أمس واليوم وغدا

الأخـلاق .. فــى زمن «كورونا»

غلاف آخر ساعه
غلاف آخر ساعه

ونحن نعيش أجواء كورونا وسط ظروف غير مسبوقة فى حياتنا مع ذلك الوباء، وكل تأثيراته المتباينة فى مختلف المجالات، اسمحوا لى أن أكتب عن ∩الأخلاق∪، ولا توجد أجواء أفضل منها للانطلاق وطرق أبواب تلك القضية، لن أرتدى هنا ثوب الواعظ، فهو رداء لا أريده ومكان لا أفضله، ولا أحب أن أكون فى موقع الناصح، فلا أعتقد أننى مؤهل لذلك، فقط سأكتفى بطرح مجموعة من الملاحظات، أهمها أن تلك الاخلاق جزء أساسى من التقدم فى كل شيء سواء على مستوى الفرد الواحد أو المؤسسات والأوطان والمجتمعات، وهى التى تخلق ما نسميه ∩السمعة∪ أو السيرة الذاتية القوية.. أو الحضارة.

الأخلاق ثقافة.. الأخلاق جزء من الأمن الذاتى لأى فرد والأمن القومى لأى وطن.. لن نختلف لو قلت إن أكبر إفساد لأى شخص هو تغيير أخلاقه نحو السلوك السيئ، وأكبر إفساد لمجتمع هو اختراق منظومة القيم الخاصة به، والتى يحترمها الجميع بلا استثناء، وأكبر مسمار فى نعش أى شركة ومؤسسة اقتصادية أن تكون سيئة السمعة، وأخطر الثقوب فى المؤسسات العامة أن تكون منفلتة فى الأداء والعلاقات بين الموظفين وبعضهم البعض، وبينهم وبين المتعاملين معها.

الأخلاق ليست فقط تطبيق تعاليم الدين، أى دين، بكل ما فيها من قيم سامية فى التعامل مع الآخرين فى المواقف المختلفة، فهى تشمل أيضا مجموعة التقاليد الاجتماعية وأبسطها على سبيل المثال احترام الكبير.. العطف على الأطفال.. احترام السيدات.. احترام الجيرة.. وحق الاختلاف إلخ إلخ، وكذلك الالتزام بالقوانين واللوائح، ولذلك فهى ثقافة تعكس أخلاق المجتمع والقيم التى يعيشها مع تطور حياته.. الغش الدراسى.. عدم الالتزام بالطابور والدور.. عدم الالتزام ببنديرة التاكسى.. منطق الفهلوة والشطارة.. انتشار ورواج مهن السمسرة والوساطة وغيرها.. عدم احترام إشارة المرور والالتزام بآدابه وقوانينه، ومن المهم جداً أن ندرك أيضاً أن أخلاق العمل مكتسبة وليست فطرية، دعونا نتذكر الأيام الأولى لمترو الأنفاق، وكيف فرض نظامه على الجميع، وإشارات المرور المزودة بالكاميرات التى فرضت احترامها على كل قادة السيارات، ومع التعود يصبح الالتزام بإشارات المرور عادة، وهكذا الأمر فى كافة الدول المتقدمة، يكون القانون بقوته وحدته وتكلفته، هو النحات الماهر لقيم وعادات المجتمع.

كورونا يفرض علينا نوعًا جديدًا من القيم والأخلاقيات بدأت تتشكل، وإن لم تظهر ملامحها الأساسية حتى الآن، ولكن المؤكد أنها ظهرت حتى فى تبادل التحية بين الناس بمختلف مستوياتهم، وحتى فى دولاب العمل الحكومى وغير الحكومي، وقد لا يعرف كثيرون أن هناك ما يعرف بأخلاقيات أو مكونات السلوك للموظف الحكومي، أو أخلاقيات البيزنس للقطاع الخاص، فمنظومة أخلاقيات العمل، ليست سوى دوائر متداخلة داخل الدائرة الكبرى وهى المجتمع، ولن أبالغ لو قلت إن أخلاقيات العمل بتعدد مستوياتها، تؤثر بدرجة أو أخرى على برنامج الإصلاح الاقتصادي، وعلى مجتمع الأعمال وعلى موقع مصر فى تقرير ممارسة الأعمال ومؤشر النزاهة والشفافية.

دعونى أفترض هنا أنه كلما زادت إجراءات مواجهة الفساد الإدارى والتركيز على أخلاقيات العمل، ارتفع مؤشر النمو، وزاد دخل الفرد فى المجتمع أو الشركة وارتفع العائد الاستثمارى وانخفض معدل الفاقد والهالك، ومن هنا يمكن أن نفهم الأسباب الإضافية غير المنظورة للإجراءات التى اتخذتها مصر لمكافحة الفساد من خلال المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014 − 2018 التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأشادت بها الأمم المتحدة، وأدرجتها كإحدى أهم الممارسات الناجحة لمصر فى مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، وأطلق الرئيس المرحلة الثانية منها 2019− 2022، ناهيك عن الإصلاح الإدارى والاقتصادى والتشريعى والمدونات السلوكية فى الأجهزة الحكومية، وتعزيز قيم سيادة القانون والعدل والمساواة، والتأكيد بالأفعال أنه لا حصانة لأحد، ولا أحد فوق مستوى المحاسبة حال انتهاك القانون وقيم ولوائح العمل، كما يمكن أن نفهم الدعوات المتكررة من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى التحلى بالأخلاق الحسنة والحفاظ على منظومة القيم والأخلاق المصرية، وكذلك حماسه لاقتراح طفل مصرى بتدريس مادة الأخلاق، وتطبيق ذلك الاقتراح، وتأكيده المستمر على أن منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع هى الحاكم الأول لسلوك المواطنين، وتقوم بدورٍ جوهرى فى تقدم الشعوب والأوطان، وتمثل حافزاً ووازعاً لمزيد من العمل والإنتاج، فضلاً عن نشر الرُقى والتحضر فى كافة جوانب الحياة.

يبقى التأكيد على أننا كلنا مسئولون عن تثبيت وحماية منظومة القيم، مهما كان موقعنا كبيرا أو صغيرا، بداية من تطبيق مدونات السلوك الحكومية، والأخلاقيات المهنية فى كل موقع عمل، وتدعيم مبدأ المسئولية الاجتماعية ودعم البيئة من جانب كل شركة وكل نشاط استثمارى، أضف لذلك وعلى سبيل المثال: عدم التعارض بين حق المساهمين فى زيادة عائد أسهمهم وحق المستهلك والمجتمع.. وجود حقيقى لمعنى سمعة الشركات وما يرتبط به من وجود حقيقى لجهاز حماية المستهلك.. عدم التمييز فى سياسة التعيين أو بعد التعيين على أساس النوع أو الدين أو السن.. التأكيد على حقوق العمال وسياسات التسويق والإعلان والمبيعات والملكية الفكرية والتجسس الصناعى، والالتزام بأخلاقيات المنافسة، وكلها مجالات تتضاعف أهميتها فى زمن كورونا، كما أن أقل تهاون فى عدم الالتزام بارتداء الكمامة فى المرافق ووسائل المواصلات العامة، هو تصرف لا أخلاقى.. عدم الحرص على التخلص من الكمامة بشكل آمن تصرف همجى.. عدم الالتزام بالعزل فى حال الشك فى الإصابة بالفيروس هو تصرف مرفوض، وهكذا فهناك سلسلة من السلوكيات من جانب المواطن باختلاف موقعه متعاملا ومستهلكا وموظفا ومسئولا، لو تم تعديها ستمثل تجاوزا كبيرا فى القيم الأخلاقية الواجب علينا جميعا اتباعها.

باختصار.. نحتاج إلى التزام أخلاقى أكثر فى زمن كورونا، فنتائجه ستكون مضاعفة، تتمثل فى استمرار نجاحات واستقرار الإصلاح الاقتصادى، وتزايد قدرتنا على مواجهة ذلك الوباء، حتى يصرفه الله عنا، ويحفظ منه مصر وكل العالم.