دراسة أكاديمية تبحث فى: إبداع الشاب الظريف

الباحث مع لجنة الاشراف بعد المناقشة
الباحث مع لجنة الاشراف بعد المناقشة

منى نور

البحث والتنقيب فى التراث أمر محمود، نحن فى حاجة إليه من آن لآخر، لربط الحديث بالقديم، وتحقيق التواصل بينهما، فضلا عن إحداث التراكمات الفنية والإبداعية.
وجدنا هذا مطبقا فى الدراسة التى تقدم بها الباحث سامح يحيى راغب الشرقاوى، إلى قسم اللغة العربية، بكلية الآداب، جامعة طنطا، وهى بعنوان «عناصر الإبداع الفنى فى شعر الشاب الظريف» وحصل عنها على درجة الدكتوراة.
وقدم الباحث رسالته بقوله: إن الشاب الظريف واسمه بالكامل شمس الدين محمد بن عفيف الدين التلمسانى «661/ 688» واحد من شعراء العصر المملوكى، حظى بمكانة كبيرة بين شعراء عصره، وانشغل بشعره كل أديب، ولعل ما وُسم به من الخلاعة والمجون، هو ما أكسبه هذا اللقب حتى صار لا يعرف إلا به.
ويعد شعره الذى غلب الغزل عليه، صورة صادقة لعصره ايجابا وسلبا، فما فى شعره من مجاهرة بالشراب ومفاخرة بوصل الكعاب، وتلذذ بمجالسة الغلمام، إلا انعكاس لما شاع فى هذا العصر من انتشار مجالس الخمور، واعتبارها نوعا من التحضر والرقى، وبالرغم من هذا كله نجد لشاعرنا بعض الأبيات فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم يؤكد من خلالها صدق الحب وصحة الاتباع.
ولفت الباحث إلى أن المتأمل لشعر الشاب الظريف، يدرك سعة اطلاعه وغزارة علمه، كيف لاوقد تتلمذ على يد كبار علماء عصره، وعلى رأسهم والده الذى عنـى به منذ صغره حتى أتم حفظ القرآن الكريم، ودرس الفقه والحديث.
وأوضحت الدراسة أن الشاب الظريف، مغربى الأصل، قاهرى المولد والنشأة، وبالشام ولنفوذ والده وصلاته القوية بكبار رجال الدولة ولى عمالة الخزانة، وأنه تولى هذا المنصب وقد بلغ من عمره اثنين وعشرين عاما، ولم يتول عملا آخر غير هذا، ولم يتول ـ أيضا ـ عملا بالديار المصرية ـ قط ـ حتى وفاته.
وعن سبب اختيار هذا الموضوع والبحث فيه، قال صاحب الدراسة: إن شعر الشاب الظريف يعد وثيقة تاريخية لمجريات عصره الاجتماعية والسياسية والثقافية، فضلا عن تراكيبه المزدانة بالرصانة والإحكام، المشحونة بصدق العاطفة، وقد اتفق جل القدماء على قوة شاعريته، وأنه شاعر مجيد.
جاءت الدراسة فى ثلاثة فصول، ركز الباحث فى الأول منها على دراسة البنية الأسلوبية فى شعر الشاب الظريف، حيث أماط الباحث اللثام عن التراكيب وأنواع الأساليب، كما أفصح عن مستويات الدلالة ومعجمه الشعرى، الذى يعد المصدر الأساسى الذى يستمد منه الشاعر، والرافد الذى يستقى منه مفرداته وتعبيراته التى تمكنه من صياغة بنيته الفنية.
وفى الفصل الثانى: أهتم الباحث بدراسة البناء التصويرى فى شعر الشاب الظريف، فتناول فيه مفهوم الصورة الفنية، والكشف عن منابعها وأنماطها البيانية والحسية، التى من خلالها استطاع الشاعر أن يقدم تجربته الشعرية بطريقة تصويرية باهرة دون عناء أو تكلف.
أما الفصل الثالث والأخير فخصصه الباحث لدراسة الايقاع فى شعر الشاب الظريف.
وبعد رحلة البحث والدرس فى شعر الشاب الظريف، توصل الباحث إلى عدة نتائج كان أهمها إشادة كثير من العلماء بشاعرية الشاب الظريف .
ويرى الباحث أن شعر الشاب الظريف يعد وثيقة تاريخية وأدبية مهمة، أماطت اللثام عن حقائق كثيرة عاشها المجتمع الإسلامى فى تلك المرحلة من حياة الشاعر.
وتوصل الباحث إلى سيطرة الطابع التقليدى على أغلب أغراض شعره فجاءت موضوعاته تقليدية فى كثير من الأحيان وقد اشتهر بغرض الغزل الذى غلبت عليه الحسية، فكان أبرز الأغراض لذاتية الشاعر.
وأوضح الباحث أن الخصائص الاسلوبية فى شعره كشفت عن تدفق موهبته الشعرية، وتمكنه من أساليب اللغة على اختلاف أنماطها، وتنوع أبنيتها.
وذكر الباحث فى النتائج أيضا، أن معجم الشاعر قد امتاز بكثرة الأعلام الواردة فيه، كما امتاز بكثرة العلوم والمعارف الدالة على ثقافته وسعة اطلاعه، وكانت لغته تمتاز بالجزالة، وإن جنحت إلى العامية فى بعض الأحيان.
كما تأثر الشاب الظريف إلى حد كبير بالثقافة الإسلامية، فكانت له اقتباسات من القرآن الكريم، وإن أهمل الحديث النبوى، فضلا عن تأثره بالتراث العربى، فكان له تضمين من الشعر القديم والأقوال المأثورة، فقد وظف ما جاء فى القرآن الكريم والأشعار والأمثال توظيفا ابداعيا وفنيا  لخدمة موضوع القصيدة وصاغه صياغة جديدة تنأى به عن دلالاته السابقة، وتكسبه أبعادا أخرى، ومن هنا تصير الصورة عنده استلهاما  للموروث، ومن تضميناته الشعرية.
وقال الباحث، إن شعر الشاب الظريف، تجلت فيه وسائل تشكيل الصورة وهى التشبيه والاستعارة والكناية، وكانت تشبيهاته جيدة، أظهرت براعته وحسن تصرفه فى الأساليب البلاغية.
وقد اعتمد الشاعر على الحواس فى رسم صوره، فكان لتلك الحواس حضور كبير فى شعره، أما أنماطها فكانت الصورة البصرية، واشتملت على الصورة اللونية والصورة الحركية، والصورة السمعية والذوقية واللمسية. وقد جرى إيقاعه الشعرى على الأوزان الطويلة ذات النفس الشعرى الطويل، ومن تلك الأوزان: الكامل، الطويل، البسيط.
وفى المقابل غاب عن شعر الشاب الظريف عدد من الأوزان ذات النفس القصير أمثال: الهزج، المضارع، المقتضب، والمتدارك.
وتوصلت الدراسة إلى أن الشاعر استعمل بعض الفنون الشعرية المستحدثة كالدوبيت والموشحات.
وأكدت النتائج أن الإيقاع الداخلى شكل انسجاما واضحا، إذ أفاد الشاعر من الجناس والطباق والمقابلة، وغيرها من فنون البديع، مما منح شعره جرسا موسيقيا رخيما، ومن الفنون البديعية التى فيها إلى المطابقة قوله:
ألينُ فيقسو ثم أرضى فيحقدُ
وأشكو فلا يشكَى وأدنو فيبعدُ
تمت مناقشة الرسالة فى رحاب كلية الآداب، جامعة طنطا، بإشراف كل من: د. محمد السيد الدسوقى، د. حسن عبدالعال عباس «آداب طنطا» واشترك فى المناقشة د. صابر عبدالدايم يونس «جامعة الأزهر».