الوصل والفصل

وحيد حامد رجل المواقف

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

منذ عدة أشهر دق جرس التليفون فى بيت المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي، رفعت السماعة لترى من الذى يريدها ، فجاءها صوت وحيد حامد مرحباً، وبعد الترحيب والتحية قال لها إنه مطلوب منه كتابة مسلسل تلفزيونى عن طلعت حرب، على أن تقوم هى بإخراجه؟ قالت له إن هناك مسلسلاً مكتوباً فعلاً عن طلعت حرب، وموجود بشركة صوت القاهرة، ولم ينفذ بسبب توقف الشركة عن الإنتاج.

سألها: من الكاتب؟
قالت: محمد السيد عيد.
قال: هذا كاتب محترم، وأنا لا بمكن أن أعتدى على زميل، وذكر أن الذى طلب منه هذا المسلسل وزير سابق لكنه سيعتذر له. أرادت إنعام أن تعرف من هو الوزير السابق، إلا أنه فضل الاحتفاظ باسمه، وانتهت المكالمة، واعتذر وحيد فعلاً عن كتابة المسلسل. لم يهتم بالعائد المادى الذى يمكن أن يجنيه من وراء كتابة المسلسل، لأنه وجد أن عدم تضييع مجهود زميل آخر أمر أخلاقي. مع العلم أنه لو كتب المسلسل ما أمكننى فعل شيء، وقد سبق أن كتب أكثر من زميل مسلسلات عن شخصيات بعينها، إعتماداً على قاعدة أن الشخصيات التاريخية ليست ملكاً لأحد. لكن وحيد حامد صاحب المواقف الجميلة لم يرض لنفسه هذا السلوك.

طبعاً موقف إنعام محمد على لايقل نبلاً عن موقف وحيد حامد، خصوصاً أن المنتجين الحاليين لايعرفون قدرها، وأنها منذ قدمت معى مسلسل مشرفة: رجل من هذا الزمان، عام 2011 لم تكلفها أى جهة إنتاج بإخراج عمل جديد. لكنها أيضاً سيدة من جيل القيم والمبادئ.

وقد عرفت وحيد حامد قبل أن ألقاه. فحين بدأت الكتابة للإذاعة كنت أسمع اسمه كثيراً فى البرنامج العام، وكان اسمه يأتى دوماً مرتبطاً باسم المخرج الكبير "مصطفى أبو حطب"، باعتبار أن "أبو حطب" هو الذى اكتشفه. لكنى لم أعرفه شخصياً إلا حين تزاملنا فى مجلس إدارة اتحاد الكتاب فى نهاية التسعينات، فقد خاض سعد الدين وهبة إنتخابات الاتحاد بكوكبة من الكتاب التقدميين ليحول الاتجاه العام للاتحاد من التطبيع لرفض التطبيع، وكان وحيد واحداً من هؤلاء الكتاب الذين دخلوا للتغيير، ومنذ عرفته وجدته إنساناً رفيع الخلق، لاتقل أخلاقه أبداً عن كتاباته.

لقد كان كاتباً كبيراً، وصاحب مواقف جميلة، ومثله قليل فى هذا الزمان.