نظرية «سيد ويندوز»

نادر حلاوة
نادر حلاوة

تأمل "سيد ويندوز" أحشاء "اللابتوب" المتناثرة أمامه ثم هز رأسه أسفاً قبل أن ينطق بجملته  الذي نزلت عليّ كالصاعقة   (لا مؤاخذة يا أستاذ .. البقية في حياتك في "اللاب" .. "الهارد" اتضرب ..و"الماذر بورد" تعيش إنت) وبينما كنت تحت تأثير الصدمة نطق بجملته الخالدة التي التصقت في ذهني ولم تغادرها حتى الآن .

 قال "سيد ويندوز" _لافُض فوه_( أجدع "هاردوير" مالوش أي لازمة لو "السوفت وير" بتاعه مضروب)

لمعت هذه العبارة في رأسي فانعقد لساني وسرحت بخيالي بعيداً متذكراً كيف أصر صديقي على أن ألجأ إلى "سيد ويندوز" تحديداً لحل مشكلة "اللابتوب" فلم أعرف وقتها هل أشكر هذا الصديق أم ألعنه فقد تمنيت ألا يكون "سيد ويندوز"  صادماً في تشخيصه لعطل "اللابتوب"، تمنيت أن يجد حلاً سهلاً قليل التكلفة يسمح ببقاء "اللابتوب" على قيد الحياة ولو بكفاءة أقل . 

(يا أستاذ ..يا أستاذ ..أنت "هنجت" والا إيه ؟!) أفقت على صوت "سيد ويندوز" الذي لاحظ أنني قد انفصلت عن المكان والزمان لدقائق فأضاف بلهجة أكثر اعتدالا  (شكلك مفهمتنيش يا أستاذ ..أنا هشرحلك ..لا مؤاخذة دا تخصصي بقى ..معلش)

وضعت يدي على خدي لاستمع إلى أعمق دروس الحياة من "سيد ويندوز" ..

(شوف يا أستاذ .."الهاردوير" لامؤاخذة هو الأجهزة اللي بتبقى في الكمبيوتر و"السوفت وير" هي البرامج اللي بتشغل الكمبيوتر ..يعني على بلاطة كدة .."السوفت وير" هو المخ و "الهاردوير" العضلات ) 

ولما رأى "سيد ويندوز" عيني الزائغتين تنهد بعمق وأكمل 

(هبسطهالك ..لو فيه بلد فيها شوارعمتسفلتة صح وعماراتها مبنية صح يبقى "الهاردوير" بتاعها صح ، تمام؟ ، طيب ولو العربيات في الشوارع دي ماشية عكس الاتجاه والمرور فيها متعطل عشان البياعين عملوا الشوارع دي أسواق و لو الناس بيرموا زبالتهم لا مؤاخذة من البلكونات تبقى المشكلة هنا إيه ؟)
غمغمت بعدم فهم (إيه؟) 

بدأ "سيد ويندوز" يفقد صبره فعلت نبرته ( إيه اللي إيه يا أستاذ ؟ ما تخليك معايا أومال !، طبعا المشكلة دي تبقى مشكلة "سوفت وير" ..تصرفات الناس "سوفت وير" ، دماغ الناس "سوفت وير"، أخلاق الناس "سوفت وير" والبيوت والشوارع والكباري والكهربا و المية كل ده "هاردوير" واللا أنت مش معايا؟!
_ معاك ..معاك 

_( طيب حلو..يبقى لازم نغير "السوفت وير" علشان ما يضربش "الهارد وير"..  صح ؟)
_ صح 
هنا بدا الارتياح على وجه "سيد ويندوز" فسألني بصوت خافت وقد علت وجهه ابتسامة ذكية ( إزاي بقى نغير "السوفت وير"؟)  

وكانت الإجابة سهلة فقلت على الفور ( نفرمت الجهاز ونجيب "سوفتوير" أصلي بيشتغل صح عشان نحافظ على "الهارد وير" )

ابتسم "سيد ويندوز" وفي حركة مفاجئة ربت على كتفي وهو يتنهد في ارتياح ثم نهض من مقعدة وكأنه أنهى مهمة عسيرة وعندها أردت أن أحظى بالمزيد من الرضا الذي رأيته في عينيه فأضفت بكل ثقة : 

(متهيألي لو نزلنا "ويندوز 10" بعد ما تغير "الهارد ديسك" اللابتوب هيظبط )

وهنا هبت عواصف الغضب الشديد على وجه "سيد ويندوز" الذي التفت الي بعينين تقذف  بالشرر وصاح بأعلى صوت :

( ويندوز إيه؟! ولا بتوب إيه يا أستاذ ؟ بقولك لازم نغير "السوفت وير" يعني لازم الناس في البلد تغير دماغها كلها علشان "الهارد وير" اللي بنعمله دلوقتي وبندفع فيه دم قلبنا ما يروحش هدر ، يا فندي يا متعلم يا متنور الناس في بلدك دماغها في حتة تانية خالص متمشيش مع أي "هارد وير" حتى لو جاي من بلاده، ناس مشكلتهم الوحيدة مع الأخلاق هي لبس الستات مش في الرشوة و لا المحسوبية ولا فساد الذمم ، ناس مالهمش دعوة بالقوانين بس بيمشوا ورا أي واحد بدقن عشان بتاع ربنا ، ناس مشغولين بفك السحر مش بفك الشفرة ، الناس في بلاد برة بيتكلموا عن الوصول للمريخ وهنا بيتكلموا عن عربية "عمرو أديب" ، يا راجل عيب بقى ! وعاملين فيها مثقفين وقاريين وفاهمين ، الموضوع بسيط ،زي ما بقولك كدة ، أجدع "هارد وير" مع "سوفت وير" مضروب يبقى مالوش لازمة ) 

وفي لحظة صمت قصيرة وسط غضبه العارم سألته بعد تردد 

(أيوة ..يعني أعمل إيه في "اللابتوب" دلوقتي؟!) 

نظر "سيد ويندوز" إلي شذرا ثم قال بمنتهى الوقاحة:
(روح يا اخويا أعمل "سوفت وير" عِدِل الأول ، روح وزارة التعليم ، روح وزارة الثقافة ، وروح يا اخويا لاصحابك بتوع الإعلام وبعدين ابقى تعالى.. وماتنساش تعمل استراتيجية محترمة زي الناس عشان تغير دماغ الناس قصدي عشان تغير "السوفت وير" ..اتكل على الله )