فى الصميم

أمريكا والشرق الأوسط.. ودروس السنوات الصعبة!

جلال عارف
جلال عارف

على عكس البداية المضطربة لعهد الرئيس السابق "ترامب" فى البيت الأبيض قبل أربع سنوات، تبدو الإدارة الجديدة حريصة على إعطاء صورة لإدارة مستعدة للموقف وجاهزة لإصدار القرارات من اللحظة الأولى.. وهكذا دخل "بايدن" مباشرة إلى مكتبه بعد نهاية مراسم التنصيب ليوقع ما يصل إلى سبعة عشر قراراً رئاسياً تتصل بقضايا هامة داخلية وخارجية وتؤكد أن التحرك سيكون سريعاً نحو التعامل مع إرث ترامب داخلياً وخارجياً.

 

ورغم إشارات هامة تحملها بعض القرارات للعالم حول إنهاء السياسة الإنعزالية التى اتبعتها الإدارة السابقة كالعودة لمنظمة الصحة العالمية وإحياء اتفاقية المناخ إلا أن الأزمة التى تواجهها أمريكا تفرض أن تكون الأولوية للشأن الداخلى مع ٤٠٠ ألف ضحية لفيروس كورونا حتى الآن، ومع آثار اقتصادية كارثية ومع انقسام مجتمعى هو الأخطر منذ الحرب الأهلية.

 

الاجتهادات كثيرة فيما يتعلق بالتغييرات المحتملة فى سياسة واشنطن نحو المنطقة العربية والشرق الأوسط، كما هو الحال فى العالم كله.. وأظن أن أول ما ينبغى استبعاده هنا هو ما يروجه البعض أو يتمناه بأن تكون رئاسة "بايدن" هى الولاية الثالثة للرئيس الأسبق أوباما.. ليس فقط لأن الظروف تغيرت كثيرا فى أمريكا وفى المنطقة وفى العالم كله ولكن أيضا لأن دروس السنوات الصعبة لا يمكن التغاضى عنها، ولأن ثمن السياسات الخاطئة كان كبيرا، ولأن أمريكا التى تخوض الآن معركة حاسمة ضد إرهاب الداخل تدرك الآن أكثر من أى وقت مضى أن الإرهاب ملة واحدة، وأن مراجعة السياسات الخاطئة فى هذا المجال لم يعد منها مفر!!

 

فى المقابل.. فإن كل الأطراف فى المنطقة تستعد للتعامل مع الموقف والمؤكد حتى الآن أن منطقة الشرق الأوسط لن تكون بعيدة عن اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة، وأن البعد السياسى ستكون له الأولوية فى التحركات القادمة، وأن كل القوى فى المنطقة تعيد ترتيب أوراقها وأننا − فى العالم العربى − لا يمكن أن نكتفى بالمراقبة والانتظار كما فعلنا فى تجارب سابقة كبدتنا الكثير وجعلتنا ندفع فواتير صراعات الآخرين على أرضنا ومن مستقبلنا!.

 

دروس الماضى القريب تقول لنا وللآخرين إننا وحدنا المسئولون عن قرارنا وما ينتج عنه من آثار. ثورة شعب مصر ووحدته هى التى أجبرت العالم على احترام قراره باسقاط حكم الإخوان الإرهابي، وهى التى جعلت الولايات المتحدة تغير موقفها من ٣٠ يونيو وجعلت العالم كله يدرك قيمة أن يتصدى شعب مصر وجيشها الوطنى للإرهاب وحيدا حتى يستفيق العالم ويعرف أن مصر لم تنقذ نفسها فقط، بل حمت المنطقة والعالم وأوقفت خطر أن يسقط الجميع فى قبضة الفوضى وجنون الإرهاب.

 

ودروس الماضى القريب والبعيد تقول إن امتلاك القوة الذاتية هو الذى يحفظ الحقوق ويبنى الاستقرار ويمهد الطريق للتقدم.. صراع القوى الإقليمىة غير العربية يلتقى فى البداية والنهاية على العداء لكل ما هو عربى ارتماء البعض فى أحضان تركيا أو إيران أو إسرائيل طلباً للأمان هو مشروع للانتحار لابد أن يتوقف.

 

على عكس الكثير من التوقعات غير المتفائلة، فإن تجربة السنوات الصعبة وإنجازاتها تقول لأى صانع قرار فى عواصم العالم الكبرى أن مصر هى الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة وأظن أن واشنطن العائدة من مغامرات "ترامب" تعرف الآن قيمة ذلك أكثر من أى وقت مضى.