فى الصميم

تطوير الريف.. الطريق الصعب هو الأفضل

جـلال عـارف
جـلال عـارف

 القيمة الحقيقية لمشروع تطوير الريف هى أن يكون نقطة انطلاق لبناء حياة جديدة فى قرى مصر.. بكل ما تعنيه «الحياة الجديدة» من تغييرات حاسمة تنقل القرية من عصر لعصر وتفتح أمام أهلنا فى الريف كل الأبواب ليكونوا جزءاً أساسياً فى مستقبل أفضل لهم ولمصر كلها.
إصلاح البنية الأساسية وتوفير متطلبات الحياة الجيدة من مياه وكهرباء وصرف صحى ومؤسسات صحية وتعليمية.. هى البداية وليست النهاية فى مهمة قومية طال انتظارها لنقل الريف من حالة الركود التى طالت إلى حيث ينبغى أن يكون القاعدة الأساسية فى بناء المجتمع الحديث المنتج والمتطور القادر على صنع المستقبل الذى يليق بمصر.
هذه المهمة التاريخية تتطلب حشد كل الجهود.. سواء من المؤسسات والأجهزة الرسمية أو من منظمات المجتمع المدنى وقبل الجميع تتطلب أن يكون المجتمع كله حاضراً وشريكاً فاعلاً فى صنع التطوير المطلوب، وفى الحفاظ عليه والاستمرار فى طريقه دون توقف وبلا عقبات.
إنجاز المهام التى يتطلبها تطوير الريف يقتضى - من جانب الأجهزة المتخصصة بكل مستوياتها أن تستوعب الأهمية الكبرى لهذا المشروع القومى وأن تبدأ بتطوير أساليبها فى العمل وفقاً لمتطلبات مرحلة جديدة لا يمكن أن تكون امتداداً لما سبق من أداء كان أحد الأسباب فيما وصلت إليه الأحوال فى الريف وفى الحضر من عشوائية وأداء للمحليات أقل ما يوصف به أنه دون المستوى وخارج العصر.
تطوير الريف يستلزم أسلوباً جديداً فى الإدارة تغلق فيه كل النوافذ أمام الإهمال والفساد والتراخى وينزل فيه كبار المسئولين إلى القرى والنجوع ليعايشوا الواقع ويتعاملوا مع مشاكله أولاً بأول يستلزم التطوير أن تتحول المدرسة التى يتم إصلاحها أو بناؤها إلى صرح تعليمى يعيد المعنى والقيمة إلى المدرسة وإلى المعلم.. ولن يكون ذلك إلا بتعليم موحد فى المراحل الأساسية وبإشراف كامل على سلامة العملية التعليمية وبمشاركة مجتمعية كاملة وبإدارة تعمل من قلب الواقع وليس من داخل المكاتب المغلقة.
ويستلزم التطوير أن تشرف عليه قيادات مؤمنة بضرورته وقادرة على أن تجعله رسالة وليس مجرد أداء واجب.. فالتطوير يعنى أن تعود الحياة كاملة إلى الوحدات الصحية وأن تكون وزارة الزراعة حاضرة بكل قوة إلى جانب الفلاح توفر مستلزمات الانتاج وتستعيد دور التعاونيات الزراعية دون أن تستعيد ما تسلل إليها من فساد وتساعد المزارع على تسويق إنتاجه وتنظم الدورة الزراعية من جديد حتى لا نرى ما رأيناه هذا الموسم حين ذهب محصول البطاطس علفاً للحيوانات!.
ويستلزم التطوير نفس الحضور من جانب كل الأجهزة المسئولة من الثقافة والسكان إلى النقل والمواصلات وغيرها وأن يكون هذا الحضور مرتبطاً بتحمل المسئولية وبالحرص الشديد على شراكة مجتمع القرية فى تحمل العبء والمشاركة فى المسئولية باعتباره صاحب المصلحة الأولى فى نجاح التطوير وفى جنى ثماره.
ستكون هناك عقبات بل وسنجد من يخوضون حرباً دفاعاً عن أوضاع متخلفة تحقق لهم مصالحهم الضيقة.. سيقاوم من يستفيدون من الفساد ليراكموا الثروات ومن يمكنهم الجهل من المتاجرة بالدين ومن يعيشون على السمسرة وليسرقوا جهد الفلاح ومن يعادون كل خطوة تنشر العلم والمعرفة وتعطى الحقوق لمن طال حرمانهم منها.
لكن ذلك كله لا ينبعى أن يشغلنا كثيراً أو يعطلنا عن المضى فى بناء الحياة الجديدة فى ريف مصر الذى عانى كثيراً فنحن نتحدث عن ٦٠٪ من أبناء الوطن هم أصحاب المصلحة فى هذا التطوير وهم الشركاء الأساسيون الذين ينبغى أن نيسر أمامهم كل فرص المشاركة الفاعلة فى انجاز التطوير وفى الحفاظ عليه وفى تحويله إلى نقطة انطلاق نحو قرية مصرية تكون جزءاً أساسياً فى مشروع النهضة والتقدم بعد أن ظلت طويلاً تدفع فواتير الإهمال وفساد الإدارة والسياسات الخاطئة التى انحازت للقلة على حساب الأغلبية وللسمسرة على حساب الانتاج والمنتجين.
من تطوير الريف نمضى نحو تصحيح المسار ونعيد البوصلة نحو التوجه الصحيح ويعود الفلاح المنتج ليكون العنوان الذى لا ينبغى أن يتأخر عنه قطار الإصلاح أو تتأخر عنه عمليات التطوير.