قرية «الفخارين».. أيادي «تتلف» في حرير| صور

قرية «الفخارين»
قرية «الفخارين»

◄ سعيد: أضطر للعمل بيدي لتوفير النفقات.. والمواطن يعتمد على الأوانى الحديثة فى طهى الطعام

◄ تاجر: عملنا ابداع وفن.. والسوق اختلف عن السابق

◄ عامل: ضعف الأجور وعدم وجود تأمينات يُؤرق حياتنا ويُعرضنا للخطر

◄ صاحب ورشة: نحتاج لتوصيل المرافق بتطوير الأفران للحد من التلوث البيئى

 

 

«من يتخيل أن الطين من الممكن أن يتحول لأشياء ثمينة يتكالب عليها الجميع من كل بقاع الأرض»، لقد فعلتها قرية الفخار بعدما نجح القائمين عليها في الاحتفاظ بمكانة مصر في تلك الصناعة التي تعود جذورها لـ عصر الفراعنة، يطورون من أنفسهم باستمرار فاستطاعوا تصنيع أنتيكات للزينة بالمنازل والفلل والمدن السياحية وأواني صحية ينجذب إليها المواطنون لفوائدها الصحية لعدم إفرازها لمواد سامة وخطيرة جراء تعرضها للحرارة كونها مُصنعة من الطين الأسواني من طمي النيل، وغيرها الكثير والكثير الذي برعت القرية في ابتكاره.

قرية الفخارين بمدينة الفسطاط بمصر القديمة من أشهرالأماكن التي يرتادها المواطنون من مختلف أنحاء الجمهورية لشراء التحف الفنية من الأعمال الفخارية المبهرة التى زينت الطرقات داخل القرية بأنواعها المختلفة. «الأخبار المسائى» رصدت سوق الفخار والخزفيات والمنحوتات؛ حيث ينتشر العمال داخل الورش، فيما يروج أصحابها لمنتجاتهم على الطرقات وأمام محلاتهم.

 

«رجل خمسينى» يجلس على بعض الأوراق الكرتونية لتحميه من رطوبة الأرض، متكئاً على حائط مرتدياً عمامة بيضاء تحميه من لهيب الشمس وحرارتها ممسكاً بيده المشققتين ورقة «صنفرة» لتلميع الأطباق والطواجن الفخارية قبل دخولهما للفرن لتكتسب شكلاً أملس وناعم. «عم سعيد» من أشهر حرفيو قرية الفخارين أكد أنه يعمل فى صناعة الفخار منذ نعومة أظافرة، فلم يمتهن أى من الأعمال المختلفة ولا يجيد أى صنعة بخلاف عمله الحالي فى صناعة الفخار، قائلاً: كنت طفلاً «صغيراً لا أتجاوز العشر سنوات، حينما أرسلنى أبي للعمل مع أحد أصدقائه بورشة الفخار، قضيت العديد من السنوات حتى تعلمت كل شىء عن الصناعة وأتقنتها، تعلمت صناعة( أواني الطهي والطواجن، والأباريق والزير والقلل، والأبرمة والقدرة والأباجورة والجرة.

 

وعن المواد المستخدمة فى الصناعة أكد«عم سعيد» على أنه يحرص على استخدام المواد والخامات الأصلية عن طريق طمي أسوان والنوبة، ويرفض استخدام بعض الطمى السئ لأنه يضر الصناعة ويهلك العمال« كان زمان صاحب الورشة يُلقب «بالمعلم» ولا يعمل بيده ولكن يباشر العمال ويلاحظهم ويوجههم، ومع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة نضطر للعمل بإيدينا لنوفر بعض النفقات»، هكذا رد عم «سعيد» على تساؤلنا،لماذا ما زلت تعمل بيدك رغم كبر سنك وامتلاكك لورشة لصناعة الفخار؟ متابعاً السوق المصرى بات يعتمد على الأواني الحديثة في طهي الطعام رغم مساؤي استخدامه، مما أدى إلى ضعف الإقبال على شراء الأواني الفخارية التي كان لا يخلو منها أى جهازعروسة، متابعاً "بالرغم من ذلك ما زال هناك الكثير من المواطنين يحرصون على شراء تلك الأوانى الفخارية بغرض طهى الطعام".

 

«إسلام سعيد» شاب ثلاثينى يعمل فى صناعة (الأباريق والقلل والأبرمة والقدر) التى تستخدم بغرض الزينة، اشتكى من ضعف الأجور وعدم وجود تأمينات على حياتهم مشيراً إلى أنه تعرض لإصابات بالغة فى العمود الفقرى نتيجة لعملة المتواصل فى نحت الأشكال، ونصحه الأطباء بضرورة ترك هذا العمل والإبتعاد عن الإعمال الشاقة خاصة أنه يحتاج لجراحة ولكنه رفض لعدم قدرته على توفير نفقاتها «لدى ثلاثة أبناء وزوجة لا استطيع الجلوس فى المنزل دون عمل فأنا مطالب بتوفير نفقات المنزل ولا أُجيد عمل بخلاف هذا، ولو جلست يوماً بدون عمل لا أجد ما أطعم به ابنائى».. بهذه الجملة استكمل إسلام حديثه قائلاً: « أنا بعمل بالقطعة، التى يختلف سعرها بحسب حجمها، أقصى حاجة 10 جنيهات للقطعة الكبيرة وجنيهان للصغيرة، متابعاً أى قطعة بتمر بـ5 مراحل من بداية التشكيل والتجفيف والتزجيج والحرق والتزين .

رجل عجوز ضعيف البنيان متدلى الكتفين يرتدى كاب وملابس رثة عليها الكثير من التراب يعمل على «عجن التراب بالماء» يساعده طفل صغير، حرمته مشقة الحياة من الاستمتاع ببراءته كغيره من أقرانه، فترك المدرسة ليعمل في مهنة «عجن الطمي والطين»، يحمل أثقال علي كتفيه أكبر من سنه، ووجه شاحب اللون يحكي في صمت كل ما يواجهه الصغير من مآسي حياتيه وتحمل أعباء لم يستطع الكبار تحملها، ومع محاولة التعرف على الأسباب القاتلة التي أجبرتهم علي ذلك، رفضوا الحديث فقد كانت الصورة أوضح من أي كلام يقال.

فيما يقول المعلم أحمد على صاحب ورشة فخار إن صناعة الفخار تحتاج لبعض التحديثات وتوفير الخدمات من غاز وكهرباء لتطوير الأفران حتى لا يتعرضون للأذى، لتفادي استخدام مواد تساعد على التلوث البيئى، مؤكداً على أنهم يعملون بتلك الإمكانيات منذ القدم ولكن هناك الكثير من الأدوات والمعدات المطورة التي شهدتها الصناعة ولم تصل إليهم، مطالباً المحافظ بمساعتهم في تطوير تلك الصناعة وإدخال الأدوات التكنولوجية الحديثة والمرافق اللازمة للقرية، لتظل مصر رائدة في تلك الصناعة التي ميزتها منذ الفراعنة.

وعن مراحل التصنيع يقول المعلم أحمد أن المواد المستخدمة عبارة عن طمي وطين ويتم تشكيلها على هيئة أوانٍ كبيرة وصغيرة، تختلف مدة تصنيعها حسب الحجم، فالقطعة الصغيرة مثالاً تحتاج ليوم أو يومين لتجف ومن ثلاثة إلى أربعة أيام فى الفرن، بينما القطعة الكبيرة تحتاج من ثلاثة لأربعة أيام لتجف، ومن أربعة أيام إلى ستة فى الفرن.

من ناحيته، يقول عم فارس أحد تجار السوق بقرية الفخارين أن مهنة الفخار تعتمد بشكل كبير على الإبداع والفن، والسوق أختلف عن السابق والمواطنين يحرصون على اقتناء الفخار لاستخدامه فى الزينة، لذا نحرص على عرض منتجاتنا وأبرازها بشكل جيد وبأحجامها المختلفة حتى يتثنى للزبائن رؤيتها واختيار ما يناسبهم، وأنشاءنا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى لعرض المنتجات بأشكالها المختلفة .

 

لم يقتصر الأمر عن هذا الحد بل نقوم بتصنيع أى أشكال يرغب الزبون بها والكثير من أصحاب الفلل يرسلون إلينا صور على تطبيق «الواتس أب» ونقوم بتصنيعها، فضلاً عن الطلاب الذين يلجأون إلينا من كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية وغيرها لمساعدتهم فى مشاريع التخرج المتعلقة بالنحت والخزف والفخار.

ومن جانبه يقول أحمد محمد زكي رئيس النقابة المستقلة لصناع الفخار والخزف المصري، إن النقابة أنشئت عام 2012، للحفاظ على المهنة من اندثارها، وخصوصاً بعد وفاة شيوخ المهنة، وبها 102 عضو عامل، جميعهم يعملون بقرية الفخارين ببطن البقر بالفسطاط، وأنه يوجد على مستوى مصر 152 مصنعاً في القاهرة والفيوم والوادي الجديد وأسوان وسمنود والغربية، وجميعهم قائمون على الصناعة منذ أيام عمرو بن العاص،ولكننا نعاني من نقص العمالة التي أوشكت على الانقراض، إضافة إلى مشكلة التسويق للخارج، لأنه لا يجري إلا من خلال بعض المستثمرين الأجانب، وطالب زكي المستثمرين في الدول العربية بتبني هذه الحرف النادرة، وإقامة المشاريع المشتركة لتطويرها واستثمارها.