رحلة أنيس منصور.. احترف الغناء في الموالد ليوفر مصاريف المدرسة

الكاتب الراحل أنيس منصور
الكاتب الراحل أنيس منصور

كتبت: نسمة علاء


الحب ليس أعمى، فالعاشق يرى في محبوبته، أكثر مما يرى كل الناس، ففتاة اليوم إذا تزينت فتنت، وإذا ابتسمت سحرت، وإذا طبخت قتلت.. كلمات من أشهر كتابات أنيس منصور الكاتب والصحفي والأديب، الذي اشتهر بالكتابة الفلسفية عبر ما ألفه من إصدارات جمع فيها بين الأسلوب الأدبي والفلسفي.

 

كانت بداية أنيس منصور مع حفظ القرآن الكريم في سن صغير في كتاب القرية، لكنه لم يلتحق بالأزهر لأن ثمن تذكرتي السفر له ولمن يصحبه من السنبلاوين إلى القاهرة أو مصاريف الإقامة أو ثمن الجبة والقفطان والعباءة الصغيرة الأنيقة، وقفت عقبة بينه وبين رواق الأزهر الشريف.

 

اضطر الطفل الصغير البائس (أنيس) إلى الالتحاق بمدرسة أبي حمص الابتدائية وأجري له امتحان القبول فاجتازه بنجاح وقرر الناظر أن يلحقه بالسنة الثانية الابتدائية لنبوغه وتميزه، وبعد ثلاث سنوات حصل على الابتدائية وكان ترتيبه الأول، بحسب ما ورد في جريدة أخبار اليوم في 12 يناير 1963.

 

وهكذا اختصر الفيلسوف الصغير سنوات الدراسة الابتدائيه، وعاش في المدارس الثانوية يطارده الفقر ويطارد هو النجاح حتى التحق بالجامعة وفتحت جامعة القاهرة له ذراعيها وقبلته مجانا في قسم الفلسفة بكلية الآداب، واستطاع أن يحقق أمنية والدته دون أن يكلفها مليما واحدا. 


ففي أثناء الدراسة الثانوية احترف الغناء ليعيش، وكان يصطحب تلميذا فقيرا مثله يشغل الآن منصب مستشار، فكان هو يغني في الأفراح وكان المستشار يعزف له على العود.

 

ومن القروش القليلة التي يجمعها كان الفيلسوف الصغير يشتري الكتب والقواميس الإيطالية والألمانية والفرنسية وحرم نفسه من جميع منح وملذات الحياة ولم يدخل السينما في حياته إلا بعد أن حصل على ليسانس الفلسفة مع مرتبة الشرف الأولى في سنة 1947، وعندما عين معيدا بالكلية وقبض أول مرتب سمح لنفسه بأن يدخل السينما.

 

وسأله المحرر:


- ما هو أول فيلم شاهدته في حياتك؟


غراميات كارمن

- ما هو شعورك وأنت تشاهد أول فيلم بعد تخرجك في الجامعة؟


كنت سعيدا جدا وفضلت أكتب عن الفيلم ده لمدة 3 شهور، فالقصة هزتني وكان فيها مواقف تعبر عن حالي.

 

- كان عمرك كام؟


22 سنة، وبعد ذلك اشتغلت كاتبا للقصة القصيرة بالأهرام.

 

وترجم أنيس منصور مذكرات روميل للأهرام وكان هذا أول عمل صحفي لفت إليه الأنظار، ثم انضم إلى روز اليوسف واهتم كمخبر صحفي بأخبار حدائق الحيوان، وكتب أول تحقيق صحفي عن السلحفاة التي أهدتها الإمبراطورة أوجيني لحديقة حيوان الجيزة بمناسبة افتتاح قناة السويس، وكان يكتب عن الحيوانات بنفس التقدير والاحترام الذي يكتب به عن سارتر ومورافيا وأمه.

 

وقدم أنيس منصور إلى المكتبة العربية عشرات الكتب أخرها كتاب "حول العالم في 200 يوم"، وجاء عيد ميلاده في أندونيسيا فاحتفل بنفسه بأن تناول قلما وورقة وكتب على ضوء شمعة:

 

" إنني لم أعرف إلا القليل جدا من نفسي.. فعيناي مفتوحتان على الدنيا ولكنني بلا عينين عندما أنظر إلى داخلي.. إلى الزحام في داخلي.. إلى الوحشة المظلمة في أعماقي.. إلى الإنسان الذي نسيته يصرخ ولا أسمعه، ولا أتبينه.. ولا أعتقد أنني سأستطيع يوما ما.. فقد اتسعت المسافة بيني وبينه.. أو.. بيني وبيني!.. وإنني في حاجة إلى ترجمان. ترجمان صديق.. يخبرني ماذا أريد أن أقول لنفسي.. ماذا أريد من نفسي، ماذا أستطيع.. ما الذي أقدر عليه".

 

وبعد 8 شهور عاد إلى بلده.. وقال:


"في الطائرة ألصقت فمي بالنافذة أقبل بلادي، وفي المطار مددت ذراعي أعانق كل الناس.. فبلادي هي أكرم بلد وأهلي هم أطيب الناس".

 

ثم سأله سالمحرر: كم مرة ذكرت فيها كلمة الله وأنت تجرب العالم، وفي أيه حالة؟

 

200 مرة، في حالات الوحدة والخوف والفزع والانبهار والشعور بالضعف.

 

- ومن من البشر كنت تذكره بعد الله، ولماذا؟

 

أمي، لأنها وسيلة الاتصال الوحيدة بيني وبين السماء.

 

- ألم تلتق بالمرأة التي تقنعك بالزواج من أول نظرة؟

 

الأولى بعد الألف هي التي تقنعني.

 

- ما الذي تغير فيك بعد عودتك من رحلتك حول العالم؟

 

لا شيء.. فأنا ما أزال فقير النفس.. متسول العقل.. مهلهل القلب.. وأنا وأفكاري وعواطفي على باب الله!.

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم