فى الصميم

معركة أمريكا ضد «ترامب الآخر»!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

الصدمة التى تعيشها أمريكا قد لا تكون مفهومة لدى الكثيرين الذين قد يرون أن هناك تشدداً فى التعامل مع الرئيس المنتهية ولايته "ترامب" ويتصورون أن إغلاق الصفحة قد يكون أجدى مع رجل وضع بأخطائه الفادحة أسوأ نهاية لرئيس أمريكى!!

مثل هذا الحديث لا يبدو أنه يستوعب جيداً خطورة ما حدث من ترامب وانصاره ولا حجم الصدمة التى يعيشها حتى من كانوا من أنصار ترامب وهم يشهدون "الرئيس" يحرض على الاقلاب على الشرعية التى يفترض أن يكون أهم حراسها!!

ولعل المشهد الذى تعيشه الولايات المتحدة الآن يفسر الكثير مما حدث ويحدث، ويقول بوضوح إن حجم الخطر الذى هدد − ومازال − أمن أمريكا ليس هيناً، وأن القضية تتجاوز شخص ترامب رغم خطورة تأثيره وفداحة أخطائه. إن نظرة واحدة على مشهد تأمين العاصمة وغيرها من المدن الكبرى لإتمام تسليم السلطة فى ٢٠ يناير يقول الكثير.

حين يتم حشد ما يقرب من عشرين ألفا من رجال الحرس الوطنى المزودين بأحدث الأسلحة بما فيها بعض الأسلحة الفتاكة بصورة استثنائية، فلابد أن حسابات المخاطر قد اختلفت وأن ما تم التعامل معه طوال عهد ترامب وعلى أنه خطر بعيد لم يعد كذلك. وأن التهديدات الصادرة عن جماعات اليمين المتطرف بالزحف للعاصمة والمدن الكبرى واستخدام القوة لمنع تسليم السلطة هى تهديدات حقيقية.

هذه الجماعات العنصرية المتطرفة كانت موجودة قبل ترامب وستظل بعده لكنها - مع ترامب الذى تبنى نهجها المتطرف ليصل للسلطة − وجدت الفرصة كاملة لتكتسب المزيد من النفوذ والانتشار وليتملكها الاحساس بالقوة وبأن سيطرتها الكاملة على مراكز القرار كلها هى مسألة وقت بعد أن أصبح ممثلها هو سيد البيت الأبيض!!.. ولهذا كان طبيعيا أن تسير هذه الجماعات وراء ترامب وهو يرفض الاعتراف بالهزيمة ويسير معهم لاستكمال الانقلاب باقتحام "الكابيتول" الذى جسد حجم الخطر كما جسد قوة المقاومة داخل النظام الأمريكى رغم كل أزماته.

التهويل بالحديث عن أن نصف الشعب الأمريكى مع "ترامب" ليس حقيقياً. ثلاثة أرباع من صوتوا له فى انتخابات الرئاسة الأخيرة كانوا يصوتون للحزب الجمهورى وليس له. أنصاره من الاتجاهات العنصرية والمتطرفة ازدادوا قوة فى عهده لكنهم يظلون "أقلية" حتى داخل كتلة التصويت الجمهورية، لكنهم يظلون الاكثر خطرا على حاضر أمريكا ومستقبلها!

ولعل ذلك يفسر هذا التشدد فى محاسبة "ترامب" ومحاولة عزله ولو فى آخر لحظات حكمه المنتهى! قد تكون هناك حسابات حزبية وإن كانت الإدانة له تجمع الديموقراطيين والجمهوريين حتى وإن حافظت القيادات الجمهورية على تحفظها الشكلى على عزل ترامب. التشدد فى المحاسبة يتجاوز معاقبة "ترامب" على أخطائه إلى المخاطر الكبرى التى وجدت أمريكا نفسها فى مواجهتها مع اقتحام "الكابيتول" وما مثله من انقلاب على النظام بتحريض ومشاركة من الرئيس!!

الخطر لن ينتهى برحيل ترامب أو عزله. هذا التطرف اليمينى العنصرى سيظل موجودا حتى تتم معالجة أسبابه الكامنة فى صلب النظام الأمريكي.

وإلى أن يتم ذلك سيظل هناك سؤال مطروح ماذا لو وجد هؤلاء المتطرفون العنصريون الفرصة ليكرروا المحاولة مع ترامب آخر "أكثر حنكة" وأشد دهاء من هذا الذى أراد أن يحكم العالم بمنطق المقاولات؟

ستظل أمريكا فى حالة الطوارئ حتى تجد الإجابة وتبعد الخطر.