذى يحدث؟
المنطقة معروفة بالنسبة لنا منذ سنوات، وكثير من علماء الآثار عملوا بها منهم على سبيل المثال عالم الآثار الفرنسى آلان زيفي، الذى عمل بالقرب من المنطقة التى يعمل فيها مصطفى وزيرى خلال الفترة الحالية، وقد كشف زيفى عن العديد من المقابر الهامة، منها واحدة تخص مرضعة توت عنخ آمون، لكن حين بدأت بعثة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بالمنطقة، والتى أعلنوا من خلالها  عن الكثير من التوابيت، كان الأمر بسبب حدوث دعاية جيدة من جانب الإعلام، فالتفت الناس لمنطقة سقارة، لكن بالنسبة للحفائر فقد بدأت فى سقارة منذ فترة كبيرة.
-ومتى بدأت العمل داخل المنطقة؟
عملت فى منطقة سقارة منذ عام ٢٠٠٧ وفى عام ٢٠١٠ وجدت هرمًا ضخمًا بالمنطقة وبداخله حجرة دفن بها تابوت ومومياء لملكة، وحين بحثت داخل هذا الهرم لم أجد اسمًا لتلك الملكة فاعتقدت أنها تعود لأم الملك تتي، لأنه كان متزوجًا من إيبوت الأولى، ومن أخرى تدعى خويت، وحينها بحثت عن المقربين فى حياته، فوجدت أمه والتى تدعى «سششت»، وأعلنا أن الهرم هو لأم الملك تتي، لكن عندما بدأنا العمل مؤخرًا داخل الموقع، عثرنا على المعبد الجنائزي، ووجدنا بداخله اسم ملكة لم يكن اسمها معروفًا من قبل، وهى تدعى الملكة «نيت»، لذلك فهو كشف هام، لأنه أضاف للتاريخ المصرى ولأول مرة اسم ملكة جديدة، لم نكن نعرف عنها شيئا، وبعدها بدأنا بالعمل فى الموقع وعثرنا على ٢٢ بئرا بعمق ٢٤ مترا تقريبًا وهذه الآبار بها مومياوات مختلفة عن الكشوفات الأثرية التى تمت فى الفترة الأخيرة لأن غالبيتها مومياوات تعود للدولة الحديثة ٣٠٠٠سنة ق.م، وبجانب تلك المومياوات وجدنا آثار دولة حديثة أيضا منها بردية يمتد طولها لخمسة أمتار، كذلك وجدنا لعبة «السنت» والتى تعنى «العبور»، فالفائز يعبر إلى العالم الآخر بسلام، وكذلك وجدنا تماثيل لأنوبيس وهو إله الجبانة، وفخارا استطعنا أن نستدل من خلاله على العلاقات التجارية الجيدة التى كانت تقام بيننا وبين سوريا ولبنان وكريت، وكذلك عثرنا على اسم توت عنخ آمون فى أحد الخواتم، وأسماء ملوك من الأسرة الـ١٩، وهذه الاكتشافات الحديثة هى فى غاية الأهمية لأنها ستغير من شكل سقارة فى العصر الحديث، وفى عبادة الملك تتى الذى عبد فى الأسرة الـ١٨ والـ١٩.
-ما الجديد الذى يمكن أن يقدمه الكشف، ذكرت أنه سيغير من شكل سقارة وتاريخها؟
الكشف سيغير تاريخ سقارة وتحديدًا الدولة الحديثة من ناحية الدفن، لأننا عندنا مقابر تعود للدولة الحديثة، ومنهم الوزراء المسئولون عن شمال مصر، كوزير المالية والخزانة فى عهد توت عنخ آمون، ومقابر من عهد إخناتون أمنحوتب الثالث، لذلك من خلال هذه الكشوفات سنتعرف على طريقة الدفن والتحنيط، وطريقة صناعة التوابيت فى الدولة الحديثة والتى لم تكن معروفة فى سقارة، والأمر الثانى أننا كما ذكرت تعرفنا على ملكة جديدة لم تكن موجودة فى التاريخ وهذا الأمر مهم جدًا، حيث لم نكن نعرف أبدًا أن الملك تتى تزوج ملكة بهذا الاسم.
-ما المعلومات التى عرفتموها عن تلك الملكة؟
لا شئ حتى الآن سوى اسمها، وخلال الفترة المقبلة سنتعرف على الكثير من الأمور، وذلك لأن المعبد لم يكتشف بالكامل، ومن خلال المناظر المرسومة، من الممكن أن تفسر لنا كيف كانت حياة تلك الملكة، وأعتقد أنها قد تكون ابنة الملك نفسه، والذى تزوجها فيما بعد، وهذا احتمال مرجح لأن هناك لقبا مكتوبا فيما معناه «ابنة»، والأمر لو صح ستكون سابقة تحدث لأول مرة فى التاريخ، لأن زواج الملوك من أبنائهم، لم يحدث أبدًا فى الدولة القديمة فليس لدينا شواهد على ذلك، لكن الأمر حدث فى عصر الدولة الحديثة، عندما تزوج على سبيل المثال رمسيس الثانى ابنته ميرت آمون، وعندنا أدلة وشواهد فى الدولة الحديثة تقول إن الملك قد تزوج من ابنته وأخته، وفى مصر القديمة تزوجت إيزيس أخاها أوزوريس؛ والملك عندهم هو إله فى العالم الآخر، وحورس على الأرض، وبالتالى من حقه أن يتزوج ابنته أو أخته، لكن لا يمكن لعامة الشعب، وكذلك الأمراء والموظفون أن يقوموا بالأمر نفسه، لكننا لا نملك دليلًا حول ما إذا كان الأمر قد حدث فى الدولة القديمة من عدمه، والذى سنجيب عنه خلال الفترة المقبلة من خلال هذا الكشف، ومازال الموسم الحالى من الكشوفات فى تلك المنطقة ممتدا حتى شهر أبريل القادم.
-لماذا عُبد تتى فى عصر الأسرة الـ١٩ رغم أنه حكم فى الأسرة السادسة؟
الملك تتى هو أول ملوك الأسرة السادسة أى من حوالى ٤٢٠٠ سنة، وهو ملك له طبيعة خاصة، نظرًا لأنه عبد فى العصور اللاحقة؛ أىفى الدولة الحديثة ١٥٥٠ ق.م، وتحديدًا الأسرة الـ١٩ فى عهد رمسيس الثانى عبده المصريون بقوة، وأرادوا الدفن بجواره، وفى العصر المتأخر ظل يعبد لكن بصورة أقل، فهم عادة ما كانوا يستدعون العديد من الملوك لعبادتهم مرة أخرى، ومنهم خوفو كذلك الذى عبد فى عصر الأسرة الـ٢٦.
-ما الذى تنتظرونه من المنطقة خلال السنوات المقبلة؟
نحن كعلماء آثار نحاول أن نبحث عن مقبرة أبو الطب المهندس العبقرى إمحوتب، والذى غير مفهوم العمارة خلال تلك الفترة، حيث كان له الفضل فى تشييد أول عامود وأول سقف من الحجر، وهذا الكشف هو ما تسعى إليه كافة البعثات الأثرية منذ عهد عالم الآثار الإنجليزى إيمرى الذى حاول البحث عن مقبرته لكنه لم يجدها، ونحن جميعًا كعلماء آثار نتمنى أن نعثر على تلك المقبرة، رغم أنى أعتقد أن إمحوتب دفن داخل الهرم نفسه، واحتمال أن يكون قد دفن تحت الهرم لأن المهندس العبقرى سننموت، (مهندس الملكة حتشبسوت) والذى شيد لها معبد الدير البحري، كان يتخذ إمحوتب مثالا له ووضع اسمه داخل معبد الدير البحري، وقد دفن سننموت تحت المعبد واحتمال أن يكون قد أوصى بدفنه تحت المعبد إسوة بإمحوتب الذى أرجح أنه يكون قد دفن داخل هرم الملك زوسر.
-اللافت مؤخرا أن كل تلك الاكتشافات تقوم بها البعثات المصرية، ولم تعد البعثات الأجنبية مطلقة اليد كما كان فى فترات أخرى..
حين جئت للمجلس الأعلى للآثار وضعت قوانين صارمة للبعثات الأجنبية، وجميعهم اعترضوا عليها ورفضوها فى البداية، لأنى طلبت منهم على سبيل المثال أن يتم تحديد مدة خمسة سنوات كحد أقصى للنشر العلمي، وإذا لم يتم تقديم أى نشر علمى ستتوقف البعثة عن عملها، لكنهم فى النهاية قالوا إن تلك القوانين قد حمتهم، وحمت الآثار، وحتى اليوم تسرى عليهم تلك القوانين، وفى الفترة الحالية أتواصل مع المملكة العربية السعودية فى سبيل تنفيذها هناك.
-وماذا عن البعثات المصرية؟
عندما ترأست الآثار فى عام ٢٠٠٢ وجدت أن وظيفتنا هى خدمة الأجانب، وكنت أرفض أمرا مثل هذا بشدة، لذلك تعمدت أن أعلم الأثريين المصريين، فأرسلت الكثير من المصريين إلى الخارج وحصلوا على شهادة الدكتوراه، وبدأت إنشاء مدارس لتعليم الحفائر، وأخرى لتعليم الترميم، ومدارس لإدارة المواقع التراثية، وبالتالى أصبح عندنا مدرسة مصرية خالصة بل بالعكس تفوقنا عليهم فى الفترة الحالية.
-قدت عدة حملات لاستعادة الآثار، أشهرها رأس نفرتيتي، إلا أن محاولة استعادة الرأس لم تنجح حتى الآن، كيف يدار هذا الملف، وما موقفنا حتى الآن؟
موقفنا مثل باقى دول العالم، لأن الدول التى تسرق الآثار هى نفسها الدول التى وضعت قوانين اليونسكو، وإلى حد الآن هذه القوانين لم يتم تغييرها والـ٦ آلاف قطعة التى قمت باستردادها من العالم، لا يوجد قطعة واحدة منها قد استرددناها بالقانون، كله كان «بالدراع وبالتهديد» لذلك نحن يجب أن نغير قوانين اليونسكو كى نتمكن من استرداد آثارنا، والدول التى تسرق الآثار والأشخاص يأتون بمحامين على أعلى مستوى كى يضعوا لهم تلك القوانين، ونحن كدول يتم استنزاف حضارتنا للأسف، لذلك نحتاج إلى عقد المؤتمر الثالث للآثار المستردة، وحاليًا أحاول أن أقنع المملكة العربية السعودية لعقده على أراضيها، كى نتحد باعتبارنا دولا تُسلب حضارتها وآثارها، وإذا حدث هذا الاتحاد حينها ستتغير تلك القوانين.