أمس واليوم وغدا

حفظ الله مصــــــر مـن كـل مـؤامـرة !

عصــام السـباعى
عصــام السـباعى

 أدخل فى الموضوع مباشرة ، فلا وقت للمقدمات، ولا توجد أيضا مساحة للتفصيلات، ومباشرة أطرح السؤال المتكرر الذى سيظل «نابضا» فى تاريخ مصر المعاصر: هل ٢٥ يناير ثورة أم مؤامرة ؟ وبنفس السرعة والاختصار أقول وماذا يمنع وجود الاختيار الثالث الطبيعى والمنطقى والبديهى، وهو أنها كانت ثورة ثم تحولت إلى مؤامرة، كما لا يوجد ما يمنع أن يرى البعض أنها كانت مؤامرة تحولت إلى ثورة ؟!
أعلم جيدا أنها مذكورة إلى جانب ثورة 30 يونيو فى ديباجة الدستور الذى نستظل بظله جميعا، وهذا نصها «ثورة 25 يناير ـــ 30 يونيو فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية» ، ولعل ذلك النص هو ما يؤكد الخيار الثالث، بأنها كانت ثورة  تحولت إلى مؤامرة أو سرقة، سواء بأطراف محليين أو خارجيين، وتمت استعادتها بعدها بثورة 30 يونيو، قد يقول البعض إن الفرق كبير بين السرقة والمؤامرة، وسأرد عليه بأنه لايوجد أيضا مايمنع اقتران المؤامرة بالسرقة.
 المؤكد أن مؤشر الغضب كان قد تعدى الخط الأحمر قبل نهاية عام 2010، سياسيا واقتصاديا، فضلا عن قصتى وفاة خالد سعيد وسيد بلال وماصاحبهما من حكايات وشائعات، ووصل الغضب إلى ذروته فى أولى ساعات شهر  يناير 2011 مع تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وماتلاها أيضا من شائعات سوداء، وفاض الغضب، والجزء الكبير منه مصنوع، و تمت ترجمته لدعوة للتظاهر ضد الشرطة يوم 25 يناير، يوم عيد الشرطة التاريخى، وشارك فيه حوالى عشرين ألف مواطن، ارتفع عدد الغاضبين فى يوم 26 يناير، ثم وصل إلى مصر يوم 27 يناير «السياسى البارد» محمد البرادعى،  ثم «لحست» جماعة الإخوان كلامها، وأعلنت انضمامها للتظاهرات فى اليوم التالى 28 يناير عقب صلاة الجمعة، وكانت جمعة دامية تشبه السبت الأسود فى حريق القاهرة قبل 60 عاما، وفى ذلك اليوم تمت سرقة الغضب، وجاءت شخصيات من الخارج لأداء أدوارها، والغريب أن معظمها مر بلندن، وبدأنا نتابع «مسلسل الميدان»، وتصورت مثل كل المصريين أن تنحى الرئيس الأسبق مبارك، سيجعلنا نسير نحو الاستقرار واستئناف العمل بمجرد التنحى، ولكن الميدان وبفعل فاعل انتفخ وامتد إلى حكايات أخرى لم يفهمها أحد مثل أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، وحريق المجمع العلمى، وبدا الأمر وكأن هناك من يمسك بخيوط  اللعبة فى الداخل والخارج لتحقيق الأهداف المخفية، وأحدها هو سرقة غضب المصريين، حتى لو تم ذلك باستغلال شريحة أطفال الشوارع  الذين جعلوهم مثل كرات النار التى تحرق كل ما هو أمامها، وخطف الإخوان الثورة بل وكل الدولة بعد أن لحسوا كلامهم للمرة الثانية واستهدفوا رئاسة الدولة، بمباركة شياطين الداخل والخارج، حتى قامت ثورة يونيو وطهرت مصر منهم، وحفظ الله الدولة بفضل رجالها الأبرار من رجال القوات المسلحة  وقادتها، وفى مقدمتهم المشير محمد حسين طنطاوى وصحبه الكرام العظام، وفوق كل ذلك وعى الشعب المصرى وتماسكه وقت الشدائد، وهو ماجنبنا مصائر دول أخرى، شاهدت بعينى بل وقمت بنفسى بتغيير عملتها النقدية بالكيلو على الميزان!
أريد أن أقول هنا أن هناك عدة أمور يجب ملاحظتها والبناء عليها من كل المصريين باختلاف مستوياتهم، باعتبار الكل مسئولا عن نهضة وأمان ذلك الوطن، وفى مقدمتها أن نستفيد من الدروس السابقة الدامية، فالغضب شىء مشروع وطبيعى، وخاصة لشريحة كبيرة من المصريين، وهى الشباب، وكلنا مررنا بتلك الفترة الصعبة فى بدايات حياتنا، والواجب علينا أن نحافظ على براءته ونقائه، ونحميه من سطو اللصوص، فقد سبق وسرقه الإخوان وغير الإخوان، ووجهوه إلى ما يحرق قلب الوطن، واختلف الأمر حاليا بعد ثورة 30 يونيو، حيث أصبح الشباب شريكا بالفعل فى التخطيط لمستقبل الوطن ومحل الاهتمام الأول حاليا ومستقبليا، لن أستشهد هنا بمؤتمرات الشباب وما تم فيها من قرارات، ولا البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة وتنسيقية شباب الأحزاب وتواجدهم الملموس فى البرلمان والمناصب القيادية، ولكن أتحدث أيضا عن مجهود جبار لتهيئة المناخ المناسب لتحقيق طفرة فى تطوير مراكز البحوث والعلم والتعليم، والبيئة التى تدفع بالنشاط الاقتصادى فى كل القطاعات أصبحت راسخة، توفر له تنمية المهارات، ومشروعات تحقق له فرصة العمل، ويعكس ذلك أرقام ومؤشرات معدلات النمو والبطالة والتضخم والاستثمار، وأخيرا تمثيل الشباب والأحزاب والفئات المختلفة فى مجلس النواب، فضلا عن برامج غير مسبوقة فى الصحة وخاصة فيروس سى، والعدالة الاجتماعية والإسكان.
نفس «اللصوص» الإخوان وإخوانهم من شياطين الداخل والخارج، ومن يديرهم مازالوا على الأبواب، يحاولون تكرار محاولاتهم فى سرقة أحلام المصريين فى العمل والسلام والاستقرار، ويستخدمون أخطر سلاح، يقتل دونما جروح ولا دماء، وهى الشائعات، واسمحوا لى بمجرد إشارة هنا لدراسة مهمة معروفة باسم دراسة هنج شن ويانج كى لو وونج سون، وعنوانها «قوة الهمس، توضح لنا مدى قوة الشائعات»، فقد كان أحد أهم أسباب اشتعال الميادين أيام يناير، تلك الشائعة التى تحولت إلى أخبار مجهولة المصدر بمغادرة مبارك مصر مع أسرته إلى لندن، ونجاح  الثورة التونسية بشائعة عن مغادرة الرئيس الأسبق  بن على للبلاد، وسقوط النظام الليبى بنشر إشاعة عن مغادرة القذافى وأسرته للأراضى الليبية، الغريب أن نفس الأسلوب تم استخدامه قديما فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، فى «الثورة المخملية» بتشيكوسلوفاكيا سابقاً، بنشر إشاعة مقتل طالب على يد الشرطة.. فتدبروا الشائعات وخطورتها، وخطورة الممارسات الإعلامية الخاطئة، وضرورة الانتباه والتحرك المستمر للقضاء عليها وعلى أسبابها.
تسألوننى وماذا بعد؟.. أقول لكم دعوا الجدل للتاريخ، وتجاوزوا كل «جعجعة» تشغلنا عن الاستمرار فى مسيرة العلم والعمل والبناء، ومواصلة العمل من أجل المستقبل والأجيال القادمة.. تعالوا نتعلم من دروس مافات.. تعالوا نجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.. تعالوا نجعل بوصلتنا الأساسية أن يكون الوطن هو الفائز الأول والأخير فى كل محطة نسيرها، ولا نستعجل الأشياء، فسوف تأتى كلها فى وقتها، لأننا نسير بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى على الطريق الصحيح، وبكرة أجمل بإذن الله، ونحن نردد فى كل يناير: تحيا مصر.. وعاش رجال الشرطة وأمن الوطن.