فى الصميم

المعركة الأصعب تنتظر أمريكا

جلال عارف
جلال عارف

دائما كان للانتخابات الأمريكية طابعها الخاص..  وكان جو "المهرجانات" حاضرا على الدوام ليقتل أى احتمال للملل بسبب طول الاجراءات وتعقيدات النظام الانتخابى خاصة بالنسبة لانتخابات الرئاسة. الماراثون الطويل بين منافسات داخل الاحزاب ثم انتخابات عامة كانت تصاحبه حيوية المهرجانات الانتخابية التى تنتهى بالمهرجان الكبير يوم تنصيب الرئس الجديد.

المشهد هذا العام يختلف تماما، العاصمة تحولت إلى ثكنة عسكرية مع حالة طوارئ وآلاف من جنود الحرس الوطنى لدعم الشرطة المحلية بعد أسبوعين من كارثة اقتحام مبنى الكونجرس من جانب انصار المنتهية ولايته دونالد "ترامب" وكل عواصم الولايات الامريكية تتخذ الاجراءات الاستثنائية خوفا من أعمال شغب يقوم بها أنصار ترامب، أو من اضطرابات أسوأ على يد عصابات اليمين المتطرف التى لا تستبعد سلطات الأمن ان تنفذ تهديداتها باستخدام السلاح!

منذ البداية كان التوجه هو ان يكون حفل التنصيب هذا العام محدودا بسبب القيود التى فرضها فيروس كورونا الذى يعصف بالولايات المتحدة والعالم لكن كرثة اقتحام الكونجرس قبل أسبوعين أظهرت أن فيروس التطرف قد يكون اخطر، بعد ان توافرت له ـ فى ظل رئاسة ترامب البيئة المناسبة لكى يزداد شراسة وهو يترجم شعار "أمريكا أولا" الى انحياز لامريكا البيضاء التى ترفض التنوع وتعادى الاقليات ولا تستبعد أى وسيلة لفرض رؤيتها العنصرية التى تراها بابا وحيدا لإنقاذ أمريكا!!

مشهد أمريكا فى يوم تنصيب الرئيس الجديد يعكس حجم ما تغير فى القوة الأعظم الحظر الحقيقى ليس فيما يمكن ان يقوم به بضعة آلاف من المهاويس المتطرفين من أعمال شغب أو إثارة اضطرابات. الخطر أكبر والجهد المطلوب يتجاوز المهمة العاجلة لتأمين انتقال السلطة لكى يحشد الجهد الوطنى كله لمواجهة التركة الثقيلة التى تركها ترامب والتى تتجاوز أزمة كورونا وآثارها الاقتصادية المدمرة، إلى هذا الانقسام الذى تعيشه أمريكا لاول مرة منذ الحرب الأهلية، وهذا المدى الذى وصلت اليه جماعات التطرف التى أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا للنظام الذى يعرف الآن أن تأمين انتقال السلطة اليوم ليس إلا بداية معركة صعبة وطويلة لتصفية كل الاوضاع التى قادت أمريكا إلى لحظة المواجهة عند اقتحام الكونجرس وجعلتها تدرك ان الخطر قد تجاوز كل الحدود.

انتقال السلطة فى أمان اليوم (بعد كل ما فعله ترامب وأنصاره) لا ينهى الصراع فى أمريكا لكنه يقول ان قواعد اللعبة قد تغيرت، ولم تعد تعمل لمصلحة مهاويس العنصرية والتطرف حتى وإن فرض هؤلاء أن تتحول أمريكا إلى ثكنة عسكرية ليتمكن الرئيس الجديد من تسلم السلطة.