فى الصميم

أثيوبيا تواصل.. فى الطريق الخطأ!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

إذا كان هناك من مثال واضح على محاولات الهروب من المشاكل الداخلية بافتعال الأزمات وتصديرها على حساب علاقات حسن الجوار، وبما يهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة.. فسوف نجد هذا المثال للأسف الشديد فى ممارسات أثيوبيا التى كانت أزمة سد النهضة إحدى نتائجها والتى ما كان لها أن تندلع أساسا لو أن «أديس أبابا» احترمت - منذ البداية - القانون  والمواثيق الدولية، ولم تتهرب من استحقاقات الداخل بخلق الصراعات بدلا من تعميق التعاون بين الشركاء فى المسير الواحد والنيل الذى كان وسيظل للأبد يجمع شعوب مصر و السودان  وأثيوبيا لما فيه الخير المشترك.. رغم كل محاولات التسويف أو خلق المشاكل أو تصدير الأزمات التى مازالت أديس أبابا تتصور أنها يمكن أن تكون طريقاً لحل مشاكل سوف ترى أنها تزداد تعقيدا بكل تأكيد!!
لم تكن مصر يوماً طرفاً فى الصراعات الداخلية بأثيوبيا أو غيرها من دول الجوار الأفريقى أو شركاء المصير والنيل الواحد. ودور مصر الأساسى فى حركة التحرر والاستقلال بأفريقيا قام على احترام إرادة الشعوب وفتح كل أبواب التعاون لخير الجميع. وإذا كانت أثيوبيا تعيش أزمة داخلية جديدة مع اندلاع الصراع الدامى فى إقليم «تيجراي» فإن الحل لن يكون بتصعيد فى الموقف مع السودان الشقيق والاعتداء على حدوده كما لن يكون بتصريحات طائشة تمثل تدخلاً مرفوضاً وغير مسموح به فى شئون مصر الداخلية.
لابد أن تدرك «أديس أبابا» أن محاولات خلط الأوراق لم تعد تجدى لا مصر ولا السودان الشقيق لهما علاقة بالأزمات الداخلية التى تواجهها أثيوبيا والتى لن يكون حلها بالتصعيد مع شركاء تحملوا الكثير من محاولات تصدير «أديس أبابا» لمشاكلها الداخلية على حساب علاقات تاريخية مع دول الجوار وشركاء النيل والمصير المشترك.
ولا مجال أيضا لتصور أن التصعيد عسكريا على حدود السودان الشقيق، أو الاستفزازات بتصريحات مرفوضة ومدانة، يمكن أن تحرف الانتباه عن الاستحقاقات المطلوبة بشأن سد النهضة، أو تسمح بالمزيد من التسويف والمماطلة التى وصلت إلى نقطة النهاية!
لقد تعاملت مصر بكل صبر مع أزمة سد النهضة، وأعلنت على الدوام احترامها وفهمها العميق لحق أثيوبيا فى التنمية الذى لا يتعارض مطلقا مع حق مصر فى الحياة التى تعتمد أساساً على مياه النيل التى يحرسها القانون والمواثيق الدولية والمعاهدات التى ارتبطت بها أثيوبيا والشراكة المقدسة فى مياه النيل التى لا يمكن أن يمسى بها تصور أحمق أو مجنون يتصور أن النيل يمكن أن يتحول إلى ورقة مساومة أو وسيلة ضغط على مصر والسودان أو أن يكون أى شىء آخر إلا نقطة اللقاء والشراكة الدائمة للأبد بين أبناء نهر الخير والعطاء والتنمية.
قبل أيام فقط ومع ختام عام من الجهود التى لم تنقطع لتسوية الأزمة والتى ساهمت فيها جنوب أفريقيا التى رأست الاتحاد الافريقى فى العام الذى انقضي.. كانت المباحثات الهاتفية بين الرئيس السيسى ورئيس جنوب أفريقيا. وكان التأكيد على الموقف المصرى الثابت الذى لا يطلب إلا  الاتفاق القانونى الملزم للدول الثلاث «مصر والسودان وإثيوبيا» والذى يحفظ حقوق مصر فى مياه النيل ويحدد قواعد ملء وتشغيل السد.
ولا شك أن الرسالة  المصرية قد وصلت لكن يبدو أن البعض فى «أديس أبابا» مازال يراهن على المستحيل، يتصور أن الهروب من أزمات الداخل هو الأهم، وأن خلط الأوراق يتيح المزيد من فرص التسويف والمماطلة. يسيرون فى الطريق الخطأ ويتصورون أنه يمكن أن يصل بهم إلي أكثر من أن يراكموا الأخطاء ويضاعفوا العبء على شعب يستحق الأفضل.